اسوار بغداد .. الحلقة الثالثة.. حوار مع باقر الزبيدي ،، عمار البغدادي

- ماهي المعطيات التي ارتكز عليها تحليلك ودفعك الى تنبيه وتحذير القيادات السياسية ان ما يجري في ساحات الاعتصام مقدمة لما سيجري في ساحات الموصل والانبار؟..
· نظرة سياسية واستخبارية تؤكد لك ان هنالك ثلاثة اتجاهات كانت تقود ما اسميه حراك المناطق الغربية وسيناريو ساحات الاعتصام.
الاول جماهيري عفوي لديه مطالب مشروعة وهم الاغلبية
الثاني سياسي ينتمي ويتوزع على مجموعة من الاسماء السياسية والكتل النيابية لها اجندتها الخاصة.
الثالث مُسّلح يختبأ في خيام المعتصمين ويتحين الفرصة لاخراج البنادق من مخابئها واطلاق النار على الدولة والدخول في مشهد الصفحة الثانية.
ذكرت ذلك في موقعي يوم 25/4/2013 بعد اربعة اشهر من بداية حركة الاعتصامات الغربية.
هذه الاتجاهات الثلاثة مثلت قبل احداث الحويجة شيفرة الصفحة الاولى في حراك الفتنة!..
ان الحراك في المناطق الغربية فيه صفحات ومراحل بدأ بتشكيل مجموعات صغيرة سرعان ما اتسعت دائرتها والسبب المحوري هو ان الحكومة التي جاءت على خلفية اتفاق اربيل 2010 هي حكومة ازمة كما اسميتها بعد تشكيلها بعدة ايام واكدت انها سَتلدُ ازمات اخرى لانها بُنيت على جَرفٍ هارٍ.. ثم توالت الازمات حتى بلغنا العقدة.
ان الشراكة الخطأ "حيث بُنيت على المحاصصة الطائفية" هي احد أسباب ما نحن فيه اليوم وواحد من اهم النتائج الكبيرة التي اسست ايضاً لملامح الصفحة الثانية التي بدأت بعد احداث الحويجة في 26/4/2013 حيث اكدّتُ ان احداثاً ستتكرر في مناطق الغربية والموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى وسيشهد العراق عمليات ارهابية من نوع مختلف تستهدف الاماكن الستراتيجية والمواقع المهمة في العراق.
اما الصفحة الثالثة فهي القتال على اسوار بغداد واقصد بذلك ان بغداد محاطة بثلاث مناطق ملتهبة ظلت عصية منذ 2007 على الدولة وخارج السيطرة حيث استطاعت القاعدة واخواتها بناء مجتمع خاص بها وقواعد موالية ومخازن سلاح ستراتيجية وفي 27/4/2013 قُلت ان اخطر هذه المناطق جرف الصخر ومنطقة البُحيرات.
اتذكر جيداً في العام 2005 حين كُنت وزيراً للداخلية وكان طريق بغداد – كربلاء يطلق عليه طريقٌ مثلث الموت وكان الزائرون والمواطنون يتعرضون لعمليات قنص وتفجير واختطاف حيث قامت الوزارة بعملية نوعية كبيرة استهدفت مواقع الارهاب ومجموعاتهِ وقدمت الداخلية 16 شهيداً من خيرة عناصرها وكوادرها الامنية واستطاعت فتح الطريق وتأمينهِ.
اما المنطقة الثانية.. فهي شمال بغداد وتحديداً ذراع دجلة ومنطقة المشاهدة.
ان كل هذه الصفحات كانت تكتب بعنوان "رؤيتي" في موقعي على الفيس بوك..
فقد حدث ان دخلت مرحلة الصمتِ كي لا يستفيد اعداء العراق من نشر المزيد من التصورات الامنية الخاصة بهذه الصفحات الارهابية السوداء وقد اوصلتها لاصحاب الشأن بغية الافادة منها.
- دُعيت الى اجتماع قادة الكتل السياسية مع رئيس الحكومة قبل سقوط الموصل وحدوث الكارثة... ماذا اثير بهذا الاجتماع؟.
· كانت الدعوة هي الثانية التي وجهت لي لحضور اجتماع قادة الكتل مع رئيس الحكومة ... في الاولى لم احضر.
- لماذا لم تحضر؟..
· لاني كنت اعتقد – دستورياً ان مثل هذه الاجتماعات يجب ان تُعقد تحت قبة البرلمان وليس في قصر الحكومة ولكن بسبب وجود معطيات خطيرة قررت الحضور والمشاركة لابوح بهذه المعطيات واطلع المجتمعين عليها.
- ارجوك اكمل..
· في هذا المجال كانت الكتلة الكوردية غائبة وكتلة العراقية كذلك واغلب الحاضرين من المؤيدين واعضاء في دولة القانون ما يعني ان الاجواء كانت متأزمة وتنبأ بأخطار كبيرة تحدق بالعملية السياسية.
كل المداخلات كانت تصب في اتجاه تأييد رأي القيادة الامنية المتمثلة برئيس الوزراء وهي ضرورة التحشيد في منطقة الرياض في كركوك لمواجهة الكورد واستغربت في هذا النقاش ان البوصلة غائبة والتشخيص مفقود لدى غالبية من حَضَر هذا الاجتماع.
وحين طلب اليَ الحديث – وكنت اخرمن تحدث في هذا الاجتماع- قلت ان الخطر القادم ليس من الرياض في كركوك بل قادم لا محالة من القائم الحدودية!.
- لماذا برأيك كان هنالك استبعاد لوجهة نظرِك الامنية فيما يخص حراك المناطق الغربية.. فبالاضافة الى كونك نائباً في البرلمان فأنت وزير داخلية ومالية وقيادي مسؤول في حزب سياسي وشريك في بناء العملية السياسية وصديق شخصي لرئيس الحكومة السابق؟.
· ارجو ان يوجه هذا السؤال الى الذين عملوا على استبعاد هذه التصورات وامامك مجموعة من الوثائق الدالةِ والدامغة التي تؤكد ان ما جرى كان قابَ قوسين او أدنى من الحدوث وسبق وحذرنا من خطورته في اكثر من مورد ولقاء ومناسبة حتى بُحَ صوتي!..
في تصوري ان الاعتصامات الغربية افرزت رؤيتين الاولى تبناها السيد رئيس الوزراء وعمل بها حتى العاشر من حزيران 2014 واوصلتنا الى ما وصلنا اليهِ..
والثانية بينتها وعملت بها ووردت في بياني السياسي الاول عشية ظهور اعتصامات المنطقة الغربية بدايات 1/1/2013.
لقد شخصت الخلل ووضعت النقاط على الحروف وقلتُ ان الحل السياسي والأمني هو الارجح على الحل العسكري ويجب اطلاق الحوار الوطني لتجاوز محنة اكبر.
هذه المسافة هي التي شكلت مساحة الخلاف الذي استمر فصولاً حتى سقوط الموصل وضياع نصف الوطن.
ما اردت ان اقوله ولم أقله بشكلٍ مكتوب.. إنني في كل جولات الصراع السياسي مع الرؤية الاولى لم اكن اطلب دوراً فأنا صانع دور مُنذُ أيام المعارضة العراقية والمواجهات الشرسة مع اجهزة المخابرات العراقية ولم أكن استهدف احداً بشكل شخصي لان المستهدف وطن وأمة ومصالح وتجربة ومشروع "دولة ومقدسات".
- أشرت في كتاباتك ومواقفك السياسية وفي منشور لك يوم 9 اكتوبر 2013 قبل سقوط الموصل الى ضرورة تغيير رؤوس قيادات الملف الامني..
· من خلال سلسلة لقاءاتي مع قيادات أمنية وعسكرية يوم كنتُ نائباً في البرلمان توصلتُ الى نتيجة نهائية هي ضرورة تغيير قيادات الخط الاول للمنظومة الامنية حيث بلغ الترهل مَبلغه في نسبةِ عدد الرتب العسكرية العليا التي صارت تَمنح بشكل سهل خصوصاً رتبة الفريق الأول والفريق واللواء حيث لم يشهد العراق مثل هذا الاستسهال في منح الرتب بمثل هذه الشاكلِة كما إن العناصر القيادية التي منحت هذه الرتب لم تفعل شيئاً امام زخم التحدي الارهابي وقد وصلت في حينهِ اعداد السيارات الملغومة 17 سيارة في اليوم الواحد.
كنت الحظ سقوط هذه الرتب في عيون ضحايا الإرهاب الذين كانوا يسقطون يوميا في شوارع بغداد والمناطق العراقية الاخرى!.
كما ان هناك العديد من هؤلاء اوغلو في الفساد وتغولوا فيه وتحولو الى طبقة داخل المجتمع والقوات المسلحة تكنز الذهب والفضة والعقارات التي لاحدود لها وتحولو الى بورصات مالية فكان انشغالهم في كيفية البحث عن السحت الحرام عبر الفضائيين وعقود التسليح الفاسدة مقابل استيراد السلاح الفاسد الذي لم يصمد امام الهبّة الاولى لعجلات الدفع الرباعي المحملة بالدوشكة!..
كما ادرج فساد كبار ضباط النفط في اولويات فسادهم لانه الاكثر ربحاً وسهولةً .. فكان الفساد عبر استثمار مصفى بيجي بالاستحواذ على المشتقات النفطية وفرض الاتاوات على سائقي الشاحنات الذاهبة الى الاقليم الكوردي كما ان النفط الخام المار بأنبوب كركوك الى جيهان التركي مثّل مصدراً آخر من مصادر الفساد فكان يتم تفجير الانبوب حيث يمر النفط الخام في منطقة عين جحش في الموصل بوادٍ محاصر بالتلال في الموصل وحين يمتلأ الوادي يتم اصلاح الانبوب في حين كان القادة العسكريون الفاسدون يسربون تقارير الى القيادة العامة للقوات المسلحة ان التفجير هو تفجير ارهابي!!..
وكانت الشاحنات كما في الصورة المنشورة في نهاية الكتاب تمر وتأخذ النفط الخام محمولاً الى سوريا وداعش(*).
هناك انواعٌ اخرى من الفساد لا مجال لذكرها!!..
من هنا كانت مطالباتي مستمرة بضرورة اجراء التغييرات الجذرية في القيادات الرأسية التي اثبتت فشلها في الامساك بالارض وفي استمرار كسر وجود الدولة في الموصل وصلاح الدين والانبار وديالى.
- ورد في مدونتك سلسلة من المقالات كانت عبارة عن اجابات محملة من الاسئلة والاتصالات الهاتفية طالبتك بتوضيح الموقف لما يجري في صحراء الانبار واستغاثات أهلنا في الجنوب لتخليص افواج ثلاثة لمحافظات الكوت والناصرية وميسان من مخالب الفتنة..
ورد ذلك في 2/1/2014
السؤال.. ما هي هذه الاسئلة.. وما هو حاطب الفتنة الذي اشرت اليهِ، وما الذي كان يجري في الانبار؟..
· نهاية 2013 بدأ الجيش العراقي الباسل وفرسان الشرطة الاتحادية حملة على الارهاب في صحراء الانبار بإوامر القيادات العسكرية التي تحدثنا عنها قبل قليل فكانت بوصلة الحَمْلة في 23/12/2013 صحيحة عندما اتجهت الى القواعد الداعشية المنتشرة في وادي حوران والوادي الابيض .. وقد كتبت بياناً في تلك الفترة أعربت فيهِ عن التأييد الكامل لتلك الحملة وحذرت من استخدام الحل العسكري مع اهالي وعشائر الانبار وهو ما كانت تبحث عنه داعش في اطار التخلص من طوق هذه الحملة العسكرية المستمرة.
قُلت في البيان ان الحل في الانبار امني وليس عسكرياً لكن الذي حَصلَ ان العمليات العسكرية تحولت من حوران والابيض الى ساحات الاعتصام... وقد اكدت على اهمية احترام مرجعية التحالف الوطني والتعامل الايجابي مع الشركاء السياسيين وضرورة ان تؤخذ القرارات بالاغلبية وداخل التحالف بالتشاور مع الشركاء وليس بشكل مُنفرد.
- ما مدى صحّة قرارات القيادة والتخطيط للعمليات التي جرت في نهاية 2013 وقد تسربت على صفحات الفيس بوك انكم شاركتم شخصياً بالتخطيط لتلك العمليات؟.
· رغم اننا اصدرنا بياناً توضيحياً اكدنا فيه نفي علمنا بالعمليات ونحن في السلطة التشريعية فقد حاول البعضُ تمرير تلك الفرية واعادة انتاجها من جديد من اجل توزيع الفشل على الجميع وعدم استثناء احد.
قلناها.. اننا درعّ للوطن والشعب وجيشنا وشرطتنا الوطنية وسنكون في الميدان ونقدم الغالي والنفيس حين يستدعينا الوطن مثلما كنا ننهض بمهمات مشابهة بزمن النضال الوطني في صفوف المعارضة العراقية.
- استخدمت في احدى هذه المقالات مصطلح " الامن الجريح"!.. وقد جلبت انتباهي.. ما الذي تقصده بالأمن الجريح؟..
· كانت الرؤية واضحة في ظل تلك القيادات والتخطيط العشوائي الفاشل اننا سندخل مرحلة جديدة من الخيبةِ في مواجهة داعش التي خططت وكثفت العمليات الارهابية ضد ابناء شعبنا وابرياء بغداد والانبار.. فكانت تلك الفترة بداية 2014 مرحلة جديدة لداعش في مسك الارض وإشعال البلاد بالتفجيرات وتطورّت المرحلة تلك باستخدام السلاح الابيض كما حصل في جرف الصخر ومنطقة البحيرات.
ان ما حدث في منطقة الشورة 30 كيلومترا جنوب الموصل حتى القيارة 90 كيلومترا جنوبها حيث سقطت مراكز الشرطة وهروب سرية الطوارئ كان دليلاً ان التفجيرات والمواجهات تُنذر بحدوث شيء خطير وان ما كان يجري هو رسالة لما سيحدث مما ترك أثراً سلبياً على هيبة الحكومة وكيان الدولة والحالة النفسية للجيش والشرطة وقوى الامن والامة.. اذ كان التحدي بالغ الخطورة ويُنذر بإنهيارات ليس أقلها سقوط الموصل!..
ان هروب مئات السُجناء من الارهابيين المحكومين بالإعدام تكرر مراراً وهؤلاء الذين تم تهريبهم من عتاة الارهابين والذين يمتلكون المعلومات ويتحلون بشروط المهارة القتالية تحولوا الى نواة إسقاط الموصل فيما بعد.
ان استشهاد قائد الفرقة السابعة مع مجموعة من الضباط والجنود كان مؤشراً على الخرق الأمني الكبير الموجود في المنطقة الغربية.
- ذكرت لي قبل ان نتفق على إطار هذا الكتاب حين كنت وزيراً لمالية العراق ان هنالك معلومات في غاية الخطورة ابلغها اليك مسؤول امريكي كبير تتعلق بإغتيال السيد محمد باقر الحكيم!.. هل لك ان تسرب هذه المعلومة في الكتاب!..
· نعم.. كان ذلك في سنغافورة على هامش انعقاد اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حيث ابلغني رئيس البنك الدولي السيد وولفوتيز "نائب وزير الدفاع الامريكي السابق" في اجتماع مغلق ان اغتيال السيد محمد باقر الحكيم تم التخطيط لهُ في الموصل عبر تفخيخ السيارة بشكل متطور جداً وتحميلها كميات هائلة من مادة السيفور والموجّهة بإتجاه السيارة التي يستقلها السيد الحكيم عادةً وهنا اقول ان رئيس البنك الدولي اسرني ان القاعدة هي التي وقفت وراء اغتيال الحكيم.
نقل لي هذه المعلومة من مصادر أمنية امريكية.
- هل ان القاعدة – كوزير داخلية سابق- كانت تعمل بشكل مستقل تماماً عن الاقليمي والدولي؟..
· القاعدة مخترقة من عدة دول اقليمية عربية واسلامية ومخابرات دولية وهذا ما لا أشك بهِ على الاطلاق بل اعتبره مِن المُسلمات.
- هل تريد ان تقول ان اغتيال الحكيم ينطوي على قرار اقليمي ودولي بتصفية هذه الشخصية الوطنية الكبيرة؟..
· لااستطيع ان انفي او أوكد ولكن في التحليل أُجزِم ان السيد الحكيم كان هدفاً إقليمياً ودولياً فإذا كنت تتفق معي أن القاعدة مُخترقة إقليمياً ودولياً فأترك الاجابة للقارئ الكريم وإليك.
- لماذا استهدف الإقليمي الحكيم وقد كان يستقبله في زمن المعارضة العراقية وكنت ترافقه في عدد من زياراته..
السؤال . لماذا قبل الاقليمي والدولي الحكيم في المعارضة واغتاله بعد سقوط النظام؟..
· أسرني أحد وزراء الداخلية العرب ان الاستقبال الذي جرى للسيد الحكيم في البصرة ومحافظات العراق الاخرى بعد سقوط النظام كان مُخيفاً وقد ذكّرنا هذا الاستقبال بالإستقبال الكبير والمليوني للامام الخميني عشية انتصار الثورة الاسلامية في 11 شباط عام 1979.
كان الاقليمي والدولي يرى في الحكيم رجلاً قادراً على قيادة العراق وترسيخ مبادئ استقلاله وحريته ووحدته الوطنية وكان لا يساوم ولدي شواهد على ذلك في لقاءاتنا مع مسؤولين عرب كبار .
- هل لك ان تفتح الأفق مع القارئ على شيءٍ من شخصية الحكيم لاتعرفه اوساط العامة؟..

· كان شديد الحب لشعبهِ لم يحدث مرةً وخاب أمله فيه وكان يثق بإرادته وقدرتهِ على اسقاط الطاغوت .. ولم يُفكر مرةً بالإعتماد على الآخرين في إسقاط النظام العراقي السابق وكان يوصينا بذلك ولعل إحترام المجتمع الدولي والإقليمي لهذه الشخصية مرتبط بإيمان الحكيم بشعبهِ مثل كل القادة التاريخيين امثال وغاندي والامام الخميني ونيلسون مانديلا وكما قال لي سفير الدولة الاوربية.. تم اختيار بعض المسؤولين بعناية فائقة فإن اغتيال السيد الحكيم تم التخطيط له بعناية .. ومنذ اغتيال السيد الشهيد والوطن في العناية المشددة!..