مسألة 15] لا يجوز العدول من الحي إلى الميت، سواء كان قد قلده سابقاً أم لا. كما لا يجوز العدول من الحي إلى الحي، ما لم تحصل بعض الاستثناءات. فمنها : ما إذا صار الآخر أعلم. ومنها: ما إذا خرج مقلده عن العدالة. ومنها : ما إذا تدنى احدهما في العلم، كما لو أصبح شديد النسيان، دون أن يتقدم الآخر علمياً. ومنها : ما إذا كانا متساويين، فتخير أحدهما فصار الآخر أعلم.

شرح : توجد جملة من الصور يتعين فيها البقاء على التقليد وعدم جواز عدول المكلف في تقليده لمجتهد إلى مجتهد آخر, مع وجود بعض المستثنيات, فيجوز فيها عدول المكلف في تقليده إلى تقليد جديد, فهنا شكلان من صور مسألة جواز وعدم جواز العدول في التقليد:

الشكل الأول: صور عدم جواز العدول في التقليد: أي لا يجوز للمكلف العدول من تقليد مجتهد إلى مجتهد آخر, وفيها صورتان:

الصورة الأولى: إذا كان المكلف قد قلد مجتهداً حياً وأراد الرجوع عن تقليده إلى مجتهد ميت آخر, فهنا لا يجوز عدول المكلف من تقليد المجتهد الحي إلى المجتهد الميت, سواء كان المكلف قد قلد ذلك المجتهد الميت, أم لم يكن المكلف قد قلد ذلك المجتهد الميت.

الصورة الثانية: إذا كان المكلف قد قلد مجتهداً حياً وأراد الرجوع عن تقليده إلى مجتهد حي آخر, فهنا لا يجوز عدول المكلف من تقليد المجتهد الحي إلى المجتهد الحي.

الشكل الثاني: صور جواز العدول في التقليد: أي يجوز للمكلف العدول من تقليد مجتهد إلى مجتهد آخر, وفيها أربعة صور:

الأولى: إذا صار المجتهد الآخر الذي يريد المكلف الرجوع إليه أعلم من المجتهد الذي كان قد قلده, فهنا يجوز – بل يجب - للمكلف العدول في تقليده إلى المجتهد الأعلم.

الثانية: إذا فقد المجتهد الذي كان قد قلده المكلف شرطية العدالة في مرجع التقليد, فهنا يجوز – بل يجب – على المكلف العدول في تقليده إلى المجتهد العادل.

الثالثة: إذا أصبح المجتهد الذي كان قد قلده المكلف متدنياً في الدرجة أو الرتبة العلمية لعروض بعض الأسباب, كما في سببية شديد النسيان، وكان المجتهد الآخر الذي يريد المكلف الرجوع إليه محافظاً على علميته من دون أن يتقدم علمياً, فهنا يجوز للمكلف العدول في تقليده إلى المجتهد المحافظ على علميته.

الرابعة: إذا كان المجتهد الآخر الذي يريد المكلف الرجوع إليه مساوياً في شرائط مرجع التقليد للمجتهد الذي كان قد قلده المكلف, فهنا يثبت للمكلف التخيير في تقليده, فله أن يقلد من يشاء, ولكن المجتهد الآخر أصبح أعلم من المجتهد الأول, فهنا يجوز – بل يجب – على المكلف تقليد المجتهد الآخر الأعلم.

قوله : [مسألة 16] إذا تردد المجتهد بالفتوى، أو عدل من الفتوى، إلى التردد، فالاحوط هو العمل بالاحتياط.

شرح : هناك جملة من الأمور التي يواجهها المجتهد أثناء بحثه في أدلة المسائل الشرعية تؤدي به في بعض من الأحيان إلى سلوك أحد مسلكين:

أولهما: التردد بالفتوى.

وثانيهما: العدول من الفتوى.

وهذان المسلكان مؤداهما أن المجتهد أثناء إمعان نظره في أدلة المسائل الشرعية قد لا يصل في كثير من المسائل إلى نتيجة جزمية؛ إما لعدم وجود دليل عليها أصلاً, أو لوجود دليل ولكن هذا الدليل لم يصل لدرجة التمامية والقطعية في نظره, أو كون الدليل تاماً وقاطعاً ولكن المجتهد وجد بعد ذلك عدم تمامية وقطعية الدليل في نظره. فيتحصل من ذلك تردد المجتهد في الفتوى أو عدوله من الفتوى إلى التوقف عن الفتوى. وقد يعبر الفقهاء عن هذين المسلكين في رسائلهم العملية بعدة تعابير, منها: (تأمل, إشكال, الاحتياط, الاحوط, الاحوط وجوباً, الاحوط استحباباً, الاحوط لزوماً). ومعه فلابد للمكلف من سلوك طريق الاحتياط المقتضي للخروج عن عهدة التكليف, والعمل على ما قال به مرجعه, ولا يعدل في تلك المسائل إلى غير مرجعه, ما لم يأمره مرجعه بالرجوع إلى من يفتي في تلك المسائل من دون تردد أو توقف.

قوله : [مسألة 17] إذا قلد مجتهدا يجوز البقاء على تقليد الميت، فمات ذلك المجتهد، لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة. بل يجب الرجوع إلى الأعلم من الأحياء. وإذا قلد مجتهدا فمات، فقلد الحي القائل بجواز العدول إلى الحي أو بوجوبه فعدل إليه، ثم مات فقلد من يقول: بوجوب البقاء، وجب عليه البقاء على تقليد الثاني من الثلاثة.

شرح : إذا قلد المكلف مجتهداً يقول بجواز البقاء على تقليد الميت، فمات ذلك المجتهد، فهنا لا يجوز للمكلف البقاء على تقليد ذلك المجتهد الميت القائل بجواز العدول في هذه المسألة. بل يجب على المكلف الرجوع إلى المجتهد الحي الأعلم. ثم إذا قلد المكلف ثلاثة من المجتهدين:

الأول: إذا قلد المكلف مجتهداً فمات ذلك المجتهد.

والثاني: إذا قلد مجتهداً حياً يقول بجواز العدول إلى الحي أو بوجوبه، ثم مات هذا المجتهد.

والثالث: إذا قلد مجتهداً حياً يقول بوجوب البقاء.

فهنا حكم المكلف وجوب البقاء على تقليد المجتهد الثاني من الثلاثة.

قوله : [مسألة 18] إذا قلد المجتهد وعمل على رأيه، ثم مات ذلك المجتهد، فعدل إلى المجتهد الحي، فهل يجب عليه إعادة الأعمال الماضية مع وجود الخلاف بينهما؟. فيه تفصيل: فان كان الميت هو الأعلم، لم يجب شيء من القضاء والإعادة. وان كان الحي اعلم، وكان المكلف قد قلد غير الأعلم غفلة، وجبت عليه الإعادة في الوقت. وأما القضاء فان كان الإخلال بالجزء جهلا موجبا للبطلان وجب, وإلا فلا.

شرح : إذا قلد المكلف مجتهداً وعمل على رأيه، ثم مات ذلك المجتهد، فعدل المكلف في تقليده إلى المجتهد الحي، فهل يجب على المكلف القضاء أو إعادة الأعمال السابقة مع وجود الخلاف بين المجتهدَين أو لا ؟.

وجوابه : فيه تفصيل بين نحوين:

الأول: إن كان المجتهد الميت أعلم من المجتهد الحي، فهنا لم يجب شيء من القضاء والإعادة.

والثاني: إن كان المجتهد الحي اعلم من المجتهد الميت، وكان المكلف قد قلد غير الأعلم غفلة، فهنا وجبت على المكلف الإعادة في الوقت. وأما القضاء ففيه تفصيل؛ بين كون الإخلال بالجزء جهلاً موجباً للبطلان, فهنا وجب على المكلف القضاء. وبين كون الإخلال بالجزء جهلاً غير موجب للبطلان, فهنا لا يجب على المكلف القضاء.

قوله : [مسألة 19] يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة وشرائطها. ويكفي أن يعلم إجمالاً أن عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط. ولا يلزم العلم تفصيلا بذلك. وإذا عرضت له في أثناء العبادة مسألة  لا يعرف حكمها،جاز له العمل على بعض الاحتمالات لرجاء المطلوبية، والاحوط أن يختار أرجح الاحتمالات في نظره، فان تبين له بعد ذلك صحة العمل أجتزأ به, وكذا إذا لم يتبين له شيء. وإذا تبين له البطلان أعادة.

شرح : يجب على المكلف تعلم الأحكام الشرعية الخاصة بأجزاء العبادات الواجبة وشرائطها. وذلك من باب إيجاب المقدمة لوجوب ذيها, والمقدمة في المقام هي العلم بالأحكام الشرعية من أجل امتثالها, وهذا العلم يكفي فيه العلم الإجمالي وليس العلم التفصيلي, ومعنى العلم الإجمالي هو أن يعلم المكلف إجمالاً أن عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط. وأما إذا عرضت للمكلف مسألة في أثناء العبادة وهو لا يعرف حكمها، فهنا جاز للمكلف العمل على بعض الاحتمالات لرجاء أن تكون مطلوبة لله تعالى. ولكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي أن يختار المكلف أرجح الاحتمالات في نظره، مع ملاحظة ما بعد العمل من نتائج, ومنها:

الأولى: أن يتبين للمكلف بعد ذلك صحة العمل.

والثانية: أن لم يتبين للمكلف بعد ذلك صحة أو بطلان العمل.

والثالثة: أن يتبين للمكلف بطلان العمل.

ففي النتيجة الأولى والثانية يجتزأ المكلف بذلك العمل, بينما في النتيجة الثالثة يجب على المكلف إعادة العمل.

قوله : [مسألة 20] يجب تعلم مسائل الشك والسهو التي هي في معرض ابتلائه الشخصي، وأما غيرها مما هو محل الابتلاء نوعاً، فلا يجب، وخاصة فيما إذا كان مظنون العدم أو نادراً.

شرح : تنقسم المسائل الشرعية الفقهية من حيث الابتلاء بها من قبل المكلف شخصاً أو نوعاً إلى قسمين:

القسم الأول: المسائل الشرعية الفقهية الابتلائية الشخصية: وهي تلك المسائل التي تقع في معرض ابتلاء المكلف في جميع أبواب الفقه, بمعنى كثيراً ما يتعرض المكلف لفعلها أفعالاً كانت أو تروكاً. ومثالها:

مسائل الشك والسهو في كتاب الصلاة.

مسائل المطهرات والنجاسات في كتاب الطهارة.

مسائل البيع والشراء في كتاب البيع.

وحكم هذا القسم من المسائل الشرعية هو وجوب تعلمها من قبل المكلف, وذلك لكثرة ابتلاء المكلف بها, فيتعين عليه إيجاد المقدمة للخروج من عهدتها, والمقدمة في المقام هو العلم بحقيقتها ومعرفة حيثياتها الموجبة لتحصيل الإتيان بها على الوجه المطلوب عند الله سبحانه وتعالى.

القسم الثاني: المسائل الشرعية الفقهية الابتلائية النوعية: وهي تلك المسائل التي تقع في معرض ابتلاء المكلف في بعض أبواب الفقه, بمعنى قليلاً ما يتعرض المكلف لفعلها أفعالاً كانت أو تروكاً. ومثالها:

مسائل المفطرات في كتاب الصوم.

مسائل الإحرام والطواف في كتاب الحج.

مسائل خمس فاضل المؤونة وأرباح المكاسب في كتاب الخمس.

وحكم هذا القسم من المسائل الشرعية الابتلائية هو عدم وجوب تعلمها من قبل المكلف, خصوصاً تلك المسائل مظنونة العدم أو نادرة الوقوع, ومثالها:

مسائل الرق والعبيد.

مسائل الحدود والتعزيرات.