هل لبني هلال بقية في جزيرة العرب
اثارت هجرة بني هلال بن عامر الى بلاد مصر والمغرب العربي اشكال حول من ينتسب الى بني هلال في جزيرة العرب وكأن بني هلال هاجرت الى تلك البلاد عن بكرة ابيها بحيث لم يبقى منهم احد ... ونرى بعض الباحثين يصرون اصرارا عجيبا على ذلك .. وينفون انتساب اي قبيلة الى بني هلال بحجة انه لا بقية لهم في بلاد العرب ...
والمفروض بالباحث الموضوعي خصوصا في مجال التاريخ ان لا يجزم بالنتائج الى حد نفي كل ما يخالفها نفيا قاطعا هذا اذا كان بحثه قد استوفي جميع مفاصل القضية فكيف اذا لم يكن قد استوفى ذلك ؟
وللرد على هذه الدعوى مجال واسع يمكن اجماله في اربع نقاط :
1- لم تكن بلاد بني هلال منحصرة بنجد والعارض وان كانت تلك الديار هي المهد الاول لهذه القبيلة ... بل انها حالها حال بقية القبائل العربية التي انتشرت في الحواضر الاسلامية بعد ظهور الاسلام ... فنجد منهم اعلام في المدينة المنورة والكوفة والبصرة والشام واصبهان وغيرها من الحواضر ... واني تتبعت محدثي الكوفة فبلغ عددهم اكثر من ثلاثين محدث من بني هلال هذا واني لم استوفي كل المصادر التي تتحدث عن الكوفة ومحدثيها ..... فهل هاجر اعقاب هؤلاء الى المغرب ايضا ؟
2- ان المروي في قصص تغريبة بني هلال يذكر ان سبب الهجرة كان القحط الذي اصاب نجد .... بينما كتابات المحققين في التاريخ الاسلامي تذكر ان السبب الرئيس للهجرة هو سبب سياسي قال ابن خلدون في تاريخه : (( وكان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشأم فانتزعها العزيز منهم وغلبهم عليها وردهم على أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين ونقل أشياعهم من العرب من بنى هلال وسليم فانزلهم بالصعيد وفى العدوة الشرقية من بحر النيل فاقاموا هناك )) ومن المعلوم ان مثل هذا تركات لا تكون شاملة لكل القبيلة اذ لم يكن كلهم ممن يتابع القرامطة فمثل هؤلاء لم يشملوا بالترحيل ...
3- النصوص التاريخية المتأخرة عن هجرة بني هلال الى المغرب (سنة 490هـ تقريبا) تلك النصوص تثبت وجودهم في الجزيرة العربية ... من خلال ذكر تراجم لبعض رجالات بني هلال في مناطق متفرقة من الجزيرة ومن ذلك ما ذكره السخاوي في الضوء اللامع في اعيان القرن التاسع حيث ذكر شخصيتين من بني هلال احدهما من اهل الشام والثاني من مكة فمن الشام : محمد بن أحمد بن علي بن محمود بن نجم بن ظاعن بن دغير الشمس الهلالي الدمشقي الحنبلي المقرى وأخويه علي وعمر ... ولد في سنة عشر وثمانمائة ، ومات سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة بدمشق.
ومن مكة : محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عبد الله بن عثمان الجمال الهلالي المكي الشافعي وولده عبد الرحمن ، ولد في سنة أربع وتسعين وسبعمائة ومات سنة سبع وستين وثمانمائة .
وذكر الصفدي في كتابه الوافي في الوفيات : سهل بن محمد بن رافع بن محمد بن أحمد بن المحيي بن مالك بن رياح الهلالي، أبو المحامد الشاعر؛ من أهل حوران، قدم بغداد أيام صباه ومدح الناصر ورثى أم الخليفة، وتوفي ببعلبك سنة ثلاث وعشرين وستمائة.
وذكر المحبي في خلاصة الاثر في اعيان القرن الحادي عشر شخصية من اليمن نسبه الى قحطان اجتهادا حيث قال : ((وفي الظن أنهم يرجعون إلى قحطان لأن غالب عرب اليمن من قحطان )) .. وقال في اخر الترجمة : (( وقيل إن آل أبي الفضل ينسبون إلى بني هلال)) وكما هو واضح فانه لا يوجد في نسبه الا قول واحد وهو انه من بني هلال وان كان المصنف نسبه الى القيل اما الرأي المقابل فهو كما نرى اجتهاد محض من المصنف ...
وهذه الشخصية اليمانية هو : الشيخ الحسين بن محمد بن إبراهيم بن محمد الفقيه ابن أحمد الشهيد بن الشيخ الفقيه العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بن الفقيه أبي بكر ابن محمد بن عبد الرحمن بن الفقيه عبد الله بن يحيى بن القاضي أحمد بن محمد بن الفقيه فضل بن محمد ابن عبد الكريم بن محمد)) . كان مولده سنة 1019هــ
وذكر ابن حجر في الدرر الكامنة في اعيان المائة الثامنة إبراهيم بن محمد الهلالي ، وهو : إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عون بن مسلم بن مكي بن رضوان، الشيخ الإمام العلامة برهان الدين بن عون الهلالي الدمشقي الحنفي مفتي الحنفية بدمشق، ولد في سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وتوفي سنة ست عشرة وتسعمائة.
4- وذا قيل ان ما ذكر في النقطة الثالثة مجرد شخصيات يمكن ان تكون مهاجرة من مصر والمغرب لطلب العلم نقول اننا لاحظنا ان منهم من هو مولود ومتوفى في الشام وفي ذلك دلالة على وجود اسرة كاملة على الاقل وهذه بمرور خمسة قرون او اكثر او اقل فانها تكون عشائر كبيرة بل قبائل ... فاذا لم يتم هذا التوجيه ننتقل الى النقطة الرابعة وهي التصريح من قبل بعض المؤرخين بالتواجد القبلي لبني هلال في الجزيرة ومن ذلك تصريح ابن خلدون وهو ابناء القرن الثامن والتاسع الهجري بان بني هلال لم يهاجروا باجمعهم الى مصر والمغرب وانما كانت لهم بقية في الشام حيث قال : (( وأقام بنو هلال بالشأم إلى أن ظعنوا إلى المغرب كما نذكر في أخبارهم وبقى منهم بقية بجبل بنى هلال المشهور بهم قبلى قلعة صرخد وأكثرهم اليوم يتعاطون الفلح )) .
ويوجد لدينا نص اخر يثبت وجودهم ليس في الشام فقط بل في الحجاز ايضا وهو نص ابن العديم في كتابه بغية الطلب في تاريخ حلب حيث جاء فيه : (( من ولد هلال بن عامر بن صعصعة بنو عبد الله بن هلال منهم: رويبه بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة.قال النسابة: فقبائل رويبه بن عبد الله بن هلال بنو الهزم، وبنو عمرو، وبنو البراق، وبنو أهي، وبنو زفر، وبنو الخير، ومن هذه السبع تفرقت بطون رويبة ابن عبد الله بن هلال بن عامر، وهم أهل وبر ومدر بالحجاز إلا من شذ منهم فإنه نزل بأرض الشام، فتديروا بأرض حوران، ونزل منهم فريق بأرض زعرايا طرف البرهم بالفا وما ولاها، ونسب المحل إليهم إلى اليوم فكانوا هم ومواليهم به، ثم تخرب البلد فتفرقوا في البلاد.))
فهو يقول انهم اهل وبر ومدر في الحجاز الا من شذ منهم فانه نزل بارض الشام يعني ا ناهل الشام على كثرتهم فهم شاذون عن اهل الحجاز بمعنى ان الاصل والكثرة هناك في الحجاز .. ثم قال : (( قلت: ومن بني الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال ممن كان بالفايا عاصم ابن عبيد الله بن يزيد بن عبد الله بن الأصرم بن شعثة بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال الهلالي، وولده زفر بن عاصم وابنه العباس بن زفر وابنه زفر بن العباس وابنه عاصم بن زفر، وما زالوا يقيمون بأرض حلب )) . انظر انه يقول وما زالوا بارض حلب وابن العديم متوفي سنة (660هــ) اي بعد التغريبة بما يقرب من (170)سنة ويقول لا زالوا ....
وعلى ما تقدم لا يصح التشكيك بمن ينتسب الى بني هلال بن عامر بن صعصعة على اساس انهم جميعا هاجروا الى المغرب
علي سلمان العقيلي 26 / شعبان/ 1433هـــ