سكنت مذحج (التي منها زبيد) في منطقة الجوف ومأرب أو ما يسمى بأرض سبأ وهي المنطقة الممتدة شرقي صنعاء بين حضرموت جنوبا ونجران شمالا ، وأقسامها الغربية اكثر ارتفاعا ، وتنحدر نحو الشرق وتتخللها بعض الجبال مثل جبل برط ، وجبل يام ، وجبال فهم ، وجبال خولان وتنحدر أوديتها من الغرب إلى الشرق وهي من الشمال وادي الخارد ، وادي آذنة ، ووادي حريب . ولا تسقط عليها أمطار تذكر لذلك شحت مياهها واقتصرت على ما ينحدر إليها من سيول الأودية أو المياه الجوفية ومن اشهر مناطقها : (مأرب) حيث يزرع النخيل والقطن والسمسم ، غير أن المنطقة كانت غنية بمناجم الذهب والفضة ومن اشهرها منجم ذهب السرو في منطقة سبأ وهي مناجم جاهلية كثيرة الإنتاج كان يملكها (ابن الروية) في الإسلام وهو رئيس مذحج آنذاك وكذلك منجم للفضة في ارض مذحج.
كما اشتهرت هذه المنطقة بالطريق التجاري الذي يمر بها من شبوة ويسير عبر وادي حريب إلى مأرب فنجران وكانت له أهمية في التجارة العالمية . وعند ظهور الإسلام فان هذه المنطقة لم يكن لها نفس ازدهارها القديم وصارت المنطقة منطقة صراع بين القبائل التي كانت تحوم حول هذه المنطقة من الشرق وبين تلك التي استوطنت المنطقة واستثمرتها . و قبيل الإسلام كانت القبائل التي تنتسب إلى مذحج مثل مراد، وعنس ، وسعد العشيرة (الذي منه زبيد) ، والجلد تحوم حول هذه المنطقة بين حضرموت ونجران من وادي العبر ومن الجوف محاولة التوغل نحو الداخل . وسكن نجران الواقعة شمال صعدة في المنخفض الشرقي لسراة اليمن خليط من قبائل عدة من مذحج ، وكندة ، وربيعة ولا عجب في ذلك فهي كانت منطقة صناعية بحاجة إلى اليد العاملة واستوطنها بنو الحارث بن كعب بن مذحج وعملوا بالتجارة وكانوا يسلكون الطريق بين حضرموت ونجران واليمامة ، ثم أن قبائل مذحج – ومنها زبيد – تسللت من العبر وردمان إلى المنطقة المحصورة بين شبوة بحضرموت وبلد المعافر التي كانت تعرف بسرو حمير فاستوطنتها وعرفت هذه الأرض فيما بعد بسرو مذحج وأشار الهمداني إلى توغل مذحج إلى منطقة ذمار ورداع .
وهذه القبائل ظهرت من خلال الأحداث على أنها قوة مؤثرة وكانت تضغط على اليمن من أطراف متعددة ومن ابرز الكتل التي شكلها البدو في اليمن الكتلة التي نشأت من تحالف القبائل المنتسبة إلى مذحج من زبيد بقيادة عمرو بن معدي كرب الزبيدي . والحارث بن كعب بقيادة الحصين بن قنان بن يزيد الحارثي وبني عبد المدان بقيادة يزيد بن عبد المدان . و خولان بقيادة عنبسة الخولاني وشهاب بن حصين ، وكان اجتماعهم بمذاب في الجوف وكان ذلك قبيل الإسلام بمدة وجيزة ، وكان هذا التحالف بالأساس ضد الأبناء من الفرس الذين جاءوا مع حملة سيف بن ذي يزن ضد الأحباش الذين اخذوا يتدخلون في الشؤون الداخلية لليمن .
ثم تحالف همدان مع الأبناء وعلى إثرها اصطدمت مراد بهمدان في يوم الرزم فكانت الغلبة لهمدان ، ثم تحالف أخر مكون من جعفي وجزء ، و زبيد ، وانس الله وهذا التحالف أشار إليه عمرو بن معدي كرب الزبيدي , ثم تحالف أخر بين عنس ، ومراد ، و زبيد والحارث بن كعب ، وجنب ، و أود ، ومسليه ، وحكم وكلهم من مذحج مع خولان و الازد ، وكذلك حلف أود ، و زبيد ، والحكم وكلهم من مذحج . والكلاب تحالف لقبائل أود ، و زبيد ، وزيد الله ، وعائذ الله بن سعد العشيرة ، وبنو صلاءه من بني الحارث بن كعب .
يلاحظ أن المنطقة التي سكنتها مذحج ، و الازد ، و خولان كانت في الأطراف الشرقية من اليمن ، و السراة ، ونجران وكانت من المناطق الفقيرة . أما منطقة تهامة فكانت فيها معد فلما قاربت بلد حكم بن سعد العشيرة من مذحج حاربتها سعد العشيرة وأخرجتها إلى الحجاز . وبلد حكم ومخلافه أو المخلاف السليماني نسبة إلى سليمان بن طرف الحكمي ويبلغ طوله خمسة مراحل يبتدئ من الجنوب بواد عبس حتى ميناء البرك شمالا حتى يدخل فيه مخلاف (عثر) وهو يشمل على مدن وموانئ وأودية كثيرة واكثر المخلاف تابع إلى السعودية اليوم. و زبيد التي من مذحج خلال الأحلاف التي عقدتها في مناطق متعددة نراها تقيم شمال شرق اليمن في حصون ومخاليف منها مثوه ، والعصم ، و فعن ، وهيوه ، وانسب ، وحماك ، و أمول ، وسارة ، وتـثليث .

وتثليث وادي عظيم يمتد مسيرة يومين من جرش في شرقها إلى الجنوب وعلى ثلاثة مراحل ونصف من نجران إلى ناحية الشمال وهو لبني زبيد إلى اليوم وارتبط اسمه باسم عمرو بن معدي كرب الزبيدي وفيها حصن ونخل كثير ، وقد عده القدماء من حدود اليمن ويقع اليوم باسمه في الحجاز وفيه قرى لبعض بني عبيده من قحطان ومن سائر بطون قحطان وقد أكثرت الشعراء من ذكره حيث يقول فيه الحارث بن عوف المرى :

وبتثليث مذحج جذت الناس كما جذت الصفات القدوم

ووادي تثليث يسيل من الشمال الشرقي و مآتيه من (قحطان) عسير وبني شرف ومن شرق خميس مشيط ويذهب شمالا إلى شرق الطائف على بعد 200 كم ويجتمع بوادي بيشة في الحمصة وخيبر التي هي غير خيبر المدينة والتي تقع شرق محايل وفي مجلة العرب بحث شيق للسيد (فرج بن شافي بن ملحم ) يتحدث عن تثليث نقتطف منه ما يلي : وادي تثليث يقدر طوله 450كم ، ويمتد عبر قحطان من أعلى قمة في جبال السروات الجنوبية غربي قبيلة (سنحان) وبلدة راحة ، وجبل المحلاة ، ووادي العنتري ، وبلدة الحنقة التي تبعد 55كم من بلدة الواحة ، والامواه وينتهي في رمال المحتمية الغربية من وادي الدواسر ، وهذه الرمال تعتبر حاجزا طبيعيا لتقدم سيل الوادي ، ويقع الوادي بين خطي عرض 20درجة قرب وادي الدواسر شمالا و18 درجة حول ظهران الجنوب جنوبا . وقبائل تثليث اليوم جلهم من قحطان من مذحج وان كانت سكنت معهم في وقت من الأوقات قبائل (نهد) ، و(جرم) ، ففي الجزء الشمالي من الوادي حول منهل جرير إلى بلدة الحمضة بطول حوالي 350 كم قبائل (الجحادر) مثل (آل سعد ، والمشاعلة ، وال عاطف ) وجميعهم من آل محمد . وال شبوة وهم (آل جمل بالإضافة إلى أخلاط شتى من قبائل قحطان) .أما بلدة الحمضة فسكانها (آل سفر) من (آل مسعود) إلى بلدة الحنقة مرورا بالامواه فمعظمهم من قبائل (الحباب) مثل : (الرشد) ، و(آل جمح) ، و(آل حميدان) ، و(آل الحسناء) ، و(آل العبر) ، و(آل زوية) ، و(آل غراب) ، و(آل ملحان) . أما الجزء السروي فيسكنه أخلاط من قحطان مثل (عبيدة) ، و(الحباب) ، و(الجحادر) ، و(سنحأن) . ومن جنب : (بنو بشر) ، و(شريف) وغيرهم . وسكان روافد تثليث الكبرى بدءا من وادي الثفن إلى وادي الرسين وما يرفده من القرى منهم من (عبيدة) و(آل الحارث) ، و(آل الصقر) ، وسكان المنطقة الحجازية من تثليث هم قبائل : (الحباب) ، و(سنحان) ، وقبائل (جنب) ، وتحاددهم قبائل (وادعة) من الجنوب ، و(عبيدة) من الشمال ، و(آل حيا) من قحطان من الغرب في ذرى وأغوار تهامة ، ومن الجنوب الشرقي قبيلة (يام) . ويتبع وادي تثليث وادي جاش الذي يبعد 10كم عن مدينة تثليث إلى الجنوب منها وفيه اكثر من عشرة قرى كبيرة لفرع (المساردة) من قبيلة (عبيدة) من جنب وأعلاه بلد الطريب المعروف لـ (آل صقر) من فروع قبيلة (عبيدة) وهو اكبر روافد تثليث من حيث الطول والاتساع وعدد السكان وجميع سكانه تقريبا من فروع قبيلة (عبيدة) وكانت مقرا لقبيلة (طي ) قبل هجرتها إلى الشمال كما كانت مقرا لقبيلة (زبيد) وزعيمها عمرو بن معدي كرب الزبيدي الذي كان له حصن ونخل في جاش . وكانت تثليث من مساكن (زبيد مازن) رهط عمرو بن معدي كرب الزبيدي ومنازلها من تثليث فسافلا ولها بقية ليومنا هذا . و تعتبر تثليث اليوم أحد مواضع الحجاز
خليل الدليمي