بقلم:
هيهات ما كُّل فتًى يكوُن عبَد الواحِد
* 1 *
لايتنازع اثنان في أَّن "عبد الواحد سكر" من الشخصيات العشائرية اللامعة في (الفرات
الأوسط)٬ وكانت له مكانُته المرموقة في العراق ٬ وطنياً وسياسياً واجتماعياً.
ولد في المشخاب وهي موطن عشيرته٬ وتولى تدريسه بعض المدرّسين الخصوصيين٬ * وهذا
مالم يحصل الاّ نادراً لأقرانه من رؤوساء العشائر* ولقرب (المشخاب) من النجف الأشرف ٬ وهي
عاصمة العلم والأدب٬ وكثرة تردده عليها ٬ فقد تمكن من ان ينهل من تلك الينابيع الثرة٬
ومجالسها التي هي بمثابة المدارس .
جاء في ترجمته أنه :
( أقام في بيته مجلساً للتشاور والحوار السياسي٬ ومكتبته حافلة بمصادر العلوم حتى لقبّه
الناس بالشيخ المثقف ...)
موسوعة أعلام وعلماء العراق /ج1 ص530
* 2 *
وأما مواقفه الوطنية والجهادية فحّدث عنها ولا حرج٬ فقد كان من أبطال زعماء ثورة العشرين
المجيدة.
* 3 *
جاء في بعض وثائق الاستخبارات البريطانية بأنه : "زعيٌم مقاوم عنيد ٬ لاُيغرى بشيء ٬ خاضع
لآراء علماء الدين في النجف".
ان التقرير المذكور يحاول انتقاصشخصيته بالخضوع لآراء علماء الدين في النجف٬ وتلك منقبة لا
مثلبة .
ان مواقفه الوطنية الصلبة نابعٌة من عمق تّدينه وايمانه ٬ وِصلاته العميقة بمراجع الدين وأئمة
المسلمين .
* 4 *
وحيث أننا اليوم نعيش في فترة اختلطت فيها الأوراق.. وقل فيها عشاق المكرمات٬ رأينا ان من
المفيد٬ التذكير بذلك الماضي المجيد٬ والمنهج الوطني الفريد٬ ليكون الحاج عبد الواحد سكر
قدوًة تحتذى في العراق الجديد.
* 5 *
وقد راقني ما ذكره عنه – أمير اللواء الركن المتقاعد ابراهيم الراوي – في كتابه (من الثورة
العربية الكبرى الى العراق الحديث) في أكثر من موضع وهوُيشكر على ذلك .
لقد كان (الراوي) وبحكم كونه قائداً للفرقة الأولى في الديوانية في الاربعينيات من القرن
المنصرم٬ صديقاً للحاج عبد الواحد سكر٬ فشهادته جاءت عن حس٬ وهذا ما يخلع عليها أهمية
ملحوظة.
تحّدث في ص220* 219 عن صلابته الوطنية فنقل عن (الكرنل إيدي) والذي كان عضواً في
المحكمة التي حاكمت زعماء ثورة العشرين – جوابه حين سئل: لماذا قمتم بالثورة؟.
ان عبد الواحد قال:
" نعم ٬ أنا القائد العام للثورة ٬ حاربُتُكم وأحارب كّل حكومة غير عربية".
ويبدو ان الحاج (عبد الواحد سكر ) كان الوحيد من بين من حوكموا ممن لم يشرّق ولم يغرّب في
الجواب .
وبهذا نال الإعجاب ..

ويقول في ص220 :
ان (نيو كمب) – وهو أحد الذين زاملوا " لورانس" المسّمى بملك العرب غير المتوج في الثورة
العربية في الحجاز – وقد أرسلته الحكومة البريطانية الى العراق في تموز 1940 للاطلاع على
الحالة في ذلك الوقت العصيب٬ ومعرفة ميول العراقيين واتجاهاتهم٬ فذهب مع السيد عبد
الرزاق الحسني الى المشخاب لمقابلة "عبد الواحد " والوقوف على رأيه.
" قال نيو كمب للشيخ عبد
الواحد :
أنا آتٍ من بغداد ٬ ولم اصطحب معي لا مترجم ولا ممثل غير الاستاذ الحسني بصفته الشخصية٬
وأريد ان اسمع منك شخصيا رأيك فيما أعرضه عليك الآن ٬ وأبعث به الى حكومتي في لندن أيام
شدتها .
وبعد أن أفهم عبد الواحد بالذي عناه قال الشيخ بما معناه :
نحن لانحبكم ايها الأنكليز ..!!
قالها بكل صدق وصراحة ٬ ودون لف ودوران.
وهكذا يكون القادة الشجعان وينقل الراوي ٬ ص 221 أيضاً :
ان الملك فيصل الأول طلب من الحاج عبد الواحد سكر ان يصوّت الى جانب المعاهدة ٬ عندما
كان عضواً في المجلس التأسيسي فقال له :
" أنا لا أصوت .
فالح عليه فيصل فقال
لجلالته :
سيدنا لاتلح كثيراً فاني لا أصوّت ولو أّن جلالتك كنَت بمكاني لما كنَت تصوّت .
فأنا وعشائري صرفنا أموالاً جّمة ٬ وضحايا لاعّد لها في ثورتنا على الأنكليز ٬ وبعد انتهاء الثورة
سجنوني وهّددوني ٬ وعصبوا عيني ٬ ووجهوا بنادقهم نحو صدري طالبين مني التوقيع على
وريقة أوافق فيها على حماية أو وصاية فلم أوقعها .
والآن – وأنا عضو في المجلس التأسيسي – أصوّت على معاهدة تفرض انتدابهم لمدة عشرين
سنة ٬ وفيها مضار لا حصر لها ؟
لا والله لا ولن أصوت "
واذا كـــان الشاعــر العــربي
يقول :
وانما المرء حديٌث بَْعَدُه
فكن حديثاً حسناً لمن روى
فهذا (الراوي) وهذا الحديث الوطني الحسن .
* 6 *
وجاء في المصدر نفسه ص 222 – 221 :
وقد قال عبد الواحد سكر يوماً للأمير عبد الاله – وهو في عزّ
جبروته :
" هذا العراق لأهله ٬
لا لك
ولا للانكليز ٬
وهكذا يعكس الحاج عبد الواحد سكر وطنية العراقيين وشجاعتهم وتمسكهم بثوابتهم الوطنية
والدينية والأخلاقية


منقوول