المؤامرة ... 74.gif




بعد استلام الإمام الحسن(عليه السلام) لمنصب الإمامة ، كانت أنباء جيش الشام تذاع في الكوفة والبصرة وسائر البلاد، مع شيء من المبالغة، وكان الجميع يعلم أنّ حرباً وشيكة تنتظرهم.
تعرض الامام الحسن عليه السلام الى مؤآمرات احيكت له من قبل معاوية وازلامه ، وكان معاوية استعمل الطرق الملتوية وبذل الاموال لشراء ذمم قادة الامام الحسن (ع) كأمثال عبيد الله بن العباس ، وكانوا اصحاب النفوس الضعيفة و منهم رؤساء القبائل كتبوا إلى معاوية بالسمع والطاعة له في السير، واستحثوه على المسير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الامام الحسن(ع) إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به .
وروي فريق من المؤرخين : ان معاوية ارسل الى الحسن صحفة بيضاء مختوماً على اسفلها بختمه ، وكتب إليه :
<< أن اشترط في هـذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت ، فهو لك >>(1)

وهنا وجد الإمام نفسه أمام طريقين لا ثالث لهما، فإما القتال والتضحية بأولئك الأوفياء المخلصين ، وإما الرضوخ لشروط الصلح ، والصبر على الألم ، وأخيراً آثر الصلح الذي كان من بنوده :

المادة الأولى : تسليم الأمر إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وبسنة نبيه (ص) وبسيرة الخلفاء الصالحين .(2)

المادة الثانية : أن يكون الأمر من بعده (3) للإمام الحسن(ع) فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين عليه السلام (4) ، وليس لمعاوية أن يعهد بعده لأحد .(5)

المادة الثالثة : أن يترك سب أمير المؤمنين(ع) والقنوت عليه بالصلاة (6) ، وأن لا يذكره إلاّ بخير.(7)

المادة الرابعة : استثناء ما في بيت مال الكوفة ، وهوخمسة الآف ألف فلا يشمله تسليم الأمر . وعلى معاوية أن يحمل إلى الحسين كلّ عام ألفي ألف درهم ، وأن يفضل بني هاشم في العطاء والصِّلات على بني عبد شمس ، وأن يرفق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل و أولاد من قتل معه بصفّين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك من خراج دار ابجرد .(8)

المادة الخامسة : << على أنّ الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله ، في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم ، وأن يؤمّنَ الأسود والأحمر، وان يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم ، وان لا يتبع أحداً بما مضى ، وأن لا يأخذ أهل العراق باحنة >> .(9)

<< وعلى أمان أصحاب عليّ حيث كانوا ، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه ، وأن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم ، وأن لا يتعقّب عليهم شيئاً ، ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ، ويوصل إلى كلّ ذي حـقٍّ حـقّه ، وعـلى ما أصاب أصحاب عليّ حيث كانوا ... >> .(10)

<< وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ، ولا لأخيه الحسين ، ولا لأحد من أهل بيت رسول الله ، غائلةً ، سراً ولا جهراً ، ولا يخيف أحد منهم ، في أُفقٍ من الآفاق >> .(11)

الخـتـــام :
قال ابن قتيبة : << ثم كتب عبد الله بن عامر "" يعني رسول معاوية إلى الحسن (ع) "" إلى معاوية شروط الحسن كما أملاها عليه ، فكتب معاوية جميع ذلك بخطّـه ، وختمه بختمه ، وبذل عليه العهود المؤكّـدة ، والأيمان المغـلَّظة ، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام ، ووجّه به إلى عبد الله بن عامر ، فأوصله إلى الحسن عليه السلام >>(12)

وذكر غيره نصّ الصيغة التي كتبها معاوية في ختام المعاهدة فيما واثق الله عليه من الوفاء بها ، بما لفظه بحرفه .
<< وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك ، عـهد الله وميثاقه ، وما أخذ الله على أحـد من خلفه بالوفاء ، وبما أعطى الله من نفسه >> .(13)

وكان ذلك في النصف من جمادي الأُولى سنة 41 – على أصح الروايات -
ومن الحق ان نعترف للحسن بن علي عليهما السلام على ضوء ما أثر عنه من تدابير ودساتير هي خير ما تتوصّل إليه اللباقة الدبلوماسية لمثل ضروفه من زمانه ، بالقابلية السياسية الرائعة التي لو قدر لها أن تلي الحكم في ظروف غير هـذا الظرف ، وفي شعب أو بلاد رتيبة بحوافزها ودوافعها ، لجاءت بصاحبها على رأس القائمة من الساسيين المحنّكين وحكّام المسلمين الّلامعين .(14)

ومن تصريحات معاوية بعد الصلح فيما يمت إلى معاهدته مع الحسن (ع) قوله فيما يرويه عنه كثير منهم ابن كثير .(15)
<< رضينا بها ملكاً >> وقوله في التمهيد لهذه المعاهدة قبل الصلح فيما كان يراسل به الحسن (ع) : << ولك أن لا يستولي عليك بالإساءة ولا تقضي دونك الأمور ولا تعـصي في أمر >> .(16)

ويكفينا من تصريحات الحسن (ع) ما قاله أكثر من مرّة في سبيل إفهام شيعته حيثيات صلحه مع معاوية : << ما تدرون ما فعلت والله للذي فعلت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس >> . وما قاله مرّى اُخرى << إلا أن أدفع عنكم القتل >>(17) . وما قاله في خطابة – بعد الصلح - << أيّها الناس إنّ الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا ، وقد سالمت معاوية ، وإنْ أدري لعلهُ فتنةٌ ومتاعٌ إِلى حينٍ >> .(18)

والحديث الذي يهمنا هو اثبات نفاق معاوية بن ابي سفيان ، حيث قال رسول الله (ص وآله) لعلي بن ابي طالب (ع) : << يا علي فلا يحبك إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضك إلاّ منافق كافر >> .

الاتفاق شريعة المتعاقدين والاتفاق ليس جديد او لأول مرة يحدث بين الامام الحسن (ع) وبين اللقيط معاوية بن هند آكلة الاكباد ، فسبقه " صلح الحديبية " بين رسول الله (ص وآله) وبين مشركي قريش ، وبعده الاتفاقية بين علي بن ابي طالب (ع) وبين معاوية ، والاتفاقيات كانت هي حقن للدماء واخذ الفرصة للمستفيد منها لتصحيح خططه او افكاره ... وكان الطرف النبوي في الاتفاقيات الثلاث ملتزم بروح وحذافير البنود ، بينما نرى الطرف الآخر غير ملتزم وكان يعتمد على المكر والخداع ، كان في الاتفاقيتين الاولى والثانية فيها فترة زمنية حتى ظهر الطرف الاموي خذله للمعاهدة ، بينما معاهدة الصلح الأخيرة لم يتريث معاوية وإنما خرج الى النخيلة في الكوفة وخطب كما في رواية المدائني :

<< يا أهل الكوفة ، أتروني قتلتكم على الصلاة والزكاة والحجّ وقد علمت انكم تصلون وتُزكّون وتحجّون ؟ ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وأليَّ رقابكم ، وقد أتاني الله ذلك وأنتم كارهون ! ، ألا أنّ كل دم أُصيب في هـذه الفتنة مطلول ، وكل شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين !! ، ولا يصلح الناس إلا ثلاث إخرج العطاء عـند محلّة ، وإقفال الجنود لوقتها ، وغـزو العدو في داره ، فإن لم تغزوهم غـزوكم >> ...
وروي أبو الفرج الأصفهاني عن حبيب بن ابي ان ابي ثابت مسنداً ، انه ذكر في هـذه الخطبة علياً فنال منه ، ثم ّ نال من الحسن . (19)
وزاد أبو إسحاق السبيعي (20) فيما رواه من خطبة معاوية قوله : << ألا وأنّ كلّ شيء أعطيت الحسن بن علي تحت قدميّ هاتين لا أفي به !!! >> .


ـــــــــــ يتبــــع ـــــــــــ رجاءااااااااااااااااااااااااا