شبكة عراق الخير
صفحة 1 من 5 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 47

الموضوع: الأدب الصغير - لابن المقفع

Share/Bookmark
  1. #1

    افتراضي الأدب الصغير - لابن المقفع

    الأدب الصغير لابن المقفع

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قال ابن المقفع:
    أما بعد، فإن لكل مخلوق حاجة، ولكل حاجة غاية، ولكل غاية سبيلًا. والله وقَّت1 للأمور أقدارها، وهيأ إلى الغايات سبلها، وسبب2 الحاجات ببلاغها.
    فغاية الناس وحاجاتهم صلاح المعاش والمعاد3، والسبيل إلى دركها4, العقل الصحيح, وأمارة5 صحة العقل اختيار الأمور البصر6، وتنفيذ البصر بالعزم.
    __________
    1 وقَّت: حدد وقتًا.
    2 سبب: أوجد.
    3 المعاش, والمعاد: الحياة الدنيا، والآخرة.
    4 دَركها: إدراكها.
    5 أمارة: علامة.
    6 البصر: أي البصر في الأمور، العلم بعواقبها.



  2. #2

    افتراضي رد: الأدب الصغير - لابن المقفع

    الأدب ينمي العقول
    [align=justify]وللعقول سجيات وغرائز1، بها تقبل الأدب، وبالأدب تسمى العقول وتزكو.
    فكما أن الحبة المدفونة في الأرض لا تقدر أن تخلع يبسها، وتظهر قوتها، وتطلع فوق الأرض بزعوتها وزيعها2، ونضرتها ونمائها، إلا بمعونة الماء الذي يغور إليها في مستودعها، فيذهب عنها أذى اليبس والموت، ويحدث لها بإذن الله القوة والحياة، فكذلك سليقة3 العقل مكنونة في مغرزها من القلب: لا قوة لها، ولا حياة بها، ولا منفعة عندها، حتى يعتملها4 الأدب، الذي هو ثمارها، وحياتها، ولقاحها.
    وجل الأدب بالمنطق، وجل المنطق بالتعلم، ليس منه حرف من حروف معجمه، ولا اسم من أنواع أسمائه، إلا وهو مروي، متعلم، مأخوذ عن إمام سابق، من كلام أو كتاب.
    وذلك دليل على أن الناس لم يبتدعوا أصولها، ولم يأتهم علمها إلا من قبل العليم الحكيم.
    فإذا خرج الناس من أن يكون لهم عمل أصيل، وأن يقولوا قولا[/align]
    __________
    1 السجيات، الواحدة سجية: الطبيعة والخلق، الغرائز، الواحدة غريزة: الطبيعة.
    2 ريعها: نموها.
    3 السليقة: الطبيعة.
    4 يعتملها: يعملها.
    التعديل الأخير تم بواسطة عامر العمار ; 08-19-2017 الساعة 01:01 AM

  3. #3

    افتراضي رد: الأدب الصغير - لابن المقفع

    [align=justify]بديعًا، فليعلم الواصفون المخبئون أن أحدهم، وإن أحسن وأبلغ، ليس زائدا على أن يكون كصاحب فصوص1؛ وجد ياقوتا، وزبرجدا ومرجانا، فنظمه قلائد وسموطا2 وأكاليل، ووضع كل فص موضعه، وجمع إلى كل لون شبهه، وما يزيده بذلك حسنا، فسمي بذلك صانعا رفيقا، وكصاغة الذهب والفضة، صنعوا منها ما يعجب الناس من الحلي والآنية، وكالنحل؛ وجدت ثمرات أخرجها الله طيبة، وسلكت سبلا؛ جعلها الله ذللا3، فصار ذلك شفاء وطعاما، وشرابا منسوبا إليها، مذكورا بها أمرها وصنعتها.
    فمن جرى على لسانه كلام يستحسنه, أويستحسن منه، فلا يعجبن إعجاب المخترع المبتدع، فإنه إنما إجتباه كما وصفنا.
    الاقتداء بالصالحين:
    ومن أخذ كلامًا حسنًا عن غيره، فتكلم به في موضعه, وعلى وجهه، فلا ترين عليه في ذلك ضؤولة4، فإنه من أعين على حفظ كلام المصيبين، وهدي للاقتداء بالصالحين، ووفق للأخذ عن الحكماء، ولا عليه أن لا يزداد، فقد بلغ الغاية، وليس[/align]
    __________
    1 الفصوص، الواحد فص: ما يركب في الخاتم من الحجارة الكريمة.
    2 السموط، الواحد سمط: الخيط ما دام الخرز أو اللؤلؤ منتظمًا فيه.
    3 ذللًا، الواحد ذلول: السهل.
    4 ضؤولة: أراد حطة شأن.

  4. #4

    افتراضي رد: الأدب الصغير - لابن المقفع

    [align=justify]بناقصه في رأيه, ولا غامطه1 من حقه أن لا يكون هو استحدث ذلك وسبق إليه. فإنما إحياء العقل الذي يتم به, ويستحكم: خصال سبع: الإيثار بالمحبة، والمبالغة في الطلب، والتثبت في الاختيار، والاعتياد للخير، وحسن الرعي، والتعهد لما اختير واعتقد، ووضع ذلك موضعه قولًا وعملًا.
    أما المحبة فإنها تبلغ المرء مبلغ الفضل في كل شيء من أمر الدنيا والآخرة حين يؤثر بمحبته, فلا يكون شيء أمرأ2, ولا أحلى عنده منه.
    وأما الطلب، فإن الناس لا يغنيهم حبهم ما يحبون, وهواهم ما يهوون عن طلبه وابتغائه, ولا تدرك لهم بغيتهم, ونفاستها في أنفسهم، دون الجد والعمل.
    وأما التثبت والتخير، فإن الطلب لا ينفع إلا معه وبه, فكم من طالب رشد, وجده والغي معًا، فاصطفى منهما الذي منه هرب، وألغى الذي إليه سعي، فإذا كان الطالب يحوي غير ما يريد، وهو لا يشك في الظفر، فما أحقه بشدة التبين وحسن الابتغاء!
    وأما اعتقاد الشيء بعد استبانته، فهو ما يطلب من إحراز الفضل بعد معرفته.[/align]

    __________
    1 غمطه حقه: نقصه إياه.
    2 أمرأ، أفعل مرأ الطعام: ساغ من غير غصص.

  5. #5

    افتراضي رد: الأدب الصغير - لابن المقفع

    [align=justify]وأما الحفظ والتعهد، فهو تمام الدرك؛ لأن الإنسان موكل به النسيان والغفلة؛ فلا بد له إذا اجتبى1 صواب قول أو فعل من أن يحفظه عليه ذهنه لأوان حاجته.
    وأما البصر بالمواضع، فإنما تصير المنافع كلها إلى وضع الأشياء مواضعها، وبنا إلى أهل كله حاجة شديدة, فإنا لم نوضع في الدنيا موضع غنى وخفض2, ولكن بموضع فاقة وكد، ولسنا إلى ما يمسك أرماقنا3 من المأكل والمشرب بأحوج منا إلى ما يثبت عقولنا من الأدب الذي به تقاوت العقول, وليس غذاء الطعام بأسرع في نبات الجسد من غذاء الأدب في نبات العقل, ولسنا بالكدِّ في طلب المتاع الذي يلتمس به دفع الضرر, والغلبة, بأحق منا بالكد في طلب العلم الذي يلتمس به صلاح الدين والدنيا.
    ما وضع في هذا الكتاب:
    وقد وضعت في هذا الكتاب من كلام الناس المحفوظ حروفًا فيها عون على عمارة القلوب, وصقالها, وتجلية أبصارها، وإحياء للتفكير وإقامة للتدبير، ودليل على محامد الأمور, ومكارم الأخلاق إن شاء الله![/align]

    __________
    1 اجتبى: اختار.
    2 الخفض: سعة العيش.
    3 الأرماق، الواحد رمق: بقية الحياة.

  6. #6

    افتراضي رد: الأدب الصغير - لابن المقفع

    انظر أين تضع نفسك
    الواصفون1 أكثر من العارفين، والعارفون أكثر من الفاعلين.
    فلينظرِ امرؤ أين يضع نفسه؛ فإن لكل امرئ لم تدخل عليه آفة نصيبًا من اللب يعيش به، لا يحب أن له به من الدنيا ثمنًا, وليس كل ذي نصيب من اللب بمستوجب أن يسمى في ذوي الألباب, ولا يوصف بصفاتهم, فمن رام أن يجعل نفسه لذلك الاسم والوصف أهلًا، فليأخذ له عتاده2, وليعد له طول أيامه، وليؤثره على أهوائه, فإنه قد رام أمرًا جسيمًا لا يصلح على الغفلة، ولا يدرك بالمعجزة، ولا يصير على الأثرة3, وليس كسائر أمور الدنيا وسلطانها ومالها وزينتها التي قد يدرك منها المتواني ما يفوت المثابر, ويصيب منها العاجز ما يخطئ الحازم.
    جماع الصواب, وجماع الخطأ:
    وليعلم أن على العاقل أمورًا إذا ضيعها, حكم عليه عقله بمقارنة الجهال.
    فعلى العاقل أن يعلم أن الناس مشتركون, مستوون في الحب

    __________
    1 أراد بالواصفين: المكثرين الكلام.
    2 العتاد: ما أعدَّ لأمر ما.
    3 الأثرة: أن يختار المرء لنفسه أحسن الأشياء دون أصحابه.
    التعديل الأخير تم بواسطة عامر العمار ; 08-19-2017 الساعة 01:07 AM

  7. #7

    افتراضي رد: الأدب الصغير - لابن المقفع

    [align=justify]لما يوافق, والبغض لما يؤذي، وأن هذه منزلة اتفق عليها الحمقى والأكياس1، ثم اختلفوا بعدها في ثلاث خصال هن جماع الصواب وجماع الخطأ، وعندهن تفرقت العلماء والجهال، والحزمة والعجزة.
    الباب الأول من ذلك2:
    أن العاقل ينظر فيما يؤذيه, وفيما يسره، فيعلم أن أحق ذلك بالطلب، إن كان مما يحب، وأحقه بالاتقاء، إن كان مما يكره، أطوله وأدومه وأبقاه، فإذا هو قد أبصر فضل الآخرة على الدنيا، وفضل سرور المروءة على لذة الهوى، وفضل الرأي الجامع الذي تصلح به الأنفس والأعقاب على حاضر الرأي الذي يستمتع به قليلا, ثم يضمحل، وفضل الأكلات على الأكلة, والساعات على الساعة3.
    الباب الثاني من ذلك:
    أن ينظر فيما يؤثر من ذلك، فيضع الرجاء, والخوف فيه[/align]

    __________
    1 الحمقى، الواحد أحمق: قليل العقل، فاسده. الأكياس، الواحد كيِّس: الحسن الفهم, والأدب, والفطنة.
    2 أراد بالباب الأول: الخصلة الأولى، وهكذا أراد بالباب الثاني والباب الثالث: الخصلة الثانية, والخصلة الثالثة.
    3 أراد عرف كيف يعزف عن ملذات الدنيا الزائلة إلى نعيم الآخرة الدائم.

  8. #8

    افتراضي رد: الأدب الصغير - لابن المقفع

    [align=justify]موضعه، فلا يجعل اتقاءه لغير المخوف, ولا رجاءه في غير المدرك.
    فسيتوقى عاجل الذات طلبًا لآجلها، ويحتمل قريب الأذى توقيًا لبعيده, فإذا صار إلى العاقبة، بدا له أن فراره كان تورطًا1 وأن طلبه كان تنكبًا2.
    الباب الثالث من ذلك:
    هو تنفيذ البصر بالعزم بعد المعرفة بفضل الذي هو أدوم، وبعد التثبت في مواضع الرجاء والخوف, فإن طالب الفضل بغير بصر تائه حيران، ومبصر الفضل بغير عزم ذو زمانة3 محروم.
    محاسبة النفس:
    وعلى العاقل مخاصمة نفسه, ومحاسبتها, والقضاء عليها, والإثابة والتنكيل بها4.
    أما المحاسبة، فيحاسبها بما لها، فإنه لا مال لها إلا أيامها المعدودة التي ما ذهبت منها لم يستخلف كما تستخلف النفقة، وما جعل منها في الباطل لم يرجع إلى الحق، فيتنبه لهذه المحاسبة[/align]
    __________
    1 تورط: وقع أمر مشكل, يصعب عليه الخلاص منه.
    2 التنكت: التجنب.
    3 الزمانة: العاهة، تعطيل القوى.
    4 أراد بالإثابة: مكافأة نفسه على ما عملته من عمل صالح, وبالتنكيل بها: معاقبتها على ما عملته من عمل فاسد.
    التعديل الأخير تم بواسطة عامر العمار ; 08-19-2017 الساعة 01:11 AM

  9. #9

    افتراضي رد: الأدب الصغير - لابن المقفع

    عند الحول1 إذا حال، والشهر إذا انقضى، واليوم إذا ولى، فينظر فيما أفنى من ذلك، وما كسب لنفسه، وما اكتسب عليها في أمر الدين وأمر الدنيا, فيجمع ذلك في كتاب فيه إحصاء، وجد، وتذكير للأمور، وتبكيت للنفس, وتذليل لها؛ حتى تعترف, وتذعن.
    وأما الخصومة، فإن من طباع النفس الآمرة بالسوء أن تدعي المعاذير فيما مضى، والأماني فيما بقي، فيرد عليها معاذيرها, وعللها, وشبهاتها.
    وأما القضاء، فإنه يحكم فيما أرادت من ذلك على السيئة بأنها فاضحة, مردية, موبقة2، وللحسنة بأنها زائنة, منجية, مربحة.
    وأما الإثابة, والتنكيل، فإنه يسر نفسه بتذكر تلك الحسنات, ورجاء عواقبها, وتأميل فضلها، ويعاقب نفسه بالتذكر للسيئات, والتبشع بها, والاقشعرار منها, والحزن لها.
    فأفضل ذوي الألباب أشدهم لنفسه بها أخذًا، وأقلهم عنها فيه فترة.
    ذكر الموت:
    وعلى العاقل أن يذكر الموت في كل يوم وليلة مرارًا، ذكرًا


    __________
    1 الحول: السنة.
    2 موبقة: مهلكة.

  10. #10

    افتراضي رد: الأدب الصغير - لابن المقفع

    يباشر به القلوب, ويقدع الطماع1، فإن في كثرة ذكر الموت عصمة من الأشر، وأمانًا، بإذن الله، من الهلع2
    إحصاء المساوئ:
    وعلى العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدين, وفي الأخلاق, وفي الآداب، فيجمع ذلك كله في صدره, أو في كتاب، ثم يكثر عرضه على نفسه، ويكلفها إصلاحه، ويوظف ذلك عليها توظيفًا من إصلاح الخلة3, والخلتين, والخلال في اليوم أو الجمعة أو الشهر.
    فكلما أصلح شيئًا محاه، وكلما نظر إلى محو استبشر، وكلما نظر إلى ثابت اكتأب.
    الخصال الصالحة:
    وعلى العاقل أن يتفقد محاسن الناس, ويحفظها على نفسه، ويتعهدها بذلك مثل الذي وصفنا في إصلاح المساوي.
    وعلى العاقل أن لا يخادن, ولا يصاحب, ولا يجاور من الناس ما استطاع، إلا ذا فضل في العلم والدين والأخلاق, فيأخذ عنه، أو موافقًا له على إصلاح ذلك, فيؤيد ما عنده، وإن لم يكن له عليه فضل.
    __________

    1 يقدع: يكبح. الطماح: أراد جماح النفس، وركوبها هواها.
    2 الهلع: الجزع.
    3 الخلة: الخصلة.

صفحة 1 من 5 12345 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. في أصول الأدب مقالات ومحاضرات في الأدب العربي
    بواسطة عامر العمار في المنتدى منتدى الكتب الادبية المقروءة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-04-2022, 05:05 PM
  2. مؤلفات ابن المقفع
    بواسطة عامر العمار في المنتدى مكتبة الادب والثقافة وعلوم اللغة والتربية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-20-2015, 07:25 PM
  3. سما المصرى: مصر جابت اتنين نجيب محفوظ فى الأدب و"سما" فى قلة الأدب
    بواسطة نهلة علي في المنتدى منتدى الفن والفنانين
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-25-2014, 12:24 AM
  4. الادب الكبير لابن المقفع
    بواسطة عامر العمار في المنتدى مكتبة الادب والثقافة وعلوم اللغة والتربية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-14-2013, 05:28 PM
  5. الادب الصغير لابن المقفع
    بواسطة عامر العمار في المنتدى مكتبة الادب والثقافة وعلوم اللغة والتربية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-14-2013, 04:39 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى