د.سناء الشعلان/الأردن صدرتْ في العام 2014 رواية بعنوان”كيلاّ” للأديب والإعلامي الأردني من أصول فلسطينيّة(أسعد العزوني).وهي رواية تعاين حقيقة المشهد الدّاخلي للكيان الصّهيوني المغتصب،وتعلن نبوءة انهيار الكيان الصّهيونيّ من الدّاخل قبل أن يقول التّاريخ والأبطال المجاهدون كلمتهم،ويؤول الكيان الصّهيوني إلى نهايته الطّبيعيّة شأنه شأن أيّ غاصب معتدٍ،وهي الزّوال والإبادة والطّرد،وردّ الأرض الفلسطينيّة إلى الشّعب الفلسطيني. وهذه الرّواية ترصد ذلك التّداعي الانتكاسي نحو الهاوية الذي يعيشه المجتمع الصّهيوني من داخله،ويجسّد(أسعد العزّوني) هذا الواقع في مستدمرة(1) (كيلاّ)-وأرفض أن أقول مستعمرة-،وهي مستدمرة “تقرّر بناؤها في هضبة الجولان السّوريّة عشيّة مؤتمر مدريد”(2) ويستحضر على هذا الانتكاس والخراب أمثلة داخليّة من مجتمع الكيان الصّهيوني بفئاته جميعها؛بدءاً بالمهاجرين الصّهاينة الذين يستوطنون حديثاً في فلسطين المحتلّة،مروراً بالمهاجرين الصّهاينة الأوائل،انتهاء برموز سلطة الكيان الصّهيوني.وهم جميعاً في هذه الرّواية يعيشون تجربة الخراب والخديعة والهزيمة النّفسيّة بتجلياتها جميعها. وقد استطاع(أسعد العزّوني) في روايته هذه أن يرينا مجتمع الكيان الصّهيوني بعيوبه وشخوصه وملابساته التّداخليّة وفضاءاته الضّيقة ومزالقه المميتة،لنرى أخيراً أنّ قدرهذا الكيان الغاشم هو الاندثار مادام قد قام على الاعتداء والظّلم والخديعة.وهو بذلك-وفق رأيي الخاصّ- لا يدعونا عرباً ومسلمين وبشراً عادلين أن ننتظر أن يفنى الكيان الصّهيوني  وحده بفعل تقادم الوقت بفعل تسمّمها الدّاخلي دون أن نقود بواجبنا المقدّس في الجهاد والدّفاع عن فلسطين،وإنّما أراه يبغي أن يفضح هذا المجتمع القائم على الخديعة والكره والبغضاء والعنصريّة،وأن يعرّيه أمام العالم كلّه،بل حتى أمام اليهود في العالم بأسره،حيث يُخدعون ويستجيبون لدعاوي الهجرة إلى فلسطين،تدعوهم إلى ذلك وسائل الإعلام والضّغط والمؤامرة الصّهيونيّة في كلّ مكان حتى في أوطانهم الأصليّة البعيدة عن أرض فلسطين،ثم يكتشفون بعد ذلك أنّهم ليسوا إلاّ مخدوعين وأكباش فداء لأطماع الكيان الصّهيوني الذي يريد أن  يُثري ويقوى ويتسلّط ويستبدّ ولو كان ذلك على حسان الدّم اليهودي ذاته! وفي النّهاية يكتشف ذلك اليهودي المهاجر إلى أرض فلسطين أنّه قد خُدع،وأنّه قد غُرّر به،وأنّه قد جاء ليعيش في مزبلة كبرى اسمها الكيان الصّهيوني،فيصرخ سرّاً وجهراً غاضباً ممّن خدعوه،كما يصرخ أحد المستوطنين اليهود في مستدمرة(كيلاّ) في وجه المسؤول عنها(جونين)،وهو من المهاجرين اليهود السّوفييت:” ماهذا ياسيد جونين؟! أين العسل واللّبن؟”(3)؛”ويقول آخر:” بدل العسل واللّبن الذي وعدنا فيه هانحن نتجرّع السمّ الزّعاف”(4). وذلك في خضمّ غضب داخلي من قبل سكّان المستدمرين(المستعمرين) سكان المستدمرة الذين اكتشفوا أنّهم قد خُدعوا،وسلخوا عن أوطانهم الحقيقيّة لُيزّج بهم في مستدمرات قذرة ليعيشوا في أوضاع معيشيّة سيّئة بدعوى زائفة اسمها العودة إلى أرض صهيون،وحقّ اليهود في أرض فلسطين. وعندما يكتشف أولئك اليهود المهاجرون المخدعون حقيقة الوجه الصّهيوني يكون الرّد الوحيد الذي يحصلون جميعهم عليه في إزاء غضبهم وتشاؤمهم واكتشافهم المتأخّر لحقيقة خديعتهم وسحبهم كالخراف الحمقاء إلى أرض لا حقّ لهم فيها ولا حياة ولا قضيّة عادلة يملكون فيها(أرض فلسطين) هو ماردّت عليهم به (نيشكا) الصّهيونية العنصريّة المجنّدة في الموساد الصّهيوني:” اسمعوا أيّها المهاجرون! عليكم أن لا تتوقّعوا أنّ الطّريق أمامكم مفروشة بالورد! عليكم التّسلّح بالأمل،فهناك بصيص في نهاية السّرداب المظلم،وربما تصعب رؤيته في الوقت الحاضر!”(5).وهكذا يُسقط في أيديهم،ويكتشفون أنّهم ضحيّة مؤامرة عالميّة صهيونيّة حطّمت أوطانهم الحقيقيّة التي كانوا يعيشون فيها،وضيّقت عليهم الحياة فيها،واضطرّتهم إلى الهجرة إلى الكيان الصّهيوني بعد ان أغلقت الأبواب في وجوههم في أيّ درب آخر!. وتظلّ هذه المستدمرات في رواية (كيلاّ) تغلي بما فيها من غضب وعنصريّة وتناقض وصولاً إلى النّهاية النّبوءة،إذ تنتهي الرّواية،وقد التهمت النّيران مستدمرة(كيلاّ).في حين أنّ النّجاة تكون من نصيب اليهودي العادل الذي يدرك كذبة الصّهونيّة،ويؤمن بعدالة القضيّة الفلسطينيّة،ويعلم أنّه ضحيّة لعبة صهيونيّة عالميّة،فيقرّر النّجاه من هذه المحرقة التّاريخيّة التي اسمها الكيان الصّهيوني،فيفرّ منها بالخديعة نحو بلاد أخرى تاركاً وراءه هذا الكيان النّخر المتداعي يهوي في النّيران. وهذا ما يفعله بطل رواية(كيلاّ)،واسمه(جونين)،إذ تنتهي الرّواية بمشهد يصوّره هارباً بالطّائرة نحو أمريكا،ليبتعد عن الكيان الصّهيوني،ليعيش في أمريكا مع أخويه بعد أن دبّر خطّة كي يحظى بهذه الفرصة.وفي الوقت الذي تلتهم النّيران فيه مستدمرة(كيلاّ) بمن فيها من مستدمرين،يركب هو الطّائرة فرحاً بنجاته من جهنم الأرض التي اسمها الكيان الصّهيوني،ليشعر بالرّاحة والرّضا.وفي أوّل مطار تهبط به طائرته على أراضي الولايات المتّحدة الأمريكيّة يكتب رسالة ساخرة لـ(نيشكا) العميلة في الموساد الصّهيوني ولرئيسها الأعلى في العمل(بنيامين) الذي سهّل له أمر السّفر إلى أمريكا لأجل تحقيق مصالحه الاستعماريّة والاستغلاليّة،ويصفعهما بقراره بعدم العودة إلى الكيان الصّهيوني،ليقول لهما بها ساخراً من حمقهما وجهلهما:” لنيشكا! شكراً لبنيامين! شكراً لإسرائي! لن أعود إليكم:جونين!”(6) وليس(جونين)وحده من يتنبّه إلى خديعته،فيسارع إلى النّجاة بنفسه منها،بل الكثيرون من اليهود المهاجرين إلى فلسطين يدركون هذه الحقيقة،ويكرهون الحياة في المستدمرات الصّهيونية،ويحنّون إلى أوطانهم الحقيقيّة،أمثال (هانيا)و(مولا) القادمة من رومانيا التي تتذمّر من سياسة الكيان الصّهويني قائلة:” إنّهم لا يعاملوننا على أنّنا بشر مثلهم”(7).ولذلك تعلن أنّها تنوي الرّحيل بعيداً عن أرض المحرقة الصّهيونية. كذلك الكثير من المهاجرات اليهوديّات إلى أرض فلسطين يقرّرن أن يرحلن بعيداً عن أرض فلسطين،وقد قابل(جونين) الكثير منهنّ في جولته مع(نيشكا) في المستدمرات الصّهيونية،وفي النّهاية نجد بعضهنّ يملكن الجرأة والشّجاعة والحظّ ليأخذن قرار الهرب والابتعاد أمثال(سانتا) التي وجدها(جانين) على متن الطّائرة التي استقلّها هرباً إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة،ليبتعد كلاهما عن الكيان الصّهيوني الآيل للسّقوط والاندثار. فـ(جونين) الذي عمل لمدة عشرين عاماً في المخابرات الرّوسيّة(كي.جي.بي)،وأُجبر على الهجرة من الاتّحاد السّوفيتي باتّجاه الكيان الصّهيوني،قد رسم خطّة للهروب من المستدمرة التي زُجّ فيها ليذهب إلى أمريكا حتى يعيش مع أخويه:” فجلّ طموحه هو الالتحاق بأخويه الثّريين اللذين تمكّنا من الخرزج مبكّراً من الاتّحاد السّوفيتي بعد أن هرّبا أموالهما وثرواتهما الطّائلة بطريقة معيّنة عن طريق إحدى المجموعات اليهوديّة الأمريكيّة.ولكنّه فشل في ذلك هو شخصيّاً عندما فتحت الهجرة أبوابها على مصراعيها”(8) فيجد طريقه للهروب عبر استغلال عملية الموساد(نيشكا) التي يزرعها الموساد في دربه كي تنقل لهم أخباره وأخبار سائر المهاجرين الجدد في المستدمرات،وتقنعه بفكرة دفع أخويه الثّريين إلى الهجرة إلى الكيان الصّهيوني ليستثمرا ثرواتهما فيه.فيوهمها بأنّه قد وقع في شرك حبّها،وأنّه بات أسير الأفكار الصّهيونيّة العنصريّة إلى حين حصوله على جواز سفر وتذكرة سفر إلى أمريكا.وما يكاد يحصل على عليهما حتى يطير إلى أمريكا دون عودة إلى مستدمرة(كيلاّ) إو إلى الكيان الصّهيوني الذي اكتشف خداعه وعنصريته وتوحّشه؛ففي الوقت […]

التدوينة رواية (كيلاّ) لأسعد العزّوني ونبوءة الانهيار الدّاخلي للكيان الصّهيونيّ ظهرت أولاً على وكالة الصحافة المستقلة - اخبار العراق.



أكثر...