لا للتربية العفوية:

لقد تعود المربون أن يمارسوا التربية بطريقة عفوية، ومن غير تخطيط مسبق، بل إن أغلب ممارساتهم التربوية ماهي إلى ردود أفعال وتصرفات موقفية، وهذا الأسلوب يعتمد على التركيز فقط على حل المشكلة الحالية، وإزالة مظاهر السلوك السيء، بغض النظر عن دوافع هذا السلوك.

وللتربية العفوية عدة صور منها:

1. أسلوب الذكريات السلبية:

وهو أن يتجنب المربي كل الطرق التي استخدمها والديه في تربيته، سواء كانت صحيحة أم خاطئة لتعرضه لبعض الذكريات السلبية(كالصفع والشتم والسخرية) ،وبالتالي فهو يربي أولاده بخلاف الطريقة التي تربى بها؛ لأنه يظن أن أباه كان مخطئًا في تربيته.





2.استنساخ السلوك التربوي:

وهو أن يفخر المربي بأبيه وأمه وتربيتهم له وللأجيال السابقة، ويرغب المربي في تنفيذ نفس أسلوب الأب والأم في التربية، ويعد ما سواه هو الخطأ بعينه، وأن تقليدهم في خطئهم وصوابهم هو عين الصواب لأنهم كانوا الأكثر خبرة، والأكبر سنًا، والأعمق فهمًا.



3. اختلاف القناعات والأساليب التربوية بين الأبوين:

فما يراه الأب سلوكًا سيئًا قد لا تراه الأم كذلك، وما تراه الأم سلوكًا سيئًا قد لا يراه الأب كذلك، وذلك بسبب اختلاف الأسس والأساليب التي تربى عليها كل منهما.




4.المداخلات السلبية من الآخرين:

سواء كانت من الجد، أو الجدة، أو العم، أو العمة، أو الخال، أو الخالة، كل على حد سواء، فالكثير منهم لا يتوانى عن التعليق وإبداء رأيه فيما يظن أنه الحل الصحيح.





5. التعميم الناتج عن الأمية التربوية:

فكثير من الآباء يعتمد مبدأ التعميم في التعامل مع السلوكيات السيئة التي تصدر من الطفل، فلا يفرق بين الخطأ لأول مرة، وبين الخطأ المتكرر أو المعتاد، ولا يفرق بين الخطأ العمد وبين الخطأ غير المقصود، ولا يفرق بين المراحل السنية المختلفة، ولا بين الذكر والأنثى، ولا بين العنيد والمطيع.




6. عدم التغاضي عن بعض الأمور:

فكثير فإن التحدي الذي يواجهه الأهل هو تحديد الوقت المناسب لتشجيع الأبناء على اتباع السلوك النموذجي، وتعلم فن التغاضي عن السلوكيات التي يفعلها الطفل في مقتبل عمره.




7. اقتران التوجيه بالغضب:

وهو من آثار التربية العفوية، فأكثر الآباء يعلمون أبناءهم السلوك الحسن في لحظة غضبهم، فيكون هذا التوجيه مصحوبًا بالصراخ ورفع الصوت والعبوس والضرب والسب في بعض الأحيان.

وهكذا أصحبت التربية العفوية عبارة عن تنفيس للآباء عن الضغوط التي يتحملونها لا أكثر، وعلاج مؤقت للمشكلة لأنها تعتمد على أسلوب المسكنات التربوية وتنشغل بمظاهر السلوك لا بدوافعه.







وداعاً للتربية العفوية:

ونريد اليوم أن نقول وداعاً للتربية العفوية، وأن نبدأ عهداً جديداً من التربية يعتمد على تحديد الأهداف والبناء المتكامل للطفل في كافة الجوانب النفسية والعقلية والجسمية والاجتماعية مع فهم كل مرحلة يمر بها الطفل، وهذا النوع من التربية يمكن أن نسميه التربية المقصودة، والتي تعني، أن التصرف التربوي الذي سأسلكه في الموقف التربوي مع طفلي لن يعتمد على ذكريات سلبية ولا على آراء الآخرين ولا على انفعال الغضب بل سيعتمد على الخطة التي وضعتها لطفي والهدف الذي أسعى لتحقيقه معه.







معادلة العقاب:

بعض المربين يقللون من أهمية العقاب في التربية، والبعض الآخر وهم الفريق الأكبر يمارسون العقاب بأسلوب خاطيء، والحق وسط بين طرفين، فلقد أثبتت الدراسات الحديثة أهمية العقاب، وأن المربي يحتاج إلى استخدام العقاب في التربية كما يحتاج إلى استخدام الثواب، ولكن كيف يستخدم المربي أسلوب العقاب بمهارة، وكيف لا يؤثر العقاب على نفسية الطفل بالسلب وفي نفس الوقت يكون وسيلة للتعلم؟!

يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال معرفة ضوابط العقاب ودرجات العقاب.

أولاً: ضوابط استخدام العقاب في التربية:

1. لا يعقاب الطفل على خطأ لم يعرف أنه خطأ فإذا أخطأ أول مرة لا يعاقب وإنما يوجه ويعلم.

2. الأفضل عدم تأجيل العقوبة حتى لا ينسى الطفل خطأه إلا في حالة الغضب فالأفضل التأجيل.

3. لابد أن نخبر الطفل بسبب العقاب الموقع عليه حتى لا يشعر بالظلم.

4. إذا كان الخطأ ظاهراً أمام الزملاء أو الأقارب فلابد من أن تكون العقوبة أمامهم حتى يكون موقفاً تربوياً للجميع.

5. أن يمارس العقوبة المربي نفسه وألا يدع الأمر لغيره كالأخ الأكبر للطفل أو الأخت.

6. أن يترك معاقبته إن أصابه ألم بسبب خطأه كأن يقع على الأرض أو يصاب.

7. العقاب هو الوسيلة الأخيرة في التربية ولا يستخدم إلا بعد استنفاذ كافة السبل من الوعظ والنصيحة والتشجيع وغيرها.

ثانياً: درجات العقاب:

أغلب من يمارس العقاب في التربية يبدأ بالضرب مع أن الضرب هو آخر وسيلة يلجأ إليها المربي بعد استنفاذ كافة وسائل العقاب الممكنة وهي:



1) النظرة الحادةالبحلقة) : وبعض الأطفال تزجرهم مجرد هذه النظرة.

2) الهمهمة: وهي صوت يخرج من الحنجرة يدل على الإنكار وينبه الطفل إلى ما وقع أو سيقع منه.

3) مدح غيره أمامه: ولكن بشرط أن يكون للعقاب فقط وأن يكون هناك وجه للمقارنة، وألا نكثر من استخدام هذا الأسلوب.

4) الإهمال:وهو عكس اظهار الاهتمام فإذا أخطأ الطفل لا تخصه بالتحية ولا تهتم بالرسمة التي قام برسمها في كراسته على سبيل المثال.

5) الحرمان: من مصروف أو نزهة أو أي شيء يحبه الطفل، مع التنبيه على ألا يتراكم الحرمان بصورة كبيرة فيحرم الطفل من يومه الترفيهي مدة طولية، ذلك لأن الحاجة إلى اللعب من أهم حاجات الطفل النفسية.

6) الهجر والخصام:على ألا يزيد على ثلاثة أيام، وألا يؤثر على أداء الواجبات من جانب الأم والأب كتجهيز الطعام واعداد الملابس وشراء الدواء.

7) التهديد: ولكن بشرط انفاذه إذا أخطأ الطفل.

8) شد الأذن: وذلك كنوع من التمهيد للضرب فشد الأذن أول جرعات الإيلام.

9) الضرب: وآخر الدواء الكي ولا يكون الضرب إلا بعد استنفاذ أساليب العقاب جميعها بلا جدوى


وله ضوابط وهي:

• لا تضرب بعد وعدك بعدم الضرب لئلا يفقد الثقة فيك.

• لابد أن تراعي حال الطفل المخطيء وحجم الخطأ.

• لا تضرب الطفل على أمر صعب التحقق.

• لا تضربه أمام من يحبه.

• اضربه بنفسك ولا تتركه لغيرك خاصة اخوته وزملاءه.

• لا تضرب في الأماكن المؤذية كالوجه والبطن والصدر.

• لا تضرب بشيء فيه اهانة للطفل كالحذاء.

• لا تضرب وأنت غضبان.

• لا تأمر الطفل بعدم البكاء أثناء وبعد الضرب.

• إذا لم ينفع الضرب في تعديل السلوك اترك الضرب فوراً وفكر في المشكلة التي يعاني منها طفلك والتي تتسبب في هذا السلوك السيء.

وأخيرًا:

تذكر أخي الوالد أن دورك الأساسي هو تحفيز الطفل لفعل السلوك الحسن (فلقد أظهرت دراسة الأطفال الذين أمضوا حياتهم الأولى في المستشفيات أو المؤسسات الأخرى، أن الطفل يحتاج إلى أشياء أخرى أكثر من حاجاته الجسمية، لقد كان هؤلاء الأطفال يُطعمون ويستحمون, ويعتنى بهم بأحسن طريقة علمية سليمة، ولكن كان ينقصهم الرعاية الشخصية الدافئة والتي تقدمها الأم عادة لطفلها، كان ينقصهم الشعور بالمساعدة والتشجيع، كان ينقصهم الشعور بأن هناك من يحتاج إليهم، وباختصار كان ينقصهم الحب الحقيقي، هؤلاء الأطفال كانوا كلما كبروا صاروا غير اجتماعيين يضمرون العداء للمجتمع) [كيف تصبح أبًا ناجحًا، عادل فتحي عبد الله، ص(64)].

وقد وجد العلماء أن من الأمور المهمة المؤثرة على مدى الدافعية التي يبديها الأطفال تجاه السلوكيات؛ هي تنسيب الأحداث أو "ماذا يسبب ماذا؟"، وهي آلية في التفكير تضع أسباب الأحداث، وهي تؤثر تأثيرًا بالغًا على الإنسان خاصة إذا كان ذلك يتعلق بالنجاح أو الفشل.

(فما يعتقده الأطفال أنه سبب للنجاح لاشك سيشكِّل طريقة نظرتهم وتقييمهم لأفعالهم، وما يعتقده الأطفال أنه أساس للفشل؛ فإنه سيؤثر على إدراكهم للفشل الذي قد يعترض طريقهم.

وعلى المربين أن يحرصوا على تعليم الأطفال كيف ينسبون الأحداث، وكيف يصفون عوامل الفشل والنجاح، ولا يتركون ذلك للأطفال؛ حتى لا يعرضوهم لمخاطر هذا التنسيب، والذي يمكن أن يعطِّل طاقات ويعرقل جهود ويضيع إمكانات لمجرد اعتقادات سلبية حول معايير محددة للنجاح وأخرى للفشل؛ ولذا على المربين أن ينتبهوا إلى الرسائل التي يوصلونها إلى الأطفال المعنية بأسباب الفشل والنجاح) [علم النفس التعلم، جاك سنومان].

ورقة عمل:

ـ لا للتربية العفوية، فلابد أن تضع في ذهنك أخي الوالد تصور عام لتربية طفلك، ما الذي تريد أن تعلمه إياه؟ وكم يستغرق من الوقت؟

ـ التزم بضوابط العقاب التي ذكرناها.



المصادر:

· علم النفس التعلم، جاك سنومان.

· كيف تصبح أبًا ناجحًا، عادل فتحي عبد الله