لعل كل ما يتم ترويجه هذه الأيام عن خطط وتوقعات بتقسيم العراق بعد الحملة العسكرية التي ستستعيد الموصل، لا يعدوا كونه حديث يرى الأمور من جانب واحد، بالنسبة الى البعض من ذات المحللين الأجانب الذين اعتمدوا في اصدار هكذا نتائج، فهذا الحديث لا يعدوا كونه مناورات سياسية تهدف للاخافة.
الجانب الاخر لا يتم تناوله إعلاميا بالشكل الكافي، ربما لذات الأسباب السياسية، او لاغراء المتابعين والمشاهدين، بغض النظر عن نتائج الترويج لهكذا أيديولوجيات، بكل حال، فان الجانب الاخر من المعادلة، موجود، لمن أراد ان يطلع عليه.
الشهر الماضي، تعرضت قافلة تابعة الى الحشد الشعبي، لانفجار عبوة ناسفة، أودت بحياة احد كبار قادته، في قضاء الكرمة القريب من الفلوجة، وبالرغم من ان النظرة العامة عن الحشد الشعبي هي انه قوة شيعية، اذا ما تم اعتماد مقاربات ما بعد عام 2003، فان السيناريو المتوقع هنا، هو حصول قتال بين متمردين سنة، ضد قوات في الحشد الشعبي.
مترجم: السنة والشيعة ضد داعش ولينس العراقيون خرافة التقسيم _75707095_iraq1(1%
وبعد الهجوم على الحافلة أصدر قائد اللواء العسكري المسؤول عن منطقة الكرمة، العقيد "جمعة الجميلي"، تصريحا، يبين فيه ان قواته قد أطلقت عملية عسكرية للتعرف على المسؤولين عن عملية الاغتيال ومحاسبتهم.
الجميلي، كما كان زميله القائد الذي تم اغتياله في الكرمة، كلاهما سنيان، من ذات القبيلة، مما يجعل الفكرة التي نقلها باركر عارية عن الصحة تماما، خصوصا، وان الحشد الشعبي ذاته، يتألف من جزء كبير من فصائل تعرف باسم "الحشد العشائري"، وهي قوات سنية تعمل ضمن الحشد الشعبي بشكل رسمي، وتالف مما يزيد عن 20.000 مقاتل فاعل، دون ان نذكر الالاف بل عشرات الالاف من القادة والضباط السنة في القوات الأمنية العراقية، والذين لا يخلوا اسم نصر او معركة في العراق من أسمائهم، والتي تلاحظ بكل وضوح عبر نشرات الاخبار.

وسائل الاعلام ذات الاتجاه الواحد.. رويترز مثال
قد تكون وسائل الاعلام الأجنبية التي تتناول الوضع العراقي كبيرة العدد، لكنها تشترك في عدة صفات، تتمثل في رويترز كمثال افضل عنها، حيث تقارير أمثال نيد باركر، المليئة بالتشوش وعدم وضوح الاتجاه، بالإضافة الى اختيار جانب واحد من القصة، وانتقاء الحقائق.
مثال لذلك ما قامت به سابقا خلال عمليات تحرير مدينة تكريت، والتي أدت الى حصول لغط كبير جدا على المستوى الاجتماعي محليا ودوليا، ليتبين لاحقا من قبل ساسة سنة، ان ما تناولته الوكالة عن قيام ميليشيات شيعية بسرقة المنازل وتفجيرها، هو خبر غير دقيق، بعد ان تمت زيارة المنطقة من قبلهم، والتأكد ان ما حصل هو حالات فردية قليلة جدا، لا ترتقي الى المستوى الذي تناولته فيه رويترز.
الحقيقة كشفت لاحقا، حين تم اناطة النقاب عن ان الفصائل المشاركة في العملية التي حررت خلالها مدينة تكريت، تألفت من 40 فصيل مسلح، ذات غالبية كبيرة من السنة، وخصوصا من عشائر "الجبور"، الامر الذي ينفي ما تم تداوله من قبل رويترز.
البيانات التي تم تداولها لاحقا، اهملت من قبل رويترز ولم تنشر، حيث تمحورت حول نشر الحقائق، المؤكدة بان الجانب الأعظم من عمليات التدمير والعنف، تم ارتكابها من قبل عشائر "الجبور" السنية، في رد فعل انتقامي من السكان المحليين الذين انضموا الى داعش، او أيدوا سلطته.
مترجم: السنة والشيعة ضد داعش ولينس العراقيون خرافة التقسيم parker_custom-eff0fe
الامر ببساطة، هو وجود صحافة قد تكون مدفوعة، ان كسولة، لا تحاول ان ترتقي الى مستوى نقل الحقيقة المعقدة في العراق، بل تفضل ان تضع تصورات مسبقة عن احتقانات طائفية بين السنة والشيعة، على ان تبين حقائق الأمور.
بكل حال، فان بعض الوسائل الإعلامية الأجنبية، مثل "النيويورك تايمز"، تمكنت من نقل صورة واضحة ومتوازنة عن الاحداث في العراق، خصوصا بعد نشرها لتقرير يوضح حجم المشاركة السنية في تحرير محافظة تكريت.
مترجم: السنة والشيعة ضد داعش ولينس العراقيون خرافة التقسيم gallery2_RTX1DOT7.jp
سنة يعاقبون سنة..
في وقت سابق من هذا العام، أعلن الشيخ "عبد الحامد الجبوري" وهو احد كبار شيوخ العشائر السنية، عن عزمه ورفاقه، منع العوائل التي اتحدت او ايدت داعش، من العودة الى تكريت بعد تحريرها، الامر الذي يؤكد، بان معظم العمليات الانتقامية التي يتم نقلها على انها ارتكبت من قبل شيعة، هي في الأصل عمليات سنة ضد سنة، مع بعض الاستثناءات.
باركر ووسائل الاعلام العالمية المماثلة، تحاول تصوير المعركة دائما على انها شيعة يعذبون سنة، مع ان الفصائل المسلحة الشيعية، تتألف من عدد كبير جدا من السنة ضمن صفوفها.
التغاضي عن مشاركة السنة في الحرب ضد تنظيم داعش، ووجودهم ضمن الفصائل المسلحة الشيعية، والقوات الرسمية الأمنية، فعام واحد قبل الان، احتشد ما يزيد عن 4000 مقاتل سني على الحدود الجنوبية لمحافظة الانبار، استعدادا لقتال داعش، وهو ما تم فعلا حسب ما اعلنه المتحدث باسم الولايات المتحدة "ستيف وارن".
رغم ذلك، فان بعض الحالات قد حصلت في خرق واضح لحقوق الانسان، من قبل السنة والشيعة في الخطوط الامامية للمعارك، ضد افراد من تنظيم داعش او متواطئين معهم، واحيانا، ضد مدنين عزل، لكن هذا لا يعني ابدا، تحويل الامر الى صراع سني شيعي، كما تحاول بعض وسائل الاعلام الترويج.

الحقائق على الأرض، تثبت العكس تماما لما يتم نشره، فلو كانت القوات الأمنية والحشد، ترتكب جرائم فعلية ضد السنة، ضمن عمليات تطهير عرقي، لاثر السنة الانضمام الى داعش، على ان يكونوا جزءا من قوات الحشد والقوات الأمنية العراقية بهذه النسب الكبيرة.