شرح ميسر لألفية ابن مالك

البيتين الأولين : المقصود بالكلام وأنواعه :
يقول رحمه الله :
كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ ***وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ

وَاحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمْ *** وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلَامٌ قَدْ يُــؤَمّ


( الشرح ) :
فيقول رحمه الله :
( كَلامُنَا ) يقصد من ذلك كلام أهل النحو ، لأن لكل فن ولكل أهل علم اصطلاح في الكلام ، لكن كلام النحويين كما قال رحمه الله [ لفظٌ مفيدٌ كاستقمْ ]
( لفظ ) يخرج ما سوى اللفظ من الإشارة ، ومن الكتابة ولو كانت تلك الكتابة مفهومة .
( مفيد ) لا يمكن أن يكون كلام عند أهل النحو حتى يكون مفيدا .
ثم لمَّا قال ( مفيد ) كأن النفوس اشتاقت إلى مثال فقال رحمه الله :
( كاستقم ) ومن قوله ( كاستقم ) نأخذ شرطا آخر للكلام عند أهل النحو أن هذا الكلام يحسن السكوت عليه ، فإذا كان لا يحسن السكوت عليه ، فإنه لا يعد كلاما ، ونأخذ من قوله ( كاستقم ) أن الكلام عند أهل النحو يشترط أن يتكون من كلمتين فأكثر .
مثال : " استقامَ زيدٌ "
استقام : كلمة .
زيد : كلمة .
هنا ( استقم ) تضمنت كلمتين ، أصلها [ استقم أنت ]
لو قلت : " استقام زيدٌ على طريق الخير "
( استقام ) كلمة ( زيد ) كلمة ( على ) كلمة ( طريق) كلمة ( الخير ) كلمة ، إذاً خمس كلمات ، تُعد كلاما ، نحن نشترط أن يكون من كلمتين فأكثر .
ثم بين رحمه الله أقسام الكلام :
[ واسم وافعل ثم حرف ]

إذاً / أنواع الكلام ثلاثة : " الاسم ، والفعل ، والحرف " ويشترط في الحرف أن يكون له معنى ، مثلا ( في ) حرف له معاني ، قد يفيد الظرفية ، قد يفيد السببية ( الباء ) له معاني قد يفيد الظرفية ، وقد يفيد السببية ( طاء ) ليست كلاماً عند أهل النحو ، لم مع أنه حرف ؟ لأنه ليس له معنى .
ثم لما ذكر رحمه الله أنواع الكلام ماذا قال ؟

( الكَلِم ) الكَلِم يختلف عن الكلام ، فالكَلِم يلزم أن يكون من ثلاث كلمات فأكثر ، أفادت هذه الجملة أم لم تُفد ، ولذلك قال ( واسم ) هذا واحد ( وفعل ) هذا اثنان ( ثم حرف ) هذا ثلاثة ، ثم قال ( الكَلِم ) يعني الكلم لابد أن يتكون من ثلاث كلمات فأكثر
إذاً " استقام زيدٌ " ليس بكَلِم – هو كلام – لمَ لمْ يكن كَلِما ؟ لأنه أقل من ثلاث كلمات
" استقام زيدٌ على طريق الخير " كَلِم وكلام ، لأنه أفاد وهو أكثر من كلمتين وأيضا هو كَلِم .
مثال : " إن جاء زيدٌ "
( إن ) كلمة ( جاء ) كلمة ( زيد ) كلمة ، نُطلق عليه كَلِما ، هل نطلق عليه كلاما ؟ لا ، لأنه لا يُحسن السكوت عليه .
( واحده كلمة ) واحد كلم : كلمة .
الاسم كلمة ، والفعل كلمة ، والحرف كلمة .
( والقول عم ) يشير رحمه الله إلى أن كل ما تُلفظ به يعد قولا ، فالكلم يطلق عليه قول ، والكلام يطلق عليه قول .
( وكِلمة بها كلام قد يؤم ) مفرد الكَلِم : كلمة ، سواء كان اسما أو فعلا ، أو حرفا .
" إن جاء زيدٌ "
( إن ) كلمة ( جاء ) كلمة ( زيد ) كلمة ، لكن قد يكون الكلام المفيد المكوَّن من ثلاث كلمات أو خمس كلمات أو عشر كلمات أو عشرين كلمة يطلق عليه كلمة .
مثال : " لا إله إلا الله " كلمة التوحيد .
مثال : { قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } .
مثال : { وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً{4} مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً } .
وعلى هذا فقس .
( وكلمة بها كلام قد يؤم ) يعني قد يقصد من الكلام الكثير ويطلق عليه كلمة .
فائدة : الكلام عند أهل النحو لابد أن يكون على وِفق القواعد العربية وإلا فليس بكلام عندهم ، فلو أتى إنسان بلهجة من اللهجات التي عندنا وليست على أصول وقواعد اللغة العربية فإنه لا يُعدُّ كلاما عند أهل النحو.
مثال : " ما ني برايح معكم " لا يُعده كلاما عند أهل النحو .
إذاً / قوله رحمه الله :
كَلامُنَا لَفْظٌ مُفِيدٌ كاسْتَقِمْ ***وَاسْمٌ وَفِعْلٌ ثُمَّ حَرْفٌ الْكَلِمْ

وَاحِدُهُ كَلِمَةٌ والقَوْلُ عَمْ *** وَكِلْمَةٌ بِهَا كَلَامٌ قَدْ يُــؤَمّ

سبحان الله ! إذا وُفِّق الإنسان في الاشتغال بفن من الفنون وأجهد نفسه في ذلك - وهذا ينطبق على جميع الفنون– يبدع فيه إذا كان قلبه معه ، انظروا إلى هذا الكلام الذي ذكرناه كله ، لخصه رحمه الله في بيتين سهلين يسيرين .
منقول