تعتبر محافظة الانبار في العراق والتي تبلغ مساحتها أكثر من ١٣٧ ألف كيلومتر مربع، أكبر محافظة في العراق. وكان دورها قوياً وواضحاً منذ سقوط نظام البعث في العراق. وكان بديهياً نظراً لأهمية هذه المحافظة، أن تكون المحطة التالية بعد عمليات تحرير محافظة صلاح الدين من دنس تنظيم داعش الإرهابي. ولكن ردود الفعل والنهج الذي أبداه اللاعبون المحليون مثل أهل السنة في العراق من جهة، والحكومة العراقية المركزية من جهة أخرى، قد أجّل عملية تطهير هذه المحافظة. وكانت الضغوط الأمريكية أيضاً ذات تأثير كبير في تدهور الوضع الأمني في المحافظة.
وعلي هذا الأساس، فإن الهدف من هذا المقال هو دراسة الأوضاع التي سبقت سقوط الرمادي ودور الحشد الشعبي في ذلك.
١ . الازدواجية في مواقف أهل السنة
ساسة الانبار ومجلس هذه المحافظة لم يكونوا يرون دوراً للحشد الشعبي في إدارة هذه المحافظة. وكان هؤلاء الساسة يذكّرون بالأحداث التي وقعت في محافظة صلاح الدين وخصوصا في تكريت، معتقدين أن دخول الحشد الشعبي إلي الانبار سيتيح المجال لتكرار تلك الأحداث. ولذلك ربطوا إمكانية دخول الحشد الشعبي بسماح القائد العام للقوات المسلحة أي حيدر العبادي لهم. وقد أعلن الساسة المحليون موقفهم هذا رسمياً بأنه حتى لو وصلت جبهات القتال إلى أسوار بغداد، فإنهم سوف لن يسمحوا بدخول الحشد الشعبي إلي المحافظة.
ولكن من ناحية أخرى، كان هناك تيار يميل إلي الحكومة المركزية يري أنه من دون مشاركة الحشد الشعبي، فلا إمكانية لتحرير محافظة الأنبار من دنس داعش. ويمكن أن نجد في هذا التيار علي سبيل المثال مجلس إنقاذ الأنبار بقيادة حميد الهايس، وبعض القبائل مثل قبيلة البوفهد و ... . وقد توسع إطار هذه الازدواجية إلى الحد الذي اعتبر حميد الهايس في تصريح له أن معارضي دخول الحشد الشعبي إلي محافظة الأنبار هم متواطئون مع داعش.
٢ . نهج الحكومة
شهدت العلاقة بين الميليشيات الشيعية وحكومة العبادي نوعاً من البرودة بعد أحداث تكريت. ونتيجة لهذا الوضع، أعلنت هذه الميليشيات أن دخولها إلي الانبار مرهون بأمور مثل طلب رسمي من الحكومة، عدم مشاركة التحالف الدولي في العملية وقيام القبائل السنية في المحافظة بتوجيه دعوة واضحة ورسمية إلي الحشد الشعبي لأداء الدور في عمليات تحرير المحافظة. من جهة أخرى كان الضغط الأمريكي على الحكومة العراقية فعالاً جداً في هذا المجال، حيث ربط الأمريكيون نظراً لضعف القوة الجوية العراقية واستغلال هذا الوضع، مشاركة الطائرات العسكرية للتحالف الدولي في قصف مواقع داعش في محافظة الأنبار، بعدم دخول الحشد الشعبي. ومن ناحية أخرى كانت الحكومة العراقية تري أن قوات العشائر السنية يجب أن تتصدي لداعش وتحاربه، وفي الحقيقة كانت مقاربة العبادي في هذا الأمر، عدم دخول الحشد الشعبي إلي محافظة الأنبار.
كما كان النهج الذي اتعبته الحكومة في تسليح القبائل قائماً على نوع من الهلع والخوف لسيطرة داعش علي هذه الأسلحة. وكانت تصريحات وطلبات ساسة الأنبار ورؤساء القبائل لإرسال الأسلحة والمعدات والتحذير من خطر سقوط المناطق، تشير إلي نوع من التلكؤ من قبل الحكومة المركزية في إرسال الأسلحة والدعم اللازم.
٣ . أمريكا
المواقف والتصريحات التي أبداها المسؤولون الامريكيون مثل ديمبسي، تظهر بوضوح النظرة الأمريكية تجاه دور الحشد الشعبي. وفي الواقع، حاولت الإدارة الأمريكية ربط أي تعاون مع حكومة العبادي بعدم دخول الحشد الشعبي إلي مناطق العمليات. وثمة مسألة أخرى هي أن الأمريكيين يعتبرون الحشد الشعبي الذراع التنفيذية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في تحرير مناطق العراق المختلفة. وفي هذا السياق حاول الأمريكيون وضع الحشد الشعبي تحت إشراف حكومة العبادي التي تميل نحو الغرب، ويمكن تقييم تصريحات ستيوارت جونز، السفير الأمريكي في بغداد بأن هذه القوات يجب أن تكون تحت قيادة وإشراف القائد الأعلي للقوات المسلحة أي حيدر العبادي، في هذا السياق أيضاً. وسمع هذا الشرط مرة أخرى من قبل الأمريكيين بعد سقوط الرمادي.
نقلاً عن موقع الوقت
mjk