شبكة عراق الخير
صفحة 8 من 8 الأولىالأولى 12345678
النتائج 71 إلى 75 من 75

الموضوع: رمضانيات عام 2015

Share/Bookmark
  1. #71

    افتراضي رد: رمضانيات عام 2015

    المحسنةُ (أم عمارة بنت سفيان)

    كان بعضُ بائعي اللبن يخلط اللبن بالماء، واشتكى المسلمون من ذلك، فأرسل الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أحد رجاله ينادي فى بائعي اللبن بعدم الغش، فدخل المنادي إلى السوق ونادى: يا بائعي اللبن لا تَشُوبوا اللبن بالماء، فتغُشّوا المسلمين، وإن من يفعل ذلك؛ فسوف يعاقبه أمير المؤمنين عقابًا شديدًا.
    وذات ليلة خرج عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- مع خادمه أسلم ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفي أحد الطرق استراح من التجوال بجانب جدار ، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه (اخلطيه) بالماء . فقالت الابنة: يا أُمَّتَاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟! قالت الأم: وما كان من عزمته؟ قالت: إنه أمر مناديًا فنادي: لا يُشَابُ اللبن بالماء.
    فقالت الأم: يا بنتاه، قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر. فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب أمير المؤمنين يرانا.
    فلما سمع عمر بن الخطاب ذلك، أعجب بالفتاة لورعها ومراقبتها لله رب العالمين. وقال: يا أسلم، علِّم الباب، واعرف الموضع. ثم مضى. فلما أصبح قال: يا أسلم، امضِ إلى الموضع فانظر من القائلة؟ ومن المقول لها؟ وهل لهما من بعل (زوج).
    فذهب أسلم إلى المكان، فوجد امرأة عجوزًا، وابنتها أم عمارة، وعلم أنْ ليس لهما رجل، ثم عاد فأخبر عمر. فدعا عمر أولاده، فقال: هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوّجه، ولو كان بأبيكم حَركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه الجارية.
    فقال عبد اللَّه بن عمر: لي زوجة. وقال أخوه عبد الرحمن: لي زوجة. وقال ثالثهما عاصم: يا أبتاه لا زوجة لي فزوِّجني. فبعث إلى الجارية فزوّجها من عاصم، فولدت لعاصم بنتًا، ولدت هذه البنت ابنة صارت أمَّا لعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس -رضي اللَّه عنه-. إنها أم عمارة بنت سفيان بن عبد اللَّه بن ربيعة الثقفي، التي خَلَّدت اسمَها في التاريخ، بأمانتها وخوفها من اللَّه تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والذي أكرمها في الدنيا بزواجها من ابن أمير المؤمنين عمر، وجعل من نسلها أميرًا للمؤمنين هو عمر بن عبد العزيز. تاريخ دمشق 70 / 252 -254

    

  2. #72

    افتراضي رد: رمضانيات عام 2015

    العابدةُ (رابعة العدوية)

    قامت في جوف الليل تدعو اللَّه ضارعة وتقول: إلهي، أنارتْ النجوم، ونامتْ العيون، وغلقتْ الملوك أبوابها، وهذا مقامي بين يديك، إلهي.. ما أصغيت إلى صوت حيوان، ولا حفيف شجر، ولا خرير ماء، ولا ترنُّم طائر، ولا تنعم ظل، ولا دوِي ريح، ولا قعقعة رعد... إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك، دالة على أنه ليس كمثلك شيء. سَيدِي بك تقرّب المتقربون فى الخلوات، ولعظمتك سَبَّحَتِ الحيتان فى البحار الزاخرات، ولجلال قدسك تصافقت الأمواج المتلاطمات. أنت الذي سبح لك سواد الليل، وضوء النهار، والفلك الدوار، والبحر الزخار، والقمر النوار، والنجم الزهار، وكل شيء عندك بمقدار؛ لأنك اللّه العلي القهار. صفة الصفوة 2 / 15
    وذات مرة قالت لأبيها: يا أبتِ، لستُ أجعلك في حلٍّ من حرام تطعمنيه. فقال لها: أرأيت إن لم أجد إلاحرامًا؟ قالت: نصبر في الدنيا على الجوع، خير من أن نصبر في الآخرة على النار.
    رَابِعَةُ العَدَوِيَّةُ أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ إِسْمَاعِيْلَ العَتَكِيَّةُ البَصْرِيَّةُ، الزَّاهِدَةُ، العَابِدَةُ، الخَاشعَةُ، أُمُّ عَمْرٍو رَابِعَةُ بِنْتُ إِسْمَاعِيْلَ.
    قَالَ خَالِدُ بنُ خِدَاشٍ: سَمِعَتْ رَابِعَةُ صَالِحاً المُرِّيَّ يَذْكُرُ الدُّنْيَا فِي قَصَصِهِ، فَنَادَتْهُ: يَا صَالِحُ، مَنْ أَحَبَّ شَيْئاً، أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ.
    وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ البُرْجُلاَنِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ صَالِحٍ العَتَكِيُّ، قَالَ:اسْتَأْذَنَ نَاسٌ عَلَى رَابِعَةَ وَمَعَهُم سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَتَذَاكَرُوا عِنْدَهَا سَاعَةً، وَذَكَرُوا شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا قَامُوا، قَالَتْ لِخَادِمَتِهَا:إِذَا جَاءَ هَذَا الشَّيْخُ وَأَصْحَابُهُ، فَلاَ تَأْذَنِي لَهُم، فَإِنِّي رَأَيتُهُم يُحِبُّونَ الدُّنْيَا.
    وَعَنْ أَبِي يَسَارٍ مِسْمَعٍ، قَالَ: أَتَيْتُ رَابِعَةَ، فَقَالَتْ:جِئْتَنِي وَأَنَا أَطبُخُ أَرْزاً، فَآثَرتُ حَدِيْثَكَ عَلَى طَبِيْخِ الأَرْزِ، فَرَجَعتْ إِلَى القِدْرِ وَقَدْ طُبِخَتْ.
    ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي عُبَيْسُ بنُ مَيْمُوْنٍ العَطَّارُ، حَدَّثَتْنِي عَبْدَةُ بِنْتُ أَبِي شَوَّالٍ - وَكَانَتْ تَخْدُمُ رَابِعَةَ العَدَوِيَّةَ - قَالَتْ:كَانَتْ رَابِعَةُ تُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَإِذَا طَلَعَ الفَجْرُ، هَجَعَتْ هَجْعَةً حَتَّى يُسْفِرَ الفَجْرُ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهَا تَقُوْلُ:يَا نَفْسُ كَمْ تَنَامِيْنَ، وَإِلَى كَمْ تَقُوْمِيْنَ، يُوْشِكُ أَنْ تَنَامِي نَوْمَةً لاَ تَقُوْمِيْنَ مِنْهَا إِلاَّ لِيَوْمِ النُّشُورِ.
    قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ الأَعْرَابِيِّ: أَمَّا رَابِعَةُ، فَقَدْ حَمَلَ النَّاسُ عَنْهَا حِكْمَةً كَثِيْرَةً، وَحَكَى عَنْهَا: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَغَيْرُهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلاَنِ مَا قِيْلَ عَنْهَا، وَقَدْ تَمَثَّلَتْهُ بِهَذَا:
    وَلَقَدْ جَعَلْتُكَ فِي الفُؤَادِ مُحَدِّثِي * وَأَبَحْتُ جِسْمِيَ مَنْ أَرَادَ جُلُوْسِي
    فَنَسَبَهَا بَعْضُهُم إِلَى الحُلُوْلِ بِنِصْفِ البَيْتِ، وَإِلَى الإِبَاحَةِ بِتَمَامِهِ.
    قُلْتُ: فَهَذَا غُلُوٌّ وَجَهْلٌ، وَلَعَلَّ مَنْ نَسَبَهَا إِلَى ذَلِكَ مُبَاحِيٌّ حُلُوْلِيٌّ، لِيَحْتَجَّ بِهَا عَلَى كُفْرِهِ، كَاحْتِجَاجِهِم بِخَبَرِ: (كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ). السير(8/242) و تاريخ الإسلام للذهبي 3 / 293
    عن عبد الله بن عيسى قال: دخلت على رابعة العدوية بيتها فرأيت على وجهها النور وكانت كثيرة البكاء فقرأ رجل عندها آية من القرآن فيها ذكر النار فصاحت ثم سقطت.
    ودخلت عليها وهي جالسة على قطعة بوري خلق فتكلم رجل عندها بشيء فجعلت أسمع وقع دموعها على البوري مثل الوكف، ثم اضطربت وصاحت فقمنا وخرجنا." صفة الصفوة 1 / 405
    عن جعفر بن سليمان قال: أخذ بيدي سفيان الثوري وقال: مر بنا إلى المؤدبة التي لا أجد من أستريح إليه إذا فارقتها. فلما دخلنا عليها رفع سفيان يده وقال: اللهم إني أسألك السلامة فبكت رابعة. فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أنت عرضتني للبكاء. فقال: وكيف؟ قالت: أما علمت أن السلامة من الدنيا ترك ما فيها فكيف وأنت متلطخ بها؟ صفة الصفوة 1 / 405
    وجاء أحد التجار يطلبها للزواج، فقال لها: إنني أربح فى اليوم ثمانين ألف درهم وأنا أخطبك لنفسي. فقالت له: إن الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن، والرغبة فيها تورث الهم والحزن. صُم دهرك ، واجعل الموت فطرك، فما يَسُرُّني أن اللّه خولني أضعاف ما خولك، فيشغلني به عنه طرفة عين، والسلام. إحياء علوم الدين - (ج 2 / ص 303)
    وعندما أتى رجل إليها ليعطيها أربعين دينارًا وقال لها: تستعينين بها على بعض حوائجك. بكت، ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت: هو يعلم أني أستحي منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها، فكيف أريد أن آخذها ممن لا يملكها؟ صفة الصفوة - (ج 1 / ص 405) .
    وقالت رابعة لسفيان: "يا سفيان، إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وأنت تعلم فاعمل" صفة الصفوة 1 / 405
    كانت رابعة العدوية تصلي الليل، فإذا طلع الفجر هجعت في مُصَلاها هَجْعَة خفيفة حتى يسفر الفجر، فتثب من مرقدها وهي فزعة وتقول: يَا نَفْسُ كَمْ تَنَامِيْنَ، وَإِلَى كَمْ تَقُوْمِيْنَ، يُوْشِكُ أَنْ تَنَامِي نَوْمَةً لاَ تَقُوْمِيْنَ مِنْهَا إِلاَّ لِيَوْمِ النُّشُورِ. صفة الصفوة 1 / 405
    ثم تبكي وهي ساجدة فإذا رفعت رأسها يُرى موضع سجودها مبلل من دموعها.
    قال لها رجل ذات يوم: يا رابعة ادع لي ! فقالت: من أنا، يرحمك اللّه؟!أطع ربك وادعه؛ فإنه يجيب المضطرين.
    وقالت لها امرأة: يا رابعة، إني أحبك في اللّه. فقالت لها: فلا تعصي وأطيعي من أحببتني فيه، فسألتها: أترين من تعبدينه؟ فقالت: لو كنت لا أراه ما عبدته.
    عاشت رابعة حتى صارت عجوزًا كبيرة لها ثمانون سنة، وكانت من زهدها في الحياة أن بدت ضعيفة تكاد تسقط على الأرض وهي تمشي. وكانت تضع أكفانها أمامها، فإذا ذُكر الموت انتفضت وأصابتها رعدة.
    وحين قرب موتها قالت لخادمتها عبدة: يا عبدة لا تُؤْذِنِى بموتى أحدًا (أي لا تُخبريه)، وكَفِّنِينِي في جُبَّتي هذه وفي خماري الصوف؛ ليكمل لي بهما ثوابي يوم القيامة .
    قالت: فكفناها في تلك الجبة وخمار صوف كانت تلبسه. صفة الصفوة 1 / 405
    وتوفيت فى سنة مائة وخمس وثلاثين من الهجرة وعمرها ثمانون عامًا. وقبرها يقع بظاهر القدس .


    

  3. #73

    افتراضي رد: رمضانيات عام 2015

    نفيسةُ العلم (نفيسة بنت الحسن)

    كانت من العابدات الزاهدات القانتات لله، كما كانت مصباحًا أضاء الطريق للسالكين الحيارى، وقدوة احتذاها أهل التقوى والإيمان.
    في مكة المكرمة، ولدت نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان ذلك اليوم السعيد بعد مائة وخمسة وأربعين عامًا من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم عام 145هـ.
    وفى البلد الحرام عاشت نفيسة مع أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم :، فتأثرت بهم، وسارت على منهجهم؛ فحفظت القرآن الكريم، وأقبلت على فهم آياته وكلماته، كما حفظت كثيرًا من أحاديث جدها صلى الله عليه وسلم.
    نظرت نفيسة إلى الدنيا، فوجدتها فانية زائلة، فأعرضت عنها، وزهدت فيها، وأقبلت بوجهها إلى الله، تستغفره، وتتوسل إليه، وتطلب منه العفو والغفران، ولما بلغت نفيسة مبلغ الشابات؛ تقدم لخطبتها ابن عمها إسحق المؤتمن بن الإمام جعفر الصادق، فرضيته زوجًا لها.
    وفى المدينة المنورة، عاشت نفيسة آمنة مطمئنة، وفتحت بيتها لطلاب العلم، تروي لهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :، وتفتيهم في أمور دينهم ودنياهم، حتى أطلقوا عليها اسم: "نفيسة العلم والمعرفة".
    وفى عام مائة وثلاثة وتسعين من الهجرة (193هـ)، وصلت السيدة نفيسة إلى مصر بصحبة والدها وزوجها، واستقرت فى الفسطاط بدار ابن الجصاص وهو من أعيان مصر، وقد اُستقبلت استقبالا حافلا، وسر أهل البلاد بقدوم حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    واستمرت نفيسة فى حياة الزهد والعبادة، تقوم الليل، وتصوم النهار، حتى طلب منها زوجها ذات يوم أن ترفق بنفسها، فقالت: "من استقام مع الله، كان الكون بيده وفي طاعته". وكانت تعرف أنها لكي تفوز بجنة الخلد، فلابد لها أن تجتهد في العبادة، وأن تبتعد عن ملذات الدنيا، تقول: "لا مناص من الشوك في طريق السعادة، فمن تخطاه وصل".
    وداومت السيدة نفيسة على زيارة بيت الله الحرام، وقيل: إنها أدت شعائر الحج ثلاثين مرة، تذهب إلى هناك تتطهر من ذنوبها، وتجدد العهد مع الله على الطاعة، والاستجابة لأوامره، والابتعاد عن كل ما يغضبه، ثم تعود إلى مصر.
    وكانت -رضي الله عنها- تجير المظلوم، ولا تستريح حتى ترفع الظلم عنه، فقد استجار بها رجل ثري من ظلم بعض أولي الأمر، فساعدته فى رفع الظلم عنه، ودعت له، وعاد مكرمًا معززًا؛ فأهداها مائة ألف درهم شكرًا لها واعترافًا بفضلها، فوزعتها على الفقراء والمساكين، وهي لا تملك ما يكفيها من طعام يومها.
    ولما ظلم أحمد بن طولون قبل أن يعدل استغاثه الناس من ظلمه، توجهوا إلى السيدة نفيسة، فشكوه إليها، فقالت لهم: متى يركب؟ فقالوا: في غد فكتبت رقعة ووقفت في طريقه، وقالت: يا أحمد بن طولون فلما رآها عرفها وترجل عن فرسه وأخذ الرقعة منها وقرأها، فإذا فيها مكتوب أما بعد: فإنكم ملكتم فأسرتم، وقدِرتم فأشرتم، ووسع عليكم فضيّقتم، وعلمتم عاقبة الدعاء فاحذروا سهام السحر؛ فإنها أنفذ من وخز الإبر، لا سيما وقد جرحتم قلوبًا قد أوجعتموها، وأكبادًا أجعتموها، وأحشاء أنكيتموها، ومقلاً أبكيتموها، ومن المحال أن يهلك المنتظِِرون ويبقى المنتظَرون، فاعملوا إنا عاملون، وجوروا إنا بالله مستجيرون، واظلموا فإنا إلى الله متظلِّمون، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]". " قال: فعدل من وقته وساعته."المستطرف في كل فن مستظرف - (ج 1 / ص 109) وموسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 4870) والكشكول - (ج 1 / ص 152)
    وبعد سبع سنوات من الإقامة فى مصر، مرضت السيدة نفيسة، فصبرت ورضيت، وكانت تقول: "الصبر يلازم المؤمن بقدر ما فى قلبه من إيمان، وحسب الصابر أن الله معه، وعلى المؤمن أن يستبشر بالمشاق التي تعترضه، فإنها سبيل لرفع درجته عند الله، وقد جعل الأجر على قدر المشقة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم".
    ولما أحست السيدة نفيسة أن النهاية قد اقتربت، أرسلت إلى زوجها إسحاق المؤتمن، تطلب منه الحضور وكان بعيدًا عنها.
    وفي صحن دارها، حفرت قبرها بيدها، وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا، حتى إنها قرأت فيه المصحف مائة وتسعين مرة وهي تبكي بكاء شديدًا.
    وكانت السيدة نفيسة صائمة كعادتها، فألحوا عليها أن تفطر رفقًا بها، وهي في لحظاتها الأخيرة، لكنها صممت على الصوم برغم أنها كانت على وشك لقاء الله، وقالت: واعجبًا، منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى أن ألقاه وأنا صائمة، أأفطر الآن؟! هذا لا يكون. ثم راحت تقرأ بخشوع من سورة الأنعام، حتى وصلت إلى قوله تعالى {لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (127) سورة الأنعام.
    ففارقت الحياة، وفاضت روحها إلى الله، فبكاها أهل مصر، وحزنوا لموتها حزنًا شديدًا، وحينما حضر زوجها أراد أن ينقل جثمانها إلى المدينة، لكن الناس منعوه، ودفنت فى مصر. فرحمة الله عليها
    هكذا تكون الحياة يا رجال، وهكذا يكون الممات، نساء عابدات زاهدات، آمرات بالمعروف ناهيات عن المنكر، باذلات للنفس في سبيل الله.
    وقال الإمام الذهبي في السير في آخر ترجمتها (10/108):
    وَقِيْلَ: كَانَتْ مِنَ الصَّالِحَاتِ العَوَابِدِ، وَالدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عِنْدَ قَبْرِهَا، بَلْ وَعِنْدَ قُبُوْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ، وَفِي المَسَاجِدِ، وَعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَفِي السَّفَرِ المُبَاحِ، وَفِي الصَّلاَةِ، وَفِي السَّحَرِ، وَمِنَ الأَبَوَيْنِ، وَمِنَ الغَائِبِ لأَخِيْهِ، وَمِنَ المُضْطَّرِ، وَعِنْدَ قُبُوْرِ المُعَذَّبِيْنَ، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر.
    وَلاَ يُنْهَى الدَّاعِي عَنِ الدُّعَاءِ فِي وَقْتٍ إِلاَّ وَقْتَ الحَاجَةِ، وَفِي الجِمَاعِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ.وَيَتَأَكَّدُ الدُّعَاءُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَدُبُرَ المَكْتُوْبَاتِ، وَبَعْدَ الأَذَانِ.

    


  4. #74

    افتراضي رد: رمضانيات عام 2015

    صاحبةُ القرآن (زبيدة زوجة الرشيد)

    أنصتْ.. استمعْ جيدًا.. تُرَى ما هذا الصوت الغريب القادم من قصر أمير المؤمنين هارون الرشيد، إنه صوتٌ يشبه دَوِىَّ النحل، تعالَ نقترب من القصر، ها قد اتضح الصوت: إنهن جواري زبيدة زوجة الخليفة يحفظْنَ ويرتلْنَ القرآن الكريم.
    كانت زبيدة تتمنى بينها وبين نفسها أن تتزوج من ذلك الشاب اليافع، وها قد تحقق حلمها الذي كانت تحلم به، فقد عاد ابن عمها هارون الرشيد مع أبيه الخليفة "المهدى" من ميدان المعركة بعد أن حققا النصر على الروم، وستكون الفرحة فرحتين، فرحة النصر، وفرحة الزواج من هارون، نصبت الزينات وأقيمت الولائم التي لم يشهدها أحد من قبل فى بلاد العرب وازينت زبيدة بالحلي والجواهر، والمسك والعنبر والروائح الطيبة تنتشر في مكان العرس، والناس مسرورون بهذا الزواج المبارك.
    وتزوجت زبيدة من هارون الرشيد، فملأ الحب قلبيهما، واستطاعت بذكائها ولباقتها أن تزيد من حبه لها حتى أصبح لايطيق فراقها ولا يملُّ صحبتها، ولا يرفض لها طلبًا.
    ومرت الأيام، وأنجبت زبيدة من هارون الرشيد ابنها "محمدًا" الأمين وقد أحبته كثيرًا، وكانت شديدة العطف عليه والرفق به لدرجة أنها بعثت ذات يوم جاريتها إلى الكسائي مؤدبه ومعلمه، وكان شديدًا عليه، تقول له : "ترفق بالأمين فهو ثمرة فؤادي وقرة عيني".
    وتولَّى هارون الرشيد الخلافة، فازداد الخير في البلاد، واتسع ملكه، لدرجة جعلته يقول للغمامة حين تمر فوقه : "اذهبي فأمطري أَنَّى شئت، فإن خراجك سوف يأتى إلىَّ". مجلة البيان - (ج 61 / ص 104)
    ورأت "زبيدة" زوجة خليفة المسلمين أن تساهم في الخير، وفي إعمار بلاد الإسلام، فحين حجت إلى بيت الله الحرام سنة 186هـ ، وأدركت ما يتحمله أهل مكة من المشاق والصعوبات في الحصول على ماء الشرب، دعت خازن أموالها، وأمرته أن يجمع المهندسين والعمال من أنحاء البلاد، وقالت له : اعمل ولو تكلَّفتْ ضَرْبةُ الفأس دينارًا. وحُفر البئر ليشرب منه أهل مكة والحجاج وعرف بعد ذلك ببئر زبيدة.
    ولم تكتفِ زبيدة بذلك، بل بَنَتْ العديد من المساجد والمبانى المفيدة للمسلمين، وأقامتْ الكثير من الآبار والمنازل على طريق بغداد، حتى يستريح المسافرون، وأرادت زبيدة أن تولى ابنها الأمين الخلافة بعد أبيه، لكن هارون الرشيد كان يرى أن المأمون وهو ابنه من زوجة أخرى أحق بالخلافة لذكائه وحلمه، رغم أنه أصغر من الأمين؛ فدخلت زبيدة على الرشيد تعاتبه وتؤاخذه، فقال لها الرشيد : ويحك، إنما هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ورعاية من استرعاني طوقًا بعنقي، وقد عرفت ما بين ابني، وابنك يا زبيدة، ابنك ليس أهلا للخلافة؛ فقد زينه في عينيك ما يزين الولد في عين الأبوين، فاتَّقي الله ؛ فوالله إن ابنك لأحب إلىّ، إلا أنها الخلافة لا تصلح إلا لمن كان أهلا لها، ونحن مسئولون عن هذا الخلق ؛ فما أغنانا أنا نلقى الله بوِزْرِهِمْ، وننقلبَ إليه بإثمهم ؛ فدعيني حتى أنظر في أمري. وعلى الرغم من ذلك فقد عهد بولاية العهد لابنه "محمد الأمين"، ثم للمأمون من بعده.
    وحين دخل المأمون بغداد بعد مقتل الأمين، وكان صراع قد شب بينهما حول منصب الخلافة استقبلتْهُ، وقالت له: أهنيكَ بخلافة قد هنأتُ نفسي بها عنكَ، قبل أن أراكَ، ولئن كنتُ قد فقدتُ ابنًا خليفةً؛ لقد عُوِّضْتُ ابنًا خليفة لم ألِدْه، وما خسر من اعتاض مثلك، ولا ثكلت أم ملأت يدها منك، وأنا أسأل الله أجرًا على ما أخذ، وإمتاعًا بما عوض . فقال المأمون: ما تلد النساء مثل هذه. وماذا أبقت فى هذا الكلام لبلغاء الرجال. المنتظم 4 / 250 ونهاية الأرب 2 / 69
    وتُوُفِّيت السيدة زبيدة فى بغداد سنة 216هـ بعد حياة حافلة بالخير والبر، فرحمة الله عليها.(موسوعة الأسرة المسلمة )


    






  5. #75

    افتراضي رد: رمضانيات عام 2015



صفحة 8 من 8 الأولىالأولى 12345678

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. رمضانيات - صفحة لعامر العمار
    بواسطة عامر العمار في المنتدى المنتدى الرمضاني
    مشاركات: 47
    آخر مشاركة: 06-24-2015, 05:42 PM
  2. رمضانيات عام 2014
    بواسطة عامر العمار في المنتدى المنتدى الرمضاني
    مشاركات: 52
    آخر مشاركة: 04-27-2015, 06:15 PM
  3. رمضانيات عام 2013 م (متجدد)
    بواسطة عامر العمار في المنتدى المنتدى الرمضاني
    مشاركات: 290
    آخر مشاركة: 08-04-2013, 10:30 AM
  4. رمضانيات - صفحة لعامر العمار
    بواسطة عامر العمار في المنتدى منتدى الشعر الفصيح
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 08-05-2012, 04:41 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى