سألت شاباً: كيف تتعلم أن تحب؟ رد ببراءة: أعرف حب الخشوم والأيدي والأكتاف!
عادة خليجية غريبة، و”الحب” يعني هنا : التقبيل.
شاعر الحب بلا منازع (نزار قباني) يقول :

الحب في الأرض شيء من تخيلنا *** لو لم نجده عليها لاخترعتاه
المحبّون لا يرغبون في الخلاص ولو برحت بهم الآلام.
يقول أبو هلال العسكري (أو غيره) :

دعا لومي فلومكما معاد *** وقتل العاشقين له معادُ
ولو قتل الهوى أهل التصابي *** لما تابوا ولو ردوا لعادوا

أردت أن أقول لذلك الشاب أن يحبّ الحياة، أن يحبّ ما يجد إذا لم يجد ما يحب!
أن يرى الجانب الجميل في الأشياء المفروضة عليه أو المقدرة،

حتى المشكلات والعقبات والعقابات والحرمان ..
تلك الدروس الحياتية التي تدربنا على الصبر والقوة، وتقودنا إلى الله،

وتنمي قدراتنا على البحث عن البديل.
أن نستمتع بالأشياء التي نحن مضطرون لعملها.
الوظيفة
الدراسة والمذاكرة
مساعدة الآخرين
الصلة بالأقارب والجيران
العمل
تحمل المسئوليات
العبادة

فرق هائل بين أن تؤدي عملاً ما كوظيفة لا بد منها بلا روح ولا تفاعل ولا إبداع،

وبين أن تألفه ثم تحبه ثم تتفنن في إخراجه وتجميله وتحسينه.
هذا “الحب” من حب الله و(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
حب الله شعور إنساني كبير يملأ حياتنا بالبهجة والرضا والأنس،

يجعل صلاتنا (قرة عين) كما كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، و(راحة) ،
كما كان يقول عليه السلام : أرحنا بها يا بلال، وليس أرحنا منها!
حب الحياة بصعوباتها وآلامها وأحلامها لأنها هبة الله، وحب كوني إنساناً مكرماً ينتمي إلى الفصيلة المختارة من المخلوقات،

والتي منها الأنبياء والرسل والصالحون والشهداء والصديقون والعلماء والمبدعون.
حب الأرواح التي تسكننا وتبث فينا طاقة الحياة والأمل وترقب الأفضل ..
حب الانتماء لهذا الجنس؛ الذي سكن الجنة، وأكل من الشجرة،

وهبط إلى الأرض ليعمرها ويكدح فيها وينتفع بمسخرات الكون من حوله، فيبني الحضارات، ويؤسس الدول،
ويكتشف السنن، ويدوّن المعارف.
لا تفرط في المثالية والخوف من الإخفاق أو الخطأ، فهو جزء من الطبيعة، تعلّم قبول الجيد وأن تحب الأشياء ولو كانت دون الكمال،

لكي تحبك هي ولو كنت دون الكمال؛ أحبّ زوجتك ومنزلك وحقلك وعلاقتك وأسرتك وأصدقاءك.
لكي تشعر بالحماس عليك أن تتعلم كيف تحب ما أنت مقبل عليه، وظيفة جديدة، تعلم لغة جديدة،

مهمة غير عادية، تعلم قبول التحدي بثقة وجدارة.
حين تكره شيئاً ما أو تحس بأنه عبء ثقيل فلن تكون منتجاً ولن تتبرج مواهبك.
اسأل نفسك: ما هي المهارات والمعارف الجديدة في مجال تخصصك أو حياتك؟

وكن مرناً قابلاً للتأقلم والتكيف، وتخيل النجاح وفكر بالجوانب الإيجابية.
تأكد أن ثمة مائة طريق وطريق لإنجاز المهمة ذاتها فلا تحبس نفسك برؤية محدودة.
اكتشف الأسباب المزعجة لك وحاول السيطرة عليها وتغييرها وتحويلها إلى عوامل إيجابية.
توقع أن التذمر والضيق يمكن أن يحدث مع أي عمل وأي بديل فلا تزهد فيما هو متاح لك،

فربما لا تجد أفضل منه:
عتبت على عمرو فلما فقدته *** وجربت أقواماً بكيت على عمرِو
نزهد في المتاح أحياناً لأنه متاح.
الحب درس يمكن تعلمه!

لا تكن شحيحاً في حبك، درب عضلات قلبك على الاتساع لحب الآخرين وحب الخير لهم.
أن تحب مدينة أو وظيفة أو حالة كتبها الله لك أو عليك.
وإذا أحببتها فسوف تنتمي إليها بإخلاص وتتعامل معها بنضج.

بقلم د. سلمان العودة ..