سنة الله تعالى وسنة رسول الله ( ص ) في التربة الشريفة

حينما صدرت هذه الأحاديث الشريفة عن أهل البيت عليهم السلام ، لم يكن السجود على الخمرة أو على التربة الزاكية الحسينية يعد شركا وكفرا وبدعة عند المسلمين إذ كان قد استمر العمل في عصر الرسول ( ص ) والصحابة الكرام رضي الله عنهم في السجود على الخمرة ، ولما كان معروفا عندهم التبرك برسول الله ( ص ) وآثاره وآله وذويه ( وقد أفردنا ذلك برسالة تنشرها مجلة الهادي ) بحيث لا ريب في ذلك عند أي من الصحابة والتابعين وقتئذ ، والحسين من آله وذويه ، بل هو روحه ونفسه وبضعة منه ، ولحمه لحمه ودمه دمه ، فكيف يشك صحابي أو تابعي في فضل ‹ صفحة 132 › الحسين الشهيد ( ع ) وفي التبرك به وبتربته .
بل اتضح من أدلة تبرك الصحابة برسول الله وآثاره وآله وأقربائه ، أن التبرك بتربة ( ع ) لم يكن مورد شك وريب ، كيف وقد قال السمهودي في كتابه وفاء الوفاء ج 2 ص 544 : " كانوا ( يعني الصحابة وغيرهم ) يأخذون من تراب القبر - يعني قبر النبي ( ص ) - فأمرت عائشة فضرب عليهم ، وكانت في الجدار كوة فكانوا يأخذون منها ، فأمرت بالكوة فسدت " ومعلوم أن منعها لهم لم يكن إلا لأن أخذ التراب دائما يوجب خراب البقعة المباركة ، لا لأنه شرك ، لأنه لو كان لذلك لصرحت به ولأنكره الصحابة ، كيف والأخذ هم فيهم الصحابي وغيره وطبعا بمرأى منهم وبمسمع . وفي وفاء الوفاء أيضا ج 1 ص 69 ، عن نزهة الناظرين للبرزنجي ص 116 ط مصر في البحث عن حرمة المدينة وحكم اخراج ترابها قال : ويجب على من أخرج شيئا من ذلك ( يعني تراب المدينة ) رده إلى محله ، ولا يزول عصيانه إلا بذلك ما دام قادرا عليه .
نعم ، استثنوا من ذلك ما دعت الحاجة إليه للسفر كآنية من تراب الحرم وما يتداوى به منه ، كتراب مصرع حمزة رضي الله عنه للصداع ، وتربة صهيب رضي الله عنه لاطباق السلف والخلف على نقل ذلك .
وقد روي أن عمر بن الخطاب تبرك وتوسل بالعباس عم النبي ( ص ) في الاستسقاء وتوسل عباس رحمه الله تعالى بعلي أمير المؤمنين ( ع ) ( 1 ) ، وتبرك مصعب بن الزبير بالحسين ( ع ) ، فإذا كانوا ‹ صفحة 133 › يتبركون بآثار رسول الله ( س ) وأقربائه ، فيكون التبرك في السجود وغيره بتربة قبر الحسين ( ع ) من أوضح الواضحات عندهم .

وقد روي أنه قد دفن حمزة في أحد وكان يسمى سيد الشهداء ، وصاروا يسجدون على تربته ( 1 ) .
وروي أيضا ( 2 ) " أن فاطمة ( ع ) بنت رسول الله ( ص ) كانت مسبحتها من خيوط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات ، وكانت تديرها بيدها تكبر وتسبح حتى قتل حمزة بن عبد المطلب فاستعملت تربته واستعملت التسابيح فاستعملها الناس ، فلما قتل الحسين ( ع ) عدل بالأمر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل وا لمزية " . فهل يظن بمسلم يتبرك بشعر الرسول ( ص ) وظفره وسؤره وفضل وضوئه وسريره وكأسه ونعله ومسه ومسحه وأصحابه الذين بايعوه وأقربائه - هل يظن به - أن لا يتبرك بالحسين ( ع ) ودمه وتربته الطاهرة حاشا ثم حاشا . فثبت مما ذكرنا فضل السجود على تربة قبر الحسين ( ع ) لأحاديث عن رسول الله ( ص ) واردة عن طرق أهل البيت عليهم السلام ، ولما سنه رسول الله ( ص ) وقرره ، ولما اتضح من التبرك برسول الله ( ص ) وآثاره من تراب قبره ولباسه وكل شئ ينتمي إليه وذويه . ‹ صفحة 134 › هنا أيضا مصادر جمة تدل على سنة الله ورسوله في تربة الحسين ( ع ) خصوصا . . . هذا . . . لأن من منن الله تعالى على شيعة أهل البيت عليهم السلام ( أعني الإمامية ) أنهم يتبعون في أقوالهم وأعمالهم سنة نبيهم وسيرة أئمتهم عليهم السلام ، علما منهم بأنهم عليهم السلام أحد الثقلين الذين تركهما رسول الله ( ص ) لا يفترقان أبدا حتى يردا الحوض ، لا يتعدون ذلك ولا يتخلفون أبدا فيحترمون ما يحترمه النبي ( ص ) وعترته ويلتزمون ما التزمه هو وأهله ، ويسلكون سبيله القويم وينهجون نهجه المستقيم .

فالشيعي الإمامي يرى أن الله تعالى اهتم بهذه التربة الشريفة أشد اهتمام واحترمها أجل احترام ، حيث أرسل رسلا من الملائكة فجاءوا إلى النبي ( ص ) بقبضة منها ، فمن أجل ذلك يحترمها ويأخذها وإن شئت الوقوف على هذه المكرمة فعليك بمراجعة المصادر الآتية وغيرها ، إذ قد استفاض فيها أن جبرائيل ( ع ) لما نزل على رسول الله ( ص ) بخبر قتل الحسين ( ع ) أتى بقبضة من تربة مصرعه صلوات الله عليه ، وكذا غير جبرائيل ( ع ) من الملائكة أيضا لما جاء إلى الرسول ( ص ) بهذا الخبر المؤلم أتى إليه بقبضة من تربة كربلاء .

فعليك إذا بمراجعة البحار ج 44 ص 229 ، عن أمالي الشيخ الطوسي رحمه الله ، وكامل الزيارة لابن قولويه و ج 101 ص 118 / 127 / 135 ، عن الأمالي والكامل والمصباح والمعجم الكبير للطبراني ص 144 / 145 ، وذخائر العقبى ص 174 ، وسير أعلام النبلاء ج 3 ص 194 / 195 ، وكنز العمال ج 13 ‹ صفحة 135 › ص 111 / 112 / 108 ، وتلخيص المستدرك للذهبي ج 4 ص 176 / 398 ، والخصائص للسيوطي ج 2 ص 125 ، والمناقب للمغازلي ص 314 ، ومنتخب كنز العمال ج 5 ص 110 / 111 ، ومفتاح النجاة ص 135 / 134 ، ووسيلة المآل ص 182 ، والعقد الفريد ج 2 ص 219 ، وميزان الاعتدال ج 1 ص 8 ، وتاريخ الرقة ص 75 ، والفصول المهمة لابن الصباغ ص 154 ، ونور الأبصار ص 116 ، ومجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 188 / 189 / 191 ، والغنية لطالبي طريق الحق ج 2 ص 56 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 159 / 158 ، والنهاية لابن الأثير ج 6 ص 230 ، والصواعق المحرقة ص 191 / 190 ، والينابيع ص 318 / 319 ، ومسند أحمد ج 6 ص 294 ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج 3 ص 10 ، وطرح التثريب ج 1 ص 41 ، وأخبار الحبائك للسيوطي ص 44 ، والمطالب العالية والمستدرك للحاكم ج 3 ص 176 ، والبداية والنهاية ج 6 ص 230 ، وأخبار الدول ص 107 ، والفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 22 ، وتاريخ الإسلام للدمشقي ج 3 ص 11 .

وهذه المصادر أخذناها عن هامش إحقاق الحق ج 11 ص 339 / 416 و ج 8 ص 142 - 151 ، والبيان للعلامة الخوئي ص 561 عن أبي يعلى في مسنده ، وابن أبي شيبة وسعيد عن منصور في سننه عن مسند علي ، والطبراني في الكبير عن أم سلمة ، ولم نأت بألفاظها لطولها وخروجها عن شرط الرسالة ، فمن أراد فليراجع المصادر المذكورة أو هامش الاحقاق .
فيرى الشيعي الإمامي أن تربة أهداها الجليل إلى رسوله الأقدس
( ص ) هدية غالية عالية ثمينة لجديرة بأن يحترمها ويكرمها اتباعا لسنة الله تعالى .


ويرى الشيعي أن الرسول ( ص ) لما تسلمها من جبرائيل ( ع ) قبلها فيقبلها .
قالت أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها : " ثم اضطجع - رسول الله ( ص ) - فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله ؟
قال : أخبرني جبرائيل أن ابني هذا يقتل بأرض العراق - يعني الحسين ( ع ) - فقلت لجبرائيل أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها ( 1 ) .

فالشيعة يقبلونها عملا بسنة رسول الله ( ص ) في التربة الشريفة في تقبيلها وتكريمها كما أنهم يدخرونها ويحتفظون بها تأسيا برسول الله ( ص ) حيث يرون أنه ( ص ) يجعلها في قارورة ويعطيها أم سلمة ويأمرها بحفظها قائلا : " هذه التربة التي يقتل عليها - يعني الحسين ( ع ) - ضعيها عندك ، فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي - الحسين ( ع ) - " ( 2 ) ‹ صفحة 137 ›

ويرى الشيعة أن الرسول ( ص ) يشم التربة كما يشم الرياحين العطرة والمسك الطيب ( 1 ) ، فيعتقد أن شمها قبل أن يهراق فيها دم الحبيب ابن الجيب إنما هو لعطور معنوية وعلاقات ربانية وعناية إلهية بالنسبة إليها إما في نفسها ، أو لما مضى عليها ، أو لما يأتي في مستقبلها فعمل الرسول ( ص ) يوجد لكل مسلم حالة خاصة بالنسبة إليها ، فلتسمها أنت بما شئت من العناوين ، ولعله ( ص ) يشم منها ما يأتي عليها من الحوادث المؤلمة على أهل البيت عليهم السلام من اهراق دمائهم وسلب أموالهم وضرب متونهم وأسرهم ، ‹ صفحة 138 › ولعله يشم منها ما يأتي عليها من اختلاف أولياء الله إليها وسكونهم وعبادتهم ومناجاتهم وبكائهم فيها ، ولعل ولعل ولما شمها رسول الله ( ص ) لم يملك عينيه أن فاضتا . قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) : دخلت على النبي ( ص ) ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان ؟ ! قال : بل قام عندي جبرائيل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات قال : فقال : هل أشمك من تربته ؟ قال : قلت : نعم ، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا ( 1 ) .

فالشيعة يقبلونها كما قبلها النبي الكريم ( ص ) ، ويشمونها كما شمها كأغلى العطور وأثمنها ويدخرونها كما ادخرها ويسكبون عليها الدموع كما سكب عليها دمعه اقتفاء لأثره ( ص ) واتباعا لسنة الله وسنة رسوله ، ولكل مسلم في رسول الله ( ص ) أسوة حسنة ، واها لها من تربة سكب عليها رسول الله ( ص ) دمعه قبل أن يهراق فيها دم مهجته وحبيبه .
بل نقل أن عليا أمير المؤمنين ( ع ) لما نزل كربلاء في مسيره ‹ صفحة 139 › إلى صفين ، وقف هناك ونظر إلى مصارع أهله وذريته وشيعته ومسفك دماء مهجته وثمرة قلبه ، وأخذ من تربتها وشمها قائلا : " واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب " وقال : طوبى لك من تربة عليك تهراق دماء الأحبة " ( 1 ) .

وفي بعض تلكم الأحاديث أن الرسول ( ص ) لما شمها وأهرق عليها دمعه الساكب قال : " طوبي لك من تربة " ، وفي بعضها " وهو يفوح كالمسك " و " كانت تربة حمراء طيبة الريح " ( 2 ) . أضف إلى ذلك كله ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام من الاهتمام بهذه التربة الطيبة الزاكية في النصوص الصحيحة الكثيرة في التبرك بها في تحنيك الأطفال ( 3 ) وتقبيلها ووضعها على ‹ صفحة 140 › العين وامرارها على سائر الجسد ( 1 ) والاستشفاء والتداوي بها ( 2 ) .

وفي حديث عن أم أيمن عن النبي ( ص ) في بيان فضل تربة الحسين ( ع ) : " هي أطهر بقاع الأرض وأعظمها حرمة وأنها لمن بطحاء الجنة " ( 3 ) وكذا الأخبار الواردة في فضلها ( 3 ) .

فبعد ما قدمناه يتضح أن تفضيل الشيعة السجود على التربة الحسينية على سائر ما يصح السجود عليه ، إنما هو لاحترام ما احترمه الله تعالى وتكريم ما أكرمه ، وهو الزام بما سنه الله سبحانه ورسوله ، لما نقل عن أهل البيت عليهم السلام من تعظيمها وتكريمها والسجود عليها وأخذ السبحة منها .

والحمد لله رب ا لعالمين .

منقول للمناقشه والاطلاع والفائدة اعزكم الله