فى 14 مايو عام 1964، أعطى الزعيم الخالد جمال عبدالناصر إشارة البدء بتحويل مجرى مياه نهر النيل، كان ذلك بحضور الزعيم السوفيتى «خروشوف»، واستكمالا لبناء مشروع السد العالى الذى يعد رمزا لنضال مرحلة قادها عبدالناصر من أجل استقلال مصر ونهضتها.
أمس الأول أعلنت إثيوبيا تحويل مجرى مياه النيل لإنشاء سد النهضة، والمفارقة أن موعد الإعلان يأتى فى الشهر نفسه الذى أعلنت فيه مصر تحويل مجرى النهر، وبعد ساعات قليلة من عودة الرئيس مرسى من إثيوبيا بعد مشاركته فى أعمال القمة الأفريقية.
بين ما فعلته مصر عبدالناصر، وما تفعله إثيوبيا الآن 49 عاما، تبدلت فيها أحوال، وتغيرت سياسات، ولم تعد مصر إلهاما للقارة السمراء، كما كانت فى زمن عبدالناصر، حيث تأسست سياسات كثيرة تم السير فيها على أساس أن القارة ظهير مصر الأمنى، ومنبع النيل الذى تعيش عليه مصر.
وعى جمال عبدالناصر هذه الحقيقة، فعمل لها وبها، ومن يعد إلى سيرة السياسى الكبير محمد فايق، رجل عبدالناصر فى أفريقيا، سيعرف إلى أى مدى كانت تتم هندسة التواجد المصرى فى القارة السمراء، والذى نتج عنه حب عظيم من الشعوب الأفريقية لعبدالناصر، وأصبح فى كل بلد أفريقى شارع باسمه، وعبّر المناضل نيلسون مانديلا، زعيم جنوب أفريقيا التاريخى، عن تلك المحبة، قائلا وقت زيارته لمصر: «لقد تأخر موعدى معه 25 عاما -قاصدا جمال عبدالناصر-، ولأننى بعدما جئت وجدت مصر بدون ناصر، سأزور ثلاثة مناطق، ضريح عبدالناصر، والأهرامات، والسد العالى».
تراجعت مصر عن دورها الأفريقى، وتسلمت زمام الأمور منها دول أخرى، دخلت إليها إيران وإسرائيل، ولما سئل أحمد أبوالغيط، آخر وزير خارجية فى عهد مبارك، عن سر تراجع الدور المصرى فى أفريقيا رد: «على أد لحافك مد رجليك»، كان هذا المثل تلخيصا لنظرة مصر إلى أفريقيا، ودالا فى الوقت نفسه على غياب الرؤية الاستراتيجية للمكان الذى تأتينا منه مياه النهر.
لابد أن نستحضر هذه الخلفية التاريخية ونحن نتابع مشهد الاحتفالات فى إثيوبيا بتحويل مجرى النهر، فالحالة تبدلت من أفراح عندنا يوم 14 مايو عام 1964، إلى أفراح فى إثيوبيا يوم 28 مايو عام 2013.
فى ردود الفعل الرسمية عندنا لا يصح أبدا تلك النظرة المستهترة التى لا ترقى إلى مستوى الحدث، ويكفى لأى متابع أن يقرأ ما ذكره الدكتور محمد نصر علام، وزير الرى الأسبق، بأن إثيوبيا ستقوم ببناء 3 سدود أخرى على النيل الأزرق فور انتهائها من بناء سد «النهضة» بسعة تخزينية تبلغ 200 مليار متر مكعب، 4 أمثال تصرف النيل الأزرق، بالإضافة إلى سد «تكيزى» الذى أقامته فى عام 2009 على نهر عطبرة، الرافد الأخير للنيل، مما يمكنها من التحكم فى كميات النهر المتدفقة إلى مصر والسودان، وبالتالى التحكم فى مصائرهما. وأضاف علام أن هذه السدود ستتسبب فى إلغاء دور السد العالى، ونقل محبس المياه من أسوان إلى إثيوبيا، والتحكم فى وارداتنا من المياه، حسب ما تقرره مفوضية حوض النيل التى يتم التخطيط لإنشائها فى «عنتيبى»، وإعادة تقسيم مياه النهر على ضوء اتفاقية «عنتيبى»، هكذا يحذر وزير رى سابق، فماذا يفعل الرئيس؟
أكثر...