-
الْحِلْفُ لَا يَعْنِي الْاِنْتِسَابُ
الْحِلْفُ لَا يَعْنِي الْاِنْتِسَابُ
بِقَلَمِ / مُجَاهِدَ منعثر مُنْشِدٌ
إِنَّ هَذَا الْمَوْضُوعِ يَبْلُغُ مِنَ الْأهَمِّيَّةِ الدَّرَجَاتِ الْقُصْوَى, وَأَوَدُّ فِي الْبِدَايَةِ التَّنْوِيهَ إِلَى أَنَّ تَضَارُبَ الْأَقْوَالِ بِشَأْنِ نَسَبِ الْكَثِيرِ مِنَ الْعَشَائِرِ سَبَّبَهُ ضَيَاعُ الْكَثِيرِ مِمَّا كُتُبِهِ الْأقْدَمُونَ عَنِ الْأَنْسَابِ وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ فِيهَا وَمِنْهُمِ الْأُسْتَاذَ الْمَحَامِّيَّ / عَبَّاسَ الْعَزَّاوِيِّ، فَبِالرَّغْمِ مِنْ جُهُودِهِ الْكَبِيرَةِ فِي كِتَابَةِ عَشَائِرِ الْعِرَاقِ وَالَّذِي يَعْتَبِرُ أَوَّلَ كِتَابِ تَنَاوُلِ الْعَشَائِرِ الْعِرَاقِيَّةِ بَعْدَ حُقْبِ تَارِيخِيَّةِ مُظْلِمَةِ, إِلَّا أَنَّهُ وَقْعٌ فِي أَخْطَاءِ جَسِيمَةِ ؛ فَخَلَطَ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْحِلْفِ فَتَوِّهِمْ نَسَّابُو الْوَقْتِ الْمُعَاصِرِ بِكَلَاَمِهِ وَأَخَذُوا عَلَى عَاتِقِهِمْ تَأْكِيدَ كَلَاَمِهِ وَالنَّقْلِ عَنْهُ بِدُونِ تَحْقِيقٍ.
إِنَّ التَّحَالُفَ ظَاهِرَةُ قَدِيمَةُ قَدَمِ العصور التَّارِيخِيَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرَةُ حَتْمِيَّةُ تَفْرِضُهَا الظُّروفُ عَلَى فَرْدٍ أَوْ مَجْمُوعَةُ أَشْخَاصِ ؛ مِمَّا يَدْعُو الطَّرَفَيْنِ لِلْاِتِّفَاقِ, لِذَا يَقُولُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: وَالْحِلْفُ بِالْكَسْرِ: الْعَهْدُ يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ، وَقَدْ حَالَفَهُ أَيُّ عَاهِدِهِ، وَتُحَالِفُوا أَيَّ تُعَاهِدُوا. وَعَنْدَمَا يُقَالُ تَحَالَفَ الْفَرِيقَانِ: أَيَّ تَعَاهَدَا فِيمَا بَيْنَهُمَا، اِتَّحَدَا، صَارَ بَيْنَهُمَا حِلْفٌ.
وَ الْحِلْفُ: الْمُعَاهَدَةُ عَلَى التَّعَاضُدِ والتَّساعدِ وَالْاِتِّفَاقَ، وَالْجَمْعَ: أَحْلَافٌ, فَكَانَ الْعُرْبُ يُطْلِقُونَ مُصْطَلَحَ( الْأَحْلَافَ) عَلَى سِتَّةِ بُطونٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَهِي: عَبْدُ الدَّارِ، وَكَعَبٍّ، وَجَمَحَ، وَسَهْمٌ، ومخزوم، وَعِدِّيٌّ، كَمَا أَطْلَقَ أَيْضًا مُصْطَلَحُ( الْأَحْلَافَ) عَلَى قَوْمٍ مِنْ ثقيف.وَغَيْرَهُمْ أَيْضًا وَمُعَنَّى الْحِلْفِ حَسْبُ مَا كُتُبِهِ النَّسَّابُونَ : هُوَ أَنْظِمَةٌ وَعُهُودُ اِجْتِمَاعِيَّةُ وَسِيَاسِيَّةُ تَجَمُّعِ بَيْنَ عَشِيرَتَيْنِ، أَوْ قَبِيلَتَيْنِ فَأَكْثَرِ يَلْتَزِمُونَ فِيهَا بَيْنَهُمْ عَلَى التَّعَاضُدِ وَالتَّنَاصُرِ وَالْحِمَايَةِ.
إِنَّ مَا يُهْمِنَا فِي هَذَا الْمَقَالِ هُوَ الْحِلْفُ الدَّائِمُ وَلَيْسَ المؤقت, وَلَكِنَّ كِلَاهُمَا سَوَاءً كَانَ حِلْفَا كَقَبَائِلِ أَوْ عَشَائِرُ أَوْ أَفْخَاذٌ أَوْ أُسْرَةٌ أَوْ شَخْصٌ لَا يَجْتَمِعُونَ بِالنَّسَبِ بِالْجِدِّ الْوَاحِدِ.
وَانَمَا كَانَتْ هُنَاكَ أَسْبَابِ مُعَيَّنَةِ دَعَتِهِمْ لِهَذَا الْحِلْفِ كَاِجْتِمَاعِهِمْ وَتُجَاوِرُهُمْ فِي بُقْعَةِ وَاحِدَةِ, أَوْ تَجَمُّعُهُمْ مُصَلِّحَةُ مُشْتَرَكَةُ, أَوْ بِسَبَبِ قِلَّةٍ وَضِعْفِ الْعَشِيرَةِ أَوِ الْأُسْرَةُ, أَوْ عِنْدَ قِيَامِ حَرْبٍ أَوْ حَادِثُ قَتْلٍ قَدْ يضطرأحد التَّكْوينَاتِ السَّابِقَةِ إِلَى التَّعَاضُدِ وَاِلْتَقُوي بِعَشَائِرِ أُخْرَى خُصُوصَا إِذَا كَانَتْ هَزِيمَةُ كَبِيرَةُ ؛ فَرَحَلَتِ الْقَبِيلَةُ وَالْعَشِيرَةُ وَبَقَّى مِنْهُمْ بَقِيَّةَ ضَعِيفَةَ تَحْتَاجُ إِلَى الْاِحْتِمَاءِ فَتَدَخُّلٍ فِي الْقَبِيلَةِ الْقُوِّيَّةِ صَاحِبَةَ الْاِنْتِصَارِ, أَوِ الدُّخُولُ خَوْفًا مِنْ سَطْوَتِهَا وَإغَارَتِهَا, فَتَنْضَمُّ تَحْتَ لوائها وَتَأْتَمِرُ بِإِمْرَتِهَا لِكَفِّ ضَرَرِهَا عَلَيْهُمْ, فَيَقُولُ الْبَكْرِيُّ( فَلَمَّا رَأَتِ الْقَبَائِلَ مَا وَقَعَ بَيْنَهَا مِنَ الْاِخْتِلَاَفِ وَالْفِرْقَةِ، وَتَنَافُسَ النَّاسِ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ، وَاِلْتِمَاسَهُمِ المعيش فِي الْمُتَّسَعِ، وَغُلْبَةَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْبِلَادِ وَالْمَعَاشِ، واستضعاف الْقُوِّيَّ الضَّعِيفَ، اِنْضَمَّ الذَّليلُ مِنْهُمْ إِلَى الْعَزِيزِ، وَحَالَفَ الْقَلِيلُ مِنْهُمِ الْكَثِيرَ، وَتَبَايُنَ الْقَوْمِ فِي دَيَّارِهِمْ وَمِحَالِهِمْ، وَاِنْتَشَرَ كُلُّ قَوْمٍ فِيمَا يَلِيهُمْ).
أَنَّ الْأَسْبَابَ لَا تَعَدٍّ وَلَا تُحْصَى لِلْحِلْفِ الْقِبَلِيِّ أَوِ الْعَشَائِرِيُّ, واستقصاؤها يَحْتَاجُ إِلَى دِرَاسَةِ خَاصَّةِ مُسْتَفِيضَةِ تَقَدُّمٍ فِيهَا الْأَمْثَلَةَ مِنْ أيَّامِ الْعُرْبِ. وَلَكِنَّ الْمُهِمَّ عَلِمَنَا بِأَنَّ ظَاهِرَةَ الْحِلْفِ وَالْأَحْلَافِ قَدِيمَةَ جِدًّا وَحَدَثَتْ مَعَ مُعْظَمِ الْقَبَائِلِ فَاِنْضَمَّتْ إِلَيْهَا مُكَوِّنَاتٍ صَغِيرَةٍ.
وَيَنْحَصِرُ الْاِبْتِلَاَءُ بِمَسْأَلَةِ الْاِنْتِسَابِ كَمَا هُوَ وَاقِعٌ فِي الْعِرَاقِ وَلَحْدِ هَذِهِ اللَّحْظَةِ لَا تَجِدْ رَابِطَةً أَوْ جَمْعِيَّةُ نِسْبِيَّةٍ وَمَا شَابِّهِ مِنَ الْعَنَاوِينِ يَسْتَطِيعُونَ التَّصَدِّي لِهَذَا الْمَوْضُوعِ بِشَكْلِ تَحْقِيقِ مَنْصَفٍ وَمُحَايِدٍ يَخْلُو مِنَ الْمُجَامَلَاتِ وَالْعَلَاَّقَاتِ وَاِسْتِغْلَاَلِ السُّلْطَةِ عَلَى حِسَابِ الشَّرَعِ، وَأهَمِّيَّةَ مَعْرِفَةِ الْاِنْتِسَابِ إِلَى الآب. وَبِدُونِ أَدْنَى شَكِّ مَنْ يَقُومُونَ بِالتَّلَاعُبِ بِأَنْسَابِ النَّاسِ تَشْمُلُهُمِ اللَّعْنَةُ كَمَا تَشْمُلُ مَنْ أَنْتَسِبُ لِغَيْرِ أَبِيهِ, وَلَا مِحَالٌ سَيُسْدِلُ عَلَيْهُمِ السِّتَارَ فِي يَوْمٍ مِنَ الآيام وَتَظْهَرُ الْحَقَائِقُ، حِينَهَا لَا يَنْفَعُهُمْ تَزْوِيرُهُمْ وَزَيْفُ أَقْوَالِهِمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى
المفضلات