تكملة حكاية مزين بغداد
وبداية حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس

الليلة الخامسة والأربعين

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد ، أن الملك قال :
يا صامت احك لنا سبب كلامك هذا .
فقال المزين : يا ملك وحق نعمتك أن الأحدب فيه الروح .
ثم إن المزين أخرج من وسطه مكحلة فيها دهن ودهن رقبة الأحدب وغطاها حتى عرقت ثم أخرج كلبتين من حديد ونزل بهما في حلقة فالتقطتا قطعة السمك بعظمها فلما أخرجها رآها الناس بعيونهم ثم نهض الأحدب واقفاً على قدميه وعطس عطسة واستفاق في نفسه وملس بيديه على وجهه وقال :
لا إله إلا الله محمد رسول الله .
فتعجب الحاضرون من الذي رأوه وعاينوه ، فضحك ملك الصين حتى غشي عليه وكذلك الحاضرون وقال السلطان :
والله إن هذه القصة عجيبة ما رأيت أغرب منها .
ثم إن السلطان قال : يا مسلمين يا جماعة العسكر ، هل رأيتم في عمركم أحداً يموت ثم يحيا بعد ذلك ولولا رزقه الله بهذا المزين لكان اليوم من أهل الآخرة فإنه كان سبباً لحياته .
فقالوا : والله إن هذا من العجب العجاب .
ثم إن ملك الصين أمر أن تسطر هذه القصة فسطروها ثم جعلوها في خزانة الملك ثم خلع على اليهودي والنصراني والمباشر وخلع على كل واحد خلعة سنية وجعل الخياطة خياطه ورتب له الرواتب ، وأصلح بينه وبين الأحدب وخلع على الأحدب خلعة سنية مليحة ورتب له الراتب وجعله نديمه وأنعم على المزين وخلع عليه خلعة سنية ورتب له الرواتب ، وجعل له جامكية وجعله مزين المملكة ونديمه ولم يزالوا في ألذ العيش وأهناه إلى أن آتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وليس هذا بأعجب من قصة الوزيرين ، التي فيها ذكر أنيس الجليس .
قال الملك شهريار : وما حكاية الوزيرين ?

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أنه كان بالبصرة ملك من الملوك يحب الفقراء والصعاليك ويرفق بالرعية ويهب من ماله لمن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وكان يقال لهذا الملك محمد بن سليمان الزيني وكان له وزيران أحدهما يقال له المعين ابن ساوي والثاني يقال له الفضل بن خاقان وكان الفضل ابن خاقان أكرم أهل زمانه حسن السيرة أجمعت القلوب على محبته ، واتفقت العقلاء على مشورته وكل الناس يدعون له بطول مدته لأنه محضر خير مزيل الشر والضير وكان الوزير معين بن ساوي يكره الناس ولا يحب الخير وكان محضر سوء ، وكان الناس على قدر محبتهم لفضل الدين ابن خاقان يبغضون المعين بن ساوي بقدرة القادر ثم إن الملك محمد بن سليمان الزيني كان قاعداً يوماً من الأيام على كرسي مملكته وحوله أرباب دولته إذ نادى وزيره الفضل بن خاقان وقال له :
إني أريد جارية لا يكون في زمانها أحسن منها بحيث تكون كاملة في الجمال ، فائقة في الاعتدال حميدة الخصال .
فقال أرباب الدولة : هذه لا توجد إلا بعشرة آلاف دينار .
فعند ذلك صاح السلطان على الخازندار وقال : احمل عشرة آلاف دينار ، إلى دار الفضل بن خاقان .
فامتثل الخازندار أمر السلطان ونزل الوزير بعدما أمره السلطان أن يعمد إلى السوق في كل يوم ويوصي السماسرة على ما ذكره وأنه لا تباع جارية ثمنها فوق الألف دينار حتى تعرض على الوزير فلم تبع السماسرة جارية حتى يعرضوها عليه فامتثل الوزير أمره ، واستمر على هذا الحال مدة من الزمان ولم تعجبه جارية فاتفق يوماً من الأيام أن بعض السماسرة أقبل على دار الوزير الفضل بن خاقان فوجده راكباً متوجهاً إلى قصر الملك فقبض على ركابه وأنشد هذين البيتين :
يا من أعاد رميم الملك منـشـورا ........ أنت الوزير الذي لا زال منصورا
أحييت ما مات بين الناس من كرم ........ لا زال سعيك عند الله مشكـورا
ثم قال : يا سيدي إن الجارية التي صدر بطلبها المرسوم الكريم قد حضرت .
فقال له الوزير : علي بها .
فغاب ساعة ثم حضر ومعه جارية رشيقة القد قاعدة النهد بطرف كحيل وخد أسيل وخصر نحيل وردف ثقيل وعليها أحسن ما يكون من الثياب ورضابها أحلى من الجلاب وقامتها تفضح غصون البان وكلامها أرق من النسيم إذا مر على زهر البستان كما قال فيها بعض واصفيها هذه الأبيات :
لها بشر مثل الحرير ومنـطـق ........ رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
وعينان قال الله كونا فكـانـتـا ........ فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
فيا حبها زدني جوى كـل لـيلة ........ ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
ذوائبها ليل ولكـن جـبـينـها ........ إذا أسفرت يوم يلوح به الفجر
فلما رآها الوزير أعجبته غاية الإعجاب فالتفت إلى السمسار وقال له :
كم ثمن هذه الجارية ?
فقال : وقف سعرها على عشرة آلاف دينار وحلف صاحبها أن العشرة آلاف دينار لم تجيء ثمن الفراريج التي أكلتها ولا ثمن الخلع التي خلعتها على معلميها فإنها تعلمت الخط والنحو واللغة والتفسير وأصول الفقه والدين والطب والتقويم والضرب بالآلات المطربة .
فقال الوزير : علي بسيدها .
فأحضره السمسار في الوقت والساعة فإذا هو رجل أعجمي عاش زمناً طويلاً حتى صيره الدهر عظماً في جلد .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .