السيطرة الدماغية

مفهوم السيطرة الدماغية :
يرجع مفهوم السيطرة الدماغية إلى العالم جون جاكسون John Jackson بفكرته عن الجانب القائد في الدماغ (The Leading Hemisphere ) و يعتبر هذا المفهوم الأصل الذي اشتقت منه مفهوم السيطرة الدماغية . إذ يعبر جاكسون عن ذلك بقوله : إنَّ نصفي الدماغ لا يمكن أن يكونا مجرد تكرار لبعضهما البعض . حيث بين أن التلف الذي يحدث لأحد نصفي الدماغ يفقد القدرة على الكلام وهي الوظيفة الأرقى في الإنسان , فلا بد إذن من أن يكون احد نصفي الدماغ هو الذي يتولى أرقى هذه الوظائف , وبالتالي يكون هذا النصف هو النصف القائد . وهذا أيضاً ما أكده هيوغوليبمان Hugoliepman عالم الأعصاب إذ أشار إلى سيطرة النصف الأيسر لدى معظم الأفراد , حيث بين أن النصف الأيسر من الدماغ هو الذي يسيطر على الحركات الإرادية , واللغة , والمنطق , وبالتالي ظهر مفهوم السيطرة الدماغية و الذي أصبح يشير إلى تميز احد النصفين الكرويين للدماغ بالتحكم في تصرفات الفرد , أو ميل الفرد إلى الاعتماد على احد نصفي الدماغ أكثر من النصف الأخر . وبعد أن أصبح مفهوم السيطرة الدماغية شائعاً سرعان ما ظهر أن النصف الأيمن من الدماغ هو النصف المهمل , وقد أكد هذه النتيجة عالم الأعصاب جوسيف بوغون : حيث يرى أن الاتجاه الحالي في التعليم يركز على وظائف الجانب الأيسر من الدماغ , وهذا يؤدي إلى إماتة نمو وظائف الجانب الأيمن للدماغ ( Springer & Deutsch ,2003)
فمن المعروف أن الدماغ يتألف من نصفي كرتين ملتصقين من الناحية الداخلية ويكون أحدهما هو المسيطرعلى الآخر. وعادة ما يكون نصف الكرة المخية الأيسر هو الذي يسيطر على النصفالآخر وعلى جميع الإشارات الصادرة من الدماغ إلى الجسم وذلك في الأشخاص الذين يستعملون اليد اليمنى أكثر .
وأما الذين يستعملون اليد اليسرى فإن نصف الكرة المخية المسيطر هو أيضا الأيسر في كثير من الحالات وهؤلاء يستطيعوناستعمال اليد اليمنى في بعض المهارات مثل تقشير الفواكه ورمي الكرة وأحيانا الكتابة.
بينما حوالي 30 – 40 % من الذين يستعملون يدهم اليسرىيكوننصف الكرة المخية المسيطر هو الأيمن وهؤلاء هم الذين يصعبعليهماستعمال اليد اليمنى في مختلف المهارات الحركية . .وعلى أن الموضوع لا يرتبط فقطباستعمال اليد اليمنى أو اليسرى، بل يتبعه استعمال العين أيضا والساق . ولذايمكننا أن نقول إن هذا الشخص الذي يكتب باليد اليسرى هو أيضا يستعملالعيناليسرى بمهارة وسهولة أكثر من الجانب الآخر. ومن الاختبارات البسيطة أن يقفالإنسان وينظر للأمام ويقف الفاحص خلفه بعد حوالي متروفي امتداد خط وهميإلى مركز جسم المفحوص ثم يناديه فجأة وعادة يدير الإنسان عينه ورأسه وجسمهإلى الجهة الأكثر مهارة وسهولة أي إلى اليمين أو اليسار .ويلعب التدريب دورا في تحديد السيطرة حيث تتوضح السيطرةالعصبيةعند الأطفال أثناء نمو الدماغ والجسم بشكل عام ويستعمل الطفل كلتايديهوخلال سنتين إلى أربع تتحدد أكثر السيطرة العصبية.
وتلعبالوراثة دورا مهما في موضوع السيطرة لأحد نصفي الكرة المخية. كما تلعبإصابات الدماغ في المراحل الجنينية أو الطفولة الأولى دورا فيذلك.
قد يكون لاستعمال اليد اليسرى في بعض المهارات إضافة إلىاستعمال اليد اليمنى فوائد إضافيةويدل على مهارات حركية خاصة ولا سيما فيميدان الرياضة. وقد يكون بعض الأذكياء من الذين يستعملون اليد اليسرى وقديعود السبب إلى عوامل نفسيةوردود فعل تعويضية أو عوامل أخرى لا تزالمجهولة. وقد يكون منهم المتخلفون عقليا ولا سيما في حال الإصابات الشديدة للدماغ.
ويعتقد بعض العلماء على سبيل المثال أن مرضالفصام يمكن تفسير أسبابه وتفسير أعراضهمن خلال اضطراب السيطرة العصبية فيالدماغ وعدم التوازن بين نصفي الكرة المخية.
كما يعتقد البعض الآخر أنالتأثير الإيحائي في الأشخاص الآخرين في مختلف المجالاتالتربويةوالاقتصادية التجارية والعلاجية يرتبط بتوجيه الإثارة أساسا إلى نصف الكرة المخيةغير المسيطر والذي يتميز بالانفعالية والحدس والتصورات العامة غيرالتفصيلية،وبالتالي فهو يتأثر بالعبارات الرنانة والاستعاراتوالمبالغات.
ومن الملاحظ أن جميع المجتمعات تعتمد في بعض تقاليدها على تنظيمالحياة اليومية وفقا لفكرة الأيمن والأيسر،مثل اتجاه فتحة الأبواب فيالمنازل والأدوات المتنوعة كالأدوات الكهربائية،وأيضا صعود السلالمالمتحركة وغير ذلك.
والمجتمع البريطاني يعتمد في نظام المرور وقيادةالسيارات على الجانب الأيمنوفقا لفكرة أن السيطرة على مقود السيارة باليداليمنى هي أفضل.
وطبعا فإن التجارب العلمية أثبتت أن ذلك غير صحيحولكن العادة لا تزال قائمة مخالفة ما يتبع في معظم الدولالأخرى. وفي ثقافتنا الإسلامية نجد تأكيدا واضحا على استعمال اليداليمنىفي الأمور الحسنة وفي عدد من النشاطات الأخرى.
ولابد منالتأكيد هنا على أن الأشخاص الذين يستعملون اليد اليسرى هم أقلية في كلالمجتمعاتوبالتالي فهم ليسوا القاعدة العامة التي يبنى عليها تنظيم المجتمع.

وقد اهتم بعض الباحثون بإيجاد تقسيمات أخرى للدماغ , فأعلن نيدهيرمانNed Herman عن تقسيم الدماغ إلى أربعة أبعاد هي :
· الجانب الأيمن , ويشمل الدماغ الأيمن العلوي والسفلي.
· الجانب الأيسر , ويشمل الدماغ الأيسر العلوي والسفلي.

ولكل دماغ وظائف معينة :
فالنظريون : يحبون المحاضرات , الحقائق , التفاصيل , التفكير الناقد و القراءات , فالجانب المسيطر هو الجزء الأيسر العلوي من الدماغ.
و المنظمون : يفضلون التعلم من خلال التمرينات و حل المشكلات و الخطوات المنظمة , والجانب المسيطر هو الجزء الايسر السفلي من الدماغ.
و المبدعون : أو المكتشفون : ويفضلون أنشطة مثل العصف الذهني , والتشبيهات المجازية , والصور , والخرائط العقلية و التركيب و النظرة الكلية , والجانب المسيطر هو الجزء الأيمن العلوي من الدماغ.
و الإنسانيون : يفضلون التعلم التعاوني , ونقاش المجموعات , وتمثيل الأدوار , والدراما , والجانب المسيطر هو الجانب الأيمن السفلي من الدماغ.

ولمعرفة مساهمة السيطرة الدماغية في العملية التعليمية ـ التعلمية , يرى سوسا (Sousa,2001) أن السيطرة الدماغية من العوامل المساهمة في العملية التعليمية , خاصة إذا ما علمنا أن البيئة المدرسية قد صُممت لتؤثر على أساليب التعلم المختلفة لدى الطلبة , حيث بين أن المدرسة تفضل نوعاً معيناً من التعليم على أنواع أخرى , إذ إن نهاية المرحلة الثانوية تبين أن معظم المعلمين يعترفون بأن المدارس هي ذات نصف دماغي أيسر , وهذا يعني أن النصف الدماغي الأيسر مفضل من قبل الطلبة في عملية التعليم والتعلم , على حساب إهمال واضح في تنمية وظائف الجانب الأيمن للدماغ .
وأشارت دراسة هيرمان (Herman,2002 ) إلى أن الطلبة الذين يتعلمون من خلال طرائق تتوافق مع نمط السيطرة الدماغية السائد لديهم يحققون نتائج مرتفعة في عملية السيطرة الدماغية السائدة لديهم.
ويؤكد هوبر(Hooper ,1992) على استخدام جانبي الدماغ بشكل كلي , مشيراً إلى إن الكفاءة في عملية الأداء ترتبط بشكل كبير بالجزء الأيسر من الدماغ , إذ إن الكفاءة في الأداء تحتاج إلى عملية تفكير متسلسلة ومتتابعة , وفي الجانب الأخر فان عملية الفعالية في الانجاز تتركز في معظمها في الجانب الأيمن للدماغ , حيث أن هذا الجزء من الدماغ مسؤول عن عملية التفكير الإبداعي و الرؤية المستقبلية التي تتجلى في عملية التصور المستقبلي.

صفات أصحاب السيطرة الدماغية وفقاً لاتجاه السيطرة :

أولاً : أصحاب سيطرة الدماغ الأيسر:
· يفضلون المهمات اللفظية ( الكلمات ـ القراءة ـ الحروف ـ الرموز ـ الأرقام).
· يفضلون الأشياء المتسلسلة و التتابعية و المتصلة زمنياً أو رقمياً.
· يفضلون التعلم الجزئي.
· يستخدمون نمط التفكير التحليلي والمنطقي و العقلاني.
· يفضلون جمع معلومات لها علاقة بالواقع.
· يركزون أكثر على الخبرات الداخلية في الإدراك.

ثانياً : أصحاب السيطرة الدماغ الأيمن:
· يفضلون المهمات البصرية والمكانية و الإبداعية.
· يفضلون الأشياء العشوائية و التلقائية.
· يفضلون التعلم الكلي.
· يستخدمون نمط التفكير التحليلي و التركيبي والحدسي.
· يفضلون جمع المعلومات مترابطة تساعد على تكوين ظاهرة كلية.
· يركزون أكثر على الخبرات الخارجية في الإدراك.

ومهما يكن من أمر قد يتساءل البعض , ماذا لو تمتع أحدهم بقدرة على استخدام الجانبين ؟ وهل يمكن ذلك ؟ . نعم يمكن أن يوجد أشخاص لديهم القدرة على استخدام الجانبين , ويشير عبيدات و أبو سميد 2007 إلى أن أصحاب العقول الكبيرة يمكن أن يستخدموا جانبي الدماغ (الأيمن والأيسر معاً) , ويسوقان على ذلك أمثلة من قبيل ( اينشتاين و دافنشي ) .
وهما يكن فإننا حين نصف أنفسنا بأننا موهوبون في مجال وضعفاء في مجال أخر فان ذلك لا يعكس استخدامنا للجانب الأيمن أو الأيسر بمقدار ما يعكس أننا طورنا بعض قدراتنا في حين لم نطور قدرات أخرى.


منقول