أحادِيثُ الأرصِفَة لَا تَكُونُ مَسبوقَةً بِوَعدٍ وَلا تُنَقَّحُ قَبلَ الإدلاءِ بِها وَلا تُنَمَّقْ ،
هِيَ أحادِيثُ أرواحٍ تَتَصادَمُ فَتَقِفُ بُرهَةً
لَتَتَفَحَّصَ المَلامِحَ وَ تُفَتِّشُ فِي جِيوبِ الذَاكِرَةِ العَتيقَةِ عَنها

أرواحٌ تَسحَبُ كَراسِي الراحَةِ الفَارِغَةِ مِن تَحتِ طَاوِلَةِ الهُدوءِ المَعطوبَة ،
مِن بَعدَ الإفاقَةِ مِن غَفوَةِ نِسيانِ الأوجُوهِ وَ الأصواتِ يَبدأُ إلقَاءُ السَلامْ
وَ تَحتَضِنُ العَينَ العَينْ وَ تُقَبِّلُ الكَفَّ الكَفّْ
وَ مَع مُوسيقَى المَطَرْ
وَ وَقعُ أقدامِ المَارَّةِ عَلى ظَهرِ الأرصِفَةِ العارِيَةِ مِن الدِفءْ
وَ ضَجيجِ الملَاعِقِ دَاخِلَ أقداحِ القَهوَةِ
يَعلو لِتَنعَمُ قِطَعُ السُكَّرِ بِالذَوابانِ فِي قَلبِ مَن تُحِبْ حِينَها يَبدأُ الكَلامْ ...







- يَا صَديقي .. أتَرى كَيفَ هِيَ الطُرُقُ مُكتَظَّةٌ بِأرواحِ العَاشقِينْ ...
وَ أنا ، أنَا لَيسَ لِي فِي زِحَامِ قُلوبِهم الهَائِمَةُ أحَدْ !


لا تَحْزني ! فَهُم يَضْحكونَ يَومًا ، ويَبكونَ بعْدَها دَهرًا ..
لَديكِ ما تَفخَرينَ به ، غَير الحَبيب !

سَئِمتُ مُدارَاةَ بَشاعَةِ الحُزنِ بِدَاخِلي
وَ سَئِمتُ التَغاضِي عَن الفَجوَةِ المُغرِيَةَ التِي خَلَقَها لِلسُقوطِ فِيه !


لا تُدَاري مَا أضْناكِ مُداراتُه ،
وأطْلقي " لعَقلكِ " العَنانَ ، فواللهِ ما سَنَدكِ غَيرهُ ،
وامّا فجوتُهُ ،
فَهي كَوردةٍ لاحِمةٍ تُغري الفَراشةَ لتُمزقَها !

تَأخَّرتِ الحَياةُ كَثيرًا وَ مَا أوفَتْ بِوَعدِها ،
وَ أنا عَلى رَصِيفِ البُسَطاءِ أقِفُ بِحِذَاءٍ مَثقوبْ ،
أنتَظِرُ مَوعِدًا بَاتَتْ أصابِعُ الصَبرِ النَاتِئَةِ مِن ثُقبِ حِذائِي
تَظُنُّ أنَّها حَتَّى بِوُصولِهِ سَتُبتَرْ !!



ومنْ قَال إنّها سَتفي بِشَيء !
لا تَنْتَظِري الحَياة ، ولا تَتَبعِيها ، ما تَزيدُكِ الا وَهنًا ،
وما تَمْتَحِنُكِ الا خُبثًا ، ولا تَرتَاحينَ مِنْهَا ولاَ بِهَا ،
فَهيَ أرضُ اخْتِبار ، ودَارُ انْتِظار ، فاليومُ عُمرُ ، وغدًا أمرُ !

أشيائِي البَريئَةُ مَا عَادَتْ بَريئَة ،
أشيائِي الصَغيرَةُ مَا عادَتْ صَغيرَة ،
أشيائِي المُقَدَّسَةُ أصبَحتُ أُدرِجُها فِي قَوائِمِ الرَذيلَة ،
وَ شَيءٌ كَبيرٌ مِنِّي تَلِفَ فِي عَالمِ الحَربِ وَ الحُبِّ هَذا !



البَريءُ مُغَفّل !
وأشيَائُكِ فهيَ تَعْكِسُكِ ، ومُقَدَسَاتُكِ إنْ عزّيِتها عزّتكِ ،
" وشيٌ كبيرٌ منِّي تَلف "
جَيّد بَقيَ لكِ مَا تَبْنِينَ عَليه !

ممم أخبِرني إذًا لِمَاذا لا يَطِيبُ الحَديثُ إلَّا عَلى رَصِيفِ الذِكرياتْ ؟
فَهَانَحنُ نَتَكِئْ عَلى عَامودِ العَقلْ وَ ضَوءُ القَلبِ مَعطوبْ
نَتَدَفَّئُ بِعُودِ ثِقابِ أمَلٍ مُبتَلْ وَ لا يَنقُصُنا سِوى قَهوَةٍ مُرَّةٍ جِدًا حَدَّ الِّلذَة ،
لا أحتاجُ أن أشرَحَ لَك جَمالَ هَذَا التَنَاقُضْ ،
وَلَكِنْ أنَّى لَنا بِمَقهى فِي هَذِهِ السَاعَةِ مِن العُمرْ وَ جَيبُ الأُمنياتِ خَالِ ؟!

لانَّ المُسْتَقبلْ بِلا مَشاعِر ،
حِجَارةٌ صَامتةٌ ، تَخيّلي .. أُنَاس بِلا مَلامح " عَاطفيّة " ،
هكَذا النَاسُ في المُسْتَقبلِ ، ومعَ الأيّام تَتّضحُ الوُجوه .
فعدوّ اليَومْ ، قَد لا يَسْتَمِرْ

أنا لا أعتَرِفُ بِعَالمٍ بِلا مَشاعِرْ ،
أنا لا أعتَرِفُ بِحروفٍ بِلا نِقاطْ ،
بِنَصٍ بِلا تَشكِيلْ وَ فَواصِلَ وَ مَسافاتْ ...
ممم أنا كَذَلِكَ لا أعَتَرِفُ بِالمَسَافاتْ فِإذَا إلتَقَتِ العُقولْ
هَذَا يَكفِي أن تَتَقَلَّصَ المَسافاتُ وَ تَختَفِي ،
لاحِظْ قُلتُ العُقول


نَحنُ تَفْصِلُنا المَسَافَات ، وتُقَربُنا العَلاقَات ،
امّا الماضَي فَلألمهِ لذّة ، والمُستَقبلُ يَعنيهِ الطُموح ،
فَنحنُ لا نَتَغنّى بالمُسْتَقبل لاننا لَمْ نَعشه ،
والمَاضي .. فَجَرحُه غَائرٌ وباقٍ أَبدًا
تَضْحَكينَ لأمرٍ مُضْحكِ لمرةٍ او مرتَان ،
والأُولىَ ليسَتْ بِمثلِ الثَانيةْ ، ولكنّكِ تَبكينَ لجِراحِكِ بِنفسِ المَرارَة ،
للمرّة الألفْ !

أعجَمِيَّة كَانتْ أم عَرَبِيَّة القَلبُ وَاحِدْ وَ الدَمُ أحمَرٌ قَانِي
وَ الحُزنْ مم لِنَقُلْ أنّهُ ضَيفٌ ثَقيلْ
لا أُريدُكَ أن تَحزَنْ كَثيرًا عَلى مَوتِ الحُبِّ بِدُنيَا قَلبِي يَا صَديقي ،
وَلا تَحزَنْ عَلى تِلكَ النُدوبِ التِي أريتُكَ إيَّاها
فَهِي لا تُؤلِمُ كَثيرًا إلَّا إذا نَكشتُها !
وَ لا تَأسَفْ عَلى الوُعودِ المَنقوضَة فَمَن مِنَّا وَفَّىَ بِوَعدِ البَقاءْ وَ لَمْ يُغادِرْ دُنياه ،
وَ مَنْ مِنَّا يَستَطيعْ !؟
ممم أسَبَقَ لِي أن أخبَرتُكَ بِأنَّ الوَقتَ مَعكَ مُمتِع


الجَرحُ ليسَ جرحًا ان لمْ يُقُضّ مضجَعكِ !
هي الدُنيا يا صَديقَتي ، هي الدُنيا
ممم ومعكِ الوَقتُ كأنهُ عَدّاءِ ، يسيرُ بسرعَةٍ خُرافيّة







- إنطَفأتْ أضواءُ الحَيِّ يَا صَديقي وَ ألسِنَةُ المُجتَمِعِ بَغيضَةٌ لا تَرحَمُ البُسَطَاءْ أمثَالِي ،
سَأُغادِرُ هَذَا الرَصيفَ الأنْ بِحِذائِي المَثقوبْ وَ قَلبِي المَجروحْ ،
وَ سَأُسدِلُ خِمارَ الصَمتِ عَلى مَلامِحَ حُزنِي
وَ أكتِمُ شَهقَةَ مَوتِ الحَياة بِدَاخِلي
حَتَّى أفرِدَ سُجَّادَةَ صَلاتِي لِأُحييها وَ أحيا بِها ..
إستَودَعتُكَ الله الذِي لا تَضِيعُ وَدائِعُه ، وَ عَلى رَصِيفٍ آخِرْ بِإذنِ الله نَلتَقِي






ممم هِيَ هَكَذا الأرصِفَة ،
رَؤُوفَةٌ بِأجسَادِ البُسطَاءِ المَاكِثينَ فِيها وَ العَابِرينْ ،
المُتعَبينَ المُنهَكِينْ مِن قَسوَةِ الحَياة
بِضعُ دَقائِقَ فِي أحضَانِها تَكفِي أن تَشُدَّ عَلى أيَادِيهمْ
وَ تَربِتُ عَلى اكتَافِهمْ وَ تَنفِظُ عَنهُمْ أترِبَةَ الذِكرَياتْ
الأرصِفَةُ لا تَصلُحُ إلَّا لِلبُسَطاءْ وَ نَحنُ هُمْ



م/ن