الإختلالات السلوكية




لقد وصف عالم النفس الشهير هاوفيلد مرحلة المراهقة في حياة الفتيات بمرحلة التحليق ، ويعني بذلك أن أكثر أعضاء هذه الفئة يحلقن في عالم الخيال والمشاعر الى آفاق عالية جدا يتعرضن على أثره لمخاطر السقوط.
أن أسباب وبواعث هذه الحالة كثيرة ، ومنها : أن المراهقة قابلة من الناحية النفسية للتعرض الى الإنفعال والإثارة والتقلب في المزاج ... إن حركة بسيطة أو صدمة نفسية خفيفة ، من شأنها أن تثيرها بشدة وتخرجها عن صوابها . كما وتعتبر هذه المرحلة ، بحسب رأي موريس دبس ، فترة الإختلال والفوضى ، في جانب النمو ، يرافقها إعتلالات عديدة ، منها الخمول والكسل ، وتغير الأخلاق والسلوك بإيقاع متسارع(1).
التناقض في السلوك


يصرح الكثير من أولياء الأمور والمربين أن أفراد هذه الفئة أشخاص غامضون وغير مفهومين في سلوكهم وتصرفاتهم كما ويحمل المراهقون نفس التصور تجاه الكبار ، ويدعو أن الآخرين لا يدركون حاجاتهم ومتطلباتهم . ويعود السبب في ذلك في جانب منه الى ما يبدر من المراهقين من أفعال وتصرفات متناقضة أحيانا.
فتارة يبدون فرحين ونشطين وموزونين في تصرفاتهم الى درجة تسر

(1) البلوغ ، موريس دبس ، ص 9 .
أولياء الأمور وتدفعهم الى الإشادة برجاحة عقولهم ، وفي أخرى يتحولون الى أشخاص شرورين ولجوجين ، وتسوء اخلاقهم الى درجة يضيق بهم أولياء الأمور ذرعا ، حتى لقد يتمنى بعض أولياء الأمور ، ممن لا طاقة لهم لتحملهم ، ان يموتوا ليتخلص منهم الى الأبد.
الجنوح الأخلاقي


يتميز أعضاء هذه الفئة خلال مرحلة المراهقة ، وخصوصا الفتيات ، بميل شديد الى حياة الإنطواء والإنغلاق على النفس ، والإبتعاد عن المحيط الإجتماعي العام ، ويصارعون أثناء ذلك بعض الأفكار والميول الشخصية في خلواتهم ، ويؤدي ذلك بالتدريج الى تطرفهم في التعامل مع ما يحيط بهم من قضايا وأمور.
ففي الجانب الفكري ، قد تنهار في اذهانهم الكثير من القيم والأعراف المقدسة ولا يعودوا يكترثون بها في حياتهم ، فيندفعون الى تجاوزها وخرقها في أعمالهم وتصرفاتهم دون أدنى حساب لها ، الى درجة تثير اعصاب أولياء الأمور وتضعهم في موقف الحيرة والحرج في كيفية التعامل معهم.
كما ويتصف أفراد فئة المراهقين في جانب السلوك الأخلاقي ، بالتناقض والإزدواجية . ففي سعيهم نحو الإستقلال بحياتهم يلاحظ أنهم يندفعون بإتجاه التحلل في القضايا الجنسية تارة ، ويظهرون الميل الى الورع والتقوى تارة أخرى . غير أن ميولهم في كلا الإتجاهين قلقة وغير ثابتة.
الدوافع العدائية


تجد الفتاة نفسها ، خلال فترة المراهقة ، في بعض الحالات ، وكأنها إفتقدت ما تتصف به من رقة وهدوء وصبر ، حيث تصبح قلقة وحادة المزاج وتثور لأتفه الأسباب ، الى درجة تندفع الى إستخدام العنف تجاه الأخوة


والأخوات وتجاه الآخرين.
ومن أعراض هذه الحالة الهستيريا التي تبرز أثناء الأزمات ، على شكل الهياج العصبي والصراخ والغضب الشديد ومحاولة الحاق الأذى بالنفس أو بالآخرين . ولا يخفى ما لهذه الحالة من خطورة على الشخص وعلى المحيطين به.
المعارضة والعصيان


إن فتاتكم المراهقة لا تعد اليوم تلك الفتاة المطيعة المسلمة بأوامركم ونواهيكم بالأمس ، بل أنها الآن تشعر أن لها شخصيتها وكيانها المستقل ، وهي ليست مستعدة للرضوخ للقيود والشروط كالسابق ، وحتى أنها تميل في بعض الحالات الى معارضة وجهات نظركم وإرشاداتكم والتمرد عليها.
تتميز الفتاة المراهقة بصفة خاصة في التعامل مع عملية التوجيه والإرشاد ، فعندما تكون مسرورة وهادئة البال ، تستقبل مطيعة برحابة صدر ، لكنها عندما تكون غاضبة ومنزعجة من شيء ما ، فإن مزاجها يتغير وتنزع نحو التمرد والعصيان . الا أن الغالب على سلوك المراهقة هو التمرد والمشاكسة.
إن الفتاة المراهقة تفسر في بعض الحالات آراء وتوجيهات الآخرين بإعتبارها نوعا من الإعتداء على شخصيتها ولذا ترفضها ولا تأخذ بها ، وإذا شعرت أن ما يطلب اليها فيه صيغة أمرية تتمرد عليه وتعصيه بشدة.
من المشاكل التي تواجهنا في التعامل مع اعضاء هذه الشريحة هو سذاجتهم في التعامل مع الأشياء ، أي إن قراراتهم ومواقفهم من القضايا غالبا ما تكون لحظوية وغير محسوبة النتائج.
إن كل شيء لدى الفتيات في هذه المرحلة ساذج وآني ، اخلاقهن ، كلامهن ، زينتهن ، غنجهن ودلالهن ، فرض أنفسهن على أنهن أثيرات ومحبوبات لدى الآخرين و ...


الأسباب


كما ذكرنا فيما مر ، فإن الوضع الظاهري لها يدل على أن الفتاة تعاني من إعتلالات نفسية ناشئة عن التغييرات العضوية التي تحصل خلال فترة المراهقة ، ومنها تزايد نشاط الغدد الداخلية وإفرازاتها الهرمونية في الدم ، الأمر الذي يترك آثاره على الجوانب السلوكية.
وبعبارة أخرى تحصل خلال فترة المراهقة تغييرات عضوية كثيرة ومتسارعة لدى الفتاة يختل على أثرها تعادل الإفراز الهرموني من الغدد الداخلية أي يتغير على اثرها المزاج والسلوك بحسب العبير الشائع.