ياقوت الحموي (574 -626هـ / 1178 -1229م)
ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي شهاب الدين رحالة جغرافي أديب شاعر لغوي، ولد ببلاد الروم، وهو عربي الأصل من مدينة حماة ، وقد أسر الروم والده في غارة لهم على مدينة حماة، ولم يستطع الحمدانيون فداءه مثل غيره من العرب فبقي أسيرا بها وتزوج من فتاة رومية فقيرة أنجبت "ياقوتا". وانتقل إلى بغداد وهو طفل، وكان واليه التاجر عسكر بن أبي نصر البغدادي، وعامله عسكر معاملة الابن، وقد حفظ القرآن الكريم في مسجد متواضع هو المسجد الزيدي بحارة ابن دينار على يد مقرئ جيد وتعلم القراءة والكتابة والحساب، وحين أتقن ياقوت القراءة والكتابة راح يتردد على مكتبة مسجد الزيدي يقرأ بها الكتب وكان إمام الجامع يشجعه ويعيره الكتب ليقرأها.
وعلمه عسكر شئون التجارة وعمل معه بمتجره، وسافر معه إلى عدة بلاد وكانت أولى أسفاره إلى جزيرة كيش في جنوب الخليج العربي، وكانت جزيرة شهيرة في وقتها بالتجارة. وتوالت أسفار ياقوت إلى بلاد فارس والشام والجزيرة العربية وفلسطين ومصر، وحين اطمأن عسكر لخبرته بالتجارة مكث في بغداد وكان ياقوت يسافر بمفرده وكان أثناء رحلاته يدون ملاحظاته الخاصة عن الأماكن والبلدان والمساجد والقصور والآثار القديمة والحديثة والحكايات والأساطير والغرائب والطرائف.
وفي عام 597هـ -1200م ترك ياقوت تجارة عسكر وفتح دكانا متواضعا بحي الكرخ ينسخ فيه الكتب لمن يقصده من طلاب العلم، وجعل جدران الدكان رفوفا يضع بها ما لديه من الكتب التي اشتراها أثناء رحلاته أو الكتب التي نسخها بيده من مكتبة مسجد الزيدي. وكان في الليل يفرغ للقراءة، وأدرك ياقوت أهمية التمكن من اللغة والأدب والتاريخ والشعر فنظم لنفسه أوقاتا لدراسة اللغة على يد ابن يعيش النحوي، والأدب على يد الأديب اللغوي العُكْبُري.
وعندما بلغ ياقوت خمسا وعشرين سنة وتمكن من العلوم المختلفة وشعر أن خبراته الجغرافية قد نضجت عاود السفر مرة أخرى، وعمل في تجارة الكتب، فزار فارس ولقي علماءها وأدباءها وسافر إلى الشام وزار موطنه الأصلي حماة. وزار نيسابور وتزوج هناك ومكث عامين، ولكنه لم يستطع الاستقرار طويلا فعاود السفر وتجارة الكتب مرة أخرى بين مدائن خراسان، ومر بمدينة هراة وسرخس ومرو، وكانت مدينة جميلة، فقرر أن يمكث بها فهي مركز ثقافي هام، وكان ياقوت يختبر ما يسمعه من أخبار عن المدينة فقد سمع مثلا عن أهالي مرو أن هم بخلاء، ولكنه وجدهم ليني الأخلاق، يؤثرون الاقتصاد والاعتدال ويكرهون الإسراف وفي مرو وضع عددا من الكتب، وبدأ في إنجاز مشروعه الكبير لتأليف معجم جغرافي يدون به أسماء البلدان وما سمعه ورآه عنها محققا أسماءها ذاكرا لموقعها الدقيق مراعيا الدقة والتحقيق ذاكرا خطوط الطول والعرض وموضحا لتاريخها وحكاياتها وأخبارها، وهو: معجم البلدان
ومع اجتياح المغول لمرو هرب ياقوت الحموي إلى الموصل وأنجز بها معجم الأدباء، وسافر بعد ذلك إلى حلب وكان في رعاية واليها الوزير والعالم المؤرخ الطبيب القفطي الذي رحب به وجعل له راتبا من بيت المال وقد كان ياقوت معجبا بالوالي لعلمه فقد قرأ كتبه في بغداد، وقضى ياقوت في حلب خمس سنوات أنهى فيها الكتابة الأولى لمعجم البلدان وكان قد بلغ من العمر خمسة وأربعين عاما.
ويروى أن سبب تأليف ياقوت لهذا المعجم أن سائلا قد سأله عن موضع سوق حُباشة بالضم ولكنه نطقها بالفتح وأصر على صحة نطقه وتحقق ياقوت من صحة نطق الاسم فتأكد من صواب نطقه هو للاسم فقرر أن يضع معجما للبلدان.
وعاود ياقوت السفر مرة أخرى إلى سورية وفلسطين ومصر وكان يودع دائما المعلومات الجديدة التي يجمعها في معجمه فظل يصحح فيه ويضبطه إلى أن حان أجله عام 626هـ -1229م في حلب، وقد طلب من صديقه المؤرخ ابن الأثير أن يضع نسخة من كتابه في مكتبة مسجد الزيدي ببغداد الجامع الذي شهد أولى مراحله التعليمية. وقد طلب القفطي منه أن يختصر المعجم لكنه رفض لاعتقاده أن الاختصار يشوه الكتب ويفقدها الكثير من قيمتها العلمية.
ومن أهم مؤلفاته في الجغرافيا: مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع . و المشترك وضعا من أسماء البلدان والمختلف صقعا من الأقاليم . و معجم البلدان .
ومن مؤلفاته الأخرى: معجم الأدباء . المقتضب في النسب . أنساب العرب . أخبار المتنبي
ولد ياقوت الحموي سنذ 178ا م في اليونان من أب وأم إغريقيين وفي شبابة التحق كجندي في الأسطول البيزنطي في البحر الأبيض وفي إحدي المعارك البحرية بين المسلمين والرومان سقط أسيراً في قبضة المسلمين وكان أسرى الحرب أثناء الحروب الصليبية في العالم الاسلامي يؤخذون كعبيد ويباعون الي الاسر المسلمه لترعاهم وتعلمهم
وكان ياقوت الحموي من نصيب أسرة مسلمة من الشام وكان من عادة المسلمين أن يطلقوا على العبيد أجمل الأسماء وأكرمها مثل ياقوت وزمردة ومصباح.. فأطلق عليه سيده اسم ياقوت ونسبه الي أسرته الحموية.. فسمي ياقوت الحموي.. وابتدأت الأسرة تعلم ياقوت اللغة والدين.. وعندما لمحوا فيه ذكاء اعتمدوا عليه في شئون التجارة.. واعتنق ياقوت الإسلام طائعاً مختاراً.. فحرره سيده من العبودية وأشركه معه في التجارة وأصبح ياقوت وكيلاً وشريكاً يسافر إلى أنحاء العالم الإسلامي. ومع كثرة الأسفار وحب الثقافة والاطلاع تحول ياقوت إلي الكتابة والتأليف بالعربية الفصحى حول مشاهداته في البلاد الإسلامية فكتب في الجغرافيا موسوعة ضخمة هي (معجم البلدان). بل تبحر في الأدب العربي فألف كتاب "ارشاد الأريب الى معرفة الأديب " عن تاريخ الأدب والأدباء في العالم الإسلامي ويقول سارتون عن ياقوت الحموي إنه أصبح واحداً من أعظم الجغرافيين لا في العالم الإسلامي وحده بل في التاريخ الإنساني كله.
فهذه القصة تدلنا علي حقيقة هامة وخطيرة.. وهي أن الإسلام بتعاليمه ونظامه قد خلق من الجندي الأغريقي الجاهل واحداً من أعظم علماء التاريخ وأن الإسلام كدين وتعاليم كان دائما صانع الحضارات.. ومنشىء العلم والعلماء. ولوكان الأمر بالعكس وسقط ياقوت في أسر الرومان لجعلوه طعاماً للوحوش.


منقول