الْأَمْرُ هُوَ: قَوْلٌ يَسْتَدْعِي بِهِ الْقَائِلُ الْفِعْلَ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فَأَمَّا الْأَفْعَالُ الَّتِي لَيْسَتْ بِقَوْلٍ فَإِنَّهَا تُسَمَّى أَمْرًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ , وَكَذَلِكَ مَا لَيْسَ فِيهِ اسْتِدْعَاءٌ , كَالتَّهْدِيدِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] , وَكَالتَّعْجِيزِ مِثْلِ قَوْلِهِ: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13] , وَكَالْإِبَاحَةِ مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنَ النَّظِيرِ لِلنَّظِيرِ , وَمَا كَانَ مِنَ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى , فَلَيْسَ بِأَمْرٍ كَقَوْلِنَا: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَإِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةٌ وَرَغْبَةُ الِاسْتِدْعَاءِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ , لَيْسَ بِأَمْرِ حَقِيقَةٍ , يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ:
مَا أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزَجِيُّ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ , نا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ , نا خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ , نا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , نا أَبِي , عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ , قَالَ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ , عَنْ عُرْوَةَ , عَنْ عَائِشَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَضْلُ الصَّلَاةِ بِالسِّوَاكِ , عَلَى الصَّلَاةِ بِغَيْرِ سِوَاكٍ سَبْعِينَ ضِعْفًا» وَأَنَا الْقَاضِي أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ , نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ , نا أَبُو دَاوُدَ , سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى , أنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ , عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» فَقَدْ نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِلَى السِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ , وَأَخْبَرَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي , أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ إِلَيْهِ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِلْأَمْرِ صِيغَةٌ فِي اللُّغَةِ تَقْتَضِي الْفِعْلَ , وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: لَيْسَ لِلْأَمْرِ صِيغَةٌ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ: أَنَّ أَهْلَ اللِّسَانِ قَسَّمُوا الْكَلَامَ , فَقَالُوا - فِي جُمْلَةِ أَقْسَامِهِ -: أَمْرٌ وَنَهْيٌ , فَالْأَمْرُ: قَوْلُكَ: افْعَلْ , وَالنَّهْيُ قَوْلُكَ: لَا تَفْعَلْ فَجَعَلُوا افْعَلْ بِمُجَرَّدِهِ أَمْرًا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ صِيغَةً , وَإِذَا تَجَرَّدَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ اقْتَضَتِ الْوُجُوبَ , [ص:220] وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمُ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ لَوَجَبَ وَشَقَّ وَأَيْضًا: مَا أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ , نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَجِّيُّ , نا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ , نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , نا شُعْبَةُ , حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ , عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى , قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي قَالَ: " أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] وَلِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اسْقِنِي مَاءً فَلَمْ يَسْقِهِ اسْتَحَقَّ الذَّمِّ , وَلَوْ لَمْ يَقْتَضِ أَمْرُ السَّيِّدِ الْوُجُوبَ , لَمَا اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ الذَّمَّ عَلَيْهِ وَإِذَا وَرَدَ الْأَمْرُ مُطْلَقًا بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ , فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّهُ يَجِبُ تَكْرَارُ فِعْلِهِ , عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ وَالْإِمْكَانِ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ فِعْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَا أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ , أنا أَبُو جَعْفَرٍ , مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ الرَّزَّازُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَادِي , نا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ , نا حَمَّادٌ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ , فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ , بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ , فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ , وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأَتَوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ , أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ لَبَرَّ بِدُخُولِ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ , فَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ لَا يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَشْيَاءَ عَلَى جِهَةِ التَّخْيِيرِ مِثْلِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ , فَإِنَّهُ خَيَّرَ فِيهَا بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ , فَالْوَاجِبُ مِنْهَا وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ , وَأَيُّهَا فَعَلَ فَقَدْ فَعَلَ الْوَاجِبَ , وَإِنْ فَعَلَ الْجَمِيعُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنِ الْفَاعِلَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ , لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْجَمِيعَ لَمْ يُعَاقَبْ إِلَّا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ , وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ وَاجِبًا , لَعُوقِبَ عَلَى الْجَمِيعِ