تجليات ما قبل الرحيل
د. عواد الخالدي

يا سيدي الأمّيُّ..
هذي ناقتي..هذا حماري
رغبة تجمعنا منذ سنين
إتفقنا ذات يوم.. أن نهاجر
ناقتي هذي .. وذيّاك حماري.. وأنا
أن نجوب الأرضَ بحثاً عن ديارٍ
ربما تقبلنا
فآتفقنا..وآختلفنا..
وآجتمعنا..وآفترقنا
ناقتي هذي..وذيّاك حماري.. وأنا

****

مرة قال حماري
من يقود الضعن؟ ..من يمشي جواري؟
من يقدِّمْ لي حشيشاً؟ .
من يحامي عن ذماري ؟
ناقتي هذي تمادت ورَغَتْ
رفعتْ رايةَ حربٍ وآحتجاجٍ
فآحتكمنا
ناقتي هذي..وذيّاك حماري..وأنا
إحتكمنا عند جاري
إحتكمنا ..
كَيْ يشد البعض إزرَ البعض خوف الإختلاف
كان جاري مقعداً في بيته منذ سنين
وضعوا في بابه سبعين شرطياً ولصا
حين سمّى الدبَّ دبّاً ذات حين
***
قال جاري
بعد أن دقق الحراس أوراق حماري
ربما يصلح هذا للسفر
إنَّهُ لَنْ يُفشي سراً
وهو إنْ ضِيمَ صَبَرْ
وإذا ما جرَّهُ يوماً عميلٌ للتجسس
رفس المسكين برجليه وأفضى عن شرر
ليسَ في ترحالِهِ شيئاً يضر
فآطمئنوا سوفَ يعطوه جوازاً للسفر

***
فآبتهجنا
وفرحنا
ورقصنا
وخرجنا
مرة أخرى فتش الحراس أوراق حماري
وأبتدانا ,
بعد عامٍ
ربَّما أكثر من ذلك قليلا
جاءت البشرى, فهللّنا كثيرا
لحمارُ الشيخ أن يمضي قريرا
شّرْطَ أنْ لا يحملَ في العِدْلِ شعيرا

****
ناقتي صالت وجالت
فحصت بالأرض رجليها وقالت
ارفعوا عنّي خماري
وامنحوا نفسي قراري
فاحتكمنا مرة أخرى لجاري
قال جاري
مثل هذي النوق ممنوع عليها أن تسافر
مثل هذي النوق ممنوع عليها
أن تغذَّ السير ليلا
فآلتمس للأمر حلاً
أيَّ حلٍ
يقنع الباقين شِكلا
إنها في الأصل تيسٌ
مسخته صورة الشيطان وَعْلا
كان في الماضي صغيرا
يألف التدجين
فآخترنا له
بدل الحافر نعلا
***
قال جاري
أترى أسديت فضلا
فآقتنعنا
ناقتي هذي وذياك حماري وأنا
ثم قررنا رحيلاً,
علَّنا نطرق مأوى
وأتينا
قرب أسلاك الحدود
وضعوها
خوف أن يحملَ ريحُ الصيف رملا
لم تكن هذي السدود
خوف أن يعبرها يوما حماري
وضعوها كي يكون الحد أحلى
ليس إلا
فآتمر, أيها الشرطي أمرا ً
إننا طوع يديك..
ناقتي هذي, وذيّاك حماري, وأنا

***
فتشوا كل الحقائب
لم يكن عندي سوى..
قربةً فيها من الماء قليلا
وبقايا ذكريات عن حماري
فآتكى الشرطي وأنهال علينا بالشتائم
فحماري كان في أنسابه شيئا مذلا
جدُّهُ السابع نغلا
هكذا,
جدُّهُ السابع نغلا . ليس الاّ
وضعونا في زريبة
قيَّدونا ..حجرونا..
ألبسونا ثوب خزي.
ثم لاذوا بالفرار..
رفضوا أن يطلقونا..
ناقتي هذي.. وذيّاك حماري.. وأنا

راق لي