التبرك / اسئلة واجوبة

السؤال: نظر الشيعة حوله
ما هو رأيكم في التبرك بالقبور ?
الجواب:

من المعلوم لديك أن الاشياء تابعة لاسبابها وعللها ومناشئها وتكتسب الوصف المناسب لها بحسب الهدف والغاية منها.
وقضية (التبرك بالقبور) لا تخرج عن هذه القاعدة فالقبر بما هو قبر لا يصلح لكلا الامرين أي على نحو القضية المهملة كما يعبر عنه علماء المنطق، وإنما يكتسب الاهتمام وعدمه إذا سلطنا الضوء على صاحب القبر فان كان المدفون فيه عبداً كافراً فاسقاً … أو انساناً عادياً فمن الطبيعي لا يصح التبرك بقبره.
أما إذا كان عبداً مقرباً عند الله وولياً من أوليائه أو نبياً أو ما شاكل فيكتسب القبر إهتماماً لأجل المدفون فيه.
ويصح التبرك بالقبر لأجل صحة التبرك بصاحبه، فقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يصح التبرك به لأجل أن المسلمين كانوا يتبركون به في حياته.
وكما قلنا فانّ الاشياء تابعة لمناشئها وعللها.
وقد تناقل المسلمون ـ شيعة وسنّة على السواء ـ صحة التبرك بالقبر وأمثاله . وعلى سبيل المثال لا الحصر:
فقد نقل عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب (العلل والسؤالات) قال : سألت أبي عن الرجل يمسّ منبر رسول الله يتبرك بمسّه وتقبيله، ويفعل بالقبر ذلك رجاء ثواب الله، فقال : لا بأس به.
راجع العلل ومعرفة الرجال 2/492/ج3243.
وعنه في وفاء الوفا 4/ 1404.


السؤال: ربط الخرق الخضراء بالاضرحة
نسعد كثيرا ـ نحن ابناء المذهب الجعفري ـ بربط الخرق السوداء والخضراء ، في أيادينا وحاجياتنا الخاصة، دون أدنى معرفة بأصل هذه العادة، ويسالنا أخوتنا كثيرا من أهل السنة عن هذا الموضوع، ولا نجيب بوضوح. كيف نفسر ذلك ؟
الجواب:

إن الشيعة بل المسلمين جميعاً يعتقدون بحياة الأولياء بعد الموت, ودليلهم في ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى : (( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )) (آل عمران:169) هذا حال الشهداء فكيف بأئمة آل البيت (عليهم السلام) فهم شهداء وأولياء, فاعتقاد حياتهم مما لا شك فيه ولا ريب, وإذا كان الأمر كذلك فإنهم يرون ويسمعون من زارهم ومن سألهم وهم في قبورهم هذه كرامة ومنزلة وهبها الله لهم تعظيماً لمقامهم وشرفهم.
ومن هنا فإن الشيعة يقفون على قبورهم ويسألون الله بحقهم ويدعونه فيستجاب لهم, فإن الله قد جعل لبعض الأماكن شرفاً ومنزلة فأحب أن يدعوه المؤمن في هذه الأماكن المقدسة كما أحب أن يدعوه عند مساجده وبقاعه المشرفة, وبذلك فإن زائري قبورهم يستحصلون من قبورهم وضرائحهم البركة ويتعاملون معهم أحياء لا أموات, لذا فإن أضرحتهم قد حلت بها البركة وأن لهذه الأضرحة آثاراً كما لأجسادهم الشريفة, فيجعلون ما مس أضرحتهم مورداً للاستشفاء بإذن الله تعالى, وهذه الخرق السوداء والخضراء حينما تمس هذه الأضرحة يعتقد الناس ببركتها فتكون لهم حرزاً لطلب الشفاء مثلاً, وهذه حالة من حالات اعتقاد الناس بحياة الأئمة (عليهم السلام) بعد الموت فهم يتعاملون معهم أحياءً لا أموات .
ولهذه الحالات نظائر قد حدثت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) كذلك, فالروايات تشير إلى أن خديجة بنت خويلد (عليها السلام) قد طلبت من النبي (صلى الله عليه وآله) أن يكفنها ببردته تبركاً بها ولتحميها من هول المطلع ومن القبر وحالاته, وفعلاً فقد استجاب لذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكفنها ببردته .
وهذا زهير بن أبي سلمى خلع عليه رسول الله بردته فقبلها متبركاً بها بعد أن مدحه بقصيدته التي سميت بالبردة .
والكميت الأسدي الشاعر المعروف حين ألقى قصيدته عند الامام الباقر (عليه السلام) أعطاه الإمام مالاً فرفض الكميت أخذها وقال ما مدحتكم للدنيا فإن جزائي أريده من الله تعالى, وطلب منه قميصه أن يعطيه تبركاً بهذا القميص الذي مس جسد الإمام (عليه السلام) وفعلاً فقد أعطى الإمام قميصه .
ودعبل الخزاعي حين أنشد قصيدته عند الإمام الرضا (عليه السلام) قدّم الإمام (عليه السلام) له عطاءاً جزيلاً فرفضه وطلب منه جبته وقال : لتقيني من أهوال القبر يا بن رسول الله وفعلاً أعطاه جبته فلما وصل بغداد كانت له جارية قد شكت عينها وأصابها العمى فمسح بفاضل جبة الإمام على عينها فزال ما بها من ألمف وعمى, كل هذه شواهد على إقرار الأئمة (عليهم السلام) بما اعتقده شيعتهم .
مضافاً إلى ما كان عمر بن الخطاب يتبرك بالحجر الأسود ويقبله مع أنه حجر, وضريح الإمام مشرّف بما حواه من جسد الإمام (عليه السلام) كما أن غلاف القرآن منزلته تأتي مما يحويه من القرآن الكريم .
والذي نريد قوله أن اعتقاد الشيعة بشرف هذه الأضرحة واستحصال البركة بكل ما يسمى هذه الأضرحة من خرقة خضراء أو غيرها ويتم الاعتقاد بأن الله تعالى لمنزلة هذا الإمام قد جعل سبب الشفاء والبركة لما يعتقده الإنسان بهذا الخرقة . على أننا نود التنبيه إلى أن لف هذه الخرق ليس من الضروري أن تكون من ضرورات مذهبنا بل هي حالة اعتقادية يعتقدها الشيعة لحسن ظنهم بالله واعتقادهم بمنزلة الإمام (عليه السلام) ويمارسونها ليعطيهم الله ذلك على حسب ما يعتقدونه وليس في ذلك ما يخالف الكتاب أو السنة بل العقل كذلك .
ومن ثم ما تعارف عليه المسلمون من التبرك بما خلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قميصه وشعره, والمسلمون جميعاً يروون قصة الرجل الذي أحجم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبعد حجامته له شرب ذلك الدم فسأله النبي (صلى الله عليه وآله) أين ألقيت الدم فقال شربته يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنهاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك وقال له : أن جسدك لم تسمه النار أبداً, مما يشير إلى أن لدمه خصوصية وعدم مس ذلك الجسد الذي اختلط بدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا ما أمكن توضيحه ببيانف سريعف مقتضب .




السؤال: أخطاء البعض لا تكون باعثة لحذفه
في مسألة التبرك بقبور النبي وآله؛ قال لي أحدهم بأنه صحيح أننا نحن الشيعة نعبد الله في ذلك الآن وصحيح أننا حين نطلب من عندهم قضاء الحوائج, نعتقد أنه بأمر الله و لكن في المستقبل سيتحول الأمر إلى الإعتقاد بأن بيدهم النفع والضر وهذا كفر، وبما أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة, يجب منع مثل هذه الأمور. فما رأيكم ؟
الجواب:

لو فرضنا أن البعض في مسألة التبرك بقبر النبي وآله ارتكب محرماً أو ما عرف المسألة فوقع في محرم , فهل هذا يستطلب نفي هذا الفعل من أساسه أم تصحيح الخطأ عند هذا البعض .
فلا يمكن أن نحمل أخطاء البعض - على فرض وقوعها - على أن تكون باعثة لحذف الفعل من أصله , بل علينا أن نصحح الأخطاء ونوصل المفاهيم الصحيحة إلى الناس .
فلو أن بعض الناس انما يطوف بالبيت الحرام لاعتقاده بان الله جالس في الكعبة , ويطوف لأجل هذا , فهل يحق لنا أن نمنع الطواف بحجة أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة !!





السؤال: التبرك بآثار الأنبياء والأولياء
ارى أحياناً بعض مظاهر تقديس المنبر كالتمسح به للتبرك أو تقبيله, كذلك التبرك بقطع القماش بعد وضعها في المنبر, فما هو السر في التبرك من المنبر الحسيني؟
ارجو ذكر استدلال عقلي وايضاً نقلي على ذلك - ان وجد -

الجواب:

لا أدري ما يخالج قلبك من الاشكال وعدم الارتياح الى بعض المظاهر الطبيعية عند المؤمنين والمسلمين كافة من التبرك بالأشياء المقدسة والمشرفة وتعظيم شعائر الله وإعلاء شأنها وتحصيل البركة غير المنظورة بأعيننا التي لا ترى إلا الماديات، فإنك ترى المؤمنين يقبلون المنبر ويأخذون من قماشه فلا ترى سوى اعواداً من خشب وقماش عادي أسود ولا ترى ما خلف هذه الأشياء المادية من معاني وأمور غير مرئية مثل البركة والشفاء، كما قال تعالى واصفاً كتابه المجيد: (( مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا )) (الإسراء:82) وكل هذه الامور غير مادية وغير مرئية.
وكذلك قوله تعالى في قصة يعقوب (عليه السلام) وشفائه وعودة بصره بواسطة قميص يوسف (عليه السلام): (( اذهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلقُوهُ عَلَىٰ وَجهِ أَبِي يَأتِ بَصِيرًا ... فَلَمَّا أَن جَاءَ البَشِيرُ أَلقَاهُ عَلَىٰ وَجهِهِ فَارتَدَّ بَصِيرًا )) (يوسف:93-96)، فأنت يا أخي ترى أن ملامسة قميص يوسف (عليه السلام) لا يفرجع البصر فحسب وإنما يأمر به نبي الله يوسف الصديق (عليه السلام) الذي وصفه تعالى بأنه من المخلصين أي الموحدين الخالصي التوحيد، وكذلك نبي الله يعقوب (عليه السلام) ينتظر ذلك ويقول: (( وَلَمَّا فَصَلَتِ العِيرُ قَالَ أَبُوهُم إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَولَا أَن تُفَنِّدُونِ )) (يوسف:94).
وترى المسلمين وخصوصاً الصحابة كيف كانوا يتبركون بآثار النبي (صلى الله عليه وآله) بل ويتنافسون عليها ويستأثرون بها مثل شعرات النبي (صلى الله عليه وآله) أو بصاقه أو فضل وضوئه أو عرقه الشريف أو لباسه أو حتى نعله أو التراب الذي يمشي عليه، بل إن النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا صنع له منبر وكان قبله يخطب على جذع نخلة ميت أنّ عليه أناَ لم يسكت ولم ينتهي حتى عاد له النبي (صلى الله عليه وآله) واحتضنه فانتهى فقال (صلى الله عليه وآله) للصحابة والله لو تركته لبقي يئنّ إلى يوم القيامة، أفيكون الجذع أفضل منا!!
ومشروعية التبرك مسلّمة عند جميع الاديان وعند جميع المسلمين بما فيهم الوهابية (السلفية)!! فعند شيخهم ومحدثهم ومتعصبهم المتشدد محمد ناصر الدين الالباني كتاب التوسل يذكر فيه الفرق بين التوسل والتبرك ويثبت فيه التبرك.
وروايات تبرك الصحابة بالنبي (صلى الله عليه وآله) تملأ كتاب البخاري وغيره.
وهناك رواية تبين أهمية التبرك بلباس النبي (صلى الله عليه وآله) وشرفه وفائدته حتى للميت, كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله) مع أمّف أمير المؤمنين فاطمة بنت أسد عند موتها فألبسها قميصه ونزل ونام في قبرها، وقال: ألبستها قميصي لتلبس ثوباً من ثياب الجنة، وفي رواية: ليرحمها الله ويغفر لها، وتمدد (صلى الله عليه وآله) في القبر لكي تنجو من ضغطة القبر.
فيا أخي العزيز، من المسلم لدى المسلمين جميعاً بأن أهل البيت (عليهم السلام) من رسول الله وبضعة منهف، لقوله (صلى الله عليه وآله): (فاطمة بضعة مني)، (حسين مني وأنا من حسين)، (علي مني وأنا منه) وغيرها، فالتبرك بهم وبآثارهم كالتبرك برسول الله (صلى الله عليه وآله) وآثاره.
قال إبن قدامة المقدسي الحنبلي في (المغني (ص588 ج2):
(فصل) قال: وأما المنبر فقد جاء فيه يعني ما رواه ابراهيم بن عبدالرحمن بن عبدالقاريء أنه نظر إلى ابن عمر وهو يضع يده على مقعد النبي (صلى الله عليه وآله) من المنبر ثم يضعها على وجهه.
وروي عن علي (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) أنها أخذت قبضة من تراب قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فوضعتها على عينها وأنشدت:
ماذا على مَن شمَّ تربة أحمد ***** أن لا يشم مدى الزمان غواليا
فهذا أيضاً من التبرك المتسالم بين الجميع.
وهناك المزيد من أشعار العرب والاستدلالات الاخرى تدل على أن مثل هذا السلوك مقبول لدى الناس:
أمرّ على الديار ديار ليلى ***** اقَبّل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي ***** ولكن حبّ مَن سكن الديارا
وكذا تقبيل غلاف القرآن مسَلَّمٌ عند جميع المسلمين لانه ملامس للشريف.
وأخيراً لا أدري ماذا تقصد بالدليل العقلي أكثر مما بَيَّنا من إمكانه ووقوعه ومشروعيته عند المتشرعة وقبوله عند جميع العقلاء، والله المستعان.


تعليق على الجواب (1)


لدي ثلاث نقاط أتمنى ان احصل على أجابتكم وتحصلون على ثواب ذلك لاحظت أيضاً أنه في ردكم السابق (ومن ضمن الامثلة التي أتيتم بها) كانت كل الامثلة تدل على أن التبرك يكون بمنبر النبي أو بالمكان الذي أولا: يكون له علامق ملامسة مباشرة مع المعصوم أو القرآن الكريم ولكن ماذا عن التبرك بمنبر عادي كأي منبر يجلس عليه أي خطيب مؤمن أو منافق الله العالم فماذا عن هذا التبرك؟
ثانياً: ماذا عن التبرك بالأشياء الأخرى كالراية التي تنصب وتسمى (النيزة) والاعلام التي تكون عليها مع الاشارة الى ان تلك الاعلام يكون قد لحقها الغبار واتسخت من جراء تعليقها وكذلك بالتبرك بمجسمات صغيرة لأضرحة المعصومين فهي تكون في نظر الغير كالتبرك بالصنم والعياذ بالله؟
ثالثاً: أعني بالدليل العقلي اثبات عقلي على امكانية التبرك فلا يمكن القول مثلاً بأننا نعبد الله لأنه شيء متوارث ـ دون الحصول على دليل عقلي وايماني على وجود الله ـ وكذلك لايمكن ان ندافع عن هذه الافعال امام غير المسلمين بالقول بل نبينا كان يفعل ذلك ولان نعلم لماذا!!!! لذا احتاج الى برهان لدحض الشبهه.
الجواب:

نود أن نقدم مقدمة مختصرة قبل الاجابة على الاسئلة ستجمع لك شتات الموضوع ان شاء الله:
1- ان توحيد الله بالخالقية هو الاعتقاد بأنه لا مؤثر في الوجود الا الله، ولكن هذا لا يعني أن ننكر الأسباب والسنن التي اجراها الله سبحانه في خلقه، ونعتقد أنه جل وعلا هو السبب المباشر لكل شيء. وتوحيد الربوبية لا تعني أنه سبحانه المدبر للعالم من دون تسبيب الأسباب والعلل المترتبة، وهذا واضح إن شاء الله ومكان إثباته من العقل والنقل في غير هذا الموضع.
ولكن نقول: وان جرت سنة الله على اجراء الفيض وايصاله الى الناس عن طريق العلل الطبيعية غالباً ولكنها جرت في بعض الأحيان على اجراء الفيض عبر علل غير طبيعية كما في المعاجز والكرامات، قال سبحانه (( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيهَا زَكَرِيَّا المِحرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزقًا قَالَ يَا مَريَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَت هُوَ مِن عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ )) (آل عمران:37) وغيرها من آيات عديدة فيها نفس الدلالة على أنه سبحانه قد يفعل بعلل غير طبيعية ومألوفة يجري فيضه فيها على أوليائه.
وعليه فان العقل لا يرفض أن تكون هناك أسباب وعلل مؤثرة لا يألفها ولا يعرفها تأثر في الأشياء بإذن الله، قال سبحانه وتعالى في قصة يوسف: (( اذهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلقُوهُ عَلَىٰ وَجهِ أَبِي يَأتِ بَصِيرًا ... فَلَمَّا أَن جَاءَ البَشِيرُ أَلقَاهُ عَلَىٰ وَجهِهِ فَارتَدَّ بَصِيرًا )) (يوسف:93-96) وقد كان القميص قميصاً عادياً ولكن الله جعل فيه أثر غير مألوف لا نعرفه، أثر في بصر يعقوب فأعاده، ونحن لا نعرف الرابطة حسب القوانين العلمية المعروفة لدينا الآن بين القميص وتأثيره بالبصر، ولكن الله يعلمها وقد يطلع عليها أولياءه.
وعلى هذا الأساس والفهم بنى الألهيون مبدأ التبرك عندهم بأثار الأولياء بصورة عامة، وليس لازماً أن يحصلوا عند التبرك على النتائج المادية، ولكن النتائج المعنوية موجودة في أغلب الأحيان وللتفصيل أكثر راجع ما قاله العلامة السبحاني في كتاب (في ظل أصول الاسلام) بقلم جعفر الهادي.
2- ان العقل يقسم الى قسمين: العقل النظري والعقل العملي.
ويدخل في نطاق العقل النظري القضايا التي يفحكم بصحتها وصدقها على الخارج كاجتماع وارتفاع النقيضين محال، وفهم علل الأشياء وأسبابها.
ويدخل في نطاق العقل العملي الحكم على الشيء بأنه يحسن عمله أو يقبح وينصب عليه الكلام في مبحث التحسين والتقبيح العقليين.
وعليه فما قلناه في النقطة الأولى يدخل في العقل النظري.
وأما في نطاق العقل العملي فنجد:
أن العقل يحكم بحسن تعظيم كل من كان عنده منزلة وحظ عند الناس، فلذا جرت سيرة العقلاء على احترام كل ما يرتبط بصلة بهؤلاء العظام وان بعدت وتقادمت والاحتفاظ بآثارهم وما منسوب إليهم واقتناء الحاجيات التي ترتبط بهم مباشرة أو بعلاقة ما قريبة أو بعيدة.
واما عند الالهيين فان العقل يحكم بحسن تعظيم كل من كان عنده منزلة عند الله سبحانه وتعالى. والتبرك بأقسامه المختلفة نوع من التعظيم، فلذا جرت سيرتهم على ذلك.
ولكن تختلف درجات التبرك بالشيء المنسوب الى هذا العظيم باختلاف درجة ارتباط هذا الشيء به من القرب والبعد أو بواسطة واحدة أو عدة وسائط، وايضاً تختلف نواحي التبرك بين فئات الناس من متعلم وغيره، فقد يتبرك العوام بشيء لوجود أدنى مناسبة ولو بعيدة النسبة الى ذلك العظيم، لا يجد لها المتعلم أدنى وقع في نفسه وقلبه, وقد تكون أسباب هذه العلاقة بين الناس وبين ما ينسب الى هؤلاء العظماء نابع من دافع فطري غريزي عند الانسان هو الحب لهؤلاء فيظهره بمظاهر شتى منها التبرك بآثارهم، أو دافع عقلي مصلحي هو طلب فائدة مادية ومعنوية.
3- معنى التبرك لغة: هو طلب البركة ويقصد به التيمن، وهو إلتماس الخير، وهذه السلوكات المختلفة المتعارفة لدى الناس هي مصاديق للتبرك المراد هنا، فالاصطلاحي يرجع الى المعنى اللغوي.
4- إن أدلة التشريع هي القرآن والسنة والعقل والاجماع, وان فقدت فالاصل العملي قد ظهر لك من الأجوبة السابقة ما في القرآن والسنة وظهر لك ما في ادلة العقل من ذلك، ووضح لك اجماع المسلمين ويبقى الاصل.
فان الاصل في كل الأشياء الإباحة ما لم يرد شيء من الشارع المقدس، وقد عرفت من سيرة العقلاء والمتشرعة جواز التبرك بآثار العظماء ولم ينه عنها الشارع، نعم ظهرت بعض الشبه من تسويلات الشيطان بدأها ابن تيمية مخالفاً جميع المسلمين ويرددها أتباعه الجدد الآن كالببغاءات.
ونحن نقول: بل جاء التقرير من الشارع للتبرك، كما عرفت من الروايات الكثيرة بخصوص تبرك الصحابة بآثار النبي (صلى الله عليه وآله), بل حتى جاء بخصوص التبرك بآثار المؤمن ومنها سؤره، والكتب الفقهية مملؤة بأمثلة التبرك، وحتى لو لم يكن للاصل وجود فانا كمتشرعة نتبع الشارع في تجويزه مستندين إلى القرآن والسيرة والاجماع وسيرة المتشرعة والعقلاء.
واما بخصوص التبرك بآثار الأئمة فنحن كمسلمين مأمورون بالمودة واظهار الحب لهم فكل شيء يعبر عن هذا الاظهار جائز بل مأمور به، ومن اجلى مصاديقه التبرك بهم وبآثارهم بشتى نواحيه ما لم يلزم محذور شرعي جاءنا نهي عنه من الشارع.
واما الجواب على الاسئلة: فاعتقد أنها توضحت مما قدمنا، ومع ذلك نلخص لك الجواب:
الأول: ان مصب الادلة التي ذفكرت سابقاً كان في اثبات جواز اصل التبرك وأنه سيرة للمتشرعة مقر من قبل الشارع.
ولكنك عرفت مما قدمنا أن مدار صحة التبرك هو وجود أصل العلاقة بين الشيء المتبرك به وبين الولي، لا كيفية ونوع هذه العلاقة وانها كانت عبر وسائط أو من دون واسطة، بل يكفي في تصحيح التبرك مصداق الرابط والانتساب وان كان ذا مرتبة بعيدة أو ضعيفة، ونؤيد ذلك من خلال أمثلة التبرك الموجودة في الروايات التي لا تنحصر في زمان أو مكان أو شيء معين، ولم يذكر الشارع ما يحدد هذه العلاقة حتى نقتصر عليها.
فلنا أن نطبق حكم التبرك في أي مورد حكم بوجود العلاقة وان كانت ضعيفة لأن الادلة كانت منصبة على وجودها ولم تفصل من كونها مباشرة او غير مباشرة.
وما ذكرت من انهم يتبركون بالمنبر العادي الذي يقرأ عليه أي أحد، لم يكن التبرك بهذا الاحد وان صح التبرك به أن كان من المؤمنين الصالحين, وانما كان تبركاً بالمنبر المنسوب الى الحسين (عليه السلام) وان كان بوسائط فهو المنبر الذي يوجد في الحسينية التي بنيت من أجل إقامة الشعائر الخاصة بمصيبة الحسين (عليه السلام) ويقرأ عليه العزاء الخاص بالحسين (عليه السلام).
ومنه يتوضح الجواب على السؤال الثاني، من التبرك بالراية التي لها نسبة معينة للحسين (عليه السلام) أو أبو الفضل العباس (عليه السلام) مثلاً وكذا مجسمات الأضرحة، واما ما ذكرت من وجود التراب والأوساخ فذلك شيء آخر لا دخل له بالموضوع يعود الى مراتب الناس واعتنائهم بالنظافة وعدمها.
ومن المهم أن تلاحظ أنه كلما كان وعي وثقافة تعليم الشخص بمستوى واطيء كلما اتسعت عنده مصاديق الأشياء ذات العلاقة مع الولي التي يتبرك بها حيث يكتفي فيها بأدنى مناسبة ورابطة، على العكس من المتعلم، ولذا يكثر الخطأ عند العامة في مثل هذه المصاديق، كما أنهم يخطئون بمصداقية نفس الولي الذي يتبركون به فتجدهم يتبركون بأشخاص لا يستحقون أدنى احترام وتشريف اذ ليس لديهم أي منزلة عند الله سبحانه وتعالى وكل ذلك ناتج من الجهل.
الثالث: قد وافاك الجواب فيه كافياً إن شاء الله مما سبق.

تعليق على الجواب (2)
ان التبرك هو ماورد في ذات الرسول ولايمكن ان يكون هناك تبركا في منبر يقرأ عليه محاظرة دينية او في مجسم صنع بيد انسان على انه للكعبة او لقبر الحسين فلم نسمع ان علي بن ابي طالب(ع) او احد الائمة او احد الصحابة او المعاصرين لهم تبركوا بهم او تبركوا بمنبر او غيره وهذه ادعية اهل البيت تحث على اللجوء لله وحده
الجواب:

التبرك بأشياء تنسب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وارد عند كلا الفريقين كالتبرك بقميصه وشعره ومنبره وعصاه وغير ذلك من الأمور التي لها صلة ولو بعيدة برسول الله (صلى الله عليه وآله).
فكذلك الحال في التبرك بمنبر منسوب للإمام الحسين (عليه السلام) أو مجسم يصور قبره أو يصور الكعبة فما دام هناك رابطة بين المتبرك به وبين الشيء المقدس في نفوس المتبركين تكفي تلك الرابطة لأن يصح التبرك بتلك الأشياء, فالمنبر الذي هو منسوب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يُتبرك به لوجود هذه الرابطة وهو كونه منسوباً إليه (صلوات الله عليه) أما لو كان خشباً عادياً ليس له صلة برسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يتبرك به فالعلاقة, إذن ليست مع الخشب بل العلاقة بتلك الجهة المعنوية التي هي وراء الخشب،ولو اختلفت تلك الجهة المعنوية فصارت بدل مماسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها صارت تلك الجهة المعنوية هي علاقة هذا المنبر بالإمام الحسين (عليه السلام) كونه يذكر عليه أو كون هذا الشيء يعكس صورة قبره أو صورة الكعبة فإن هذه الجهة المعنوية المستوحاة من خلف ذلك الخشب والحديد تصحح ذلك الارتباط القلبي بها، والتبرك أمر معنوي قلبي فلا يستهوينك ما يقوله البعض متابعة للوهابية, فإنه لقصور في عقله لم يفهم المناط والملاك في التبرك فحد فهمه على الحس وأعتبر الدليل عليه ما فعله الصحابة والسلف على أنه جاء من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واختلط عليه الأمر بين مفهوم التبرك ومصاديقه مع أن الأدلة وردت على المفهوم والعنوان والمصاديق كثيرة فلم يحصر علماء المسلمين المصاديق بما فعله السلف كما فعله عمر مع الحجر الأسود / والوهابية أو هذا البعض, وانما فهموا المفهوم بسعته وبكل ما ينطبق عليه من مصاديق ولم يقفوا على المصاديق الواردة في الروايات وإنما فهموها كما هي أي مصاديق لا غير وإن الحكم يشمل غيرها من المصاديق فلا خصوصية للمصداق بما هو مصداق وإنما الخصوصية للعلاقة والرابطة المعنوية بين المصداق وبين صاحبه ـ فلاحظ.
فينبغي أن تدرك أيها الأخ العزيز خطأ وضلال من نقلت كلامه وفهمه الساذج بمجرد مراجعة القرآن والسنة وأقوال العلماء وإجماع المسلمين على جواز التبرك بآثار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأنبياء والأولياء عموماً فلا يمكن انعقاد إجماع الأمة على التوجه لغير الله تعالى وبذلك تعلم عدم تنافي التبرك مع التوجه إلى الله تعالى في الأدعية واللجوء إليه سبحانه؛ ولذلك فنحن نعتقد بأن البعض ممن ينسب للشيعة فهم التبرك بفهم أسوء مما فهمه به الوهابية وابن تيمية فتأمل.