العناية بالجانب الديني والأخلاقي




لا يمكن للتربية أن تكتفي بتنمية القدرات الفكرية وحسب ، بل لا بد من أن يرادف ذلك السعي من أجل إعداد الأشخاص خصوصا الفتيات أخلاقيا ودينيا أيضا . والمحيط الطبيعي لنمو الفتيات دينيا وأخلاقيا هو الأسرة ، أولا والمدرسة ثانيا والمجتمع بشكل عام ثالثا . ويجب خلال ذلك فرض نوع من الوصاية والإشراف المباشرين على طبيعة علاقات أعضاء هذه الفئة الى نهاية مرحلة المراهقة ، وحتى بعد ذلك بدرجات أخف .
إن للدين والأخلاق تأثير إيجابي مهم جدا في حياة الفتيات الىدرجة يقول فيها أحد المشتغلين بأمر التربية : أن الكثير من الأشخاص البالغين قد برئوا من حالة الإستمناء أو الإرضاء النفسي ن حتى من النوع النفسي الخطير منها ، على أثر الإقبال على الدين الذي أحدث إنقلابا عاطفيا في حياتهم وجعلهم يبدلون حب (الأنا) بحب الله والمقدسات.
الإرشاد الديني


يوصي الباري تعالى في القرآن الكريم أولياء الأمور بقوله : «قوا أنفسكم وأهليكم نارا ... »(1) أي قوا انفسكم النار بالصبر على طاعة الله وعن معصيته وعن إتباع الشهوات ، وإحفظوا اهليكم من النار بدعائهم الى الطاعة وتعليمهم الفرائض ونهيهم عن القبائح وحثهم على افعال الخير .

1) راجع مجمع البيان للطبرسي ، تفسير الآية 6 /، سورة التحريم ، ص 477 .


ويجب أن يبتني الإرشاد والتعليم في هذا المجال على اللطف والمحبة والحوار الإقناعي ، بإعتبار إن القوة والإجبار غسلوب غير مجد في عملية التربية والإرشاد .
الفتيات مهيئات فطريا ونفسيا ، في هذه السن لإستقبال الإرشادات والتوجيهات المعنوية والالتزام بتعاليم وواجبات الدين ، ويبدو أنه ليست هناك صعوبات كثيرة في العمل معهن في هذا المجال . يقول هاوفيلد بأنهن مهيئات بشكل اكبر لتقبل القضايا المعنوية في سني 14 ـ 16 عاما ، لأنهن أفضل إدراكا في هذه السن لمعاني الحب والعاطفة.
رغم ما يمكن أن تنطوي عليه حالةالفتاة في هذه السن من مشاكل نفسية وإبتعاد عاطفي عن الأسرة ، الا أنها تبقى ميالة الى تقليد الأسرة في العادات والتقاليد والى الالتزام بما تلتزم به من سلوكيات وتصرفات في الحياة . ومن هنا فإذا كان الوالدان مؤمنين وملتزمين بالتعاليم الدينية ، فإن الفتاة أيضا تتبعهما في الإيمان والالتزام .
غير أنها تميل في الوقت ذاته الى أن يكون تدينها مبنيا على فلسفة واضحة تدركها وتفهم تفاصيلها بوضوح ، لأن ذلك يثبت إيمانها ويجذره في نفسها ، ويولد لديها حالة من الإطمئنان والإستقرار النفسي ، ومن شأن الإستجابة لهذا الميل والرغبة ، بالإرشاد والتوجيه الواعيين ، أن يجعلها ينطبق عليها قول الرسول صلى الله عليه واله الذي يفيد بأن (الإيمان يخالط لحمه ودمه)(1).
في الإستفهامات الديني


ذكرنا إن سن المراهقة هي سن الشك والترد والإستفهام حول كل شيء،

(1) كتاب تحف العقول عن ال الرسول .


حتى حول القضايا العقائدية والدينية . فالفتاة تشك في هذه السن فيما إذا كانت المعلومات ، التي تلقتها من أولياء الأمور أو من الآخرين ، حول المسائل العقائدية صحيحة أم لا ؟ كما وتراودها إستفهامات عديدة حول مسائل من قبيل الجبر والتفويض ، والعقاب والثواب ، وسؤال القبر ، والحشر والحساب و ... الخ . ويجب عل أولياء الأمور والمربين المبادرة الى توضيح مثل هذه المسائل وإزالة الإبهام والغش في ذهن الفتاة بشأنها .
ليس ضروريا في توعية أعضاء هذه الفئة دينيا ، شرح جميع القضايا العقائدية لهم على أساس البرهان والدليل المنطقي المعمق ، بل المطلوب هو الإجابة على الأسئلة والإستفهامات ، التي تدور في أذهانهم ، بإسلوب إقناعي معقول بحيث لا يبقى لديهم مجال للإبهام والغموض في هذا المجال . ومن المفيد فيإغناء المراهقين عقائديا مبادرة أولياء الأمور والمربين الى طرح الأسئلة التي يفترض أنها تراود أذهانهن ، في أوساطهم والإجابة عليها ، أو العمل على توعيتهم وإرشادهم من خلال عقد جلسات إسبوعية داخل الأسرة.
في الأخلاق


الأخلاق عامل لحفظ وصيانة السلوك ووسيلة لضبط العلاقات الإجتماعية . والتربية الأخلاقية تلعب دورا مهما جدا في الحفاظ عل عفاف وشرف الفتيات المراهقات من عوامل الإنحراف والجنوح ، ويزداد تأثير التربية الأخلاقية إذا كانت مقرونة ، بالالفة والإنسجام وبالإنفتاح غير المقيد على الفتاة من قبل أولياء الأمور والمربين .
فهذه السن هي سن القلق والإضطراب السلوكي . ومن الممكن أن تتعرض فيها بعض الفتيات للجنوح الأخلاقي والسلوكي . إذن فإن الواجب يحتم على


أولياء الأمور والمربين بذل مزيد من الرعاية والإهتمام بهن والعمل على إصلاح شؤونهن . ومن الضروري الإشراف على الفتاة وتوجيهها بغستمرار في سلوكها ، وطريقة كلامها ، ونوع لباسها ، وطبيعة علاقاتها بصديقاتها وزميلاتها وبالآخرين .
التدليل على الثقة بهن


قد لا يوجد عامل أكثر تأثيرا وأهمية في نمو الفتيات أخلاقيا من الإيحاء لهن بالثقة في سلامة سلوكهن وتصرفاتهن في علاقاتهن مع الآخرين . فمن الضروري بمكان أن ندلل لهن بأننا نثق بهن ونعتبر أقوالهن وافعالهن صادقة مائة بالمائة ولا تشوبها أي شائبة . إن هذه الثقة أو الشعور بها يجعلهن يترددن أكثر من مرة قبل الإقدام على ما يمكن أن يكون معيبا في السلوك والخلق السويين ،ويعد أرضية مناسبة للعمل على إصلاح سلوكهن ونربيتهن تربية صالحة .
فبوجود الثقة المتبادلة يمكن الإشراف على شؤون الفتيات وتوجيههن في علاقاتهن الإجتماعية الوجهة الصحيحة ، والحيلولة بينهن وبين السلوك والتصرفات الخاطئة في مختلف جوانب حياتهن . وبإمكان الوالدين أن يكونا قدوة وأسوة للفتيات بأخلاقهما ، وسلوكهما ، وبقوة منطقهما ، ورزانة تصرفاتهما في البيت وفي علاقاتهما في المجتمع العام دون أن يثقلا عليهن بالأوامر والنواهي فقط . إن الحنو على الفتاة وإشعارها بأننا نريد خيرها وصلاحها يعد بحد ذاته باعثا على كسب ودها وثقتها ، وبالتالي تسهيل العمل على بنائها أخلاقيا وسلوكيا .
ومن مظاهر ثقة الفتيات بأولياء الأمور والمربين التعامل الصادق معهم ، وتجنب حالات الحساسية والخصومة والجفاء معهم ، وعدم التردد في مفاتحتهم بمسائلهن ومشكلاتهن الخاصة وطلب العون والإستشارة بشأنها .
الحرية المشروطة


يمكن إفهام الفتيات عن طريق الكلام والحوار الإقناعي بأن حرياتهن


ليست مطلقة بل محدودة بإطار مشروط ، ولا يحق لهن التحلل من الالتزامات والتصرف كما يحلو لهن ودون أي ضوابط . كما ويجب العمل على إعدادهن وتدريبهن بالتدريج على ممارسة حرياتهن والإعتماد على ذواتهن في الحياة بشكل كامل . ومن وجهة النظر الإسلامية ، يوصى بإعطاء الفتاة إعتبارا من سن ما بعد الرابعة عشر عاما مجالا أوسع في ممارسة الحرية ، وغشراكها في الأعمال والنشاطات ، وتكليفها ببعض الواجبات والمسؤوليات في الحياة ، وهذا هو معنى الوزارة في السبع الثالث من الحياة ( ... ووزير سبع سنين) .
إن تقييد الفتيات بشدة أمر غير مستحسن ومن شأنه أن يولد لديهن صدمات نفسية ، ويؤدي بهن الى الإضطراب والعور بأنهن شخصيات مهزوزة وغير موثوق بقدراتها . ومن هنا فإن الحرية مطلوبة بالنسبة لهن ولكن ليس الى حد العصيان والتمرد ، والإستقلال بالنفس ضرورة ولكن بحسب شروط وضوابط معينة ووعي بما ينفعهن وما يضرهن .
يكتسب الجو العائلي والأسري أهمية إستثنائية في التربية الأخلاقية ، حيث إن الكثير من حالات الإختلال والجنوح السلوكي إنما تحصل بسبب تأثير الأجواء المشحونة بالأخطاء والمشاكل . إن التوجيه الأخلاقي في ظل الأجواء القلقة والمضطربة عمل غير مجد وخاطئ بالمرة . فالفتيات عادة يقارن بين ما يتلقينه من توجيهات أخلاقية في الأسرة وبين سلوك وتصرفات الوالدين في البيت ، وإذا لاحظن أنها تتناقض مع أقوالهما وتوجيهاتهما ،فإنهن يتمردن عليها ولا يلتزمن بها !
يجب السعي الى تعزيز إيمانهن بالأصول والضوابط الأخلاقية وتجذيرها في أنفسهن أكثر فأكثر وبالشكل الذي لا يتزلزلن أمام دواعي وعوامل الإنحراف والسقوط . وفي حال الشعور بضعفهن أمام إيحاءات جو معين ، يجب المبادرة الى


إبعادهن من ذلك الجو ومن المفيد ، في بعض الحالات ، حتى الهجرة الى منطقة أخرى حفظا للفتاة وصيانة لعرضها وعفافها ، وهو ما يوصي به القرآن الكريم(1).

(1) سورة النحل ، الآية 28 .