بغية الأنام في لغة دار السلام


قام في هذا العهد فريق من أفاضل المستشرقين يشيرون على الأدباء من أهل الفضل والعلم في الديار العربية أو في البلاد التي يتكلم سكانها باللغة القرشية أن يبذلوا جهد المستطاع في تقييد أوابد لغايتهم وإحياء دوارس معالم لهجاتهم وجمع كل ما يتداوله عوامهم ليدون في بطون الكتب ومعاجم اللغة وذلك لعدة فوائد منها:
أولاً: لأن في بعض معاجم اللغة ألفاظاً نظنها مائتة وهي حية فنعرف معناها الحقيقي.
ثانياً: لأن اللغويين قد جمعوا ألفاظ جميع القبائل بدون أن يصرحوا باسم القبيلة التي نقلت عنها اللفظة إلا في ما ندر. فإذا عرفنا اليوم من يتكلم بها وقفنا على القوم الذين ينتمي هؤلاء الناس المعاصرون لنا وعرفنا قبيلتهم في سابق العهد. وهو أمر مهم للتاريخ ولا سيما لان بعض قدماء اللغويين قد بينوا لنا في غير كتب اللغة مميزات بعض القبائل في لفظها ومصطلحها ومساقط معنى حروفها وتعبير أفكارها الخ.
ثالثاً: لأن في اللغة المدونة في الدواوين ألفاظاً مبهمة أو غير صريحة كأكثر ألفاظ علم المواليد ومصطلحات الصنائع. فإذا دونا لغة كل قوم صرحت لنا المعاني بوجهها الصحيح واتخذناها عند الحاجة للتعبير عما يجول في أفكارنا أو يدور على ألسنة جيراننا.
رابعاً: لأن بعض الأوضاع والألفاظ العامية استعمالاً قديماً يرتقي إلى قرون عديدة ولا مرادف لها في الفصيح فتنفعنا حينئذٍ للتعبير عن أفكارنا ولإدخالها في لغتنا عوضاً من أن نقتبس ماضاهاها من أهل اللغات الدخيلة.
خامساً: إن ما هو حي من الألفاظ اليوم يموت بعد سنين وإذا مات يحب من يأتي بعدنا أن يعرف ما كانت أقوالنا وأفكارنا ومصطلحاتنا فيكون ما دوناه احسن دليل على تاريخ حياتنا وآدابنا وعوائدنا ومآكلنا ومشاربنا إلى آخر ما هناك.
سادساً: لو فعل اللغويون في سابق العهد في جمع لغات القبائل والعوام على ما يحب العلماء
أن يفعلوه اليوم لوقفنا على شيء كثير من عمران أجدادنا وتاريخهم وهو اليوم في خبر كان مما اضر كثيراً بسابق مجد أجدادنا وتمدنهم وارتقاء حضارتهم الخ.
والخلاصة عن في تدوين اللغة العامية كل بلد من الفوائد التي لا تقل عن فوائد سائر العلوم التاريخية والعمرانية والتهذيبية والعادية والأثرية. هذا فضلاً عن أن مثل هذا الكتاب يكون مرجعاً ينتابه الكاتب كل مرة يريد أن يعرف فصيح الكلمة العامية التي تجري على لسانه فيصلح أود لغته ولغة قومه. وهي فائدة عظيمة لإبقاء اللغة على سلامتها وفصاحتها. ولهذا يجب في مثل هذا العمل أن يوضع بازاء كل لفظ عامي الحرف الفصيح المعروف عند أصحاب اللغة الصحيحة لتتم الفائدة المنشودة. والله الموفق.