شبكة عراق الخير
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: سنوات الغلاء في الموصل

Share/Bookmark

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1

    تاريخ التسجيل
    Aug 2017
    الدولة
    الموصل
    المشاركات
    243
    معدل تقييم المستوى
    7

    افتراضي سنوات الغلاء في الموصل

    رسالة في غلاء الموصل أستاذ دكتور عماد عبد السلام رؤوف

    سنة 1297هـ/1878م

    كان التذبذب الشديد بين حالتي الغلاء والرخص في أسواق الموصل يمثل انعكاساً مباشراً لطبيعة المواسم الزراعية لريف المدينة، حيث تتحكم فيها –بصفة أساسية- التغيرات المناخية المستمرة، فمنطقة كالموصل، تعتمد في ري حقولها على مياه الأمطار وحدها تقريباً، كان لا بد من أن يتأثر إنتاجها الزراعي بكل ما يطرأ من تغير مناخي أو بيئي. وكان من المتوقع دائماً أن يؤدي تعرض المنطقة إلى حالة جفاف، أو أن يتأخر هطول الأمطار، فيؤدي إلى تلف المحاصيل الزراعية وأغلبها من الحبوب. بيد أن الجفاف لم يكن المسؤول الأوحد عن هذا التلف، بل قد تكون كثرة الأمطار نفسها، وتجاوزها القدر الملائم، سبباً في تلف الزروع، أو أن يؤدي البرد الشديد، الذي تتعرض له الموصل أحياناً، إلى تلف جانب كبير من المحصول وربما ساهمت أسراب الجراد المندفعة إلى المنطقة من مواطنها الصحراوية في الجزيرة العربية، إلى أكل الحاصل، فتتفاقم الأزمة، ويعم ضررها مجتمع المدينة بأكمله.

    ومن ناحية أخرى فأن للعوامل البشرية أثرها على اقتصاد مدينةٍ تعتمد في جانب من نشاطها على التجارة، فانقطاع الطرق بسبب التمرد أو النزاعات الداخلية بين العشائر وسلطات المدن المجاورة، كان يؤدي أيضاً إلى قلة المعروض من سلعة ما، ومن ثم إلى ارتفاع حاد في أسعارها.


    وتكشف دراسة النصوص التاريخية التي سجلها المؤرخون[1]عن ظاهرة الغلاء في مدينتهم ابان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عن تكرر هذه الظاهرة، بصفة كلية أو جزئية، في أوقات متقاربة للغاية، وربما استمرت مع اختلاف في أسبابها، عدة سنوات، وذلك ما يمكن توضيحه في الجدول الآتي: لا يمكن سحب الجدول كصورة ولكن إلى نص:

    1192هـ/1778م انقطاع المطر (؟) [2]
    1197هـ/1782م انقطاع المطر 3 اشهر [3]
    1199هـ/1784م انقطاع المطر - [4]
    1200هـ/1785م انقطاع المطر سنة كاملة [5]
    1206هـ/1791م انقطاع المطر (؟)[6]
    1209هـ/1794م الجراد- البرد- كثرة الامطار 4 اشهر [7]
    1210هـ/1795م الجراد سنة كاملة [8]
    1211هـ/1796م البرد موسم [9]
    1213هـ/1798م انقطاع الطرق (؟)[10]
    1214هـ/1799م الجراد موسم [11]
    1215هـ/1800م انقطاع الطرق (؟)[12]
    1219هـ/1804م انقطاع الطرق (؟)[13]
    /1824م الجفاف- الجراد [14]
    /1826م الجفاف [15]

    سنوات الغلاء في الموصل B29ji5N7kwETAAAAAElF

    وقد علمت خبرات الفرد الموصلي أن يعمد إلى خزن كميات كبيرة تزيد عن حاجته العادية من الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى، في كل موسم زراعي، تلافياً لما قد يواجهه في أزمات الموسم القادم وبالطبع، فإن هذا التخزين الدائم من شأنه التخفيف من حدة الأسعار في بعض المواد بإزاء الطلب عليها بيد أن حدود الأزمات لم تكن مما يمكن السيطرة عليه دائماً، ففي حالة تلف المحصول، لأي سبب من الأسباب المختلفة، سنتين متتاليتين، تتجاوز الأزمة القدرات المتاحة للمدينة، وتجعلها على حافة مجاعة حقيقية، مع ما يترتب عليها من مآس اجتماعية محتملة، فإذا ما تكررت مثل هذه الحالة في أوقات متقاربة- كما يوضح الجدول- أدى ذلك إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية، وامتداد أثرها إلى الحياة السياسية نفسها.

    وقد أثارت ظاهرة الغلاء الفادح اهتمام المؤرخ الموصلي إبّان القرنين الأخيرين، فسجل ارتفاع أسعار بعض المواد الرئيسية في سنوات الغلاء. لكنه سكت عن تسجيل أسعارها في السنوات العادية بوصفها تمثل أمراً معروفاً من قبل معاصريه. ففي سبيل المثال، ذكر المؤرخ الموصلي ياسين بن خير الله العمري أن الغلاء الذي داهم مدينته سنة 1192هـ/1778م أدى إلى أن تباع الوزنة ونصف من الحنطة بثمانية دراهم، والوزنتان من الشعير بثمانية دراهم[16]، وأنه في سنة 1200هـ/1785م بيع الرطل من الحنطة بدرهمين وبدرهم ونصف، والشعير الرطل بدرهم وأكثر، ورطل الملح بدرهم، والدهن بخمسة دراهم، والقطن بدرهمين وأكثر[17]، وأن سنة 1206هـ/1791م شهدت ارتفاع سعر الحنطة إلى ريال[18] لكل وزنتين، ومثله لكل أربع وزنات من الشعير[19] بيد أن المؤرخ نفسه، لم يحدد لقرّائه أسعار هذه المواد في السنوات السابقة، أو اللاحقة، لنعلم نسبة الارتفاع الذي حصل بشأن كل مادة، هذا فضلاً عن استخدامه أنواعاً مختلفة من العملة التي كانت مستعملة في أسواق الموصل آنذاك، مما يزيد من صعوبة تحليل معطياته من الأرقام المذكورة.

    وكان من توفيقه تعالى، أننا وقفنا على رسالة مهمة لم تنشر بعد[20]، من شأنها أن تلقي ضوءاً ساطعاً على الارتفاع السريع للأسعار في سوق الموصل إبان النصف الاخير من القرن التاسع عشر، ومن المؤكد أن هذا الضوء يمكن أن يفيد الباحث في توضيح أبعاد هذه الظاهرة في الحقب التاريخية السابقة بوجه عام. وعلى الرغم مما يعوزنا من معلومات عن مؤلف هذه الرسالة، وطبيعة ثقافته، فإنه يكفيه أن يكون المؤلف الوحيد بين أكثر من ثلاثمائة وثمانين مؤلفا عراقيا[21]، عُنوا بكتابة التاريخ، أو تسجيل أحداث عصرهم في الأقل، أفرد للظاهرة الاقتصادية رسالة خاصة بها، ولقد اكتفى المؤلف في توضيح هويته بأن صرح في آخر رسالته بأنها (لمحرره محيي الدين) ومن المحتمل أن تكون هذه كنيته لا غير، وبذا يكون اسمه قد غاب بصفة نهائية. وعلى أية حال، فأنه صرح بموصليته، ويظهر أنه كان أديباً له شيء من النظم، فقد ختم رسالته ببيتين من نظمه في رثاء الموصل بمناسبة ما أصابها من غلاء فقال: [22]

    ولما رأيت ما حل بأهل الموصل- وأنا منهم- وماهم

    عليه من سوء الحال على سبيل الرثاء، فقلت كما

    رأيت وبالله اعتصمت:

    فاضت مدامع عيني ببكائي

    أسفا على مل حلّ في الحدباء

    عمرنا هذا فما أعظمه

    أرخوه عام قحط والغلاء

    والبيت الأخير يتضمن تاريخ الغلاء بحسب الجمل، وهو سنة 1297هـ/1878م[23] ويوافق هذا التاريخ ما سجله، في رسالته نفسها، كما سيأتي.

    والرسالة بعد هذا بخط مؤلفها، وهو خط نسخ معتاد فيه بعض الاختزال، مما يظهر أن صاحبه اعتاد على أعمال السوق، من تسجيل ومسك دفاتر، وهو ما يتفق مع كلامه عما أصابه من خسارة نتيجة انخفاض قيمة النقود المتداولة في سوق الموصل. وتقع الرسالة في 11 صفحة، بمقياس 20×12 سم، وفي كل منها 14 سطراً تقريباً، وهي خلو من العنوان.

    وتقدم الرسالة أسعار عدد كبير من المواد الغذائية "من الغلال والخضروات والبقاليات واللحوم في حال رخصها وعدم غلائها، وذلك من أواسط سنة ست وتسعين ومايتين وألف (التي) فيها الترقي والتزايد إلى ساعة التاريخ" أي إلى تاريخ كتابة هذه الرسالة.

    سوق في الموصل 1916

    استخدم المؤلف، في تحديده مقادير المواد المختلفة الأوزان الآتية:

    أولاً- الوزنة والمن:

    قال أن "كل منهما عبارة عن عشر أوقيات استانبول[24] وأوقية استانبول تساوي 213 غراماً وثلث الغرام، فيكون وزن كل من (الوزنة) و (المن) 2. 13. 3 كيلو غرام، وهذا المقدار الضئيل لا يتفق وما هو معروف من أوزان هذين الوزنين، حيث تكون الوزنة (4) أمنان، وما يعادل المن 21 أقة استانبول (= 27كغم إلا 120 غم) [25] وإذا افترضنا أنه يقصد أواق، جمع اقة، لا أوقيات، تكون العشر أواق استانبول 12. 828كغم، وهو مقدار يقرب من وزن ضرب من (الامنان) شاع استعماله في أسواق الشرق منذ القرن السادس عشر، ويبلغ نحو 11 كغم تقريباً، يقول هنتس: ومن المحتمل أن هذا المن هو عين الوزنة العثمانية ذات الـ 30 لودره، والمساوية 11. 545كغم[26] ونقول: بل هو الوزنة المذكورة نفسها على ما صرح به مؤلف هذه الرسالة.

    ثانياً- الحِمْل:

    ويقصد به حمل البعير، وكان يساوي في العراق 300 من، أي أنه 243. 75 كغم[27] وقد خص به وزن التبن.

    ثالثاً- الأُوقية:

    ويكتبها بشكل (قية) بحذف الألف والواو، واستخدمها لوزن اللحوم والنخالة خاصة. ولا ندري أن كان يريد بها الأوقية الإستانبولية (التي هي عُشْر الوزنة والمَن كما ذكر) أم الأوقية البقالي، فكلاهما كان معروف التداول في عهده، وفي الحالة الأولى تكون الأوقية مساوية لوزن قدره 213. 3 غراماً، أما الحالة الثانية فتكون الأوقية 736 غراماً[28]، والذي نرجحه أنه قصد الأوقية الأخيرة.

    رابعاً- الحُقّة:

    وفي الغالب فإنه يقصد الحقة المعروفة بالبقالي، وهي تساوي ثلاث أقق إستانبولية، أي 4. 480 كغم.

    وحدد المؤلف (القرش) وحدة نقدية للشراء، وهو هنا يقصد القرش المعروف بالرايج، وساوي ربع القرش الصاغ، والمؤلَّف –أي الرايج- من 10 بارات، كما ذكر أحياناً (البارة)، وكل بارة تساوي 12 فلساً نحاسياً[29].

    ويلاحظ أن المؤلف قسَّم أسعار المواد التي ذكرها في حالتي الرخص والغلاء إلى أربع مجاميع هي:

    أ- الغِلال.

    ب- البقالية.

    جـ- الخضروات.

    د- اللحوم.

    وسنحافظ - فيما يأتي- على تقسيمه هذا، إلا أننا وضعنا القائمتين في جدولين متجاورين لتسهيل المقارنة، وذلك على النحو الآتي
    المادة الوزن أسعار الرخص بالقرش أسعار الغلاء بالقرش
    حنطة الوزنة 4 120
    شعير الوزنة 1 99
    ذرة الوزنة 1 99
    عدس الوزنة 2 104
    حمص الوزنة 3 70
    باقلاء الوزنة 4 65
    لوبية الوزنة 4 65
    إرز المن 7 140
    سمسم المن 10 60
    شلب المن 4 90
    حب القطن الوزنة 1 -
    تبن الحمل 2 150
    نخالة حنطة منخل 1. 5 أوقية - 8
    دقيق ارز منخل 2 أوقية - 6
    خبز حنطة الحقة - 30
    خبز شعير الحقة - 15



    الجدول رقم ( 2 ) البقالية

    المادة الوزن أسعار الرخص بالقرش أسعار الغلاء بالقرش
    عسل المن 40 150
    حلو المن 5 65
    طحينية المن 5 120
    زبيب أحمر المن 5 40
    زبيب أسود المن 15 80
    تمر قوصره[30] المن 5 100
    تمر قصب[31] المن 5 100
    تين هوى المن 10 65
    تين سنجار المن 10 75
    جوز المن 5 104
    قيسي (المشمش) المن 5 65
    حبة خضرا
    (مال سِعِرْد) المن 40 55

    بُطُم المن 5 75
    فستق المن 7 65
    بندق المن 20 55
    قضامي المن 15 55
    سِسَّي المن 6 40
    ملح المن 2 52
    سُمّاق المَن 6 45
    حب رمان المن 10 50
    حُصرُم المن 8 55
    رمان حلو 8
    رمان حامض المن 4 55
    نومي حلو المن 6 50
    نومي حامض المن 6 50
    إنجاص ماردين المن 20 45
    قمر الدين المن 20 -
    بلوط المن 2 -
    كسَب المن 2 55
    حلاوة راشية المن 20 80
    دهن غنم المن 40 220
    توتون المن 20 200

    سنوات الغلاء في الموصل cbFDNCAAAAAElFTkSuQm
    جدول أخر يتبع خضراوات و يابسات

    المادة الوزن أسعار الرخص بالقرش اسعار الغلاء بالقرش
    بصل الوزنة 2 25
    الشلجم الوزنة 2 12
    شَوَنْدَر الوزنة - 25
    سِلق الوزنة - 25
    جَزر الوزنة - 25
    فِجل الوزنة - 12
    كرفس الوزنة 4 40
    قرع الوزنة 1 22
    كعًّوب الوزنة 2 15

    جداول لحوم العدد 2 جدول

    تظهر هذه الجداول أن ارتفاع الأسعار كان يتخذ شكلاً عاماً يشمل جميع المواد الزراعية والحيوانية بلا استثناء، المنتجة في الموصل أو المجلوبة من الولايات الأخرى على حد سواء، إلا أن الغلاء في الحبوب (وهي منتوجات الموصل غالباً) يكون أشد، حتى يصل في محصول الحنطة ثلاثين ضعفاً، وفي الشعير إلى 99 ضعفاً، وفي الذرة مثل ذلك، وفي العدس إلى 52 ضعفاً، وفي الحمص إلى 23 ضعفاً، بل يصل في التبن، وهو مجرد ناتج ثانوي عن عملية الحصاد، إلى 75 ضعفاً، بيد أن الأسعار تقل نسبياً في السلع الأخرى، وبخاصة في الفواكه المجلوبة من خارج الموصل كالتمر والتين والقيسي والنومي (الليمون) والإنجاص.. الخ مما يدل على أن الأزمة كانت في حقيقتها زراعية، تتعلق بحالة الجفاف التي أضرت بمحاصيل الموصل، أكثر منها أزمة تجارة ومواصلات، إلا أنها سرعان ما انعكست - بعد شهور قليلة - على هذا المجال أيضاً كما سيأتي.

    سوق قديم في الموصل

    أسباب الغلاء:

    ويوضح مؤلف الرسالة أسباب الغلاء الذي داهم الموصل، على هذا النحو، فاذا بها أسباب طبيعية يمكن إجمالها بالآتي:

    1- قلة وقوع الأمطار.

    2- كثرة الحرز.

    3- الوخامة أيام الحصاد.

    4- البرد الذي يهلك دواب النقل والماشية.

    وأسباب بشرية، هي:

    1- امتناع الولايات المجاورة عن تصدير كميات كبيرة من الحبوب، تعويضا عن ئقصها الشديد في سوق الموصل.

    2- الخفض المفاجئ لسعر العملة.

    3- فرض إتاوات غير قانونية على قوافل التجارة.

    4- توقف حركة نقل السلع بسبب البرد الشديد وتجمد نهر دجلة مما يؤدي إلى تعطل وسائل النقل النهرية.

    يقول: " وسبب وقوع هذا الغلاء العظيم الذي لم يُسمع بوقوع مثله فيما مضى في الكثير من السنين، قلة وقوع الأمطار زمان الربيع، وكثرة الحر والوخامة أيام الحصاد، فحصل للزرع الشطف[32] وقلة الحنطة والشعير فغلت أثمانهما، وازداد سعرهما في بلد الموصل في ذلك (ان) غلال الموصل لا زال يذهبون بها إلى هذين البلدين، خصوصاً اذا احتاجوا إلى ذلك، فمنع شراء الذخائر من ديار بكر واليها [في] ذلك اليوم عزت باشا، وكذلك منع الشراء من بغداد وإليها في ذلك الوقت عبد الرحمن باشا[33]حذراً على أهل بلديهما من الاحتياج، فترقّت[34] قِيَم الغلال، وكذا البقالية وما أشبهما في الموصل، وضجّت العامة، واستمدوا من الدولة أن يحرروا إلى والي ديار بكر كتاباً حتى يعطي الرخصة في شراء الغلال وتسييرها وجلبها إلى هذا الطرف، فمنع الوالي من ذلك[35].

    فاشتد الأمر على الأهالي واضطربوا غاية الاضطراب، فاستغاثوا بالدولة ثانياً، فكررت الدولة الأمر على الوالي الموما اليه فتعلّل، وبعده أظهر الامتثال في الظاهر فأعطى الرخصة، ثم في الخفية أمر على الغلال التي اشتراها أهل الموصل وسيرتها من يقف على طريق الماء من الرعايا، حتى اذا مرت بها أخذوها ولم يتركوها تصل إلى الموصل، فعظم الخطب على أهل الموصل وضاق الخناق وآل بهم الامر إلى أن أكلوا الدم والجيف والميتة، واستنجدوا من الدولة واستغاثوا بها واستجلبوا الأمر منها إلى عزت باشا وكرروا الطلب، فلما أعطى الوالي الرخصة في المكيل، وتكيّلت أهل الموصل الغلال، وأتوا بها إلى شاطئ دجلة، اشتد البرد ونزل الثلج حتى جمد هنالك الماء، ووقفت الكَلَكات عن المسير، فجنحت الناس إلى دواب نقلية فلم يتيسر لهم ذلك لأن الجمال والخيل والبغال قد وقع فيها ذلك موت عظيم والباقي لا قدرة له على الحمل من قلة العلف وقلة العشب. وإلى ذلك الوقت من بغداد أيضاً ما جُلب شيء، وفي هذا الأثناء أيضاً حصل موت عظيم في الأغنام بحيث لم يسلم منها الاّ القليل، واستمر الحال على هذا المنوال، و[مات] [36] الناس من الجوع، وباعوا [كل ما][37] ما ملكوه حتى باع البعض أولاده.

    وفي هذه الأثناء، ورد الأمر السلطاني بتنزيل المسكوكات، حتى أن البعض صار الغرش في نصف الغرش، فليتأمل الناظر في حال ما قاسته أهالي الموصل[38]. مثلاً من كان عنده غرض قيمته أربعمائة غرش وفي هذه الأيام باعه في مايتين، وصاح الدلال على الدراهم ونزلت، فصارت المايتين ماية فشرى وزنة حنطة، فمثل هذا الفقير صارت وزنة حنطته باربعماية غرش فكيف حال هذه الأقوام ساعدهم الله وكشف عنهم هذا الأمر الجسيم، ولهذا تفرقت الأهالي شذر مذر، وذهبوا إلى إلى كل جهة، ودام الحال كذلك إلى أواخر شهر شباط من هذه السنة، فجاءت الأمطار العظيمة ونبت العشب، وقدمت الكلكات من أطراف ديار بكر محملة بالحنطة. وعملت أهل الموصل فُرنات[39] للخبز وباعوه على الناس، واستمروا على ذلك، إلا أن الغلاء باقي على حاله.

    وفي هذه الاثناء قدمت الجمّالة بالتمر والأرز من بغداد وباعوه بأغلى ما يكون حيث أن فرحان باشا شيخ شمَّر[40] يأخذ من كل قافلة مرّت به النصف، فامتنعت التجار عن الجلب ولولا ذلك لباعوه رخيصاً.

    سوق قديم في الموصل

    صف من الدكاكين في الموصل قديما

    [1] ان أبرز المؤرخين الموصليين الذين أبدوا اهتماماً بهذه الظاهرة (وغيرها من الظواهر غير السياسية) هو المؤرخ ياسين بن خير الله الخطيب العمري المتوفى بعد سنة 1236هـ، لا سيما في كتبه:

    أ- الدر المكنون في المآثر الماضية من القرون، مخطوط.

    ب- الآثار الجلية في الحوادث الارضية. وقد انتخب زبدته داود الجلبي ونشرنا هذه الزبدة بعنوان "زبدة الآثار الجلية في الحوادث الأرضية" (النجف 1974).

    جـ- غرائب الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر، نشره محمد صديق الجليلي (الموصل 1940).

    [2] الزبدة ص 144

    [3] الزبدة ص 152

    [4] الدر المكنون، حوادث 1199.

    [5] الزبدة ص 155.

    [6] غرائب الاثر ص 26

    [7] الزبدة ص 177

    [8] غرائب ص 40.

    [9] غرائب ص41.

    [10] غرائب ص 48.

    [11] غرائب ص 46.

    [12] غرائب ص 54.

    [13] غرائب ص 67.
    13 - Budge .W.by Nile and Tigris, 11,P,32
    [15] المصدر نفسه.

    [16] زبدة ص 144 والدرهم هنا هو الدرهم العثماني المسمى آقجة.

    [17] زبدة 155.

    2- الريال عملة عثمانية شاعت في الموصل لا سيما في أوائل القرن الثالث عشر (أواخر القرن الثامن عشر) ومن أنواع الريالات التي عرفت في الموصل آنذاك (الريال العتيق) المسمى بالحميدي، وقد سمي أيضا بـ(آلطمشلق)، وهي كلمة تركية مركبة من (آلتمش) أي ستين، فيكون معناها (ذو الستين) باره، وفي تعليق لمحمد أمين بك آل ياسين المفتي تاريخه سنة 1212هـ/1212م مت نصه "الريال العتيق الذي هو مسكوك بسكة السلطان عبد الحميد الأول، وهو المسمى الطمشلق، أي ستون بارة، وكل بارة ثرث آقجات". كتابنا: الموصل في العهد العثماني، فترة الحكم المحلي، النجف 1975، ص564.

    [19] غرائب الأثر 26

    [20] عثرنا على هذه الرسالة بين مجموعة من (الكشاكيل) والأوراق التي كان يحتفظ بها السيد الحاج إبراهيم ونه في بغداد، وقد تفضل بالسماح لنا بتصويرها. وينظر عن آل ونة في بغداد بحثنا المعنون (خليل ونه سيرته- رحلته- آثاره) المنشور على الألوكة المباركة.

    [21] استندنا في هذا الإحصاء على معطيات كتابنا: التاريخ والمؤرخون العراقيون في العصر العثماني ، ط2، لندن 2009.

    [22] المخطوطة الورقة 10- 11.

    [23] ثمة قصيدتان بالسريانية، في وصف هذا الغلاء والقحط الذي أصاب الموصل سنة 1897 ضمن مجموعة خطية في خزانة الرهبانية الكلدانية في بغداد، أحدهما للراهب كوريال داود الالقوشي، والأخرى لكاتب غير معروف.

    [24] المخطوطة الورقة 2.

    [25] ابراهيم سليمان العاملي: الاوزان والمقادير ، صور – لبنان 1381هـ، ص130.

    [26] فالترهنتس: المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري، ترجمة كامل العسلي، عمان 1970، ص47.

    [27] هنتس ص 26.

    [28] العاملي 14-15.

    [29] كتابنا: الموصل في العهد العثماني، فترة الحكم المحلي، ملحق (أهم العملات المستعملة في الموصل في العهد العثماني واقيامها) النجف 1975، 558.

    [30] القوصرة وعاء من قصب يحفظ فيه التمر بعد كبسه، وتعرف أيضا باسم (خصاف).

    القسب هو التمر المجفف يتفتت في الفم. [31]

    [32] الشطف: لفضة آرامية تعني تعرض الزروع إلى لفحة هواء تضر بها.

    [33] تولى عبد الرحمن باشا ولاية بغداد مرتين، الأولى من 16 رمضان 1292 إلى 23 ربيع الأول 1294 هـ والثانية، وهي التي يعنيها المؤلف، من 12 ربيع الآخر 1296 إلى غرة ذي الحجة 1297هـ

    [34] ترقت : تصاعدت

    [35] الاصح قوله: فمنع الوالي ذلك

    [36] في الأصل: موتت

    [37] في الأصل: كلما

    [38] في العبارة ركة ظاهرة، وهو يشير الى تخفيض سعر صرف القرش في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، نتيجة لخفض نسبة الفضة فيه.

    [39] فرنات، يريد أفران، جمع فرن.

    [40] هو فرحان باشا بن صفوق، شيخ مشايخ شمر الجربة في العراق، ارسل، إثر اغتيال أبيه: إلى استانبول حيث درس هناك، وعندما عاد بعد سنوات تسلم مشيخة شمر ومنح لقب (باشا) واتخذ من قلعة قرب قضاء الشرقاط، على دجلة، مستقراً له. وفي عهده انقسمت شمر الجربة الى قسمين، احدهما تبعه، والاخر تبع أخاه عبد الكريم الذي كان أميل إلى المحافظة على تقاليد القبيلة البدوية، وكانت وفاته ببغداد سنة 1905 ودفن في مقبرة الشيخ معروف.


    التعديل الأخير تم بواسطة محمد الملا ; 08-26-2017 الساعة 01:30 PM

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اللجنة الدائمة لشؤون العمال في دبي تكرم العمال في حفل خاص ومميز
    بواسطة rss_net في المنتدى منتدى اخر مواضيع شبكة عراق الخير
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-27-2023, 08:50 PM
  2. "العربية للقوى العاملة والهجرة" تهنىء العمال العرب بعيد العمال
    بواسطة سالي في المنتدى منتدى أخر خبر ودلالاته
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-30-2014, 06:22 PM
  3. دماء العمال فى قطر
    بواسطة علي الطائي في المنتدى منتدى الرأي والرأي الاخر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-20-2014, 12:16 PM
  4. .موسوعة الظلام
    بواسطة عامر العمار في المنتدى مكتبة الموسوعات والمعاجم
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-15-2013, 04:31 PM
  5. اعتقال متورط باغتصاب وقتل طفلة عمرها خمس سنوات في الموصل
    بواسطة الشيخة في المنتدى منتدى أخر خبر ودلالاته
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-01-2013, 05:55 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى