اِلْتِمَاس الْبَرَكَة مِمَّا لامَسَهُ الصَّالِحُونَ

صحيح البخاري/ كتاب المناقب/ بَاب صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4 : 164 دار الفكر - بيروت) :

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ أَبُو عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ بِالْمَصِّيصَةِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، قَالَ شُعْبَةُ وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ. وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ، فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنْ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنْ الْمِسْكِ. انتهى

فهذه الرواية دلت على تبرك الصحابة بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وثمة رواية أخرى تدل على تبركهم بماء وضوئه صلى الله عليه وآله وسلم، وهي التالية:
صحيح البخاري/ كتاب الصلاة/ بَاب الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ (1 : 99 دار الفكر - بيروت) :

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ بِلالاً أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ الْعَنَزَةِ. انتهى، ورواه البخاري ثانياً في كتاب اللباس/ باب القبة الحمراء من أدم.

ورواه مسلم في صحيحه/ كتاب الصلاة/ باب سترة المصلي.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ضمن تعليقه وشرحه لهذه الرواية:
"وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ الْفَوَائِدِ: اِلْتِمَاس الْبَرَكَة مِمَّا لامَسَهُ الصَّالِحُونَ...".

وقال بدر الدين العيني في عمدة القاري (4 : 1 دار إحياء التراث) :
"وقوله (يبتدرون) أي : يتسارعون ويتسابقون إليه تبركاً بآثاره الشريفة..." إلى أن قال: " وفيه: التبرك بآثار الصالحين".

ونقرأ رواية أخرى في صحيح مسلم تدل على أن الصحابة كانوا يطلبون من النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يغمس يده في الماء طلباً للبركة، وهي الرواية التالية:

صحيح مسلم/ كتاب الفضائل/ بَاب قُرْبِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ النَّاسِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِهِ (7 : 79 دار الفكر - بيروت) :
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي النَّضْرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ يَعْنِي هَاشِمَ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ الْمَدِينَةِ بِآنِيَتِهِمْ فِيهَا الْمَاءُ فَمَا يُؤْتَى بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا فَرُبَّمَا جَاءُوهُ فِي الْغَدَاةِ الْبَارِدَةِ فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِيهَا. انتهى

وفي المصدر نفسه (عقب الرواية السابقة مباشرة) رواية تفيد أن الصحابة كانوا يحرصون على أن يتلقوا شعر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في أيديهم عندما يحلقه له الحلاق، طلباً للتبرك به، وهي الرواية التالية:

صحيح مسلم/ كتاب الفضائل/ بَاب قُرْبِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ النَّاسِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِهِ (7 : 79 دار الفكر - بيروت) :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَلاَّقُ يَحْلِقُهُ وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ. انتهى

قال النووي شارح صحيح مسلم (شرح مسلم 15 : 82 دار الكتاب العربي) معلقاً على الروايتين المذكورتين:
" وفيه التبرك بآثار الصالحين، وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم، وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآنية، وتبركهم بشعره الكريم، وإكرامهم إياه أن يقع شئ منه إلاَّ في يد رجل سبق إليه..." الخ كلامه.

ونختتم هذا الاستعراض الموجز برواية البخاري التالية:
صحيح البخاري/ كتاب الوضوء/بَاب الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَانِ (1 : 5 – 51 دار الفكر - بيروت) :

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ. فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. انتهى



منقول