الأهوار تنتصر

أتصل بي اليوم شاعر أماراتي
وبعد حديث طويل عن الشعر والوطن والنَّاس والدم
وعن دعوة قريبة لحضور أمسية (لا تهمني )
قال قبل أن يذهب
(وداعاً يا ابن أعظم شعوب الارض)
اغلقت الهاتف وأنا انظر الى الأفق
هل نحن فعلا بهذه العظمة؟
يقول جبران (نحن أبناء المسرّات)
ونحن أبناء القبور والخنادق والحروب والسجون ومناديل الوداع وثلاجات الجثث..
منذ أن أعدم العبوسي العائلة المالكة في قصر الرحاب..
ألى أن أعدم صدام حسين بحبل لا اعرف طوله
الى هذه اللحظة التي أعبر بها جسر يسمى جسر الشهداء الذي انشد عليه الجواهري يرثي أخاه
(أتعلم أم انت لا تعلم
بان جراح الضحايا فم)
وهي عين اللحظة التي جُلبت بها جثة شهيد( الذي ما زال الى الان لم يتقن
سياقة الدارجة الهوائية)
لعتبة باب بيته الذي يسمونه تجاوز..
أقول منذ طلقة العبوسي والى الان الى صوت النوارس وانا أعبر الجسر
ونحن نُقتل ونُغتصب ونُسبى ونُختطف ونُفقد وننتهي..
من منا لم يذهب لثلاجة مدينة الطب؟
من منا لم يحمل نعش لا يعرفه على كتفه؟
من منا لم يعبر جثة مجهولة الهوية ليصل الى عمله؟
من منا لم يودع زميله أمام باب الجامعة
ليعود بعد عدة ساعات ويجده
قطعة سوداء معلقة بمسمار..
ولكن ما زلنا نبتسم
ما زلنا نركض
ما زلنا نرسم على الجدران أطفالاً وأنهاراً واكواخاً تضحك للسماء..
ما زالت جارتي تشد شعرها بشريط أحمر وهي تلعب التوكي
ما زالت أمي تجس عينيها بالمرود
ما زلنا نملئ الزير بماء الورد
وما زلنا نقول (تفضل أغاتي البيت بيتك)
انا ابن الماء والهور والجبل والصريفة وبابل وسومر وأكد وآشور وحمورابي ونرام سين
انا ابن عمتي الضريرة
وجدي المعوق
وجدتي المشلولة
لا اخجل ولا اتجمل
انا أبن الشيلة والعقال والحنة والخلخال
انا ابن مظفر النواب الذي أرق الحكومات العربية أكثر من أسرائيل..
أنا أبن السياب الذي قال عنه الماغوط
(حزني طويل كشجرة الحور لأَنِّي لست ممدداً الى جوارك)
أنا أبن كاظم الگاطع الذي قال عنه سميح القاسم في مهرجان جرش الدولي
(ماذا أقول ولقد قطّعني القاطع)
أنا ابن محمد القبانجي وسليمة مراد وزهور حسين وعباس جميل ويوسف عمر وصالح الكويتي وطالب القرغولي وكوكب حمزة وسامي كمال وكمال السيد وناظم الغزالي وسعدون جابر وقحطان العطار وداخل حسن
أنا ابن المقام العراقي
وبحة المحمداوي
وطور الشطيط
وهلهولة المعدان
أنا ابن كل هؤلاء الذي قال عنهم محمد عبد الوهاب
(كل الغناء العربي يدور في فلك الاغنية المصرية الا العراقي)
فعندما قال محمود درويش(كن عراقياً لتكن شاعرا)
كنت هناك ..
وحينما مات جواد سليم (بالجلطة)
من اجل الحرية وهو ينحت نصب ساحة التحرير فأكمله اسماعيل فتاح الترك كنت هناك..
عندما نحت محمد غني حكمت أبواب اكبر الكنائس في روما كنت هناك..
وعندما فُقد اجدادي في الجولان وحيفا كنت هناك..
وعندما ضحك النخيل بوجه المدافع
وانتصرت الحضارة لصانعيها كنت هناك..
انا ذلك الجنوبي التي تسلق قصبة الهور التي قال عنها عريان(نزور حزها ولو سفاها بعينة)
تسلق القصبة ليرسل تحية لجبل كورك في الشمال
جبل كورك الذي نبت على سفحه كأشجار السنديان
عبد الله گوران ،شيركو بكاس،ملا جزيري،فقي طيران،
كمال مظهر أحمد..
أنا الهيتاوي الجميل الذي ما زال الى الان يكره شبكات المياه المتطورة من اجل عيون النواعير
أنا الصحراء والبادية والخيم ووالخيل والليل والبيداء تعرفني
كما يقول الواسطي العظيم (المتنبي)
أنا جسر الأئمة وحمام الأضرحة ..
انا سدارة علي الوردي ونظارة هادي العلوي وسماعة خالد ناجي وأبتسامة علي جواد الطاهر وضفيرة نازك الملائكة
أنا المزوبيتومي والرافديني والأبدي
سليل أول مسّلة للحب والسلام..
وحفيد أول من قتل ظلماً في السجون..
المعمد بماء الجنائن المعلقة
الملفوف بخرق فدعة الازيرجاوية..
هذه ليست شوفينية مريضة
زكمت بها لأَنِّي نمت بلا غطاء
هذه حقيقة متجذرة كالصفاف بداخلي
افتخر أني عراقي
افتخر اني شاعر عراقي
اكتب بشعبيتي ودرابيني وطيني ومشحايف الهور التي بحنجرتي..

.............
ادهم عادل
‫منقول