من عوامل الزحف العثماني نحو المنطقة العربية الرغبة في التصدي للخطر البرتغالي الذي يحيق بالمنطقة، ويهدد تجارتها وسلامة مقدساتها. ومما كان يزيد من توجه العثمانيين نحو هذه الغاية الإستغاثات التي كان السلطان سليمان القانوني يتلقاها باعتباره أقوى حاكم مسلم من القوى الإسلامية المتضررة من النشاط البرتغالي في المحيط الهندي، ومنها سلطنة غوجرات في شبه القارة الهندية.

ولذلك كله عزم السلطان سليمان القانوني على التحرك ضد البرتغاليين في المحيط الهندي، فأمر بإعداد حملة بحرية كبيرة في ميناء السويس، انطلقت بقيادة والي مصر سليمان باشا الخادم سنة 1538م. وكان الخادم يتصف بالغدر وسوء الخلق مما أثّر على مسار تلك الحملة ، وقد توقفت الحملة في ميناء عدن الذي كان يحكمه عامر بن داود الطاهري. فبادر الرجل للسسصعود إلى ظهر سفينة القيادة للترحيب بالخادم الذي أمر بإعدامه وتعليق جثته على صاري السفينة مبرراً هذه الفعلة الشنعاء بتآمر الطاهري مع البرتغاليين.

وبصرف النظر عن ذلك الادعاء كان ميناء عدن في غاية الأهمية للنشاط العثماني في المنطقة، فهو بوابة البحر الأحمر، ويتمكن من يسيطر عليه من التحكم في حركة الدخول والخروج إلى ذلك البحر من ناحية. كما أن أي نشاط بحري عثماني في عمق المحيط الهندي لا بد له من قاعدة ارتكاز متقدمة، وليس أفضل من ميناء عدن لذلك من ناحية أخرى.

ومهما تكن الدوافع الكامنة وراء ذلك الفعل السيء فأنه عاد بأوخم العواقب على تلك الحملة، إذ سبقت أخباره وصولها إلى سواحل شبه القارة الهندية وأثارت مخاوف حكام تلك السواحل من غدر سليمان الخادم، ولذلك لم يظهروا حماساً في التعاون معه. ولعل ذلك من عوامل إخفاق تلك الحملة في تحقيق نتيجة تذكر في عملياتها الحربية.

عاد سليمان باشا أدراجه، ومر في طريق عودته بسواحل حضرموت (المكلا والشحر) فألحقها بالسيادة العثمانية سنة 1539م. وواصل طريقه فتوقف عند سواحل اليمن على البحر الأحمر، وكرر صفة الغدر مرة أخرى حين أوقع بكبير المماليك هناك، فقتله وفرض الحكم العثماني المباشر على عاصمته زبيد.

وهكذا كانت نتائج حملة الخادم نصف نجاح ونصف فشل. وتمثل النجاح في إحكام قبضة العثمانيين على مدخل البحر الأحمر وتأمينهم سلامة الحرمين الشريفين ضد أي توغل برتغالي محتمل في البحر الأحمر. بينما تمثل الفشل في تحقيق الهدف الرئيس للحملة وهو استئصال الخطر البرتغالي من المحيط الهندي من خلال القضاء على قواعده الرئيسة هناك.

ومن أجل استكمال تأمين سلامة الحرمين الشريفين تجاه إمكانية العدوان البرتغالي كان على العثمانيين أن يسدوا ثغرة الساحل الغربي للبحر الأحمر التي يمكن أن ينفذ منها البرتغاليون بالتحالف مع حكام الحبشة كما كانت الخطة البرتغالية تقضي. فمد العثمانيون سيطرتهم على سواحل السودان وأرتيريا والصومال وأسسوا منها جميعاً سنة 1557م ولاية واحدة أسموها ولاية الحبش.

ولم يقتصر الصراع العثماني ـ البرتغالي على ساحة البحر الأحمر والمحيط الهندي بل امتد إلى ساحةٍ أخرى قريبة لا تقل أهمية من الناحية التجارية، وهي ساحة الخليج العربي. فقد شق العثمانيون طريقهم نحو مياه الخليج بعد أن كسروا شوكة أمير المنتفق وسيطروا على البصرة مباشرةً سنة 1546م. وكانت خطوتهم اللاحقة الزحف نحو ميناء القطيف حيث تمكنوا بعون بعض القبائل العربية من انتزاعها سنة 1550م من أيدي البرتغاليين وأتباعهم حكام هرمز.

وسرعان ما جاء الرد البرتغالي حيث وصلت السفن البرتغالية في السنة التالية ونجحت في طرد القوات العثمانية من قلعة القطيف. ولكن البرتغاليين لم يستقروا هناك بل اكتفوا بتدمير القلعة والتحصينات الدفاعية في الميناء ثم انسحبوا منه، ربما لإدراكهم صعوبة البقاء هناك بوجه عداء القبائل العربية في المنطقة.

ولم يقف السلطان العثماني سليمان القانوني مكتوف اليدين إزاء ذلك التحدي البرتغالي، فأمر بإعداد حملة بحرية كبيرة في ميناء السويس أوكل قيادتها لملاح ماهر هو بيري ريس. انطلق بيري ريس على رأس اسطوله سنة 1552م، وتوقف في طريقه بمسقط حيث نجح في تشتيت شمل الحامية البرتغالية المقيمة في قلعتها. وواصل طريقه نحو القاعدة البرتغالية الرئيسة في جزيرة هرمز التي تتحكم في فم الخليج العربي. ونجح في فرض حصارٍ شديدٍ عليها حتى أوشكت على الإستسلام. لكنه فك الحصار فجأة وواصل إبحاره نحو ميناء البصرة، حيث ترك أسطوله هناك، وسلك الطريق البري نحو العاصمة اسطنبول. وما أن وصل هناك حتى أمر السلطان بقطع رأسه متهماً إياه بالخيانة وتلقي الرشوة من الأعداء البرتغاليين. وأصبح هَم العثمانيين بعدها هو كيفية إخراج سفن ذلك الأسطول التي غدت محصورة داخل الخليج العربي.

وقد جرت خلال السنوات التالية وقائع حربية عديدة، أخفق خلالها العثمانيون في تحقيق هدفهم الرئيس وهو إزاحة البرتغاليين من الساحة الخليجية. وقد دفع ذلك الواقع الجانبين سنة 1581م للبحث عن تفاهمٍ سلمي يضمن تدفق التجارة في مياه الخليج بشكلٍ حر. ولعل سبب ذلك الإخفاق العثماني في الخليج عائدٌ للتفوق البرتغالي المعروف في صناعة السفن والفنون البحرية من ناحية وطبيعة الخليج الطبوغرافية التي تجعله أشبه بقارورة محكمة الإغلاق فوهتها جزيرة هرمز الواقعة في قبضة البرتغاليين.

وأثناء ما كان العثمانيون يصارعون البرتغاليين في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي، كانوا يصارعون الأسبان في البحر المتوسط. وقد تحمل العبء الأكبر من ذلك الصراع خير الدين بربروسا والي الجزائر. ولفتت جدارته ومهارته نظر السلطان سليمان القانوني فقرر سنة 1536م تعيينه ”قبطان باشي“ أي قائداً أعلى للأسطول العثماني. وقد وظّف القائد الجديد خبرته لتطوير ذلك الأسطول حتى غدا مؤهلاً لمنازلة الأساطيل الأسبانية في البحر المتوسط. وتحقيق انتصاراتٍ باهرة عليها. ومما زاد في قدرة الأسطول العثماني هناك التحالف الذي قام بين فرنسا والدولة العثمانية حتى وضع الفرنسيون ميناء طولون تحت تصرف الأسطول العثماني. ومكّن ذلك كله القائد بربروسا من تحقيق انتصاراتٍ كبيرة تمثلت في حماية السواحل العربية من هجمات الأسبان، وتحرير عشرات الآلاف من الموريسكيين وتأمين نقلهم إلى ملاجيء آمنة في شمال أفريقيا.

ولم تؤد وفاة بربروسا سنة 1546م إلى انتكاس أنشطة الأسطول العثماني في البحر المتوسط إذ تولى قيادته من بعده قادةٌ لا يقلّون كفاءة مثل درغوث باشا ومراد آغا والعلج علي، حقق الأسطول في عهدهم انتصارات بارزة. ولكن الأسطول العثماني تعرض لنكسةٍ كبيرة إثر تعرضه لهزيمةٍ قاسية في معركة ليبانتو سنة 1571م أمام أساطيل أسبانيا وحليفاتها. ومع ذلك استمر البحر المتوسط خلال القرون التالية ساحة صراع بين الأساطيل الأوروبية من جهة وأساطيل الحكام شبه المستقلين الخاضعين للسيادة العثمانية في ليبيا وتونس والجزائر ويسمي الأوروبيون تلك الأنشطة البحرية بـ”القرصنة“ الإسلامية.

وخلاصة القول إن الأنشطة البحرية العثمانية خلال القرن السادس عشر لعبت دوراً كبيراً في حماية المنطقة العربية في مشرقها ومغربها من أخطار الهجمة البرتغالية – الأسبانية.



موقع الدكتور محمد موسي الشريف