تكملة حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع بينهم
وبداية حكاية مزين بغداد

الليلة الثانية والثلاثين

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الشاب لما قال للدلال :
اقبض الألف درهم .
وسمع الدلال ذلك عرف أن قضيته مشكلة فتوجه بالعقد إلى كبير السوق وأعطاه إياه فأخذه وتوجه به إلى الوالي وقال له :
إن هذا العقد سرق من عندي ووجدنا الحرامي لابساً لباس أولاد التجار .
فلم أشعر إلا والظلمة قد أحاطوا بي وأخذوني وذهبوا بي إلى الوالي فسألني الوالي عن ذلك العقد فقلت له ما قلته للدلال فضحك الوالي وقال :
ما هذا كلام الحق فلم أدر إلا وحواشيه جردوني من ثيابي وضربوني بالمقارع على جميع بدني فأحرقني الضرب فقلت :
أنا سرقته .
ولم أقل إن صاحبته مقتولة عندي فيقتلوني فيها ، فلما قلت أني سرقته قطعوا يدي وقلوها في الزيت فغشي علي فسقوني الشراب حتى أفقت فأخذت يدي ورجئت إلى القاعة فقال صاحب القاعة :
حيثما جرى لك هذا فاخل القاعة وانظر لك موضعاً آخر لأنك متهم بالحرام .
فقلت له : يا سيدي اصبر علي يومين أو ثلاثة حتى أنظر لي موضعاً .
قال : نعم .
ومضى وتركني ، فبقيت قاعد أبكي وأقول : كيف أرجع إلى أهلي وأنا مقطوع اليد والذي قطع يدي لم يعلم أني بريء فلعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ، وصرت أبكي بكاء شديداً فلما مضى صاحب القاعة عني لحقني غم شديد فتشوشت يومين وفي اليوم الثالث ما أدري غلا وصاحب القاعة جاءني ومعه بعض الظلمة وكبير السوق وادعى علي أني سرقت العقد فخرجت لهم وقلت :
ما الخبر ?
فلم يمهلوني بل كتفوني ووضعوا في رقبتي جنزيراً وقالوا لي :
إن العقد الذي كان معك طلع لصاحب دمشق ووزيرها وحاكمها .
وقالوا : إن هذا العقد قد ضاع من بيت الصاحب من مدة ثلاث سنين ومعه ابنته .
فلما سمعت هذا الكلام منهم ارتعدت مفاصلي وقلت في نفسي إنهم سيقتلونني ولا محالة ، والله لابد أنني أحكي للصاحب حكايتي فإن شاء قتلني وإن شاء عفى عني ، فلما وصلنا إلى الصاحب أوقفني بين يديه فلما رآني قال :
أهذا هو الذي سرق العقد ونزل به ليبيعه ? إنكم قطعتم يده ظلماً ثم أمر بسجن كبير السوق وقال له :
أعط هذا دية يده وإلا أشنقك وآخذ جميع مالك .
ثم صاح على أتباعه فأخذوه وجردوه وبقيت أنا والصاحب وحدنا بعد أن فكوا الغل من عنقي بإذنه وحلوا وثاقي ثم نظر إلي الصاحب وقال :
يا ولدي حدثني واصدقني كيف وصل إليك هذا العقد ?
فقلت : يا مولاي إني أقول لك الحق .
ثم حدثته بجميع ما جرى لي مع الصبية الأولى وكيف جاءتني بالثانية وكيف ذبحتها من الغيرة وذكرت له الحديث بتمامه .
فلما سمع كلامي هز رأسه وحط منديله على وجهه وبكى ساعة ثم أقبل علي وقال لي :
اعلم يا ولدي أن الصبية ابنتي وكنت أحجز عليها فلما بلغت أرسلتها إلى ابن عمها بمصر فجاءتني وقد تعلمت العهر من أولاد مصر وجاءتك أربع مرات ، ثم جاءتك بأختها الصغيرة والاثنتان شقيقتان وكانتا محبتين لبعضهما فلما جرى للكبيرة ما جرى أخرجت سرها على أختها فطلبت مني الذهاب معها ثم رجعت وحدها فسألتها عنها فوجدتها تبكي عليها وقالت :
لا اعلم لها خبر .
ثم قالت لأمها سراً جميع ما جرى من ذبحها أختها فأخبرتني أمها سراً ولم تزل تبكي وتقول :
والله لا أزال أبكي عليها حتى أموت .
وكلامك يا ولدي صحيح فإني أعلم بذلك قبل أن تخبرني به فانظر أن أزوجك ابنتي الصغيرة فإنها ليست شقيقة لهما وهي بكر ولا آخذ منك مهراً فأجعل لكما راتباً من عندي وتبقى عندي بمنزلة ولدي .
فقلت له : الأمر كما تريد يا سيدي ومن أين لي أن أصل إلى هذا .
فأرسل الصاحب في الحال من عنده بريد وأتاني بمالي الذي خلفه والدي والذي أنا اليوم في أرغد عيش .
فتعجبت منه وأقمت عنده ثلاثة أيام وأعطاني مالاً كثيراً ، وسافرت من عنده فوصلت إلى بلدكم هذه فطابت لي المعيشة وجرى لي مع الأحدب ما جرى .
فقال ملك الصين : ما هذا بأعجب من حديث الأحدب ولا بد لي من شنقكم جميعاً وخصوصاً الخياط الذي هو رأس كل خطيئة .
قال : يا خياط إن حدثتني بشيء أعجب من حديث الأحدب وهبت لكم أرواحكم .
فعند ذلك تقدم الخياط وقال : اعلم يا ملك الزمان أن الذي جرى لي أعجب مما جرى للجميع لأني كنت قبل أن أجتمع بالأحدب أول النهار في وليمة بعض أصحاب أرباب الصنائع من خياطين وبزازين ونجارين وغير ذلك ، فلما طلعت الشمس حضر الطعام لنأكل ، وإذا بصاحب الدار قد دخل علينا ومعه شاب وهو أحسن ما يكون من الجمال غير أنه أعرج فدخل علينا وسلم فقمنا له ، فلما أراد الجلوس رأى فينا إنساناً مزيناً فامتنع عن الجلوس وأراد أن يخرج من عندنا فمنعناه نحن وصاحب المنزل وشددنا عليه وحلف عليه صاحب المنزل وقال له : ما سبب دخولك وخروجك ?
فقال : بالله يا مولاي لا تتعرض لي بشيء فإن سبب خروجي هذا المزين الذي هو قاعد .
فلما سمع منه صاحب الدعوة هذا الكلام تعجب غاية العجب وقال :
كيف يكون هذا الشاب من بغداد وتشوش خاطره من هذا المزين .
ثم التفتنا إليه وقلنا له : إحك لنا ما سبب غيظك من هذا المزين فقال الشاب : يا جماعة إنه جرى لي مع هذا المزين أمر عجيب في بغداد بلدي وكان هو سبب عرجي وكسر رجلي وحلفت أني ما بقيت قاعداً في مكان ولا أسكن في بلد هو ساكن بها وقد سافرت من بغداد ورحلت منها وسكنت في هذه المدينة وأنا الليلة لا أبيت إلا مسافر .
فقلنا : بالله عليك أن تحكي لنا حكايتك معه .
فاصفر لون المزين حين سألنا الشاب ، ثم قال الشاب : اعلموا يا جماعة الخير أن والدي من أكابر تجار بغداد ولم يرزقها الله تعالى بولد غيري .
فلما كبرت وبلغت مبلغ الرجال توفي والدي إلى رحمة الله تعالى وخلف لي مالاً وخدماً وحشماً فصرت ألبس الملابس وآكل أحسن المآكل ، وكان الله سبحانه وتعالى بغضني في النساء إلى أن كنت ماشياً يوماً من الأيام في أزقة بغداد وإذا بجماعة تعرضوا لي في الطريق فهربت ودخلت زقاقاً لا ينفذ وارتكنت في آخره على مصطبة فلم أقعد غير ساعة وإذا بطاقة قبالة المكان الذي أنا فيه فتحت وطلت منها صبية كالبدر في تمامه لم أر في عمري مثلها ولها زرع تسقيه وذلك الزرع تحت الطاقة فالتفتت يميناً وشملاً ثم قفلت الطاقة وغابت عن عيني .
فانطلقت في قلبي النار واشتغل خاطري بهما وانقلب بغضي للنساء محبة فما زلت جالساً في المكان إلى المغرب وأنا غائب عن الدنيا من شدة الغرام وإذا بقاضي المدينة راكب وقدامه عبيد ووراءه خدم فنزل ودخل البيت الذي طلت منه تلك الصبية فعرفت أنه أبوها ، ثم إني جئت منزلي وأنا مكروب ووقعت على الفراش مهموماً فدخلن علي جواري وقعدن حولي ولم يعرفن ما بي وأنا لم أبد لهن أمراً ولم أرد لخطابهن جواباً ، وعظم مرضي فصارت الناس تعودني فدخلت علي عجوز فلما رأتني لم يخف عليها حالي ، فقعدت عند رأسي ولاطفتني وقالت لي :
قل لي خبرك ?
فحكيت لها حكايتي .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .