لقد ترك المسلمين القضاة الحق وهم الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) الذين نص عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : " أقضاكم علي " . (1)

وقد رجع الى الإمام علي (عليه السلام) في قضائه حتى من خالفه وغصب حقه ، وقد عُرف عن أبن الخطاب مقولته المشهورة : " لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن " . (2)

ومما يؤسف له حقاً أن العالم اليوم غير مطلع على قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) فما أحوجنا الى إيصال ذلك للعالم وتعرفهم به .

وهنا نشير الى واقعة لقضية تبين لنا قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) .

عن أبي عبد الله (عليه السلام) : " إن رجلاً أقبل على عهد علي (عليه السلام) من الجبل حاجاً ومعه غلام له فأذنب فضربه مولاه ، فقال : ما أنت مولاي بل أنا مولاك ؟ .

قال : فما زال ذا يتوعد ذا وذا يتوعد ذا ، ويقول : كما أنت حتى نأتي الكوفة يا عدو الله فأذهب بك الى أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما أتيا الكوفة أتيا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال الذي ضرب الغلام : أصلحك الله هذا غلام لي وإنه أذنب فضربته فوثب علي . وقال الآخر : هو والله غلام لي ، إن أبي أرسلني معه ليعلمني وأنه وثب علي يدعيني ليذهب بمالي .

قال : فأخذ هذا يحلف وهذا يحلف ، وهذا يكذب هذا وهذا يكذب هذا . قال : فقال : انطلقا فتصادقا في ليلتكما هذه ولا تجيئاني إلا بحق قال : لقنبر : أثقب في الحائط ثقبين
فجاء الرجلان واجتمع الناس ، فقالوا : لقد وردت عليه قضية ما ورد عليه مثلها لا يخرج منها . فقال لهما : ما تقولان ؟

فحلف هذا أن هذا عبده وحلف هذا أن هذا عبده . فقال لهما : قوما فإني لست أراكما تصدقان . ثم قال لأحدهما : ادخل رأسك في هذا الثقب ، ثم قال للآخر : أدخل رأسك في هذا الثقب . ثم قال : يا قنبر ، علي بسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عجل اضرب رقبة العبد منهما .

قال : فأخرج الغلام رأسه مبادراً فقال علي (عليه السلام) للغلام : ألست تزعم أنك لست بعبد ؟ ومكث الأخر في الثقب . فقال : بلى ولكنه ضربني وتعدى علي . قال : فتوثق له أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفعه أليه . (3)


* والحمد لله رب العالمين *

_______________________
1- شرح الأخبار : جـ1 صـ91 قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقضاكم علي حـ6 .
2- أنساب الأشراف : صـ99 - 100 حـ29 .
3- تهذيب الأحكام : جـ 6 صـ 307 - 308 حـ58 .