من بائع سكائر الى طالب طب
منذ نعومة أظفاري و عند دخولي الى الصف الاول الابتدائي في سنة ١٩٨٦ و عندما سألتني معلمتي ست هناء الله يذكرها بالخير ، ماذا تتمنى ان تصبح في المستقبل كانت الاجابة و بكل عفوية اتمنى ان اصبح طبيب .
من هناك بدأت خيوط القدر تنسج لنا مختلف الانسجة و كنت الاول على الطلاب منذ الاول الابتدائي و حتى الثالث المتوسط ، و بعد النجاح من الثالث هنا بدأت فصول الرواية المحزنة و بدأ المسمار يدق في نعش طموحي و نتيجة لضنك العيش و صعوبة الحالة المادية بسبب الحصار الاقتصادي و عندما نجحت من الرابع الاعدادي اضطررت الى الذهاب الى بغداد كوني من مدينة الصويرة و ذلك للعمل (ابيع الجگاير ) في تقاطع بغداد الجديدة مقابل سينما البيضاء . كنت اعمل لمدة ١٠ ايام ابقى في بيت عمتي في بغداد و انزل مساء اليوم العاشر فقط ابقى ليلة عند الاهل اعطيهم المصرف الذي جنيته من عملي و اعود بصباح اليوم التالي الى الاشارة الضوئية حتى اعمل بيوم جديد . مع كل ذلك كان الطموح نصب عيني يجب ان اكون طبيب ، و كيف و اين و متى لست ادري و لكن يجب ان اكون .
بعد النجاح من الرابع الاعدادي لم اتمكن من الذهاب الى الفرع العلمي و ذلك لان في منطقتي ناحية الحفرية فقط فرع ادبي و اذا اردت ان اذهب فرع علمي يجب الذهاب الى المدرسة في قضاء الصويرة و هنا يستلزم مني دفع اجرة سيارة و انا لا املك شراء بنطرون فكيف ادفع كل يوم .
تحت هذا الضغط اضطررت الى الذهاب الى الفرع الادبي و هنا اصبح تحقيق الحلم شبه المستحيل بل مستحيل لو صح التعبير .
و مع ذلك يشهد الله لم أيأس من ذلك بل كنت اردد مع نفسي ما قاله الشابي .
إذا الشعب يوما اراد الحياة
فلا بد ان يستجيب القدر ..
متى يستجيب لست ادري .
مع ذلك بقيت فترة الاعدادية سنة ادرس و سنة اطلب تأجيل حتى اعمل في الاشارة الضوئية منذ الصباح و حتى المساء و لسان حالي يقول ( جگاير اسبين ، گريفن ، فايسوري ) .
بفضل الله و منه اكملت الاعدادية و تخرجت الاول على دفعتي و دخلت الى كلية التربية جامعة بغداد و بقيت السنة الاولى و الثانية اعمل في الليل و اذهب الى الكلية بالنهار . كان نصيبي من النوم في احسن الحالات ٣ ساعات في اليوم و الليلة و مع ذلك كنت اقول مع نفسي كما قال البارودي .
فيا قلب صبرا ان جزعت فربما
جرت سنحا طير الحوادث باليمن
فقد تورق الاغصان بعد ذبولها
و يبدو ضياء البدر في ظلمة الوهن .
متى يبدو ذلك الضياء لست ادري .
الحمدلله اكملت كلية التربية قسم التأريخ ومن بعدها استقرت الحالة المادية بفضل الله سبحانه و قررت الدخول للمشاركة بالامتحان الخارجي الفرع العلمي و هنا بدأ الامل يعود من جديد من تحقيق الحلم القديم و بالفعل دخلت الامتحان سنة ٢٠٠٨ و كنت الاول على دفعتي بالخارجي . و من بعدها عملت و اجتهدت و حتى حصلت على القبول بدراسة الطب في جامعة اكاكي الدولية في جورجيا .
هذا مختصر مفيد لطموحي من الاول الابتدائي مرورا بتقاطع بغداد الجديدة و كيف استلهمت الدروس و العبر و استفدت من كل حسرة و ألم و وجع في بيع الجگاير الى انسان طموح يدرس الطب .
اتمنى و ادعو جميع الاخوة و الاخوات و خصوصا الشباب ان لا حياة مع اليأس و لا يأس مع الحياة يجب ان نكون اقوى من الظروف و المتغيرات وصولاً الى الهدف المنشود .
تقبلوا مودتي اخوكم عصام محسن