الكنيسة الأرمنية في التاريخ القديم do.php?imgf=14750028

أصبحت المسيحية دينا للدولة في أرمينيا بدأ من العام 301 بينما كانت عرضة للإضطهادات المستمرة قبل ذلك. ونعترف أيضا، أن الشهادات التي تؤكد على وجود العقيدة المسيحية في أرمينيا وتطورها في فترة القرون الثلاث الأولى، قليلة وغير وافية ولا يمكن مقارنتها مع تلك التي وصلتنا حول تاريخ العالم اليوناني - الروماني عن الحقبة ذاتها. ومع ذلك، فإن نقصان الحقائق لا يمكنه أبدا أن يتحول إلى دليل لعدم جريان الحدث.
كان العالم اليوناني - الروماني في قمة تطوره الحضاري وله مؤرخوه وحكماؤه العديدون وبفضل مدارسه يتربع على قمة التطور الفكري. وعلى النقيض من ذلك، كانت أرمينيا تعيش في ظلام الجهل الدامس ولم تملك أدبا متطورا قوميا، بل كانت تحن إلى امتلاك أبجدية خاصة بها. لذلك، من البديهي وانطلاقا من هذه الظروف، كان من الصعوبة بمكان على الأرمن بل من المستحيل تقريبا كتابة التاريخ وسرد الشهادات حول أحداث جرت في زمانهم كي تستفيد منها الأجيال اللاحقة. وإلى جانب ذلك، فإن مزج الأحداث المختلفة، التي وصلتنا عن طريق الروايات الشعبية والشهادات التاريخية المستخلصة من كتابات المؤرخين الغرباء، يكفي للتأكيد على أن المسيحية كانت موجودة في أرمينيا في أوقات متفرقة. لكن المنطق السليم لا يسمح لنا بالقول إن انتشار المسيحية جرى بشكل متقطع أو كانت تظهر فترات كسوف في تلك الحقبات. ورغم الانقطاعات الكرونولوجية، فإن الروايات والشهادات التاريخية الموجودة تكفي للتأكيد على الوجود الدائم للمسيحية في أرمينيا أثناء حقبة القون الثلاثة الأولى. ومن الشهادات التاريخية الرواية التي تشير إلى خلافة سبعة مطارنة على كرسي أرداز وهم زكريا (16 سنة) وزيمينتوس (4 سنوات) وآدرنيرسية (15 سنة) وموشية (30 سنة) وشاهيه (25 سنة) وشافارش (20 سنة) وغيفونتيوس (17 سنة). وبعد جمع هذه الأرقام نصل إلى نهاية القرن الثاني للميلاد. وتؤكد رواية ثانية على وجود ثمانية مطارنة على كرسي سيونيك خلفا للتلميذ يفسداثيوس، الذي كان قد بشر بالإنجيل في هذه المقاطعة، وهم: غومسي وبابيلا وموشيه (وهذا الأخير تبوأ كرسي أرتاز لاحقا) وموفسيس دارونيتسي وساهاك دارونيتسي وزروانتاد وهوفهانيس. وبعد جمع مدة تولي هؤلاء لمنصبهم، نصل إلى بدايات القرن الثالث.
يذكر يوسوفيوس القيصري من جهة أخرى رسالة الأسقف ديونيسيوس مطران الإسكندرية المحررة في عام 254 الموجهة إلى مطران الأرمن المدعو مهروجان الذي يجب الاعتراف به كخليفة لمطارنة أرتاز انطلاقا من اسمه الشرقي وتعبير "مطران الأرمن".


تحتوي روزنامة الأعياد وسيرة القديسين الأرمن على أسماء العديد من الشهداء من العصور الرسولية. وأول هؤلاء الشهداء هي الأميرة سانتوخد وتُذكر إلى جانبها القديسة زارمانتوغد والأميران القديسان صموئيل وإسرائيل وحوالي 1000 شخص استشهدوا مع التلميذ القديس طاطيوس. وهناك ذِكر أيضا لاستشهاد الأميرة القديسة فوكوهي والقائد ديرينديوس وماريام هوسكانيان وآنا فورمزتاديان ومرثا ماكوفاريان مع التلميذ برتلماوس. لنذكر أيضا عيدي القديسين فوسكيانتس (أربعة أصدقاء) وسوكياسيانتس (18 صديقا) فقد استشهدوا في بداية القرن الثاني. إلى جانب ذلك يذكر كتاب الشهداء عند اللاتين عن استشهاد القائ أكاكيوس مع 10.000 من جنوده في أرمينيا في مقاطعة آرارات في عهد الإمبراطور ترايانوس أو أدريانوس. ويجب أن نضيف إلى هذه الروايات شهادة قدمها طرطليانوس المؤرخ الكنسي الشهير في القرن الثاني. وقد استشهد هذا المؤرخ بالآية 9 في الفصل الثاني من أعمال الرسل بأسماء البلدان الأجنبية بالترتيب التي سُمعت لغاتها يوم العنصرة المجيد حيث جاء ذكر أرمينيا لا بلاد اليهود بين بلاد ما بين النهرين وكاميرك كما نقرأ في نسخ الكتاب المقدس العادية. لذلك لم يكن ممكنا تصنيف مملكة يهوذا بين الدول الأجنبية ومن المعلوم أيضا أنها لا تقع بين منطقة ما بين النهرين وكاميرك. لذلك وبناء على دقة الموقع والمنطق، فإن البلاد التي تقع بين كاميرك (كاباتوكيا) ومنطقة ما بين النهرين هي أرمينيا. وقد كرر أوغوستينوس الهيبوني نص طرطليانوس. ويتبع مع جميع هذه الأمثلة أن هذين الراهبين للكنيسة الأفريقية كانا على يقين أكيد على أن أرمينيا هي ضمن البلدان التي انتشرت المسيحية في ربوعها في العصر الرسولي. لذلك، لا يمكن تفسير حقيقة تنصر دولة أرمينيا في بداية القرن الرابع للميلاد دون وجود العنصر المسيحي قبل هذا التاريخ.

الكنيسة الأرمنية في التاريخ القديم do.php?imgf=14750028

وتأكيدا على ذلك، ذكرت المصادر التاريخية أن الملوك الأرمن أمثال أرداشيس في عام 110 وخوسروف في العام 230 تدردات في عام 287 أمروا رسميا بملاحقة المسيحيين واضطهادهم. ومن البديهي طبعا أنه لولا وجود جماعات كبيرة من المسيحيين في البلاد لما أمر هؤلاء بذلك. وقد استشهد القديس ثيودوروس سالاهوني على يد والده الأمير سورين في فترة الاضطهادات الأخيرة.
بعد جمع هذه الشهادات يحق لنا الاستنتاج أن المسيحية كانت منتشرة حقا في أرمينيا في القرون الثلاث الأولى وكان لها أتباع كثر وأن الجماعات الأولى التي تنصرت ظلت راسخة في إيمانها أمام العقبات والاضطهادات وحافظت على هذا الإيمان حتى أصبحت المسيحية دينا سائدا في الدولة.

م-ن