بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هذَا لَبَلاَغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ* وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ* قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُسْلِمُونَ» [سورة الأنبياء:105 ـ 108].
إنّ الأديان جاءت، يُؤكّد لاحقُها سابقَها، لأنّها شرائع الله الواحد، وقد أراد لعباده الهداية فأراهم حُججَه متواترةً على لسان كتبه ورسله تبارك وتعالى. والآيات المباركة المتقدمة تؤكّد ما جاء في العهد القديم في المزمور السابع والثلاثين، وخلاصة تفسيره أنّ هنالك صراعاً سيجري بين أهل الحقّ وأهل الباطل، بين الذين اتّبعوا تعاليم الأنبياء عليهم السلام ووصاياهم، وصدقوا اللهَ ما عاهدوه عليه، وصبروا على ذلك وعملوا عملاً صالحاً، وجاهدوا في الله عزّوجلّ.. وبين أهل الباطل الذين اتّبعوا الشهوات والأهواء. وسوف ينتهي هذا الصراع بانتصار أهل الحقّ عندما يعرفون إمامَهم المعصوم المنزَّه عن الهوى والشبهات، والمنصوص على اسمه ونسبه الشريف من جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، والواردة صفاته وشمائله المقدّسة في الكتب السماويّة، والأنبياء يُفدّونه بأنفسهم وأموالهم، ويتمنَّون الجهاد بين يديه.
• وهذا مصداقٌ واضح وصريح لوعد الله جلّ وعلا لأنبيائه عليهم السلام، ولنبيّه داود عليه السلام بالخصوص، حيث سيذهب الأشرار في الأرض تماماً كالعشب الذي يَيْيَس وتَذرُوه الرياح، وسوف يستجيب الله تعالى ـ بعد تاريخٍ طويل ـ دعاء عبده داود عليه السلام في وراثة الأرض التي سيرثها عبادُ الله الصالحون، وهم الصدّيقون الذين لا يعبدون إلاّ الله تعالى، ولا يقولون إلاّ الحقَّ والصدق. أمّا الشرّير إبليس وجنوده من الإنس والجنّ، فسوف يقضي عليهم منقذ الإنسانيّة المهديُّ الموعود المنتظر محمّد بن الحسن العسكريّ عليهما السلام، وهو من ذريّة محمّد المصطفى الأمين صلّى الله عليه وآله من جهة أبي جَدّتة: الصدّيقة الكبرى فاطمة عليها السلام، ومن ذريّة داود عليه السلام من جهة الأمّ (نرجس الطاهرة عليها السلام).
• وفي تفسير القمّي: قوله تعالى: «ولَقَد كَتَبنا في الزَّبورِ مِن بعدِ الذِّكْر»، قال: الكتب (السماويّة) كلّها ذكرت: «أنّ الأرضَ يَرِثها عباديَ الصالحون» قال: القائمُ وأصحابه. قال: والزبور (زبور داود عليه السلام) فيه الملاحم والتحميد والتمجيد والدعاء. قال السيّد محمّد حسين الطباطبائي: والروايات في المهديّ عليه السلام وظهوره ومَلْئِه الأرضَ قسطاً وعدلاً بعد أن تُملأَ ظلماً وجوراً من طُرق العامّة والخاصّة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام بالغةٌ حَدَّ التواتر، مَن أراد الوقوف عليها فليراجع مظانّها من كتب العامّة والخاصّة. (الميزان في تفسير القرآن للسيّد الطباطبائي 337:14).
وفي ظلّ كلمة أمير المؤمنين عليه السلام: «لَتَعطِفَنّ الدنيا علينا بعد شِماسها عطفَ الضَّروس على وَلَدِها»، ثمّ تلا قوله تعالى: «ونُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ آستُضعِفُوا في الأرضِ ونَجَعَلَهُم أئمّةً ونَجعَلَهمُ الوارثين». (نهج البلاغة / الحكمة 209 والآية في سورة القصص:5). قال ابن أبي الحديد: إنّ أصحابنا يقولون: إنّه وعدٌ بإمامٍ يملك الأرض ويستولي على الممالك الأرض. (شرح نهج البلاغة 336:4).
• وفي الباب السابع من كتاب (عقد الدرر في أخبار المنتظَر) للمَقْدسي الشافعي (من علماء القرن السابع الهجري): عن أبي عبدالله نعيم بن حمّاد قال: وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره (الكشف والبيان) في ظلّ قوله تعالى: «حم~ عسق~» [سورة الشورى:1 ، 2] أنّ عبدالله بن عبّاس قال في تفسير هذه الحروف: (ح) حربٌ تكون بين قريش والموالي، فتكون الغلبة لقريشٍ عليهم. (م) مُلك بني أُميّة. (ع) علوّ وُلد العبّاس بن عبدالمطّلب. (س) سِني المهديّ. (ق) نزول عيسى إلى الأرض. انتهى.
• فيما نقل بعضهم عن التفسير المذكور هكذا: (س) سناء المهديّ، (ق) قوّة عيسى بن مريم. وكتب ابن حجر الهيتمي الشافعي في (الصواعق المحرقة:96) في ظلّ قوله تعالى: «وإنَّه لَعِلمٌ للساعة» [الزخرف:61]: قال مقاتل بن سليمان ومَن تَبِعه من المفسّرين: إنّ هذه الآية نزلت في المهديّ. (إسعاف الراغبين لابن الصبّان المصري الشافعي:156) مثلُه.
• وفي (نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار:228) كتب الشبلنجي الشافعي: عن أبي عبدالله الگنجي أنّه قال: جاء في تفسير الكتاب عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: «لِيُظهِرَه عَلَى الدِّين كُلِّهِ ولَو كَرِه المشركون» [التوبة:33] قال: المهديّ مِن وُلد فاطمة رضي الله عنها. (عن كتاب الگنجي الشافعي: البيان في أخبار صاحب الزمان).
• وفي (ينابيع المودّة لذوي القربى:443) كتب الشيخ سليمان القندوزي الحنفي: في (المناقب) للخوارزمي الحنفي: عن جابر بن عبدالله الأنصاري ـ في خبرٍ طويل يذكر فيه دخول اليهودي على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسؤاله عن عدّة مسائل، وإسلامه أخيراً، وكان من جملة أسئلته عن أوصيائه صلّى الله عليه وآله، فأخبر النبيّ أنّهم اثنا عشر بأسمائهم واحداً بعد واحد، إلى أن ذكر الإمام أبا محمّد الحسنَ العسكريّ عليه السلام، ثمّ قال: «وبعدَه ابنه محمّد، يُدعى بالمهديّ والقائم والحُجّة، فيغيب ثمّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئِت جوراً وظلماً، طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبّته، أولئك الذين وصفهم الله في كتابه، قال: «هُدىً للمتّقينَ * الَّذين يُؤمنون بالغَيب» [سورة البقرة:2 ، 3]، وقال تعالى: «أُولئكَ حِزبُ اللهِ ألا إنّ حزبَ اللهِ هُمُ المُفلحون» [سورة المجادلة:22].
• وعلى الصفحة (448) من المصدر نفسه: عن كتاب (فرائد السمطين) للجويني الشافعي: عن الحسن بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا في حديث ذكر فيه المهديَّ عليه السلام، وأنّه الرابع من وُلده، إلى أن قال: «فإذا خرج أشرقت الأرض بنور ربّها... وهو الذي ينادي مُنادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض: ألا إنّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتَّبِعوه؛ فإنّ الحق فيه ومعه، وهو قول الله عزّوجلّ: «إنْ نَشَأْ نُنْزِلْ عَلَيهِم مِن السماءِ آيةً فَظَلَّت أعناقُهم لها خاضعين» [سورة الشعراء:4].
• وفي (تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان) في ظلّ قوله تعالى: «الذينَ يُؤمنُونَ بالغَيب» قال: وقال بعض الشيعة: المراد بالغيب المهديُّ المنتظر الذي وعد الله به في القرآن بقوله تعالى: «وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنكُم وعَمِلوا الصالحاتِ لَيَستَخْلِفَنّهم في الأرض» [سورة النور:55]، وما ورد عنه صلّى الله عليه وآله: «لو لم يَبقَ مِن الدنيا إلاّ يومٌ واحدٌ لَطَوّل الله ذلك اليومَ حتّى يخرج رجلٌ من أمّتي، يُواطئ اسمُه اسمي، وكنيتُه كنيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئِت جوراً وظلماً».
• والآيات الشريفة كثيرة، عرّف بمعظمها السيّد هاشم البحراني في كتابه (المحجّة فيما نزل في القائم الحجّة)، أما الروايات فوفيرة امتدّت إلى مجلّدات وموسوعات، من عشرات الطرق ومئات الرواة، من العامّة والخاصّة.. فهنيئاً لأهل الإيمان الراسخ، والصبر الثابت، والانتظار الصادق.
والحمدلله رب العالمين