احياء امر اهل البيت ع واقامة الشعائر / اسئلة واجوبة


اسئلة
لماذا نقيم العزاء على الإمام الحسين(عليه السلام)؟
الجواب:

إنّ المثل العليا والقيم السامية التي جسّدها الإمام الحسين(عليه السلام) في الطفّ، جعلت السائرين على نهجه والمرتبطين به يحيون ذكراه، وينشرون مآثره، باعتبارها خير أُسوة يتأسّى بها الناس.
فإحياء الذكريات التي تمثّل منعطفاً بارزاً، وتحوّلاً نوعياً في حياة الأُمم، أمر طبيعي وغير مستهجن؛ لأنّه نابع من ذات الإنسان، ومتّصل بفطرته، كما أنّ الأيّام تعتبر مزدهرة وخالدة، ومتّصفة بالتميّز لوقوع الحوادث العظيمة فيها.
وأيّ حادثة أعظم من واقعة كربلاء؟!
لقد بقيت هذه الواقعة معلماً شاخصاً في التاريخ؛ لما جرى فيها من فجائع من جهة، ولما رسمت فيها من صور مشرّفة من جهة أُخرى.
فالشيعة يقيمون هذه المآتم، ويحيون هذه الذكرى الأليمة من هذا المنطلق، ومن منطلقات عديدة أُخرى، منها:
أولاً: امتثال أمر الله تعالى، القاضي بمودّة العترة الطاهرة؛ إذ قال تعالى: (( قُل لاَّ أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُربَى )) (الشورى:23)، ومواساة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهذا المصاب الجلل من أظهر مصاديق المودّة، فرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكى على الإمام الحسين(عليه السلام)، وهو لم يزل في سنيّ الطفولة.
فقد ورد عن عائشة أنّها قالت: ثمّ خرج [رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] إلى أصحابه، فيهم عليّ وأبو بكر، وعمر، وحذيفة، وعمّار، وأبو ذر(رضي الله عنهم)، وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟!
فقال: (أخبرني جبريل، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة، وأخبرني أنّ فيها مضجعه)(1).
ثانياً: نحن نقيم هذه الشعائر لأنّ فيها نصرةً للحقّ وإحياءً له، وخذلاناً للباطل وإماتةً له، وهذا الأمر من أجله أوجب الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثاً: إنّ إحياءنا لهذه الذكرى، حفظ لها من الضياع، وصون لمبادئها من التزييف، ولولا ذلك لاضمحلّت، وخَبَت جذوتها، ولأنكرها المخالفون، كما حاولوا إنكار غيرها!!
رابعاً: بإقامتنا لهذه الشعائر - لاسيّما المجالس الحسينية - نكشف عن منهج مدرستنا، هذه المدرسة الجامعة لمختلف الطبقات والفئات، إذ يعرض فيها التفسير والتاريخ، والفقه والأدب، و... فهي مؤتمرات دينية، تُطرح فيها مختلف المعارف والعلوم.
خامساً: إنّ إحياءنا لهذه الشعائر، هو أفضل وأبسط وأنجح وسيلة لنشر الإسلام الأصيل؛ لأنّها حيّة وغير معقّدة، ولذلك كانت ولا زالت أشدّ تأثيراً في النفوس!
فالإحياء والمشاركة والتنمية لشعائر الحسين(عليه السلام) إحياء لذكر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّه قال: (حسين منّي وأنا من حسين)(2) فهما(عليهما السلام) من سنخ واحد، وإحياء ذكرى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إحياء للدين، باعتباره الرمز الأوّل للإسلام.
وهناك أسباب كثيرة توجب علينا إقامة هذه الشعائر، فمن أرادها فليطلبها من مظانّها.

(1) مجمع الزوائد 9: 188كتاب المناقب مناقب الحسين بن عليّ، المعجم الكبير 3: 107 حديث (2814) ترجمة الإمام الحسين بن عليّ، كنز العمّال 12: 123 حديث (3429) كتاب الفضائل، فيض القدير 1: 266، ينابيع المودّة 3: 10 الباب (60).
(2) كامل الزيارات: 116 الباب (14)، مسند أحمد بن حنبل 4: 172 حديث يعلى بن مرّة الثقفي، سنن الترمذي 5: 324 حديث (3864) مناقب أبي محمّد الحسن بن عليّ، المستدرك على الصحيحين 3: 177 فضائل الحسين بن عليّ، المصنّف لابن أبي شيبة 7: 515 ما جاء في الحسين بن عليّ، صحيح ابن حبّان 15: 428 مناقب الحسن والحسين، المعجم الكبير 3: 33 و 2: 274 بقية أخبار الحسن بن عليّ.


تعليق على الجواب (1)
يشكل عليك المخالفون ويقولون: كلامك غير صحيح! لأنّ المذاهب الأربعة باقية منذ نحو ألف سنة، ولم تختلّ أو تذهب ريحها، مع العلم أنّ أتباعها لا يقيمون مجالس العزاء على أرواحهم.
الجواب:

نجيب بما يلي:
أولاً: إنّ المراجعة لأجوبتنا السابقة لهذا السؤال وفي الباب الذي ذكرته في سؤالك تؤكّد لك أنّنا لم نحصر الجواب بما أوردت عليه من شبهة، وإنّما كان هذا أحد نقاط الجواب العديدة.
ثانياً: نحن - حتى في النقطة التي أوردتها - لم نقل يذهب ريحها وينتهي وجودها، وإنّما العبارة بدقة: ((ولولا ذلك لاضمحلّت وخَبَت جذوتها))، وفرق واضح بين العبارتين!
ثالثاً: إنّ بقاء المذاهب الأُخرى، إنّما كان لأنّها مذاهب السلطة، فبها استمرت كما أنّ السلطة قامت بها.
رابعاً: نحبّ أن نطمأنك، حتى هذا المقدار من البقاء لها ما كان ليكون لولا وجود مذهب ثائر، متمرّد على الباطل، يحيي السنن الإسلامية الأصيلة، ويهتف بها، وبشتّى الأساليب، وإلاّ لزالت حتى المذاهب الأُخرى التي عاشت بضلال دفاعه عن الإسلام والمسلمين، ولَما احتاج إليها سلاطين ما يسمّى بالعصور الإسلامية الفائتة، وإنّما بقاءه، وبهذه القوّة، أوجب إبقاء سواه؛ لمعارضته وردّه، والاحتجاح عليه، وإيقاف مدّه على الأقل.
وإلاّ إذا كنت تقصد بقاء الأشياء لمجرّد البقاء، فهذا لا يعني المذاهب الأربعة فقط، وإنّما ينسحب حتى على مذاهب الضلال وأصحاب الديانات الصنمية والمشركة والمخالفة لتوحيد الله، والأمثلة كثيرة لا نعتقد أنّها تفوتك.
خامساً: ثمّ إنّ قولنا باختصار: إنّ المذهب الحقّ الذي يرفض الظلم والطغاة على مرّ العصور، وبالتالي يكون همّهم الأوّل والأهمّ هو القضاء عليه، ما كان ليبقى ويستمرّ ويحافظ على جذوته إلاّ بمثل هذه الشعائر، وإحياء أمر استشهاد الحسين(عليه السلام) في كربلاء. وهذا أمر لا ينطبق على بقية المذاهب، بل لا ينطبق على الملل الأُخرى أيضاً.

لسؤال: أسباب إقامة الشعائر (2)
ما هو سبب جلدكم أنفسكم في يوم عاشوراء، هل هذا اقتداء برسول الله، أم أنّه مبتدع من عند أنفسكم؟ وما هو سرّ سجودكم على الحجر الذي تحضرونه من الشام؟
هداكم الله وهدانا.
الجواب:

إنّ الشيعة بإقامتها العزاء في مأتم ريحانة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تريد إحياء ذكر الرسالة التي خيف عليها من الضياع على يد بني أُميّة وأسلافهم وأخلافهم, وإنّ مظاهر العزاء، وإن كانت مختلفة بحسب الأزمنة والأمكنة ولكن تصبّ كلّها في مجرى واحد، وهو: السعي لبيان مظلوميّة أهل البيت(عليهم السلام) مهما أمكن, ممّا يؤدّي بالنتيجة إلى دعم الدين والعقيدة، وفضح المعادين لها، ولو كانوا في ثوب الإسلام..
وهل هذا شيء قليل؟!!!
و لو كنّا ننظر بعين الإنصاف في القضيّة, فلو لم تعقد هذه المآتم، ولم تقام هذه المراسم, فأيّ عمل كان يضمن بقاء الإسلام الصحيح، المتمثّل في أهل البيت(عليهم السلام)؟
أليس يخشى عليها - حينئذ - الضياع والنسيان؟
وأمّا بالنسبة لسؤالك الثاني, فلم نعهد من شيعي الالتزام بالسجود على حجر منسوب إلى الشام, بل إنّهم يرون السجود على الأرض - فقط - مجزياً في الصلاة، ورأيهم هذا مدعم حتّى بأحاديث أهل السنّة في صحاحهم ومسانيدهم.
نعم، وفي الوقت نفسه يقولون بأفضليّة السجود على التربة الحسينيّة - بروايات خاصّة صدرت عن أئمّتهم(عليهم السلام) - لما فيه من التنويه والإشارة إلى دور النهضة الحسينيّة في تشييد أركان الدين الحنيف، بل وفي إقامة الصلاة نفسها وسائر العبادات. وعلى أي حال فالتربة الحسينيّة جزء من الأرض، فلا ينبغي الإشكال والمناقشة في مشروعيّة السجود عليها.




السؤال: الشيعة تحيي ذكرياتهم(عليهم السلام)
من فضلكم أُريد أن أعرف: هل الشيعة يقيمون عزاءً في ذكرى موت كلّ واحد؟
الجواب:

إنّ الشيعة تحيي الذكريات، وتعتقد بأنّ في إحيائها الأجر والثواب، وأنّها من مصاديق تعظيم شعائر الله، فتحيي ذكريات الأعياد والأفراح، كيوم مولد الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والمبعث الشريف، ومواليد الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)، كما تحيي الشيعة ذكريات الحزن، كيوم وفاة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والأئمّة المعصومين(عليهم السلام).
والشيعة تؤكّد على إقامة مراسم العزاء على الميّت، وذلك بالحضور في تشييع جنازته إلى مثواه الأخير، وإقامة مجالس يقرأ فيها القرآن، ويهدى ثواب القراءة إلى الميّت، وكذلك الذهاب إلى القبر وقراءة القرآن عنده، وإهداؤها إلى صاحب القبر، وعمل الأعمال الصالحات، وإهداؤها إلى روح الميّت.



السؤال: هل يعظم الشيعة الشعائر الحسينية فقط

عندما أحدّث أصدقائي عن أهل البيت(عليهم السلام) وخاصّة في هذه الأيام عن الإمام الحسين(عليه السلام)، يقولون لي: إنّ الشيعة يكثرون من ذكر الحسين(عليه الصلاة والسلام) أكثر من رسول الله، وحسب فهمهم أنّ ذلك ينقص من درجة رسول الله(عليه الصلاة والسلام)، رغم محاولة اقناعي لهم لم يعترفوا.
أُريد من سيادتكم توضيح هذه الشبهة لكي أقنعهم.
الجواب:

هناك كثير من المناسبات ترتبط بالنبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والتي يجتمع لها شيعة أهل البيت لإحيائها، لكن إجتماعهم غالباً ما يكون عند نفس النبيّ، بنصّ القرآن، وهو: الإمام عليّ(عليه السلام)، كما في آية المباهلة، إذ يتم هناك في مدينة النجف الأشرف إحياء ذكرى وفاة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الثامن والعشرين من شهر صفر، ومولد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم السابع عشر من شهر ربيع الأوّل، ويوم المبعث وهو يوم السابع والعشرين من شهر رجب، ويوم الإسراء والمعراج، وغيرها من المناسبات، كالمباهلة، والغدير، والتي لها أيضاً ارتباط بالنبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والسبب في ذلك هو وجود مرقد النبيّ الأكرم في المدينة المنوّرة؛ فإنّه لا يسمح للشيعة هناك بإقامة المناسبات التي فيها تعظيم لشأن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
أمّا الإمام الحسين(عليه السلام) فهو في كربلاء فيستطيع شيعة أهل البيت أن يحيوا الشعائر الحسينية بحرية تامّة.
ولو تغيّر الوضع في المدينة لوجدت شيعة أهل البيت يحيون كلّ تلك المناسبات عند قبر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولوجدت مدى تعظيمهم لمقام الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والدليل على ذلك: ما يتعرّضون له من مضايقات في أيام الحجّ عندما يتبرّكون بقبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).

سؤال: اهتمام الشيعة بمراسيم عاشوراء أكثر من باقي المناسبات
لماذا نرى الشيعة يحيون ذكرى عاشوراء بكلّ هذا الزخم وكلّ هذه الحماسة، بينما لا نرى ذلك يحصل في مناسبات إسلامية عظيمة أُخرى، كوفاة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذي هو سيّد الخلق أجمعين؟
الجواب:

كما يلتزم الشيعة الأبرار بإحياء ذكرى عاشوراء، فإنّهم يلتزمون بإحياء ذكرى وفاة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً، ولكن الفرق إنّما هو في مستوى الانفعال في المناسبتين.
ولا يمكن لأحد أن ينكر: أنّ ما جرى للإمام الحسين(عليه السلام) كان أشدّ إثارة للعاطفة، وأقوى تأثيراً على المشاعر من أيّة حادثة أُخرى، حتـّى حادثة استشهاد الرسول الكريم(صلّى الله عليه وآله وسلّم)..
يضاف إلى ذلك: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسه قد بكى وأعلن الحزن على الإمام الحسين(عليه السلام)، حينما كان لا يزال وليداً وطفلاً.
ولنفترض أنّ المطلوب في مناسبة استشهاد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو: درجات أعلى من الحزن، وقد قصّر الشيعة في هذا الاتّجاه، فإنّ الواجب هو أن يطلب منهم رفع مستوى تلك المراسم، بحيث تتناسب مع ما ينبغي أن تكون عليه.. لا أن يطلب من الناس ترك عزاء الإمام الحسين(عليه السلام)، من أجل تقصيرهم في واجب آخر..
وهل هذا إلاّ نظير أن نطلب من تارك الصوم أن يترك الصلاة أيضاً، بدلاً من أن نطلب منه أن يؤدّي واجب الصلاة والصوم معاً؟!
وفّقنا الله تعالى للسير على هدي القرآن، والالتزام بأحكام الإسلام، وجعلنا ممّن ينتصر به لدينه، إنّه وليّ قدير.

السؤال: مصداق للتأسّي بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)
أنا طالبة في المرحلة الثانوية، موالية لأهل البيت(عليهم السلام)، وفي يوم عاشوراء نضطرّ للتغيّب عن المدرسة؛ لإحياء ذكرى الحسين(عليه السلام)، فنجد أنفسنا في اليوم التالي محاصرين بأسئلة، واتّهامات لا تُحصر، أُحاول أن أُجيب عليها قدر معلوماتي، ولكنّي أتمنّى أن تفيدوني بإجابات أكثر دقّة وصحّة، والأسئلة غالباً ما تكون محصورة في:
1- لماذا تهتمّون بذكرى الإمام الحسين(عليه السلام) أكثر من الرسول والأنبياء؟ فتتغيّبون عن الدوام في هذا اليوم بالذات؟
2- لماذا تحيون ذكرى الحسين(عليه السلام)؟ وتبكون عليه رغم مرور كثير من السنين على استشهاده؟
3- ما معنى اللطم على الصدر؟
الجواب:

نحن نبكي على الإمام الحسين(عليه السلام)، ونقيم المأتم عليه؛ لأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكى على الإمام الحسين(عليه السلام) قبل استشهاده، لمّا أخبره جبرائيل بما سيجري على الإمام الحسين(عليه السلام).
أيبكي رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل الفاجعة، ونحن لا نبكي بعدها؟!
ما هذا شأن المتأسّي بنبيّه، والمقتصّ لأثره!
إنّ ترك الحزن والبكاء على الحسين(عليه السلام) خروج عن قواعد المتأسّين، بل عدول عن سنن النبيّين؛ فإنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) استيقظ يوماً من النوم فزعاً، وفي يده تربة حمراء يقلبّها بيده، وعيناه تهراقان من الدموع، وقال لأُمّ سلمة: (أخبرني جبرائيل أنّ ابني الحسين يقتل بأرض العراق)(1).
ولمّا ترى أُمّ سلمة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقلّب شيئاً في كفّه، ودموعه تسيل، والحسين نائم على صدره، تسأله عن ذلك؟ فيقول(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ جبريل أتاني بالتربة التي يقتل عليها، وأخبرني أنّ أُمّتي يقتلونه)(2).
وكذلك يستيقظ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يبكي، فتقول له عائشة: ما يبكيك؟
فيقول: (إنّ جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين... فقال: يا عائشة والذي نفسي بيده، إنّه ليحزنني، فمن هذا من أُمّتي [الذي] يقتل حسيناً بعدي؟!)(3).
فنحن نهتمّ بالحسين(عليه السلام) لاهتمام النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) به، ونبكي عليه لبكاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليه، ونحزن عليه لحزن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليه.
وأمّا اللطم فإنّه من مظاهر الحزن والعزاء، وكلّ شيء يُعدّ عرفاً من مظاهر الحزن والعزاء على الحسين(عليه السلام) فإنّه يدخل تحت عمومات الحزن على الحسين(عليه السلام).

(1) ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام) من طبقات ابن سعد: 44 حديث (268).
(2) المصنّف لابن أبي شيبة 8: 632 حديث (258) كتاب الفتن، مسند ابن راهويه 4: 131 ما يروي أهل الكوفة عن الشعبي، المعجم الكبير 3: 109 و 23: 328، كنز العمّال 13: 657 حديث (37668) كتاب الفضائل.
(3) ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر: 262 حديث (230)، تاريخ مدينة دمشق 14: 195 ترجمة الإمام الحسين، ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام) من طبقات ابن سعد: 46 حديث (271).

لسؤال: كيفية تطور العزاء الحسيني
كيف كانت طريقة العزاء على الإمام الحسين(عليه السلام) منذ زمن الأئمّة(عليهم السلام)، من الإمام زين العابدين(عليه السلام) وإلى زماننا هذا؟ أي: كيف تطوّر العزاء الحسيني؟
الجواب:

إنّ تاريخ إقامة العزاء الحسيني بصورته البسيطة من البكاء والحِداد والنوح، قد يرجع - طبقاً لجملة من الروايات - إلى زمن آدم(عليه السلام)(1)، وأمّا في العصر الإسلامي فأوّل من بكى على الحسين(عليه السلام) جدّه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
ثمّ بعد استشهاده(عليه السلام) يقول التاريخ: إنّه بعد رحيل الجيش الأموي من كربلاء، إجتمع جمع من الناس وبكوا، وأقاموا مأتماً على الشهداء قبل دفنهم، حتّى إنّ الإمام زين العابدين(عليه السلام) حينما قدم إلى كربلاء في ذلك الحين، رآهم على تلك الحالة، ومن بعده استمرّت المراسم بين حين وآخر بأساليب متعدّدة من إقامة المجالس، وإنشاد الشعر والمراثي، إلى أن وصل دور الحكومات الشيعية - مثل الدولة الحمدانية والبويهية والفاطمية، وعلى الأخصّ الصفوية - فتحرّكت المواكب، والهيئات الشيعية، وبتأييد صريح، ودعم واضح من ملوكها وعلمائها لهذه المآتم والمجالس والمواكب.
وأمّا نوعية العزاء وتطوّره فهو في الواقع قد أخذ سبيله في التغيير والتطوّر في كلّ زمان ومكان، حسب ما يراه الشيعة طريقاً ووسيلةً لإحياء ذكر الإمام الحسين(عليه السلام)، وفقاً لما يراه علماؤهم من جوازه، وعدم منافاته للشرع.

(1) الخصال: 58 حديث (79) باب الاثنين، كمال الدين: 461 حديث (21) الباب (43)، بحار الأنوار 44: 245 حديث (44).

السؤال: روايات صحيحة السند تحث على إقامتها
ما نظرة فقهاء الشيعة ومثقّفيهم في قضية البكاء، ولطم الصدور، وغيرها من الأُمور الأُخرى، المتعلّقة بسيّد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)؟
نودّ من خلال إجابتكم جواباً بسيطاً شافياً، ويدخل في الأذهان بسهولة، حتّى نتمكّن من سردها لإخواننا من غير الشيعة، الذين يسألوننا عن ذلك دوماً.
ولكم جزيل الشكر والامتنان.
الجواب:

قد روى علماء المسلمين في كتب الحديث بكاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الإمام الحسين(عليه السلام) قبل شهادته، وذلك لمّا أخبره جبرائيل بما سيجري على الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا تكرّر عدّة مرّات من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكذلك بكاء أمير المؤمنين(عليه السلام) والصحابة لمّا أخبرهم النبيّ بما سيجري على الإمام الحسين(عليه السلام).
أضف إلى ذلك، ما ورد صريحاً في روايات أهل البيت(عليهم السلام) الصحيحة السند في الحثّ على إقامة المأتم على الإمام الحسين(عليه السلام).
وكما تعلمون فإنّ لكلّ قوم عرف خاصّ بهم في إقامة المأتم، ومن ذلك اللطم عند الشيعة، فإنّه مظهر من مظاهر الحزن عندهم، ويدخل تحت عمومات استحباب إقامة المأتم.
أضف إلى ذلك فإنّ الهاشميات لطمن على الإمام الحسين(عليه السلام)، وما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ(عليه السلام) فإنّه فيه مأجور)(1) خير دليل على هذا.

(1) كامل الزيارات: 202 الباب (32) حديث (286).

السؤال: ماذا ينبغي فعله في شهر محرّم
بما أنّ شهر محرّم قريب، فما هي الأعمال التي يستحبّ القيام بها في هذا الشهر العظيم؟
وشكراً على تفضّلكم بالإجابة على الأسئلة.
الجواب:

مع حلول شهر محرّم الحرام، تتجدّد ذكرى استشهاد سيّد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) - ريحانة الرسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - وأصحابه الأوفياء، وأسر أهل بيته ظلماً وجوراً؛ ولهذا السبب وبالذات تلتزم الشيعة - وحتّى المنصفون من غيرهم - بإحياء شعائر هذه النهضة الخالدة عبر القرون والأجيال، لكي يستلهم المجتمع البشري في كلّ زمانٍ مفردات الإيمان والإباء في سبيل العقيدة الإسلامية الحيّة، من عناصر هذه الحركة والجهاد.
وعليه ينبغي لكلّ مسلم، أن يظهر من سلوكه وآدابه، ما يدلّ على الحزن والأسى، وأن يجتنب بقدر الإمكان من مظاهر الفرح والابتهاج والسرور؛ ففي تاريخ اليعقوبي: ((وروى بعضهم: أنّ علي بن الحسين لم ير ضاحكاً يوماً قط، منذ قتل أبوه))(1).
وروي عن الرضا(عليه السلام)، قال: (إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حرمة في أمرنا!
إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، وأورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام..
ثمّ قال(عليه السلام): كان أبي(صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين(صلوات الله عليه))(2).
وأن يحرص على الحضور في المآتم والمجالس الحسينية التي تنعقد في هذا الشهر تعظيماً للشعائر، وتأكيداً للمحافظة على تلك القيم السامية في النفس، وإظهاراً للمودّة والولاء لخطّ أهل البيت(عليهم السلام)، والبراءة من أعدائهم في طول التاريخ.
وفي هذا المجال لا يفوتنا أن نذكر فضل قراءة زيارة عاشوراء، وما لها من آثار عظيمة دينيّاً ودنيويّاً، فقراءتها أمر مستحبّ مؤكّد في كلّ وقت وزمان(3).

(1) تاريخ اليعقوبي 2: 259 أحداث أيّام مروان بن الحكم و...
(2) أمالي الصدوق: 190 مجلس(27) حديث (199).
(3) مصباح المتهجّد: 771 أعمال محرّم.

لسؤال: الأئمّة يقيمون العزاء على الإمام الحسين(عليه السلام)
لو سمحتم أن توردوا لنا مصادر - سواء من كتبنا أو من كتب العامّة - على أنّ الإمام زين العابدين(عليه السلام)، أو أحد الأئمّة(عليهم السلام) نصب عزاءً للإمام الحسين(عليه السلام)، وأنّه كرّر ذكر مظلوميّته في كلّ سنة.

الجواب:

أوّلاً: إنّ أوّل مجلس نصبه الإمام زين العابدين(عليه السلام) كان في الشام، عندما خطب في ذلك الحشد، وأخذ ينعى أبيه ويعدّد صفاته ويبيّن مظلوميّته، والناس من حوله تبكي، فهذا أوّل مجلس عزاء أقامه الإمام زين العابدين(عليه السلام) في الجامع الأُموي(1).
ثانياً: ما كان يفعله الإمام زين العابدين(عليه السلام) عند مروره بالقصّابين، وتذكيرهم بمصاب الإمام الحسين(عليه السلام)، وأخذه البكاء أمامهم، فإنّ هذا عزاء لأبيه الحسين(عليه السلام) في الملأ العام، وليس فقط تذكير لهم.
ثالثاً: روى العلاّمة المجلسي عن بعض مؤلّفات المتأخّرين أنّه قال: ((حكى دعبل الخزاعي، قال: دخلت على سيّدي ومولاي علي بن موسى الرضا(عليه السلام) في مثل هذه الأيّام ]يعني محرّم[ فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب، وأصحابه من حوله، فلمّا رآني مقبلاً قال لي: (مرحباً بك يا دعبل، مرحباً بناصرنا بيده ولسانه).
ثمّ إنّه وسّع لي في مجلسه، وأجلسني إلى جانبه، ثمّ قال لي: (يا دعبل! أحبّ أن تنشدني شعراً، فإنّ هذه الأيّام أيّام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيّام سرور كانت على أعدائنا، خصوصاً بني أُميّة.
يا دعبل! من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله.. يا دعبل! من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لِما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا.. يا دعبل! من بكى على مصاب جدّي الحسين غفر الله له ذنوبه البتة).
ثمّ إنّه(عليه السلام) نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين(عليه السلام)، ثمّ التفت إليّ وقال لي: (يا دعبل! إرثِ الحسين، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً، فلا تقصّر عن نصرتنا ما استطعت).
قال دعبل: فاستعبرت وسالت عبرتي، وأنشأت أقول:
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً ***** وقد مات عطشاناً بشطّ فُراتِ
إذاً للطمت الخدّ فاطم عنده ***** وأجريت دمع العين في الوجنات...))(2)
فهنا الإمام(عليه السلام) عقد مجلساً لذكر جدّه الإمام الحسين(عليه السلام)، وأمر بضرب الحجاب حتّى يسمع أهل بيته.
رابعاً: روى العلاّمة المجلسي عن بعض المؤلّفات لأحد ثقاة معاصريه، أنّه لمّا أخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين، وما يجري عليه من المحن، بكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت: يا أبتِ! متى يكون ذلك؟ قال: (في زمان خالٍ منّي ومنك ومن عليّ)، فاشتدّ بكاؤها، وقالت: يا أبتِ! فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟
فقال النبيّ: (يا فاطمة! إنّ نساء أُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان القيامة، تشفعين أنت للنساء، وأنا أشفع للرجال، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده، وأدخلناه الجنّة)(3).
خامساً: روى الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام الرضا(عليه السلام)، أنّه قال: (إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال، فاستُحلّت فيه دماؤنا، وهُتكت فيه حرمتنا، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا...
ثمّ قال(عليه السلام): كان أبي(صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين(صلوات الله عليه))(4).
فالإمام(عليه السلام) أقام العزاء للإمام الحسين(عليه السلام)، وجدّد مصيبته في كلّ محرّم بحزنه وبكائه، وتغيّر لونه.
وهناك روايات كثيرة واردة في أنّ الأئمّة(عليهم السلام) كانوا يظهرون الحزن والعزاء عند دخول شهر محرّم.
نعم، تبقى مسألة لا بدّ من الالتفات إليها، وهي: حالة الأئمّة(عليهم السلام) وما كانوا عليه من المطاردة والمحاصرة، والمراقبة المشدّدة من قبل الدولتين الأُموية - هي التي وقعت فيها معركة كربلاء - والعبّاسية، ومعلوم موقف الدولتين من أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، فلذلك لا تجد أنّ الإمام يقيم العزاء العام، ويدعو الناس إليه كما يقام الآن؛ لأنّه في رقابة وفي محاصرة تامّة من قبل السلطة، ويريد أن يحفظ نفسه، ويقوم بما هو المطلوب منه، فلذلك لا نجد هذا الأمر بالكيفية التي عليها نحن اليوم.

(1) الاحتجاج 2: 38 احتجاج علي بن الحسين زين العابدين على يزيد بن معاوية لما أدخل عليه.
(2) بحار الأنوار 45: 257 الباب (44) حديث (15).
(3) بحار الأنوار 44: 292 الباب (34) حديث (37).
(4) أمالي الشيخ الصدوق: 190 المجلس(27) حديث (199).



يتبع