الَشبَاب ومُشكـِلـة الإختلاَط

مر بكم إخواني الشباب أن الأنسان إجتماعي بطبعه , بغريزته أن يعيش , وتدعوه فطرته الى الأبتعاد عن المكان الموحش , بل هو يستوحش من الظلمة لأنه لايرى أحداً الى جانبه . ومتى ماعاش في مجتمع يختلط مع أفراده , ويبادلهم مشاعره , أطمأنت نفسه وسكن روعه . هذه هي طبيعة الأنسان التي لا يستطيع الخروج عنها والتمرد عليها .
والإختلاط بين الناس حددته الشريعة الإسلامية ضمن ضوابط معينة , إن راعيناها كان إختلاطنا وتمازجنا مع بعضنا الآخر مشروعاً ومستساغاً ووفق مساراته الصحيحة .
رُوي عن أم سلمة (رض) أنها قالت : كنت عند رسول الله (ص) وعنده ميمونة , فأقبل أبن أم مكتوم ــ وكان أعمى ــ وذلك بعد أن أمر (ص) بالحجاب , فقال : إحتجبا : فقلنا : يار سول الله أليس أعمى لا يبصرنا ؟ قال : أفعمياوان أنتما , ألستما تبصرانه ؟
ورُوي عن بعض فقهائنا : كراهة إختلاط النساء بالرجال إلا للعجائز , ولهن حضور الجمعة والجماعات .
ولنأخذ أمثلة من الإختلاط :

1 ــ الدخول الى بيوت الآخرين :
قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لاتدخلوا بُيوتاً غير بيوتِكم حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها )) (1) .
ومعنى ( تستأنسوا ) : تستأذنوا ممن يملك الإذن . هذه الآية الكريمة جاءت لتضع أقدامنا على المسار الصحيح في بناء العلاقات الإجتماعية الصحيحة , وتعطينا شيئاً من آداب الزيارة التي تبدأ بالإستئذان ثم السلام , وإلا فإن أقتحام البيوت أو غرف الطلاب في القسم الداخي أو قاعة الدروس أو الإدارات , أو غرفة الطبيب أمر مستهجن ويُنتقد عليه الإنسان إذا فعله , حتى إذا كانت الغرفة غرفة الوالدين أو الأخت أوالأخ , أو إذا كان البيت أحد بيوت الأقارب والأرحام فضلاً عن بيوت الغرباء .
2 ــ المصافحة :
لقد حثت الأخبار على المصافحة بوجه عام , ويُستفاد من مجموعها إستحبابها , وترتب الأجر الجزيل عليها , بل في بعضها ان المصافحة من كفارات الذنوب . والمصافحة ــ كما عرفتم ــ من آداب التحية في الإسلام .
ورد عن الإمام علي (ع) أنه قال : (( ما صافح رسول الله (ص) أحد قط فزع يده من يده , حتى يكون هو الذي ينزع يده )) (2) . قال رسول الله (ص) في جملةٍ من مناهيه : ( من صافح إمرأة تحرم عليه فقد باء بسخط الله عز وجل , ومن إلتزم أمرأة حراماً قُرن في سلسلة من نار مع الشيطان فُيقذفان في النار ) (3) .
وقال (ص) أيضاً : ( إذا ألتقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح , وإذا تفرقتم فتفرقوا بالإستغفار ) (4) .
وقال (ص) أيضاً : ( إذا لقي أحدكم أخاه فليُسلم عليه وليصافحه , فإن الله ــ عز وجل ــ أكرم بذلك الملائكة , فأصنعوا صنع الملائكة ) (5) .
وقال الأمام الصادق (ع) : ( مصافحة المؤمن بألف حسنة ) (6) .
وكل ماتقدم يشمل مصافحة الرجال للرجال , والنساء للنساء , ومصافحة الرجال للنساء مالم يستلزم فعل المحرم , فلو صافح الرجل إحدى محارمه أو زوجته , أو صافحت المرأة زوجها , أو أحد محارمها , كانت المصافحة مشمولة بالثواب والأجر .
إخواني الشباب :
قد تسألون ماهي المحارم ؟ وإليكم الجواب :
المحارم جمع محرم , يوصف به الرجل أو والمرأة إذا حرُم بينهما الزواج بسبب النسب أو الرضاعة أو المصاهرة , حرمة دائمية كالأم النسبية , والام من الرضاع , وأم الزوجة . أما ما تسببه المصاهرة من حرمة مؤقتة كما في أخت الزوجة فليست من المحارم . وعليه فلا يجوز للرجل أن يصافح أخت زوجته وكذلك لا تجوز مصافحته زوجة عمه ولا زوجة خاله .
وقد نصت الآية (23) من سورة النساء على المحارم النسبية والسببية فراجعوها .
ولو لبس الرجل قفازاً أو المرأة لبست قفازاً أو كلاهما جازت هنا مصافحة غير المحارم , لعدم المماسة بينهما .
ولا يجوز للرجل أن يضغط على يد المرأة أثناء البقصد سيء سواء أكانت المصافحة مع محارمه بدون قفاز أو بقفاز أو مع غير محارمه .
روى سماعة بن مهران قال : سألت أبي عبد الله (ص) عن مصافحة الرجل المرأة . قال : ( لايحل للرجل أن يصافح المرأة إلا إمرأة يحرم عليه أن يتزوجها : أخت أو بنت أو عمة أو خالة , أو بنت أخت أو نحوها . وأما المراة التي يحل أن يتزوجها فلا يصافحها إلامن وراء الثوب ولا يغمز كفها ) (7) .
والمعانقة هي من آداب اللقاء وتمام التسليم عند لقاء المسافر أو المقيم وإن أختصت بالأول . ولكن الإخبار الواردة في الحث على المعانقة وبيان فضلها وآثارها قد خصتها بالمؤمن .
وماتقدم يُوقظ كل من كان في غفلةٍ عن المصافحة مع غير محارمه .
يقول أحد إخواننا المبلغين كنت في إحدى الدول مبلغاً , وبعد إكمالي صلاة الجماعة رأيت مجموعة من الشباب يصافحون شابة مثلهم ويقولون لها تقبل الله , فسألتهم على إنفراد : هل هذه أُختكم ؟ فقالوا له , هي صديقتنا تحضر معنا صلاة الجماعة , فوعظتهم ببيان حرمة المصافحة في مثل هذه المورد وقلت لهم : لا تعتبروا ذلك حطاً لمنزلة المرأة ولا إستصغاراً لقدرها أبداً , ولكن إكراماً لها لأن جسدها محرم على الأجانب ولا يحل لمسه إلا بعقد مبني على الإيجاب والقبول وهذا عين الرفعة لها .
سأل أبو بصير أبا عبد الله الصادق (ع) هل يُصافح الرجل المرأة ليست بذي محرم ؟ قال : ( لا إلا من وراء الثوب ) (8) .
واليوم نجد من الشباب الذكور من لايتحرج من مصافحة البنات , مع أن هذا حرام والإصرار عليه كبيرة يُحاسب الله عليها عباده . ولا نعتقد أن مثل هذه الأمور بقيت خافية على أحد .
3 ــ التقبيل:
التقبيل ممدوح في أثناء السلام ورد التحية وهو على كل حال خلق مرضي , وله دواع متعددة , فهو يعبر عن الحب كتقبيل الوالدين لأبنا ئهما , أو تقبيل أحد الزوجين للآخر , ويعبر عن الإحترام كتقبيل الولد لأبويه , والتلميذ لأستاذه , وقد يُعبر التقبيل عن التبرك والقرب من الله سبحانه كتقبيل الحجر الأسود في الكعبة المشرفة أو تقبي ل المصحف الشريف .
وقد ورد الحث على تقبيل الأبناء حباً لهم وحناناً , وروي أن له ثوباً عظمياً . وقيل يا رسول الله (ص) رأى يقبل أحد ولديه , ويترك الآخر . فقال له (ص) : ( هلا ساويت بينهما ) (9) .
ولكن التقبيل ليس جائزاً في كل الموارد . فتقبيل الغلام أو إحدى المحارم لشهوة حرام فضلاً عن تقبيل غير المحارم بشهوة أو بعدمها .
4 ــ الخضوع بالقول :
قال تعالى : (( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان أتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضٌ وقلن قولاً معروفاً )) (10) .
هذه الآية الكريمة وإن جاءت في سياق وصايا لايد منها لنساء النبي (ص) بإعتبارهن قدوة النساء والمثل الأعلى لهن , إلا أن المورد ــ كما يقال ــ لا يخصص الوارد . فالآية تخاطب نساء رسول الله (ص) وهن عنوان كبير لكل النساء . وبعد أن قالت : ( لستن كأحد من النساء ) في الفضل ( إن أتقيتن ) معصية الله ورسوله , : قالت : ( فلا تخضعن بالقول ) أي لا تُلِنَ القول ولا ترَققَنه للرجال مثل ما تفعل المربيات , لكي لا يطمع بكن من في قلبه ريبة أو فجور ( وقلن قولاً معروفاً ) (11) أي حسناً بعيداً عن الريبة غير لين .
إن الله سبحانه هو خالق البشر رجالاً ونساء وهو أعرف بميولهم ورغباتهم. فربما يكون صوت المرأة وحده مثيراً لشهوة الرجل بدون ترقيق , فإذا كان مرققاً ليناً فإنه سيوقع الرجال في حبائل الشيطان , وتستحق المرأة على عملها هذا عقاب الله تعالى مالم تتب توبة نصوحاً . ونحن نسمع عن بعض النساء في هذا الوقت يتحدثن عبر الهاتف مع الإغيار الاجانب حديثاً مرققاً , الهدف منه إحتذاب الشخص المقابل لهن على الهاتف . وهذا عين الحرام . والأولى للمرأة أن ترد بكلمات موجزة مفهمة مختصرة ولاتطيل الحديث مع الرجال غير المحارم . وربما قام بهذا العمل الرجل نفسه فأطال الحديث متعمداً للتلذذ بصوت المرأة وهو حرام أيضاً للنهي الوارد في هذا المجال .
نهى رسول الله (ص) أن تتكلم المرأة عند غير زوجها وعند غير ذي محرم عليها , أكثر من خمس كلمات مما لابد لها منه .
وعن الرضا (ع) : ( كان أمير المؤمنين (ع) يسلم على النساء , وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن . وقال أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل قلبي من الأثم أكثر مما أطلب من الأجر ) (12) .
إن الهواتف وجدت لقضاء حوائج المجتمع الضرورية مختصرة المسافات والزمن . ولم توجد لبناء جسور من العلاقة المريضة مبنية على أسس من الحرام , إن الإسلام وضع خطوطاً حمراء في هذا الطريق لأنه يعلم كون الرجل والمرأة بلا قيد وشرط يعني شيئاً لا تحمد عقباه . وإن تجاوز تلك الخطوط يعني الوقوع في المحظور الذي يخشاه الدين على أبناءه .
5 ــ نظر الريبة :
غالباً ما ينتج عن الإختلاط بين الجنسين نظر الريبة , أي النظرة المهيجة لكلا الجنسين أو لأحدهما . فنظر الرجل الى المرأة تلذذاً بمفاتنها ومحاسنها حرام , وكذلك نظر المرأة الى الرجل نظرة من هذا النوع .
قال تعالى : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم )) (13) ثم قال : (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن )) (14) .
ففي الآية الأولى ورد النهي للرجال المؤمنين عن النظر الى ما يكون حراماً عليهم .
وفي الآية الثانية ورد نهي النساء المؤمنات عن النظر الى ما لا يحل لهن نظره . كل ذلك صيانة للأنسان من الوقوع في ذنب يتحق عليه العقاب , فأي لطف هذا منه سبحانه بعباده ؟
وعن الإمام الباقر (ع) قال : إستقبل شابٌ من الأنصار إمرأة في المدينة , وكانت النساء يتقنعن خلف آذانهن , فنظر إليها وهي مقبلة , فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها , وأعترض وجهه عظم أو زجاجة في الحائط فشق وجهه . فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على وجهه وصدره . فقال : والله لآتين رسول الله (ص) ولأخبرنه فلما رآه رسول الله (ص) قال له : ما هذا ؟ فأخبره , فهبط جبرائيل بهذه الآية (( قل للمؤمنين يغضوا نم أبصارهم )) (15) .
قال الأمام الصدق (ع) : (( النظر سهم من سهام إبليس , وكم من نظرةٍ أورثت حسرةً كبيرةً )) (16) .
وعن الإمام الباقر (ع) أنه قال : ( ما من أحد إلا وهو يصيب حظاً من الزنا , فزناء العين النظر , وزناء الفم القبلة , وزناء اليد اللمس ( (17) .
ورُوي أيضاً : ( من ملأ عينيه من إمراةٍ حراماً حشاهما الله يوم القيامة بمسامير من نار , وحشاهما ناراً حتى يقضي بين الناس , ثم يأمر به الى النار ) (18) .
وعن النبي (ص) : ( إشتد غضب الله على إمرأةٍ ذات بعل ملأت عينها غير زوجها وغير محرم منها , فإنها إن فعلت ذلك أحبط الله عز وجل كل أعمالها )(19) .
ورُوي عن بعض فقهائنا : الأعمى كالبصير في حرمة نظر المرأة إليه .
وفي قصة موسى (ع) مع بنت النبي شعيب (ع) موعظة أخرى . قال تعالى : (( قالت إحداهما يا أبت إستأجره إن خير من أستأجرت القوي الأمين )) (20) . فقال لهما شعيب : أما قوته فقد عرفتيه بإن يستقي الدلو وحده , فبم عرفتِ أمانته ؟ فقالت : أنه لما قال لي تأخري عني , ودليني على الطرق , فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء , عرفت أنه ليس من الذين ينظرون أعجاز النساء فهذه أمانته .
ورُبَ نظرة قادت الى فعل منكرٍ أو جريمة نكراء .
قال شاعرَُ :
نظرةٌ فإبتسامةٌ فموعدٌ فلقاءُ
ويؤكد علماؤنا أن الإختلاط بين الجنسين إذا كان لا يؤمن فيه من الوقوع في الحرام فهو غير جائز . ولذا ندعوا جميع الفتيات الى إرتداء الحجاب الشرعي حتى لا يتسببن في إيقاع الشباب بمحرم , كما ندعو جميع الشباب الى التعفف وصدق الإيمان في مثل هذه المجالات وغيرها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النور : 27
(2) وسائل الشيعة : 12 / 143 .
(3) من لايحضره الفقيه : 4 / 14 .
(4) وسائل الشيعة : 12 / 220 .
(5) بحار الأنوار : 73 / 28 .
(6) وسائل الشيعة : 12 / 223 .
(7) فقه الصادق (ع) : 21 / 120 .
(8) فقه الصادق (ع) : 21 / 120 .
(9) مكارم الأخلاق : 220 .
(10) الأحزاب : 32 .
(11) الأحزاب : 32 .
(12) من لايحضره الفقيه : 3 / 469 .
(13) النور : 30 .
(14) النور : 31 .
(15) النور : 30 .
(16) مصباح الفقاهة : 1 / 214 .
(17) وسائل الشيعة : 20 / 191 .
(18) وسائل الشيعة : 20 / 195 .
(19) ميزان الحكمة : 2 / 1597 .
(20) القصص : 26 .