ايام زمان كانت رائحة الفاصوليا اليابسة والبامية تتسرب من شبابيك البيوت
ورائحة( الصبور) لا تقاوم ولا يطفي ملوحة السمكة سوى البيبسي كولا

وكانت ساعة (الجوفيال) في يد شايب البيت أغلى أجهزة البيت ثمنا وأكثرها حداثة
كانت حبات المطر أكثر اكتنازا بالماء
وأخبار الثامنة اخف دما
ومذاق الشمس في وجوهنا أطيب
والطرقات أقل ازدحاماً
وبنات المدارس يخبئن أنوثتهن بين صفحات دفتر العلوم
زمان كانت غمزة سميرة توفيق أكثر مشاهد التلفزيون جرأة وإثارة وهي تغني ياعين مولييتين...

وكانت أجرة الباص 15 فلسا فقط
وكان الحليب والصمون نشتريه طازجا للبيت في الصباح
والصحف تنشر جميع أسماء الناجحين بالبكالوريا
ومجلة المختار والف باء المستعملة نشتريها بعشرة فلوس

وكانت المناديل (الجفافي) توزع مع دعوات العرس

ومعها جكليت (ملّبس) ملفوف بسيلفون

والجارة تمد يدها من خلف الباب بقوري جاي سنكين وحار للزبال فيمسح عرقه ويستظل بالجدار

زمان كان باص المصلحة هو الأكثر شعبية وجمالاً

وصندوق السعادة أهم برامج المسابقات التلفزيونية

ولم نكن نعرف بعد ملمع أحذية سوى أبو التمساح

كان الكمون يوصف علاجا للمغص

والأولاد يقبلون أيادي الجيران صباح العيد
والجكليت والواهلية وصينية الزلابية في مقدمة أحلام الطلبة الناجحين
وكانت ام القيمر تحمل أطباق القيمر والزبد واللبن الى بيوتنا
كانت جريدة البلاد والأخبار مصدر معلوماتنا
وكانت مجموعة غازي من اجمل رسوم الكاركاتير ...
وكانت صورة المطربة صباح على ظهر المرآة اليدوية المعلقة على الحائط

وكان التلفزيون يفتح ويغلق شاشته مثل أي محل أو مطعم

وكانت جامعة بغداد البصرة والسليمانية وبقية الجامعات كعبة وحلم طلاب المدارس

كانت رسائل الغرام تكتب على أوراق تبيعها المكتبات مطرزة ومزينة بالفراشات ...وبالورود الملونة...
قبل ولادة الموبايل

زمان كانت جوازات السفر تكتب بخط اليد ولا تحتاج لرشوة ولا لوساطة للحصول عليها

وكان السفر لتركيا أو سوريا بالقطار المتري

وفيزة أوربا تأخذها وأنت تشرب الشاي أمام مبنى السفارة

كانت البيوت لا تخلو من صوبة علاء الدين ذات البرج الفستقي المتكسر الألوان
ومبردات الهلال كانت حلم كل بيت لأن الووتر بمب أحسن من غيره

كان التلفزيون يعرفنا يوميا بللامعين من رجال المجتمع

مصطفى جواد في برنامجه اللغوي

وعلي الوردي في برنامجه الاجتماعي

ومؤيد البدري في برنامجه الرياضي كل ثلاثاء

وكامل الدماغ العلم للجميع كل اربعاء

ومسلسلات عراقية مشوقة خلدت في الأذهان والقلوب

سليم البصري وحمودي الحارثي تحت موس الحلاق وخليل الرفاعي أبو فارس في قهوة عزاوي

وكانت مباريات كرة القدم تجمعنا بالآلاف في الملاعب المفتوحة

لا يستطيع أي قمر صناعي أن يعرف
من فينا السني
ومن فينا الشيعي

وكان رعد حمودي أفضل حراس المرمى

كان الناس يهنئون بعضهم البعض
أو يعزون بكيس شكر أبو خط الأحمر

والأمهات يحممن الأولاد بالطشت

والصوغة يحملها الناس لزيارة المريض

حين كان مذاق الأيام أشهى

والبرد يجعل أكف التلاميذ حمراء ترتجف فيفركونها ببعضها
كانت لهجات الناس أحلى وأوضح

وكانت قلوبهم أكبر, وطموحاتهم أصغر

الموظفون ينامون قبل العاشرة ليصحوا باكرين

والزوجة في يوم الجمعة تخبئ كبدة الدجاجة وقوانصها لتقليها للزوج دلالة على تدليله

كانت الحياة أكثر فقرا وبردا وجوعا

لكنها كانت أكثر أمانا واستقرارا ومفعمة بالناس الطيبين......
م-ن