من كلام لأمير المؤمنين وإمام المتقين
وأوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه وكيف غفلتم عما ليس يغفلكم وطمعكم فيمن ليس يمهلكم ؟
فكفى وعظاً بموتى عاينتموهم حملوا إلى قبورهم غير راكبين وأنزلوا فيها غير نازلين فكأنهم لم يكونوا للدنيا عماراً وكأن الآخرة لم تزل لهم داراً.

وأوحشوا ما كانوا يوطنون، و أوطنوا ما كانوا يوحشون، واشتغلوا لما فارقوا وأضاعوا ما إليه انتقلوا.
انسوا بالدنيا فغرتهم ووثقوا بها فصرعتهم .
فسابقوا رحمكم الله إلى منازلكم التي أمرتم أن تعمروها والتي رغبتم فيها ودعيتم إليها.
واستتموا نعم الله عليكم بالصبر على طاعته والمجانبة لمعصيته فإن غداً من اليوم قريب.
ما أسرع الساعات في اليوم وأسرع الأيام في الشهور وأسرع الشهور في السنة وأسرع السنين في العمر
ا
قوله تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلوة وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين )
. يعني أن غير الخاشعين لا يقدرون على الاستعانة بالصلوة على جميع مطالبهم لأنهم معرضون عن ذكر الله فكانت قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون .
ولهذه الآية باطن وتأويل جميل ،نطرحه على شكل تفكر لكي تصلوا اليه بعد التفكر في الآية وهو:
بماذا عنى الله عز وجل بالصبر والصلاة ومن هي الكبيرة الصبر ام الصلاة ولماذا ؟
لان الآية خصت واحدة منهما بالكبيرة بقوله (وانها لكبيرة ) ولم يقل وانهما لكبيرتان ،

فإذا أردت طريق خلوص النية فعليك بحسن العمل فإنه لا شيء كالعمل ، اي العمل بالطاعات والمستحبات والاتيان بها وترك المكروهات .
كما قال أمير المؤمنين عليه السلام فإذا أردت الصلاة فأسبغ الوضوء تقربا" إلى الله ، وأقرأ من أدعية الوضوء وقبله وبعده وتوجه إلى ذلك بقلبك وقم إلى الصلاة بقصد الخدمة لله سبحانه وصلي كما أمرك الشرع من الأفعال والأقوال .
وتعود إقام الصلاة ولا تترك شيئاً من النافلة ولا شيئاً من المستحبة من صلاة أو دعاء أو قراءة القرآن تعللاً بأن الله سبحانه لا يقبل إلا الخالص وما أقبل العبد إليه بقلبه فإذا لم تتوجه إلى العمل بقلبك تركته وهذا من حيل الشيطان على الإنسان ليحرمه جميع الخيرات . فلا تترك شيئاً ما افترضه الله ولا ما ندب إليه لأنك إن لم تقدر على العمل الصالح تقدر على صورته.
وتجعل همك في الأعمال الصالحة من صلاة واجبة ومندوبة ومن دعاء وصيام وزكاة من واجب ومندوب وقراءة القرآن لاسيما الآيات التي فيها المواعظ.

ولا تنسى التفكر في آيات الله وخلقه ،
ولا تنسى ذكر الموت والآخرة واذكر
قوله تعالى :
((واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار))
ومع هذا كله فتحتاج إلى ساعة من ليلك ونهارك تخلو بنفسك وتنظر في المخلوقات من الأرضين والسموات والجمادات والنباتات وتعتبر بما ترى من الآيات الدالة على قدرة خالق البريات فإنه لابد لمن يريد رضى الله والدار الآخرة ويريد أن يعرفه الله نفسه ويعرفه أنبائه وأوليائه عليهم السلام وان يبصره في دينه الذي ارتضاه ويجعله إنساناً فإن أكثر الناس بهائم كما قال الباقر عليه السلام :
الناس كلهم بهائم إلا قليل من المؤمنين والمؤمن قليل .
فلابد لمن يطلب هذه المطالب العلية من النظر والتدبر في مخلوقات الله سبحانه كما قال الله سبحانه :
قل أنظروا ماذا في السموات والأرض
في قوله تعالى :
(أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرضين وما بينهما إلا بالحق ) .
وقال تعالى : )
(أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وإن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ).
وما قاله تعالى عن اهل التفكر
(يتفكرون في خلق السموات والارض ربنا من خلقت هذا باطلا)

وقول الامام الصادق عليه السلام :
(بالحكمة يستخرج غور العقل وبالعقل يستخرج غور الحكمة ).
فإذا واضبت على ذلك فتح الله مسامع قلبك فأدركت الحكمة وعرفت العبرة وخلصت نيتك وحضر قلبك وصح قصدك في الخيرات وترقت نفسك في الكمالات القدسية ،
قال تعالى في الحديث القدسي :
( من أخلص لله العبودية أربعين صباحاً تفجرت ينابيع الحكمة على لسانه ).
وقال تعالى :
(ما زال العبد يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها ، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وإن سكت ابتدأته ).
فبين سبحانه أن سبب محبته للعبد هو تقربه إليه بالنوافل ومن أحبه الله قذف في قلبه العلم ،
و قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
( ليس العلم بكثرة التعلم وإنما العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب فينفسخ فيشاهد الغيب
وينشرح فيتحمل البلاء ).
فقيل يا رسول الله وهل لذلك من علامة ؟
قال : (ص)( التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله )
فظهر أن النفس لا تترقى إلى الكمالات القدسية والمراتب العلية إلا بالعلم الحق المطابق الخالص . وذلك العلم لا ينال إلا بمحبة الله ومحبته لا تنال إلا بالتقرب إليه بالنوافل ، والمراد بالنوافل الآداب الشرعية من صلاة وطهارة وصيام وورع واجتهاد وذكر وفكر .
والمراد بالفكر التفكر في مخلوقات الله عز وجل والاعتبار في آياته فقد ورد
((تفكر ساعة خير من عبادة سنة))
قال الامام علي عليه السلام :
( ليس العلم في السماء فينزل إليكم ولا في الأرض فيصعد إليكم ولكن العلم مجبول في قلوبكم تخلقوا بأخلاق الروحانيين يظهر لكم) .
وفي قوله الله تعالى مشيرا لعسى (ع)
: (فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين) . أي من أحسن العمل آتاه الله العلم بدون تعلم لأن السبب في كل خير حسن العمل كما في قوله تعالى : (لنبلوهم أيهم أحسن عملاً)
يعني إذا أحسن العمل آتاه الله الحكم والعلم كقوله تعالى :
(واتقوا الله ويعلمكم الله).



كلام امير المؤمنين وإمام المتقين 0006[1].gif