الرحلة الثانية




بعد 6 شهور أبحر كولومبس إلى هيسبانيولا على رأس أسطول من 17 سفينة بها أكثر من 1200 رجل و لعض الجياد و الغنم و الخنازير و حبوب بعض النباتات و كل ما رأى أنه فى حاجة إليه لإنشاء مستوطنة أسبانية فى الأنديز .




وصل يوم 27 نوفمبر 1493



وجد قلعته لانافيداد قد دمرت و مات كل من تركهم فيها من رجال



و قال التيانو لكولومبس أن رجاله قتلوا بعضهم بعضا و فتك المرض بالأخرين



لكن كولومبس انتابه الرعب و الحزن و فقد ثقته فى التيانو



فأبحر شرقاً للعثور على مكان آخر على نفس الجزيرة (هيسبانيولا) لبناء مستوطنة أخرى



و أسمى مستوطنته الجديدة إيزابيللا على شرف ملكة اسبانيا ، و أنشأ بها أول كنيسة




هاجم البعوض رجاله و فتك بهم فاضطر إلى اخلاء مستعمرته الجديدة بعد سنوات قليلة من انشائها



و انطلق مبحراً بجوار الشاطئ الجنوبى لكوبا إلى أن وصل إلى جامايكا .. لكنه لم يعثر على الثروات المرجوة ، فأصابه اليأس ، و شعر الأسبان الذين جاءوا معه بأنه قد خدعهم ، فأخذوا يسلبون ممتلكات التيانو بأساليب وحشية ..



لم يكن فى استطاعة كولومبس أن يكبح جماح رجاله ، إذ مرض لمدة 5 شهور



كان التيانو يسقطون قتلى أو يتم أسرهم ليساقوا عبيداً ، أرسل منهم كولومبس 500 إلى أسبانيا على أن يكون فى ارسالهم تعويضاً عن اخفاقه بما وعد به من ذهب



و لكن ذلك لم يرضى الملكين و أرسلا له قائلين أنهم أرسلاه ليحول أهل هذه البلاد إلى المسيحية و ليس لتجارة العبيد




بعد أن شفى كولومبس من مرضه سمع أن قبيلة كوانا تحالفت مع التيانو و كونوا جيشا من آلاف المحاربين ، و هاجموا الأسبان فى مارس عام 1495



كان من تبقى من الأسبان بعد أن فتكت بهم الأمراض لا يتعدى ال 200 رجل ، و رغم ذلك اكتسحوا الهجوم الهندى بفضل أسلحتهم النارية



و أشد ما ألقى الرعب فى نفوس التيانو و الكوانا أنهم رأوا الأسبان يحاربون على ظهر حيوان غريب (الحصان) و ظنوا أن البنادق عصا سحرية تخرج منها النار بصوت انفجار مرعب




قام بعض رجال كولومبس الذين عادوا الى اسبانيا بالشكوى لدى البلاط الأسبانى عن الطريقة التى يحكم بها كولومبس و أفراد عائلته



و هذا الأمر دعا كولومبس للعودة إلى أسبانيا فى مارس 1496 للدفاع عن نفسه




=======================




الرحلة الثالثة




أسهب كولومبس فى شرح ما يواجهه من مشاق سواء مع هنود التيانو أو مع رجاله أنفسهم



و لم يفقد ملكين أسبانيا ثقتهم به




و فى رحلته الثالثة ساورته الشكوك فى أن الأرض التى وصل إليها ربما لا تكون الهند ، لأنه علم ممن سبقوه من البحارة و المستكشفين أن بالهند حضارة و تجارة و ممالك ..



ثم اكتشف شاطئا طويلا يصب فيه نهر طويل مما يدل على أنه لا يكون على جزيرة صغيرة و إنما على أرض كبيرة



و كتب فى يومياته (أغسطس1498):



" يراودنى اعتقاد بأن هذه قارة واسعة مجهولة "



لكنه لم يعول على ذلك كثيرا لأن الكتاب المقدس يخلو من الإشارة إلى وجود قارة مجهولة منفصلة



فكان أميل إلى التشبث بفكرة أنه وصل للهند و اليابان




طاف بطول الساحل ثم قرر قطع رحلته الثالثة مكتفيا بما اكتشف



و فى طريق عودته وجد هيسبانيولا و قد عمتها الفوضى ، إذ ثار أكثر من نصف الرجال بها على زوج اخته بارتلميو



و لكى يعيد السلام لجأ إلى أسلوب جديد فى الحكم :



أعطى لكل أسبانى قطعة أرض و بعض العبيد من التيانو لزراعتها




و صلت أنباء الفوضى إلى مسامع ملكين أسبانيا



فأرسلا : فرنسيسكو دى بوباديللا ، لكى يعيد النظام إلى هيسبانيولا



وصل بوباديللا إلى سانتا دومينجو التى يحكمها دييجو الأخ الأصغر لكولومبس ، فوجده أعدم 7 من الأسبان المتمردين



هذا و مع ماسمعه من أعداء كولومبس



فألقى القبض على كولومبس و أخيه و زوج أخته و كبلهم بالحديد و أودعهم السجن لأكثر من شهر ، ثم أرسلهم لأسبانيالمحاكمتهم .




غضبا الملكين للطريقة التى عامل بهاكو بوباديللا لومبس و أهله ، و رفضا محاكمتهم ، و أمرا باطلاق سراحهم



و لكن كولومبس لم ينسى هذه التجربة القاسية ، و لم يغفرها ، و ظل محتفظاً بالقيود الحديدية طوال عمره و هو يشعر بالأسى .




======================




الرحلة الرابعة و الأخيرة




حاول كولومبس انشاء مستوطنة على البر الرئيسى الذى اكتشفه فى رحلته الثالثة ، و سماها سانتا ماريا دى بيلين ، لكن الأهالى هاجموا المستوطنين الأسبان حتى اضطروا إلى اللجوء إلى سفنهم و البقاء فيها بعيداً عن الشاطئ ، و بعد عدة أشهر أصبحت هذه السفن جحيماً عائماً ؛ فقد صهرهم الجوع و الدوار و الحمى الإستوائية و الضعف و الوهن ، و اضطروا للتعايش مع الحشرات و الفئران ، و بدأت تنتشر حشرة قراض الخشب فى ألواح سفينتين
فاضطر كولومبس إلى أن هجر السفينتين خوفاً على رجاله من الغرق ، و ققر أن يواصلوا ابحارهم إلى هيسبانيولا ، لكن شدة الرياح و العواصف دفعت بهم إلى جامايكا



كان كولومبس فى أشد حالات الإحباط و اليأس و كان عليه أن يهجع إلى الراحة فقضى سنة فى جامايكا



و عندما رأى بها تماسيح و شاهد بعض أهلها يرتدون ملابس مخيطة ( و هى علامة من علامات التحضر ) ظن أنه أخيرا وصل إلى الهند



لكنهم كانوا قبائل المايا




عادت الأمراض تفتك بكولومبس و الأسبان حتى لم يبقا منهم إلا 40 رجل فقط



فثار قبطان احدى السفينتين اللتين بقيتا مع كولومبس و يدعى فرنسيسكو دى بوراس و انضم اليه عدد من الرجال ، و لكن بارتلميو زوج أخت كولومبس أنهى التمرد بأن تخلص من بوراس .



ثم أعلن التيانو عن توقفهم عن ا**** كولومبس و رجاله بالطعام ، فلجأ إلى خطة ماهرة ؛



كان قد عرف من كتاب فلكى أنه سوف يحدث خسوف للقمر فى ليلة معينة ، فقال للتيانو أنه سوف يعاقبهم باخفاء القمر



و نجحت الخطة اذ زاد اعتقادهم فى قوة كولومبس



لكن أخذ الموقف يزداد سوءا يوما بعد يوم حتى أشرف كولومبس نفسه على الموت ، فلم يجد أمامه إلا العودة إلى أسبانيا فى نوفمبر 1504




عاش كولومبس أخر أشهر فى حياته يطالب باستحقاقاته عن الخدمات التى أداها لأسبانيا ، لكن أحدا لم يلتفت اليه حتى مات فى 20 مايو 1506




=====================




انتهت حياة كولومبس



لكن رحلاته أوحت لغيره من المستكشفين أن يحققوا ما كان كولومبس يحلم به من الوصول إلى الأنديز عن طريق الإبحار غرباً



إلى أن وصل المستكشف أميرجو فيسبوتشى إلى البر الرئيسى الذى كان قد وصل إليه كولومبس فى رحلته الثالثة ، و تحقق أميرجو من أن هذه الأرض ليست جزءاً من أسيا ، و إنما أرض جديدة ..




عام 1513 قاد فاسكو نويز دى بالبوا بعثتين عبر أمريكا وصل بهما إلى شاطئ الباسيفيك ( المحيط الهادى ) فكان أول أوروبى يصل للمحيط الهادى ، و أعلن أن هذا البحر الكبير و هذه الأراضى من أملاك إسبانيا




عام 1519 قاد فرناندو ماجلان أسطولاً أسبانياً و سار بحذاء الشاطئ الغربى لأمريكا الجنوبية حتى وصل إلى مضيق فى الطرف الجنوبى لها ، و حين اجتازه أدرك أنه انساق إلى محيط هائل يؤكد ما سبق أن أدركه بالبوا



و كانت رحلة ماجلان الشهيرة هى التى أثبتت أن العالم أوسع و أكبر بكثير مما افترضه كولومبس و من اعتمد عليهم فى دراساته



و أن هذا المحيط الشاسع سيقف حائلا بين الطرق البحرية الأوروبية و الإنديز الغنية بالثروات




لكن الرحلات التى تلت رحلات كولومبس اتصلت بحضارات لها جذور قديمة و ماضٍ عريق ، و هى :



- المايا فى أمريكا الوسطى



- الأزيتيك فى المكسيك



- الإينكا فى أمريكا الجنوبية



و كل هذه الحضارات أبادها الغزاة القادمين من أعماق أوروبا





و يبقى سؤال :




كان الأوروبيون يعلمون من خلال ما كان يردده البحارة و المغامرون الذين وصلوا إلى الهند و الصين و اليابان أنها بلاد ذات حضارات و فيها سفن و أساطيل و تجارة و قصور مبنية بالذهب ......
فلماذا حشد كولومبس (فى رحلته الأولى) سفنه بصناديق مملوءة بالخرز و الأجراس و أشياء تافهة لا تثير لعاب بلاد تتاجر فى البهارات و الحرير و الذهب ؟




و هل يمكن ل 100 رجل أن يقاوموا بلاد قوية ذات حضارات مثل الهند و الصين و اليابان ليخضعوها تحت ملكية أسبانيا و يحولوا شعبها الى المسيحية ؟




و هل اقامة علاقات تجارية (فى رحلته الثانية) تستدعى ارسال 17 سفينة عليها 1200 رجل ؟


منقول واشكر متابعتكم احبائي