شبكة عراق الخير
النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: رؤية نقدية للمجموعة القصصية الدبلة والمحبس بقلم الكاتب الأستاذ /سمير الفيل

Share/Bookmark

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1

    افتراضي رؤية نقدية للمجموعة القصصية الدبلة والمحبس بقلم الكاتب الأستاذ /سمير الفيل

    رؤية نقدية للمجموعة القصصية الدبلة والمحبس
    بقلم الكاتب الأستاذ /سمير الفيل
    الدبلة والمحبس نصوص قصصية تعري بعض سلوكيات مجتمع يخفي أوجاع ناسه!
    قصص من قلب الحياة مليئة بالتفاصيل، والتحولات، والأحلام المؤجلة، تقدمها لنا قاصة موهوبة هي شاهيناز الفقي. كاتبة لديها حدس فني أصيل، ومقدرة على تطويع اللغة والتعامل معها بمهارة واحتراف.
    يمكنني القول إن كاتبة تجيد التقاط أدق الخفايا في حياة الأسرة المصرية، لهي فنانة مجيدة،
    وتمتلك الكثير من الأدوات الفنية التي توظفها لخدمة هدف فني ما، يتمثل في تقديم خريطة اجتماعية، تاريخية لأحوال الطبقة المتوسطة التي تم تهميشها خلال الثلاثين سنة الأخيرة، لكنها تقاتل باستماته كي تحافظ على وجودها وبقاء سلالتها في زمن قد نصفه بالعدمية، أوالتشيؤ، وربما مسحة من عبث الوجود.
    في مجموعة "الدبلة والمحبس" محاولة لالتقاط اللحظات الإنسانية في معترك حياة صاخبة، مشحونة بالقلاقل والانحدار وقلة القيمة.
    تتمكن شاهيناز الفقي من رصد العلاقات الإنسانية بقدر من التفهم، والتعاطف مع أبطالها، في محاولتهم العيش في أطر ضيقة ومقبضة.
    تحاول النصوص أن تستعيد شيئًا من الفرح والبهجة، وربما منح الحياة العابسة قدرًا من المعنى، خاصة وأن تلك الحياة قد تحمل كثيرًا من التناقضات والانكسارات التي تصاحب الحياة والعيش في دائرة من القلق والارتباك، وانعدام الطمأنينة.
    لذلك يمكننا الزعم بأن هذه النصوص تدفعنا لأخذ نفس طويل بعد قراءة كل نص لنقول لأنفسنا: ما المانع أن نحاول من جديد، فالصمت والترقب بلا عمل يعني الموت. لذلك نقول إنها نصوص للحياة.
    -في "الجدار الفاصل"، تدير الكاتبة صراعًا مكتومًا بين "رزق" المسلم و"حنا" المسيحي، فهما يتقاسمان حجرة وحيدة، وبينهما جدار. الغيرة تنهش قلب "حنا" بعد أن تحاول "صفية" الإيحاء له بأن رزق يتجسس عليها من شرخ في الجدار. من خلال حوار مقتصد وموجز، يكتشف "حنا" براءة صديقه، فيبقى على الصداقة بينهما بعد أن تفهم موقف" صفية" التي تريد التوسع في الحجرة دون شريك.
    (الجدار الفاصل ص13)
    تتميز هذه القصة بالاقتصاد في اللغة، وبكشف عوالم الصعايدة الفقراء الذين يعملون في مهن دنيا، دون أن تغادر قلوبهم تلك المسحة من نقاء وصدق وجدعنة.
    -في "اللقاء الثاني"، نرى بطلة القصة التي تعرضت شقتها للانهيار، بعد أن قام جارهم بهدم أحد الجدران. في رحلة البحث عن شقة بديلة، نلتقي بالسمسار فرحات وجشعه، نتفاعل مع رجل الاعمال الذي يريد تأجير شقة أمه، حتى لا تغلق.
    (إنه نفس حبيبها القديم الذي سافر إلى الخارج وأصبح ثريًا).
    تنجح الكاتبة في أن تصف الصراع الذي يدور في عقل ووجدان الزوجة، وهي تشعر بأن
    " للحب ذبذبات تعيد للزمن بريقه، وتهب الشباب سحرًا وتمنح للأيام رونقا". تنتشل ذاتها من خضم تلك الأفكار وتنحاز إلى العشرة الطيبة، رغم صلعة زوجها "محمود"، وكرشه المتدلي، وعصبيته الزائدة.
    أنت قد تجد في النص ذلك الوازع الأخلاقي الذي يحكم سلوك الطبقة المتوسطة في مصر، لكنه والحقيقة تقال نزوع فطري ينشد النقاء والطهر.
    سأشير فقط أن هناك مقدمة لا نحتاج اليها وهي العبارات التي تبدأ من" نتحسر على الماضي طوال الوقت" وتنتهي بعبارة "دعوني اروي لكم قصتي" فهنا نشعر بإطلالة راس الكاتبة
    (ص 20).
    في قصة "طارق عيد السلفندي" والتي اعتبرها نصًا ساخرًا مكتوب بعناية وبلماحية، وبشكل أقرب إلى السرد العبثي الذي يتعامل مع حقائق الحياة بلمسة لاذعة، وأسلوب تهكمي بالغ الثراء.
    فالراوي يتضرر من "طارق عيد السلفندي"، وهو معلم في الخمسين-أقصد الراوي- ويتأكد أن السلفندي شخص ودود ولطيف للغاية، والطلاب يحبونه، مثلما كانوا يحبون الأستاذ "على السفطي" قبل وفاته سقوطًا من شرفة منزله.
    يشعر الراوي بالأزمة بعد أن قبلت الأستاذة ابتهال الاقتران بالسلفندي. لا يستسلم غريمه لما يكنه له من كراهية، فيزوره في بيته، ويضع في جيبه خمسين جنيهًا ولا يعطيه فرصة للرفض.
    يتزايد مقت الراوي للسلفندي، الذي يرقى في سلم التعليم، وتهاجمه الكوابيس وأخيرًا يفكر في حل، فيزوره في شقته، ويشرب معه الشاي، ويشعر بدوار، فيترنح ويدفعه ليسقط من الشرفة. ص32
    الدفعة هنا معنوية، فهو ينتقم من الرجل لطيبته وسمو أخلاقه. قد نستغرب هذه العلاقة، لكن المثير فيها أن تقدم لنا نصًا غير مطروق، وأسلوب في الأداء يتسم بالخصوصية، وهو أمر نادر في مسيرة القصة القصيرة المصرية.
    فقد حول الراوي بغضه ورفضه للابتسامة الزائفة إلى فعل واقعي، يمكن قبوله على أرض الواقع.
    غير أن تأمل حالة "السلفندي" تجبرنا على أن نتعاطف بكل تأكيد مع الراوي الذي يطارده شبح الراحل، فيخيل إليه أنه يقف خلفه في طابور الخزينة. كل منا يريد أن ينفلت من تلك الشخصيات المطموسة الهوية التي تلاحقنا بغموضها ولا معناها في مسيرة الحياة.
    في قصة (الدبلة والمحبس) والتي تحمل عنوان المجموعة الصادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع، سنة 2019
    تعالج الكاتبة فكرة "وضعية المرأة في مجتمعنا المصري". فالكل يعاملها معاملة سيئة، ويقبل الارملة ويشفق عليها، ويقبل العانس وقد يتندر عليها ويطلق عليها النكات اما "المطلقة" فمجرد ذكرها يسيل اللعاب.
    لذلك حرصت "أماني" على لبس الدبلة والمحبس، لكي تخفي عن الفضوليين مشكلة طلاقها، وبذلك لا تمنح فرصة للنيل منها.
    الجديد في الأمر أن زميلًا جديدًا يلتحق بالعمل، اسمه" أمل" –لاحظ دلالة الاسم- وتنشأ علاقة حب بين الطرفين، وتعد له مفاجأة، حين تخلع لأول مرة "الدبلة والمحبس" كمفاجأة سعيدة، غير أنه يتنكر لها ويصارحها أنها قد خدعته.
    الكاتبة تعالج هنا مشاكل عصرية، بقدر من الوضوح والإبانة، وهي تنحاز إلى المرأة في محنتها، وفي نفس الوقت تدين المجتمع الذي يهتم بالمظاهر.
    وكم كان موحيًا، المعادل الموضوعي الذي استخدمته الكاتبة في الإعلان عن حقيقة روحها المتصحرة. فحين عودتها تمسك بالمزهرية، وتلقيها على المرآة، التي لم تنكسر، لكن من الواضح أن الشرخ الكبير، قد تكاثر لألف شرخ، وتؤكد الكاتبة على عوار المجتمع، المرائي، الذي يقبل بالعلاقات العاطفية السرية، ويستنكر المرأة حين تكون واضحة مع ذاتها ومع الأخر.
    وانا أرى أن أغلب نصوص شاهيناز الفقي، تحمل خطابات فكرية معلنة حول قضايا اجتماعية يثور حولها الجدل والانقسام.
    من صفات القاص الحقيقي ان يعالج قضايا كبرى من خلال تفصيلة صغيرة، ربما لا يلتفت إليها أحد. إنه قادر على أن يحول الشذرة البسيطة إلى كيان سردي متماسك.
    ذلك ما نجده في قصة (ست الحسن) فالراوية تتحسر على زمن مضى، كانت حديقتها مليئة بالجوري والياسمينة، التي تتدلى لتعانق شجرة الليمون قصيرة القامة.
    هي الآن في مواجهة "ست الحسن" تلك المتسلقة المستبدة، الخضراء ذات الرائحة النفاذة. تراها غريبة، وليست من الحسن في شيء.
    تربط وجودها بذلك الانفصال، والخرس الزوجي الذي ران على علاقتها بالرجل/الزوج.
    فقد أهداه أحد الأصدقاء النبتة، وقد استولت على اهتمامه، وبات يقضي معها جل وقته. وقد كانت الزوجة توقظه ب "الطبل البلدي" فأصبح يستيقظ من نومه في منتصف الليل للاطمئنان عليها.
    تعبر الزوجة عن استيائها، وعن شعورها بالعزلة عن العالم الخارجي، وأظن أن هذا الشعور سابق عن حضور "ست الحسن".
    وهي تصف توغل وتسلل النبتة وسيطرتها على حديقتها، حتى أنها تلتف على الأبواب والنوافذ والمقابض. بهذا السمت السردي، تنجح الكاتبة في رصد مشاعر النفور والإقصاء التي مارسها الزوج تجاهها.
    ونحن –كمتلقين أبرياء- ربما تعاطفنا مع الزوجة، وشاركناها في كوابيسها وأحلامها المزعجة، غير أننا نتعاطف أكثر مع حالة "الانقضاض" و"النكوص" الذي يرين على حياة الأسرة المصرية، وذلك الصمت المطبق على البيوت. تلك التي تكشفها هنا الكاتبة من خلال سردها المتماسك الرصين.
    تمضي الكاتبة في تتبع حالات القهر والإقصاء والموت المجاني في ربوع المحروسة. أراها تلتقط حالات إنسانية جد صغيرة، لتمرر من خلالها خطاباتها الناصعة التي تعالج من خلالها حالات بشرية تتسم بالانكسار واليتم وربما الدهس.
    في قصة "الثأر"، وكنت أتمنى أن تتخلى الكاتبة عن الألف واللام، لتمتد فتشمل كل حالات القتل المماثلة. نرى البطل ينجح في جمع كثيرًا من العملات المعدنية، مقدمًا إياها للرجل الذي يبيعه سلاحًا داخل مظروف أبيض -لاحظ هنا التناقض في دلالة الألوان فحالة القتل أي الموت يليق بها الأسود أي الحداد- يمضي الرجل في تنفيذ مهمته، فاليوم سينهي إحساسه بالتصاغر
    والغبن..
    سينجح في الثأر لكرامته ورجولته. وسيعلم أهل الحارة أنه مثلهم، لا يبتلع الإهانة.
    سوف يبدد هزيمته حين يخترق رصاص مسدسه الذي اشتراه حالًا لينفذ ثأره. وسوف ترتخي تلك اليد التي صفعته على صدغه أمام الجميع.
    حدثت واقعة الصفع منذ ثلاثة أشهر، ومن يومها، هو غير قادر على استرداد رجولته المهدرة.
    فيما هو مقدم على الولوج إلى "حارة المناكيد" -لاحظ دلالة الاسم- تدوي صوت فرامل سيارة حيث صدمته.
    يلتف الناس حول جثة "الرجل المجهول" ذي الجلباب المهترئ. يغطي أولاد الحلال وجهه بأوراق الجرائد. هنا، في هذا النص بالتحديد، يموت الرجل مرتين؛ مرة وهو يتلقى الصفعة على صدغه من المعلم صاحب المقهى، ومرة ثانية وعجلات السيارة تدهسه بلا رحمة.
    كأن شاهيناز الفقي تعالج فكرة القهر عبر "مرايا متجاورة" كل منها يرصد شيئًا من حياة فقراء، ومرضى، وبسطاء، قتلتهم الحياة، وقدرة بعض البشر على القتل المادي والمعنوي.
    تنتاب الكاتب لحظات، يحاول من خلالها أن يعبر عن المسكوت عنه، وهو يستعير حيوات أخرى رآها، أو لمسها أو تكشفت له من خلال استبصار صور من الواقع.
    في قصة "يوم الغسيل الأبيض" تخرج المرأة لنشر الغسيل في الشرفة. واضح من سرد الأحداث أنها تمر بمحنة ما، أو ظل انكسار. لذلك نراها تخرج إلى الشرفة بانحناءة ظهر متباطئة. تضع القميص الحريري الأبيض على الحبل المشدود، وتثبته بمشبكين بهت لونهما الأحمر. الصحيح أن مشاعرها وحياتها المكرورة قد بهتت تماما -هي الأخرى.
    يصل إلى سمعها همهمات تأتي من الحارة الضيقة. فتى وفتاة في سن غض، يتهامسان. يغافلها الفتى في قبلة أولى -ربما كانت هناك قبلات مختلسة سابقة- تتصنع الفتاة الغضب.
    في تلك اللحظة المفصلية، تتدخل المرأة صاحبة الغسيل تدخلًا غريبًا. إنها تلقي بماء الغسيل اللزج من الشرفة في غيظ مكتوم.
    تستغرب، فالفعل غير مبرر، غير أن كتابات شاهيناز الفقي في الغالب، تحمل خطابًا ما، قد يكون مضمرا هذه المرة، فالأرجح أن المرأة تعبر بشكل غير مباشر عن خيبة أملها في الزواج، أو أنها ترى أن العلاقة بين المرأة والرجل تحمل انكسارًا ما. لذلك، فإن إلقاء الماء بهذا الشكل أقرب ما يكون إلى احتجاج مبطن على شكل العلاقة المتشابكة مع خيبات كثيرة، ومناطق ظل تتسلل بهدوء وبطء ورتابة لتشمل حياة المرأة بالكثير من الانكسارات. هنا تجيد الكاتبة التقاط الخيط اللامع من ركام التفصيلات في حياة كل امرأة مصرية.
    السفر، ومعاناة الانتقال من بلدة إلى أخرى، من الموضوعات الشيقة التي عالجها النص. في حالتنا هناك لماحية لما تحويه الحياة من مكائد ومشاق، لا قبل لنا بها.
    الموت والحياة، متداخلان، والراوي في "مطار القاهرة الدولي" ص 107يكشف عن علاقته الوطيدة بمطار القاهرة، منذ كان طفلًا في منتصف السبعينات وحتى الأن.
    ودع الطفل أباه واسترعاه شكل الطائرة الضخمة، ثم زواج شقيقته "نجوى" وزغرودة الأم، أثناء توصيلها بفستان الزفاف، وحصول شقيقه "سعد" على عقد عمل في إحدى الدل العربية، وتجهيز الأم لحقيبة "الهاند باج". في قماشة السرد الواسعة، تسلل لمناطق خفية، تمارسها الأسرة المصرية، لا سيما الأم التي تعد الأطعمة، بينما تغالب دموعها، وتلك النظرة الباهتة التي تجرح القلب.
    يرصد الراوي مشاعر استقبال العائدين، حين تكون في البداية مليئة بالشجن، ثم عامًا بعد عام، يفتر الاستقبال وتتقلص المائدة وتندر الهدايا.
    يتزوج الراوي. وينجب، وبعد أعوام طويلة يقرر الأبناء الواحد تلو الاخر السفر للبحث عن حياة أفضل.
    بعد حصوله على مكافأة نهاية الخدمة، ووفاة زوجته، أصبح يخاف الوحدة: "لا أدري من أين أتاني شعور أن الموت بين الناس أخف وطأة من الموت وحدي" ص111
    يقرر أن يؤجر مسكنه، وأن ينام في سيارته في المطار، لأنه يشعر بالطمأنينة. يحدث تغير ما، حين يتغير الضابط الذي يعرف قصته. فيطرده من المكان.
    النهاية كانت طريفة، وأقرب إلى "المزحة" فهو لكيلا يثير الشكوك حوله، يقترب من أحد السياح ويقرر نقله بالمجان، غير أن الحظ كان معاندًا. فالهدف هو "شرم الشيخ" نهاية أراها غير متسقة مع جدية السرد في هذا العمل القوي في بنيته وتشكيلاته الفنية.
    في حياتنا اليومية، كثير من المقولات الشعبية التي تجعلنا نتشكك في الأخرين أو قد ننفر منهم.، ونبتعد عنهم، غير أن تفصيلات حياتنا اليومية –تجعلنا في الغالب- نوارب الباب حتى لا نبتعد عن "الأدبيات الشعبية" التي تؤطر واقعنا المعيش.
    في قصة "خمسة وخميسة"ص113، وهي قصة طريفة، ودمها خفيف، مكتوبة بحرفية ومهارة..
    الأم تعتقد في الحسد، لذلك تشتري "خمسة وخميسة" من محل انتيكات بخان الخليلي. تضعها في مكان بارز داخل الشقة، فهي محسودة، وابنتها كذلك مثلها، فقد عانت من الحسد، ولم تتزوج رغم بلوغها الخامسة والعشرين.
    تدخل الأم لإعداد وجبة سريعة في المطبخ، تدق الجارة الباب، تدخل لتحدثها عن عريس منتظر. ورغم أن الأم المجربة قد اجلستها في الكرسي المقابل للجدار الذي يحمل
    "الخمسة وخميسة" فقد شم من بالبيت رائحة الشياط، هرعت الأم للمطبخ، محاولة انقاذ قطعة أو قطعتين من اللحم. وتنتهي القصة بنظرة الأبنة للأم حيث يشملها التعجب، والابتسامة.
    النص لا ينتصر للخرافة، لكنه يبسط لنا حياة امرأة مرت بتجربة فاشلة لزواج لم تجن منه سوى الكآبة والمرض يتداخل ذلك مع تلك النظرة التقليدية لفكرة الحسد والعيون "المدورة" التي تقصف الحجر.
    النص فيه فكاهة، ورصد للمحن التي تعترض المرأة حتى لو أغلقت عليها بابها.
    في النص الواحد، فرجة أمل؛ وجود عريس قادم. مع تثبيت لفكرة الحسد؛ اللحم الشهي وقد احترق. انها الحياة بحلوها ومرها، والناس بخيرهم وشرهم. ترصد شاهيناز ذلك بعين خبيرة مدربة. تنتصر لصيرورة الحياة.
    تنحاز الكاتبة للبسطاء، الكادحين من أبناء هذا الشعب فتتعمق في وضع خريطة ألامهم، وبسطها للعامة، مثلما نجد في قصة "الفاترين". ثمة فتاة تقف أمام فاترين عرض الأزياء، ترفع بصرها لرؤية رداء وردي اللون، يخرج عامل المحل، يسبها ويزيحها بيد ثقيلة.
    يطلب منها الابتعاد لقذارة يديها. في نفس الوقت كان هناك أولاد يلعبون الكرة. تبتعد للخلف وتعود لتتأمل الرداء الذي خلب لبها. يخرج العامل مرة أخرى ليتعامل معها بعنف. في تلك اللحظة يصوب فتى من اللاعبين الكرة فيتناثر زجاج الفاترين.
    ويختتم النص بالصبي يمد يده بالرداء الوردي، وقد "ابتسم وابتسمت" ص117في النص مبالغة. كان يكفي أن يحطم الفتى لوح الزجاج ويهرب، أما احضار الثوب الوردي الغالي، ففيه ادانة للطبقة وتعريض بالفقراء.
    وقصة أخرى أراها تتكرر في أعمال كتاب، يناقشون الجانب الفلسفي الذي يكمن وراء فعل الكتابة، "بنات أفكاري"
    فالكاتب الكبير يبدو وحيدًا بعد موت زوجته، حتى أن دقات الساعة لا تسعفه لمعرفة الوقت.
    يعيش مع قط أليف. تخرج عليه فتاة عمرها 25 سنة، تمسك بيدها مسدسًا وتصوبه نحوه. تناقشه فيما أقدم عليه حين جعل مجرم بلطجي يقتلها.
    إنها تريد الثأر منه، وهو يناقشها بعقل واتزان، لكن الفتاة تصعد من اتهاماتها. تصوب المسدس لرأسه وتطلق النار. يسقط مضرجًا في دمائه. لكن الملاحظ أنه قتل معنوي. فحين يهرع الجيران لدق الباب بعنف، يكسرونه ويتفق الجيران على أنه حادثة انتحار لكاتب كبير.
    تكمن وراء تفصيلات النص كشف لعقلية الكاتب، وضعفه لكن هذا الفعل الدرامي أكثر ما يكون ناجحًا مع فن المسرح. وبالطبع، نشيد بالحوار الحي الخلاق بين الكاتب والفتاة المسكونة بالمرارة.
    تبحث الكاتبة دومًا عن اللقطة المدهشة، ودوائر الشك والإحباط في حياة تعج بالمتناقضات، كاشفة عن البؤس الإنساني في مختلف صوره وأشكاله.
    في "باقة ورد" تطاردنا صورة العانس، وهي تحضر أفراح أقاربها، وتجهد ذاتها لالتقاط الباقة التي ترميها العروس دون جدوى. أنها تمضي في طريقها من سن 17 سنة حتى تصل إلى حدود 47 سنة، دون أن تيأس، فالحياة تحتاج إلى قدر من المثابرة. والنص كله مكتوب بسرد ساخر يتداخل مع جدية الموقف ص128
    وفي "زيارة السيدة العجوز" نتوقف أمام صورة المرأة كبيرة السن، التي تنتظر دورها في "البنك" وهي تبحث عن أي سيدة أو فتاة، تفتح معها حديثًا يبدد الوقت. يرسل أبنائها النقود، لكن الانسان لا يعيش بالفلوس فقط ص131
    في "اللافتة المضيئة " تمر السيدة بمواقف مؤلمة عند الطبيب، وهي تحمل الأشعة والتحاليل، وتنتقل من أطباء غير معروفين إلى أطباء أخرين طالتهم الشهرة.
    يكتب الأخير "روشتة" تحمل خمسة عشر صنفًا من الدواء قائلًا للمريضة: أنت لا تعانين مرضًا ص136 يكون رد فعلها أن تمزق الروشتة وتلقي بالمزق في الصندوق الأخضر بجوار الرصيف.
    خيبات أمل تعكس ما في الحياة من توتر، وهوان، وفقدان الرغبة في العيش، لأن السعادة غائبة.
    إن أبطال شاهيناز الفقي، تعساء، باحثون عن أي وميض يضئ حياتهم غير أن النغمة الحزينة هي التي تسود. لأنها الأكثر مواءمة مع ما يتعرضون له من مواقف ضعف، وانسحاق، وخفوت. لذا فالكاتبة لا تجمل الأحداث، ولا تضفي عليها أوهام ما. إنها صادقة مع مادة الحياة المشحونة بالمآسي!
    وهكذا.. نحن أمام نصوص حية، الكاتبة تمتلك حسًا فنيًا راقيا، تجلى في تلك اللقطات التي تتميز بالذكاء والاقتصاد، والايجاز إلا فيما ندر.
    شاهيناز الفقي، كما أرى، كاتبة مخلصة لفن القصة القصيرة، ولديها رصيد معرفي يقربها من جوهر الفن الصعب. ربما تكون منحازة للمرأة، ولكنها في الأغلب الأعم منحازة للإنسان.
    تجاربها في السرد، تجعلها تقترب من المشكلات الاجتماعية والمعيشية، كالفقر، والعنوسة، وسيادة الخرافة، وذيوع الكذب والنفاق المجتمعي.
    إنها تعالج تلك القضايا دون مراوغة، في كل مرة تذهب لهدفها من أقصر الطرق. قد تقدم تقريرًا سرديًا أو وصفيًا في بدايات بعض قصصها، غير أنها سرعان ما تتجه لمعالجة القضايا بوضوح ووعي وإبانة.
    ترفض الجهل والمرض وتهميش المرأة، وتصطدم بمؤسسة المجتمع التي ترى فيها الخصم الأول.
    تنقذ شخصياتها من الضياع والهوان والضعف، موجهة قلمها للانتصاف لتلك الشخصيات.
    أرى أن عليها الاهتمام إلى حد ما باللغة، وأن تعالج قضاياها بقدر أكبر من الحرفية، وألا يزعجها أن تصطدم بالمجتمع الذي يعاني أحيانا من تغليب النظرة السطحية للأمور.
    وهي في مسعاها هذا تلتقط صورًا ومشاهد نادرة وتعيد توظيفها كما في "بائع الروبابيكيا"ص78. إنها تكتشف في أحوال الكتابة أن الواقع محمل بالكثير من الأسرار، وعليها أن تحفر بدأب وصدق في جيولوجيا النفس البشرية، لتمنحنا عناصر حياة، وخيوط من الفضة اللامعة حيث تعرية المجتمع مهمة من مهام كل كتابة جادة وملتزمة ومستنيرة
    سمير الفيل
    مساء الجمعة 26/7/2019


    الصور المرفقة الصور المرفقة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. رؤية نقدية لرواية عوليس للكاتب جيمس جويس
    بواسطة تاريخ وأخبار قبيلة خفاجة في المنتدى منتدى الكتب الادبية المقروءة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-10-2021, 09:37 AM
  2. رؤية نقدية في رواية الجريمة والعقاب لدوستويفسكي
    بواسطة تاريخ وأخبار قبيلة خفاجة في المنتدى منتدى الادب الروائي والقصصي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-19-2021, 08:16 PM
  3. وفاة الكاتب المصري نبيل فاروق صاحب السلسلة القصصية ?رجل المستحيل?
    بواسطة rss_net في المنتدى منتدى اخر مواضيع شبكة عراق الخير
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-09-2020, 08:24 PM
  4. رؤية نقدية لسفر اشياء مجموعة الكاتبة مريم اسامه
    بواسطة تاريخ وأخبار قبيلة خفاجة في المنتدى منتدى قرأت لك
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 07-16-2019, 09:33 PM
  5. ادب الاطفال فى العالم المعاصر : رؤية نقدية تحليلية
    بواسطة عامر العمار في المنتدى مكتبة ادب الاطفال
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-19-2013, 12:34 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

جميع آلمشآركآت آلمكتوبه تعبّر عن وجهة نظر صآحبهآ ,, ولا تعبّر بأي شكل من الاشكال عن وجهة نظر إدآرة آلمنتدى