تُعَلّق والدته "بذلة رسمية" صغيرة لطفل مفقود كان من المفترض ان يرتديها بعد يومين لتسلم "شهادة" نجاحه من الصف الثاني الابتدائي الاسبوع المقبل، زهو الام بوحيدها سيف (8 اعوام) الذي قتل في انفجار حسينية الزهراء عند السابعة والنصف من مساء الخميس (16 آيار 2013) بكركوك، لم يتبق منه لحظة الفجيعة سوى حكايات ذلك الطفل وبذلته المعلقة على حاط مشروخ جرّاء قوة الانفجار الذي اودى بحياة خمسة قتلى واصابة 45 شخصا بجروح.

وبينما يسرد الاب بذهول، مقتل طفله سيف الذي رزق به بعد بعد 10 اعوام من الانتظار عقب الزواج، بمرارة الفقد وحسرة موت، فيما صديق سيف الاثير، يعلق بصوت مختنق "كان بارعاً بتسجيل الاهداف، بموته اخذ كل شيء ورحل، من سيلعب معي بعده".
كان ابو سيف، قد فقد قبل يومٍ واحدٍ فقط، ثمانية اشخاص من اقربائه بسلسلة تفجيرات مروّعة وقع احدها قرب دائرة الرقابة المالية في (15 آيار 2013)، ولم يكن يتوقع ان يفقد طفله الوحيد في تفجير انتحاري استهدف عزاء قتلى الامس، ويروي ابو سيف لـ"السومرية نيوز".. "يا الهي.. امس (قبل اربعة أيام) فقدت ثمانية من اقاربي في تفجير، واليوم فجروا مجلس العزاء، من ماتوا ابرياء ومن بينهم طفلي الوحيد سيف، وهو تلميذ في الصف الثاني الابتدائي".
ويشير بصوت متكسر الى ان "سيف كان ينتظر استلام شهادة نجاحه من الصف الثاني الابتدائي الاسبوع المقبل، كان قد انهى الامتحانات قبل التفجير بيومين، شعر بسعادة بداية العطلة الصيفية، وفرحا بالبذلة الانيقة التي اشتريناها له لتسلم شهادته من مدرسته التي يعمل جده بها حارسا".

يشعر الاب بخسارة فادحة، الطفل الوحيد الذي رزق به بعد عقد من الانتظار عقب الزواج، يقتل بلحظة، يقول محمد والد الطفل ان "الله رزقني سيف بعد اكثر من 10 اعوام من الزواج، امه اشترت له بذلة رسمية (قاط)، كأي عريس، ليتسلم بها شهادة نجاحه، لكن فرحتنا لم تتم، ولن تتم ابدا بعد فقد سيف".
ويُعَلّق بعد ان يجهش ببكاء مر.. "لا املك غيره او اعز منه في هذه الدنيا، قتلوا ابني الوحيد، كيف ستصمد امه امام هذه الخسارة، هي الان تجمع ملابسه كل لحظة وتنوح على طفلها الذي حرصت طيلة عامين على ايصاله الى المدرسة صباحاً لتودعه بحفظ جده ومعلميه، الان لم يعد هناك من صباح فيه سيف".
ويستعيد ابو سيف مشهد الحادثة، مبينا انه "عند الساعة السابعة والنصف، تجمع المعزون بضحايا تفجيرات كركوك في يوم سابق، استعداداً لصلاة المغرب في حسينية الزهراء، كنت على مقربة منها، لحظتها هز انفجار عنيف الحسينية، تناثرت الجثث والاشلاء والجرحى في المكان، الناس تدافعت، لحظتها لم استطع التفكير، ذهلت جميع من في الحسينية هم اقاربي، وبينهم طفلي".
علي حسين (11 عاما) صديق سيف الاثير، يجد ان فقدانه لصديقه "امر لا يصدق"، ويضيف.. "سيف كان بمثابة اخ لي، كنا نلعب ونقرأ سوية، وكان والده قد اشترى له ملابس جديدة، ووعدني انه سيرتديها عند تسلم شهادة النجاح، كان متلهفا لمعرفة النتيجة".
ويبين حسين انه "في اليومين الذيّن سبقا التفجير، طوال الوقت كنا نلعب كرة القدم، استمتعنا كثيرا، كان سيف ماهرا في تسجيل الاهداف، (...) عصر الخميس وبعد الانتهاء من اللعب، ذهبت الى البيت لاستريح، حينها دوى انفجار كبير في الحسينية، عرفت وقتها ان سيف مات، صديقي بموته اخذ كل شيء ورحل، من سيلعب معي بعده".
من جهتها، تقول احدى معلمات سيف، وفضّلت ان يُرمز لها بـ(ج، م)، في حديث لـ" السومرية نيوز"، ان "استشهاد سيف نزل كالصاعقة على جميع المعلمات، الجميع يبكي سيف، كنا قد وعدنا بتوزيع النتائج الاسبوع المقبل وكان سعيدا في المرة الاخيرة التي اخذه بها والده لشراء ملابس جديدة".
وشهدت كركوك (255كم شمال العاصمة بغداد)، يومي الاربعاء والخميس (15،16 أيار 2013)، تفجير سيارتين مفخختين الاولى انفجرت قرب دائرة الرقابة المالية في حي التسعين، والثانية قرب دائرة شباب ورياضة كركوك، وخلفتا عشرات القتلى والجرحى، فيما فجر انتحاري بعدها نفسه داخل بحسينية الرسول الاعظم.
ويعرب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة كركوك احمد العسكري في حديث لـ"السومرية نيوز" عن اعتقاده في إن "أسلوب الهجمات التي شهدتها كركوك، من تدبير وتنفيذ تنظيم القاعدة عبر جناحه دولة العراق الإسلامية"، مبيناً أن "التنظيم اعتمد تكتيك زيادة معدل الانفجارات واستهداف المدنيين العزل".
ويرى ان "المحافظة بحاجة إلى قوات أمنية إضافية، وتفعيل الجهاز الاستخباري الذي يوفر قاعدة معلوماتية تساعد على منع حدوث أي خرق امني"، منوها الى ان "الازمات السياسية التي تعصف بالبلاد يستغلها تنظيم القاعدة بشكل كبير".
ويطالب العسكري الحكومة العراقية بـ"دعم عمل الأجهزة الأمنية وتعزيز قدراتها لأنها بحاجة ماسة للدعم البشري والمادي واللوجستي"، معتبراً أن "دعم الأجهزة الأمنية سيساهم في الحد التفجيرات".
من جهته، يكشف المحلل السياسي علاء السالم في حديث لـ"السومرية نيوز"، ان "تنظيم القاعدة نقل اكثر من 75% من قادته المحليين وعناصره الى كركوك وضواحيها للعمل على تنفيذ مخطط معد له لاستهداف المحافظة بسلسلة تفجيرات منظمة".
ويلفت الى ان "تصاعد وتيرة العنف الطائفي في العراق له ارتباط بنحو 90% فيما يحدث بسوريا، فالحرب هناك اخذت منعطفا خطيرا، وباتت حربا بين السنة والشيعة، الامر الذي انعكس على تصاعد معدلات استهداف المساجد والحسينيات في العراق، هي حرب بالانابة".


أكثر...