أصول وجذور قبيلة الهماوند وفروعها في لبنان
بقلم: حسين أحمد سليم
الموطن الأصلي المعتبر لقبيلة الهماوند, هو كوردستان تركيان بمنطقة وان... وأصل كلمة هماوند, مأخوذة من هوما وان, أي: ابن وان... و وان هي ولاية كردية في كوردستان تركيا, وبهجرة الهماونديين, سكنوا في منطقتي كرمنشاه وشيراز الإيرانيتين, ثم استقرّوا في منطقتي جمجمال وبازيان في كوردستان العراق...
يحدّ الموقع الجغرافي لموطن قبيلة الهماوند, من الشّمال شوان وبازيان وجبل أوكمة, ومن الجنوب أوغ صور, ومن الغرب قرحسن وشوان خاصّة, ومن الشّرق سلسلة جبال آسلوجة وبن زرد...
وكانت ولاية كوردستان, تتوسّط الأقاليم الكبرى, أذربيجان والعراق العجمي وخوزستان والعراق العربي ودياربكر... واعتبرت إحدى ولايات بلاد إيران العثماني, وجعلت من قلعة بهار, الواقعة شمالي همدان عاصمة لها, ثمّ نقلت العاصمة إلى سلطان آباد, جمجمال, المدينة الجديدة, التي بناها السّلطان المغولي, أولجانيو محمّد خدابنده 1304 – 1316 قرب جبل بيستون, وكانت تضمّ ستّ عشرة مدينة وبلدة, وهي الآتي: ألش, بهار, خفتيان, ودربند تاج خانون, دربندزنكي, دزبد, الدينون, سلطان آباد, جمجمال, شهرزور, كرمنشاهان...
تتكوّن القبيلة الهماونديّة من إحدى وأربعين فخذا, حسب ما يُروى... ولهذه القبيلة, أي الهماوند, دور ثوريّ ووطني عبر التّاريخ, وكانوا القوّة الضّاربة في صدّ كلّ عدوان, أو غزو, أو استعمار, حاربوا الإمبراطوريّة العثمانيّة, والإمبراطوريّة الفارسيّة, والإمبراطوريّة القاجاريّة, والإمبراطوريّة الإيرانيّة... وتمكنوا من الصّمود بأراضيهم, وحكموا منطقتي السّليمانيّة وكركوك حوالي إحدى عشر مرّة, وكذلك في إيران بقيادة شاه مراد خان, وأحمد هماوند الشّيرازي, وآخرهم بقيادة جوامير هماوند, وذلك في منطقتي كرمنشاه وقصر شيرين...
أبناء قبيلة الهماوند, لهم صفات الرّجولة والبطولة, أشدّاء على أعدائهم, يرفضون الذّلّ والخيانة والخضوع للإستبداد والّكتاتوريّة, ولموقفهم الوطني وعدم خضوعهم لإمبراطوريات المنطقة, تعرّضوا إلى هجرات شتّى, وخاصّة سنة 1886 بإبعادهم...
قبيلة الهماوند, هي إحدى القبائل المهمّة, والمؤثّرة في التّاريخ الكوردي, خصوصا خلال القرون الأخيرة الماضية, وموطنها يقع شرق منطقة كركوك, وتعتبر مدينة جمجمال مركزها الرّئيسي, وشهادات التّاريخ, أنّ فرسان الهماوند, قارعوا الإمبراطوريّة العثمانيّة, وظلّت المنطقة الممتدّة, ما بين كركوك ودربنديخان وبازيان, لمسافة حوالي خمسين كيلومتر تقريبا, على الطّريق الممتدّة, ما بين كركوك والسّيمانيّ, منطقة يهابها الجيش والجندرميّة العثمانيّة, واستمرّت المناوشات العسكريّة, للحدّ من اندفاع عشيرة الهماوند, وتصدّيهم الدّائم, لشكيمة الإمبراطوريّة, لجأ السّلاطين العثمانيين إلى أساليب نف, وإبعاد الهماوند إلى أصقاع بعيدة, في أرجاء الإمبراطوريّة ومن ضمنها ليبيا, الجزائر, العراق, لبنان, اليمن, ألبانيا, بلغاريا, فقد نفي الهماوند مرّتين إلى ليبيا, وبالذّات إلى الجبل الأخضر, لكن أبناء هذه القبيلة المشهورة بالشّجاعة, وقوّة الشّكيمة, قاوموا النّفي, وحاولوا العودة إلى كوردستان, رغم بعد المسافة, وانعدام وسائط النّقل, وممانعة العثمانيين لذلك...
وبحبّهم لوطنهم, وحسّهم من العودة, تمكّنوا من النّجاة, وعاد قسم منهم في سنة 1863 إلى ديارهم في منطقتي جمجمال وبازيان...
إنّ القسم الذي في ليبيا, عادوا مشيا على الأقدام, ولمدّة ستّة أشهر, تعرّضوا خلالها, لشتّى أنواع العذاب, وبفضل العالم الفلكي حمة علي غلام, جدّ سيادة اللواء محمّد صابر سليمان هماوندي, الذي كان يعرف بالنّجوم, وصلوا إلى موطنهم في جمجمال...
بذل الهماونديون نضالا وكفاحا في طريق التّحرّر القومي الكوردي, بعد إنهيار إمارة البابليّة على يدّ الإمبراطوريّة العثمانيّة من سنة 1787 حتّى عام 1918, ضدّ المذابح والتّخريب على أرض الوطن الكوردستاني...
يُروى تاريخيّا على لسان البعض من العائلات الكورديّة الهماونديّة في لبنان, أنّ بين إيران والعراق منطقة أو بلدة كورديّة تدعى شاسيان, كانت تقطنها في الماضي, جماعة من الهماوند... وفي عام 1173, استولى نفلطين زنكي على بلاد الشّام, ما اضطّرّ هذه الجماعة وعلى رأسهم الأمير علي بن مهزيار الكردي, للنّزوح إلى لبنان, والإقامة في الجزء الأوسط من سهل البقاع...
وعندما استقرّ المقام بالأمير علي بن مهزيار, تزوّج من إبنة الأمير إسماعيل الوائلي, ومنها أنجب إبنه البكر, الأمير حمو, الذي من ذرّيّته تحدّرت عائلة حميّة... وهناك رواية تقول: أنّ الأمير حمو كان يقوم برحلة صيد في منطقة غربي بعلبك, حيث عرّج على محلّة حوش باي للإستراحة, والتّزوّد بالماء, فأعجبه ما فيها من آثار رومانيّة, ومياه عذبة, ومروج وأشجار وارفة الظّلال, فقرّر الإستيطان في البلدة مع بني قومه... لكن إحدى عوائل المنطقة رفضت استقبال الوافدين الجدد يومها, وهاجمتهم قرب بلدة شمسطار, حيث دارت بين الفريقين معركة حامية, قتل أثناءها الأمير راجا في واد شمال شمسطار ر يزال يُعرف حتّى اليوم بوادي أراجا... أمّا شقيقه سليمان أو سلو, فقد نفذ بجلده, وغادر المنطقة, ميمّما شطر الشّمال, حيث حطّ رحاله في عكّار, وأقام هناك بقيّة أيّامه...
وتُؤكّد بعض الرّوايات التّأريخيّة المتوفّرة في حوزة البعض من العائلات الكورديّة الهماونديّة, أنّهم ينتمون إلى قبيلة بني ربيعة الهماونديّة... وقد قدم منهم ثلاثة فرسان من غرب العراق, هم الأمير حمو والأمير آراجا والأمير والأمير سليمان, أولاد الأمير علي بن مهزيار بن ربيعة الهماوندي, حيث وصلت بهم الأيّام وقطنوا في منطقة حراجل في قضاء جبيل, وتحت ظروف ضغط المماليك عليهم, نزحوا إلى جبل طفيل, ومن ثمّ قدموا إلى بعلبك, ومنها إلى سير الضّنّيّة, شمال غرب لبنان, حيث سمّى الأمير حمو ولده حميّة, والأمير سلمان سمّى ولده مشيك... وعشيرة حميّة بعدما سكنوا في منطقة حراجل, أتوا وقطنوا في غربي بعلبك في بلدة طاريّا... وأمّا عشيرة مشيك, فقد كان لها جبل ما زال قائما حتّى الآن, يُسمّى قطّين مشيك, بالقرب من بلدة أفقا... ومن هناك نزح بعضهم إلى سير الضّنّيّة مجدّدا, ومنهم تفرّعت عائلة آل شوك, ومنها تفرّعت عائلة آل جسّار... ومنهم من نزح إلى منطقة غربي بعلبك, وسكنوا في المنطقة المنسوبة لهم بلدات وقرى ومزارع بيت مشيك... وكما يُروى فقد انبثق من عشيرة آل مشيك عائلات كثيرة, جسّار, شوك, الجمل, الحاج أحمد, صبرا, أبو خليل, مشيمش, الأتات, أيوّب, الضّيقة... وغيرهم من العائلات... ويُروى أيضا أنّ هناك من نزح للعيش في بلاد الجنوب اللبناني, ولُقّبوا بالأتارسة ومنهم عائلة الجميّل وعائلة دعيبس...
ومن الأرجح أنّ أجداد العائلات الكورديّة الهماونديّة, قدموا إلى لبنان في زمن صلاح الدّين الأيّوبي, واستوطنوا في العديد من البلدات والقرى التي حلي لهم فيها السّكن... ومن ثمّ تحت ظروف إجتماعيّة وقبليّة وعشائريّة ضاغطة, توزّعوا في العديد من المناطق والبلدات والقرى اللبنانيّة...
من أهمّ العائلات المنحدرة من جذور كورديّة هماونديّة في لبنان... صبرا, شوك, جسّار, الضّيقة, أيّوب, مشيك, أبو خليل, حميّة, الحاج أحمد, الأتات, الجمل, حراجلي... يتوزّعون في العديد من البلدات والقرى اللبنانيّة في البقاع, طاريّا, السّعيدة, قرى ومزارع بيت مشيك, شمسطار... وفي الجنوب, كفرحتّى.. والشّمال, عكّار... وجبل لبنان, حراجل... وبيروت وضواحيها, الليلكي وصحراء الشّويفات والجناح... وبلاد الإغتراب...
يتبيّن من الوثائق التّحقيقيّة العثمانيّة الرّسميّة مع المنفيين الكورد الهماونديين في ليبيا, أنّهم عرّفوا أنفسهم باللقب الكوردي, مثل حسين آغا الكوردي وسليمان آغا الكورجي, واليوم يُقيمون في المدن الليبيّة, بنغازي, سيرت, مصراتة... ويُعرفون بإسم: قبيلة أكراد, يُزاولون مهنة التّجارة, ويشتهرون بحسن المعاملة ونظافة اليد والصّدق, ويفتخرون بقوميتهم الكورديّة, مقابل الآخر, ويُردّدون "بهت أنا كوردي" بمعنى أنظر أنا كوردي... ولديهم مقبرة خاصّة بهم في مركز سلوط جنوب مدينة بنغازي...