لا صنمية في علم التاريخ والنسب
بقلم / مجاهد منعثر منشد
النسابة والمؤرخ ليس بمنأى عن الزلل والخطأ؛ فهما لا يمتلكان العصمة . إن النسابة لم يصبح نسابا بالصدفة؛ ولكنه نتيجة تراكم معرفي من دراسة كتب علم النسب والاهتمام بحفظ أنساب الناس والذي سبقه حفظه لنسبه أولاً , ثم التقيد بقواعد العلم التي وضعها النسابون القدماء , فتولدت لديه الخبرة بهذا المجال بعد دراسته بعض العلوم الأخرى: كعلم المنطق وعلم الرجال والجغرافية وغيرها من العلوم التي يحتاجها في عمله .
إن هذه السطور توضح لنا عدم وجود جامعة أو معهد يمنحان النسابة شهادة علمية في اختصاصه تجعله يعمل وفقا لمنهج علمي مرسوم له , وبسبب فقدان تلك الميزة هو من يضع منهجه معتمدا على مصادر العلم وشهادة النسابين بأنه نسابة .
أما المؤرخ منْ أرخ (الإنسان والزمان) , فهناك المختص ومنهم غير ذلك , والأول من يحصل على شهادة أكاديمية (باكلوريوس تاريخ ) أو مرتبة علمية (ماجستير أو دكتوراه) وهؤلاء على الأغلب باحثون يعملون على أسس علمية ومنهج علمي واضح، يكشفون من خلاله الحقائق المغيبة ويقدمون الآراء الصحيحة , والثاني صنفان :
(أ): مؤرخ يحمل اختصاص اللغة العربية أو القانون وغيرهما , لكنه درس منهج علم التاريخ , ثم مارس مهمة كتابة التاريخ بأسلوب التدوين دون تحقيق.
(ب): مؤرخ ناقل غير دارس يكتب كل ما كتب في المصادر القديمة دون بحث أو تحقيق أو تحليل , وبعض الأحيان يبخس جهود الباحثين بعدم الإشارة إلى المصادر التي استقى منها معلوماته .
إن القسمين الأول والثاني والصنف (أ) تتوفر لديهم ملكة النقد ... فلا يقبلون كل كلام ولا يصدقون كل وثيقة أو مصدر بغير الدرس والتمحيص والاستقراء فيأخذون الصدق أو ما قارب الحقيقة .
أما الصنف (ب) فيصدق كل ما سمعه ووجده في المصادر القديمة وينقله حرفيا , وهذا دون أدنى شك يؤثر سلباً على علم النسب , فهو من يخلق الصنمية للكتاب ومؤلفه , إذ يبتعد عن ذكر مصدر كلامه يريد أن يكون تمثالاً جديداً , وكأنه أول من كتب , إلا أن النقاد في حل عنه , فلو سأله أحدهم ما هي معطياتك ؟ ماذا سيكون رده؟
والحقيقة عند العقول الحرة التي تريد التوصل للحقائق دون رتوش ومجاملات لا سيما في علم النسب , لا صنمية لكتاب . لأننا نبحث عن كشف الحقائق المغيبة وتصحيح الأخطاء التي وقع فيها المؤرخون القدماء في ذكر أنساب الناس , ونحرر أنفسنا من الميل والتحيز والهوى, ونرتقي للذوق الرفيع ونكون أصحاب إحساس وعاطفه ونسامح بالقدر الذي يتيح لنا إدراك آراء الغير ونوازع الآخرين, و نحس بما جاش بصدورهم من مواقف ونفهم دوافع المؤرخ الذي نسب فئة لغير أبيها , والله المستعان .