التقوى ... 81.gif



التقوى:


التقوى في تعريفات الشرع: «حِفظُ النفس عما يُؤثِم، وذلك بترك المحظور ويتم ذلك بترك بعض المُباحات»،

ولن تتحقق التقوى إلا بخطة تدريجية،

الخطوة الأولى: يُقلل من يُريد التقوى إهتمامهُ بالدُنيا يقول الامام علي عليه السلام: خُذ من قليل الدُنيا مايكفيك.

الخطوة الثانية: الإكثار من العمل الصالح؛ والعمل الصالح حرثُ الآخرة.

ويقول أيضاً: ثقلوا موازينكم بالعمل الصالح.

الخطوة الثالثة: عقد صفقة تجارية بين الدُّنيا والآخرة، يقول اميرالمؤمنين(عليه السلام): الأعمال في الدُّنيا تجارة الآخرة. أرْبَح الناس من إشترى بالدُنيا الآخرة.

وهو يستخدم ماحصل عليه في الدُنيا لشراء الآخرة، ومنه المال، يقول الإمام (عليه السلام): أزكى المال مااشترى به الآخرة.وستكون تجارته رابحة لأنه سيربح الذُنيا والآخرة معاً.

مَن ابتاع آخرته بدنياه ربحهما.

ويقول أيضاً: الرابح من باع الدُنيا بالآخرة. فهو لن يخسر شيئاً عندما يضع هدفه الأول ـ الآخرة ـ يقول في ذلك: مَن أصلح أمرَ آخرته أصلح الله له أمر دُنياه[82]. فالمطلوبُ منه هو التقوى لأنه لم يُخلق عبثاً، يقول أميرالمؤمنين(عليه السلام): أيها الناس إتقوا الله فما خلق امرؤٌ عبثاً فيلهو ولا يُترك سُدىً فيلغُو.

فهذا النص يلخص لنا العلاقة بين التقوى وبين الدُنيا والآخرة، وبينهما وبين الهدف مِن الخلقة.

وهذه النُقلة من حُبّ الدُنيا إلى حُبّ الآخرة هي التقوى: فملاك التقى رفض الدُنيا.

فماذا تعني التقوى عند أميرالمؤمنين(عليه السلام)؟

يقول الامام: التقوى اجتناب.

وماذا يحصل لو أخذ المؤمن بالتقوى؟

يعدّد الامام نتائج التقوى.

التقوى أزكى زراعة.

التقوى رأس الحسنات .

التقوى رئيس الأخلاق.

التقوى مفتاح الصلاح.

التقوى ظاهره شرف الدنيا [هذا في الدُنيا أما في الآخرة] وباطنه شرف الآخرة.

المتقون
وصل بنا مسار البحث حول رؤية الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن الانسان إلى المتقين، فمن هم المتقون؟

يتصف المتقون بهذه الصفات:

الورع؛ الورع شعار الأتقياء.

القناعة؛ القناعة علامة الأتقياء .

السخاء؛ إن الأتقياء كل سخيّ متعفف محسن.

لاطريق للحسد؛ ليس الحسد من خُلق الأتقياء .

التزكية؛ المتقون أعمالهم زاكية .

ذرف الدموع خشية؛ وأعينهم باكية.

الخوف من الله؛ وقلوبهم وجلة .

الزهد؛ الزهد شيمة المتقين .

سَهرُ الليل؛ سَهَرُ الليل شعار المتقين .

ذكر الله؛ ذكر الله شيمةُ المتقين .

علامات المتقين
للمتقي ثلاث علامات: إخلاصُ العمل، وقصرُ الأمل، واغتنام المَهَلِ .

فأولاً: إخلاصُ العمل.. ومعناه الصدق أثناء العمل.

ثانياً:قصرُ الأمَل، ومعناه ترجمة عملِه إلى واقع وإلى برنامج زمني مرحلي.

ثالثاً إغتنام المَهَلِ: « والمَهَل هو التؤدة والسُّكُون». وهي حالة في منتهى الفضيلة لا يبلغها إلاّ مَن ربى نفسه تربية قاسية بحيث لا ينفعل حين وقوع المشكلة ولا يضطرب ولا يقلق عند وقوع حدث ما يستدعي منه التفكير والحل.

وهنانلتقي بموضوع هذه الدراسة، هنا يُصافح بحث الانسان مبحث الادارة، فالانسان الذي يترقبه أميرالمؤمنين(عليه السلام) وتترقبه الرسالة الاسلامية هو مَن يخلص العمل، ويقصر الأمل ويغتنم المَهَل، وهو الانسان الذي يصلح للعمل الاداري سواء كان مُديراً أو عاملاً.

وهذا الإنسان لم يأت مِن فراغ، فلو تتبعنا عملية بنائه لوجدنا أنه في بداية أمره كان عقلاً وهوىً، فقاتل عقلُه هواه فانتصر عليه عندما عَرف أنَّ الله لم يخلقه للدُّنيا بل خلقهُ للآخرة، وأنه تحت الرقابة الدائمة، لأنه في حالة إمتحانٍ متواصل، إمتحان الوعي والارادة.

فهل استخدم وعيهُ بصورة سليمة؟

هل أنه عرف الغاية من خلقه والغاية مِن خلق الدنيا؟

وهل إنه استخدم إرادته في مكانها؟ هل استخدمه في هدف دنيوي أم أُخروي؟

وعندما تغلَّب عقله على هواه وانتصرت الآخرة على الدنيا (كهدف مطلق) فاضت الفضائل مِن جوانبه وإنحسرت الرذائل التي هي نبع الهوى.. ماذا كانت نهاية هذا الانسان؟

كانت نهايتهُ كبدايته، عندما خلقهُ الله وفطرهُ على حُبِّ الخير.

أصبح لدينا الآن إنسانٌ يُغلب العقل على الهوى، ويُقدّم الآخرة على الدنيا فتظهر عليه الفضائل ولا تُشاهد على سلوكه الرذائل،.. وهذا هو المتقي الذي يعدّه الاسلام مِن خلال منهاجه التربوي القيم الذي ساهم في إعداده القرآن الكريم من ناحية والسُنّة النبوية وكلمات الأئمة المعصومين مِن ناحية أخرى.

هذا هو الانسان الذي يجب أن يعرفه مَن يُريد قيادته وتوجيهه، وهذا هو الانسان الذي تقوم الادارة على أكتافه، فإذا حدث تقدمٌ فمنشأه هو الانسان نفسه، وإذا حدث تراجع فسببه هو أيضاً. فالادارة التي يؤسسها أميرالمؤمنين (عليه السلام) هي التي تقوم على سُلّم عبقرية هذا الانسان الصاعد نحو سلم الحياة بإمكاناته وكفاءاته.
التقوى ... 0006[1].gifالتقوى ... 0006[1].gif