السامية والجزرية والعربية

قبل البدء في خوض غمار تاريخ الجزيرة العربية لابد من التعرف على الجذور ومن ثم نتطرق تباعا إلى المواضيع ذات العلاقة .
وفضلت أن تكون هذه المعلومات في موضوع واحد متسلسل لكي يتسنى للقارئ الاستفادة من هذه المواضيع تباعا وحرصا منا على عدم تشتتها في صفحات ضمن القسم المخصص .
سنناقش هنا في هذا الموضوع السامية ، والجزرية ، والعربية ، على التوالي :-

أولا : السامية


ناقش الدكتور فاضل عبد الواحد علي (1) وقال :- لم يلبث مصطلح ( الساميون ) و(اللغات السامية ) أن لاقى تقبيلا من المختصين بالأستشراق فشاع استعماله على نطاق واسع وبقية متداولا إلى يومنا هذا بين المعنيين بتاريخ اللغات السامية والحضارة ولكن ، منذ سنوات بدء عدد من الباحثين العرب بالتنبيه على ضرورة إعادة النظر في استخدام هذا المصطلح في ضوء الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية الحديثة وعلى ضرورة تقديم مصطلح بديل عنه يكون أكثر دقة وانسجاما مع الحقائق التاريخية المعروفة عن الأقوام التي كانت تتكلم تلك اللغات أولا :- من الواضح أن شلونسر أعتمد العرق ( أي وحدة الأصل ) أساسا لتأهيل التشابه اللغوي بين الأقوام ( السامية ) في حين أن هناك العامل الجغرافي مثلا ، كان من الممكن أن يستخدم للتعريف يقوم أو أقوام يتكلمون لغة أو لهجة معنية أننا نقول على سبيل المثال لاالحصر ( السومريون واللغة السومرية ) نسبة إلى أرض سومر في جنوب العراق ، ونقول ( الأكديون واللغة الأكدية ) نسبة إلى أكد وهي إلى شمال سومر .
ونقول ( البابليون واللغة البابلية ) نسبة إلى أرض بابل ( الأشوريون واللغة الآشورية ) نسبة إلى أشور هذا من جهة ومن جهة أخرى فأن التأصل العرقي الذي قدمه شلوستر ، يصطدم بعقبتين رئيسيتين ، وقد شخصهما الدكتور لطفي عبد الوهاب في معرض حديثة عن ( الساميين والشعوب السامية ) وقال (2) :- ( أم الحديث عن الشعوب السامية كمجموعة بشرية تنتمي إلى جنس أوعنصر واحد له ملامح وخصائص الجسمية الخاصة والمميزة له هو حديث لايستند إلى أساس علمي لسببين :-
أحدهما يتصل بقضية التقاء العنصريين والأخر يتصل بين العنصر واللغة .
وفيما يخص السبب الأول فان تطابق الملامح والخصائص الجسمانية بين الشعوب السامية أمر غير قائم ، فنحن نجد تباينا واضحا في هذا المجال بين هذه الشعوب من جهة وثم في داخل كل شعب منها من جهة أخرى )
أما اتخاذ اللغة أساسا لوحده ، فيقول ((إن الثابت من الملاحظة التاريخية هو أن اللغة لاتصلح أساسا لأي تحديد عنصري لسبب بسيط هو الفئات البشرية لها قابلية غريبة لالتقاط اللغات إذ كان ذلك يخدم أهدافا مصلحيه أو عمرانية )) .
ثانيا :- وذكر الدكتور فاضل (3) حيث قال :- بصرف النظر عن جانب العرقي والمشكلات الأنثروبولوجية فأن الحديث عن أصل مشترك للساميين على النحو الذي جاء بالتوراة لايقوم أيضا على أساس تاريخي ، وان قائمة النسب التوراتية لاتتفق مع الحقائق التاريخية المعروفة ، فهي تخرج الكنعانيين من قائمة ( الساميين ) لتضمهم مع الحاميين ( أبناء حام ) في حين تعد عيلام من أبناء سام .
ثالثا :- ذكر في الفقرة الثالثة يقول(4) ( من المعروف أن عددا من الباحثين العرب والمستشرقين سبق لهم أن ناقشوا موضوع ( السامية ) تفصيلا وقالوا بتخطئة التسمية وأنهم يتفقون على أن فكرة انحدار الساميين من صلب رجل هو سام مجرد خيال أسطورة لاوجود لها . غير أن المصطلح البديل الذي يقدمه بعض هؤلاء الباحثين هو تسميتهم بـ ( العرب ) ويواجه هو الأخر مشكلات تاريخية ولغوية وثقافية ، ولهذا لم يلق تقبيلا من المعنيين بالدراسات اللغوية والحضارية القديمة . يضاف إلى ذلك أن بعض هؤلاء الباحثين رجع في رأيه وأعترف بأن أطلاق لفظة عرب على الأقوام السامية أمر لاتسنده الحقائق التاريخية ، فالأستاذ جواد علي وهو أكثر المتحمسين لاستبدال لفظة عربي بسامي (5) ، أما بخصوص موطن الساميين الأول فقد نصت التوراة على منطقة بابل ، إن جوانب الضعف التي ذكرها الدكتور فاضل عبد الواحد علي في مصطلح ( سامي والساميون ) والتي حددها بثلاثة نقاط لاتنسجم مع الحقائق التاريخية ، وماذكر من قبله ومن بعض المؤرخين فهي أراء فلسفية لتحليل مدلول هذا المصطلح وليس مبني هذا التحليل على وثائق أثرية مكتوبة لهذا لايمكن الوثوق بهذه الآراء ويمكننا مناقشتها بالنقاط الآتية :-
1- ناقش الدكتور فاضل والآخرون ورأي شولستر واعتماده العرق ( أي وحدة الأصل ) أساسا لتأصيل التشابه العرقي بين الأقوام السامية ، ورد على ذلك الدكتور فاضل ، وفي هذا المجال نؤيد وحدة الأصل ، وذلك لأن كتابة التوراة وذكرها الطوفان ثم أسماء أولاد نوح ونسبهم وأسماء المدن القديمة في العراق والتي تم أثباتها من قبل الأثاريين كل ذلك أدلة لصحة ماورد في التوراة كوثيقة سامية قديمة لايحق لأحد إنكارها مهما يكن الهدف من هذا الأنكار ، كما ثبت بأن الطوفان ونسب نوح هما حقيقتان لايمكن الجدل فيها .
2- أن أستنادة إلى العامل الجغرافي في تنفيذ مصطلح سامي والساميون فهو غير وارد أيضا ، حيث نرى أن العلماء والمؤرخين حدوا الأقوام السامية التي سكنت بابل وهاجرت غالى المشرق العربي ومنهم الأمور يون والنبطيون والآراميين وغيرهم ، أما الدولة الأكدية فقد حددوا عناصرها وكذلك الدولة الأشورية والدولة البابلية فكانت كل دولة تتكون من عدد من العناصر السامية المذكورة أنفا ، لهذا لايمكن إن نستند إلى عامل الجغرافي ونضعه لتفنيد مفهوم السامية والساميون .
3- ذكر عدم الاعتماد على اللغة وحدها ولكنه لو عاد إلى تاريخ بعد الطوفان والتكاثر أولاد نوح عليه السلام ثم هجراتهم المختلفة وتباعدهم من الناحية الجغرافية ، لأقتنع إن العامل الجغرافي ساعد على تكاثر اللغات ومنها السامية وفروعها والحامية وفروعها واليافثه وفروعها وهذا التكاثر واختلاف التكاثر والاختلاف كان العامل الجغرافي احد الأدوار الذي ساعد على هذه العزلة كما ساعد على نموا اللغات المختلفة لهذا فان اللغة وحدها لايمكن الاعتماد عليها .
4- أما عن نقاء الأجناس والملامح والخصائص الجسمانية بين الشعوب السامية أمر غير وارد إذ لو عدنا إلى قانون مندل الأول ( انعزال العوامل ) والذي ينص على مايلي (( إذا اختلف فردان في زوج من الصفات المتضادة النقية فإذا أحدا هاتيين الصفتين تختفي في أفراد الجيل الأول وتظهر في الجيل الثاني بنسبة 3 متغلب إلى 1 متنحي )) (6) ويعني هذا هو أذا تزوج رجل من أولاد سام من بنت من بنات حام كان الجيل ناتج كما حدد مندل وفي مثل هذه الحالة لايمكن أن نعد هذه النتائج صفات ليست من أصل واحد ، حيث لو عدنا إلى قانون الأنساب ، فنرى أن نسب الأبناء يعود إلى الآباء وليس إلى الأمهات لهذا فأن النقاوة في علم النسب واردة ، على عكس ماذكره الدكتور فضل عبد الواحد علي .
5- وفي الفقرة الثانية نراه يطالب برد الكنعانيين إلى الأصل السامي مع العلم هو نفسه لم يعترف بالأصل السامي ، وهذا التناقض في فكره حاصل .
6- نحن معه في أسباب ربط الحيثيين والعيلاميين إلى جدول الساميات ، وهذا ماأكده الكثير من العلماء حيث كانوا قد جلبوا هذه الأقوام إلى صفوفهم أثناء الأسر البابلي ، ويمكن أن نقول كان الهدف سياسي أما ماورد حول المدن وأسماء الملوك والتواريخ فليس نرى أي خطأ في كتابة التوراة ، حيث أستفاده المستشرقون منها وتمكنوا من اكتشاف كنوز الحضارات القديمة وكان الفضل الأول الكبير يعود إلى التوراة لحفظها هذه الأسماء والتواريخ وهي بحد ذاتها تراث سامي عربي كما هو الإنجيل تراث سامي عربي وكذلك القرآن الكريم لهذا فأن مبرر لإنهاء تسمية السامية والساميون لايقوم على وقائع مادية تاريخية (7)
7- وذكر في الفقرة الثالثة وقال ( من المعروف أمن عدد من الباحثين العرب والمستشرقين سبق لهم وأن ناقشوا موضوع السامية تفصيلا وقالوا بتخطأت التسمية وأنهم يتفقون على أن فكرة انحدار الساميين من صلب رجل هو سام مجرد خيال أسطورة لاوجود لها وردنا على هذه الفقرة كما ذكرنا أنفا ، وأن هذه الآراء هي فلسفة خيالية لاتستند إلى أثر نادي أو تاريخي ، وما جاءت به التوراة يعد أثر مكتوب منذ ثلاثة ألاف سنة وهذا وحده يكفي للرد على آراءه وغيرها ، وأن مدلول مصطلح ( سامي وساميون ) هو وارد وصحيح لايقبل حتى النقاش حيث أنه أحد أولاد نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .
ثانيا :- الجزر يون
يقول الدكتور فاضل عبد الواحد علي (8) : (( وبعد عام من ظهور كتاب الأستاذ لطفي عبد الوهاب ، أي في العام 1979م نشرنا بحثا عنوانه – الأكديون ، ودورهم في المنطقة – (9) استعملنا فيه مصطلح ( الجزر يون ) وقلنا في حينه مانصه ( من الجدير بالذكر هنا أننا نهمل في دراستنا الحالية المصطلح المتداول – الساميون- الذي لايستند إلى أساس تأريخي مقبول وسوف نستعمل بدلا منه ( قبائل الجزيرة أو الجزريين ) للإشارة إلى تلك القبائل التي كان موطنها الأصلي جزيرة العرب والتي كانت تتكلم لغات أو لهجات تعود في أصلها إلى لغة واحدة هي لغة الجزيرة ))
ويذكر أيضا :- ويبدو إن مصطلح ( الجزر يون ) لقي قبول من عدد من الباحثين كان في مقدمتهم الأستاذ طه باقر الذي كتب عام 1980م في الفصل الموسوم – السكان الأوليون وأصولهم التاريخية – عن مصطلح الساميين مانصه (10) :-
(( يجدر التأكد أن مصطلح لايستند إلى حقيقة تاريخية موثوقة أي أنتساب أولئك الأقوام الجزيرة ، انطلاقا من الحقيقة التي انعقد عليه أجماع الباحثين من أن الجزيرة العربية مهد أولئك الأقوام ومنها هاجروا في فترات زمنية مختلفة إلى أقطار الوطن العربي ومن بينها وادي الرافدين والى الحبشة )) .
وفي العام 1981م أصدر الأستاذ الدكتور سامي سعيد الأحمد كتابا يبدو واضحا من عنوانه ( اللغات الجزرية ) أن مصطلح ( جزري ) صار بديلا مقبولا عند بعض الباحثين عن المصطلح القديم (سامي ) (11) ونود مناقشة ماذهب إليه جميعا حول مدلول مفهوم الجزر يون حيث لايحق لهم جميعا تعويض مفهوم ( الساميون ) بمفهوم ( الجزر يون ) لان هذا التعويض لايستند إلى وقائع أثرية أوتأريخية ، وذلك لان الهجرات السامية كانت من العراق إلى الجزيرة العربية في الألف الثالثة أو الثانية قبل الميلاد ، أما القبائل الجزيرة التي هاجرت إلى العراق فهي هجرة المعاكسة التي حصلت في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد وخلال القرون الأولى للميلاد ، فلهذا يجب علينا التمييز بين الهجرتين ، كما إن عمر أية مدينة أثرية في الجزيرة لاتتجاوز الإلف الثانية بينما المدن الأثرية في العراق قد شيدت قبل الطوفان وبعد الطوفان ، ولهذا أتساءل كيف يحق لهم إن يعدوا وجود الساميين في الجزيرة العربية قبل العراق ؟؟ مع العلم إن الفرق بين وجودهم بعد الطوفان وفي الجزيرة يتجاوز الإلف وخمسمائة سنة وأكثر من ذلك ، بالإضافة إلى الأقوام التي سكنت العراق قبل الطوفان ومنهم مجتمع العبيد ولهذه الأسباب لايحق لهم إن يعدوا الجزريين مكان الساميون ، أما أذا أرادوا أطلاق مصطلح الجزريين فهذا المدلول يمكن أن يكون مفهوما سطحيا حيث انه ليس مفهوم نسبي بل هو مفهوم مكاني لايمثل أي قوم من الأقوام من حيث الجنس واللغة والحضارة والتاريخ .
ثالثا :- اللغة العربية ونموها
ذكر الأستاذ أ. ولفنسون (12) وقال :- (( الذي يمكن النظر في اللهجات الشمالية يدرك مبلغ تأثير اللغات السامية المجاورة كالآرامية والعبرية ، فقد كان العرب الرحالة تتصل بأمم سورية والعراق من أقدم الأزمنة التاريخية اتصالا متنوع الأسباب قد يكون للسفر وقد يكون للتجارة وتبادل الغلاة أو لطلب الكلأ والمرعى ونجم عن ذلك تبادل أدبي وعلمي أيضا ))
لقد كان من حظ القبائل العربية في أصقاع الجزيرة أنها احتفظت بلغتها السامية الأصلية احتفاظا ظاهرا حتى لم يطرأ عليها شيء كبير من التغيير والتبدل كانت هذه الأقوام بعيده عن الأمم الأخرى وفي مأمن من التأثير بحضارتها كما تأثرت بقية الأمم السامية التي سكنت في الجهات المعمورة ومن أجل ذلك امتازت اللغة العربية ، لغة تلك القبائل عن اللغات السامية الأخرى بزيادة عدد غير قليل من الكلمات والصيغ القديمة وقد أخذت لهجات الشمالية في القرون القريبة من ظهور الإسلام تتمتع بقوه وعزه واستقلال وكانت تتدفق في جميع نواحي الجزيرة بقوة وروح يملؤه عن النشاط حتى كونت لنفسها أدبا جديدا وشعرا فنيا ، وفي ذلك الحين أخذت اللهجات في بلاد اليمن تتدهور وتتلاشى حتى كادت تفنا في القرن السادس الميلادي وكان ذلك من جراء فقدان بلاد اليمن لحريتها واستقلالها السياسي وكانت تأن تحت حكم الأحباش طورا والفرس تارة أخرى فأخذت حضارتها في التدهور والانحطاط واللغات تتبع الحضارة صعودا وهبوطا فتقلص كما تقلصت اللغات السامية الأخرى في سورية والعراق وأطراف الشام أمام اللغة الشمالية التي كانت تفيض قوه وفتوة ومما لاشك فيه انه كانت عدا العوامل السامية الخارجية والانحطاط الداخلي في بلاد اليمن ، عوامل اقتصادية كان لها تأثير غير قليل في اندماج لهجات الجنوب في لهجات الشمال (13) امتزاج اللغة :- هناك أخبار وروايات تدل على أن أشراف العرب من سكان المدن كانوا يرسلون أبنائهم إلى الأعراب بالبادية ليحذقوا اللغة العربية وهم صغارا ، واللغة العربية مزيج من لهجات مختلفة كثيرة ببعضها من الشمال ( شمال الجزيرة العربية ) وبعضها من جنوب البلاد اختلطت كلها ببعضها حتى صارت لغة واحدة (14) وكانت اللهجات القديمة المختلفة في كثير من مادتها اللغوية ولاسيما في كيفية نطق الكلمات المشتركة فلما اجتمعت هذه اللهجات وامتزجت وصارت لغة واحده بدت فيها بعض الكلمات في مظاهر مختلفة وصيغ متباينة مثل كلمة ( نجم ) فأننا نقول في جمعها ( أنجم – نجوم – نجم – أنجام ) وكلها بمعنى واحد ، وهكذا كل قبيلة من القبائل تستعمل صيغة واحدة منها المعنى الذي تستعمل له قبيلة أخرى صيغة أخرى من هذه الصيغ ، أما بعد الإسلام فلما جمعت المفردات والصيغ العربية في معاجم الكتب ، أجتهد اللغويون والأدباء في تخصيص كل صيغة بمعنى خاص ولكن مع ذلك بقي كثير من الصيغ يتوارد على معنى واحد (15) فاللغة العربية الموجودة الآن مزيج من اللهجات المختلفة أختلط ببعضها بعض وأمتزج امتزاجا شديدا حتى صار لغة واحده بعد أن فني أصحاب اللهجات وبادوا كما حدث مثل ذلك بين اللغات السامية حيث تغلبت اللغة الآرامية على اللغة العبرية واكتسحتها حتى صار اليهود في عصور معينة لايتكلمون إلا الآرامية ولكن أحبار اليهود كانوا يحرصون على العبرية كل الحرص فيستعملونها فيما يكتبون وينشئون ، ولما إن خفت وطأت الآراميين وتقلص نفوذهم هبت اللغة العبرية في وجه الآرامية واستعادت لنفسها مجال المحادثة العامة والخبطات العادية وقد كان من مميزات اللغة العربية أنها تشمل على العناصر القديمة جدا من اللغات السامية وهذا يدل على أن اللغة العربية كانت موجودة في مهد اللغات السامية (16) .
إن كل قبيلة من القبائل العربية لها لهجاتها الخاصة ، مما جعل تعدد المصطلحات لمعنى واحد ولحد الآن نجهل من نشأت العربية ، ولكن من المعلوم أنه مر قرن واحد على الأقل قبل ظهور النبي محمد (ص) وقبل أن تصل العربية إلى درجة إتقان ومن المعلوم أن للعرب في الحجاز تجارة واسعة مع الفرس والرومان ، أو على الأصح مع العراق والشام ، وقد احتكرت التجارة قريش خاصة ، لأنهم كانوا يقطنون مكة التي تعتبر العاصمة الروحية للعرب والساميين ولما كانت مصلحة التجارة تحتاج إلى تعلم لغة البلاد أو الأمة التي لهم بها علاقة تجارة ولما كانت قريش زعيمة القبائل من غير منازع ، طالما كانت تتولى أمور الكعبة ، وتسيطر على تجارة الحجاز ، فأن لهجاتها استطاعت في النهاية بعد الإسلام إن تصهر كل هذه اللهجات لتخلط منها لهجة مشتركه ، هي التي نسميها اليوم بالغة العربية ، فقد كانت قبل الإسلام بقرن واحد أو أكثر لهجة لم تكن ذات علم مكتوب .
أما القرآن فضلا عن كونه أحدث تغييرا جذريا في التفكير العربي في جميع نواحي الحياة ، فقد كان مصدرا عظيما للغة التي أغناها بمصطلحات كثيرة أو بأسلوب جديد على الأصح أو أسلوب يرتبط ارتباطا وثيقا بالدين كالزكاة والميراث والإيمان ومشتقاته (17) .
أما الشعر فأنه كان مصدرا بالغ الأهمية للغة ، حتى قيل لولا الشعر لضاع نصف اللغة ، لقد ظل الشعر مصدر اللغة لسهولة حفظه وروايته .
نشأة اللغة :-
لاشك أن صحف القرآن الكريم هي أقدم صحف مدونة كاملة وصلة ألينا عن اللغة العربية قبل أن تصل ألينا قصائد مدونه من الشعر العربي الجاهلي ، فصحف القرآن هي التي يجب البدء بالبحث فيها عن نشأة اللغة العربية من حيث أننا لم نعثر إلى الآن على نقوش في مركز بلاد الحجاز الأصلية مثل الطائف ومكة ويثرب ، فأننا أمام أمرين أما إن نحتمل أن العرب لم يتركوا أثار منقوشة قبل ظهور الإسلام ؟ وأما لم يكشف عن هذه الآثار بعد ؟ ويحتمل أن تكون هناك بعض النقوش على الأحجار أو الكتابات على الرق(18) .
لقد كان العرب يفطنون إلى ضرورة تدوين أكثر مايمكن من الأشياء التي يخشون على ضياعها بسرعة ، كما فعلوا في تدوين المصحف الشريف مثلا ، ويبدوا في أيام الخليفة أبو بكر (رضي الله عنه ) ، ساهموا أيضا كتاب الحيرة من الآراميين في الكوفة على تدوين القرآن كما ساهموا عرب قصر الأخيضر وضاحية كربلاء لأنهم كانوا يتقنون الكثير من اللغات واللهجات لأتساع تجارتهم الدولية وتبنيهم الديانة المسيحية كما ساهموا في مدينة سورا المجاورة للكوفة ، حيث لاستفاد منهم الإسلام كما يرجع الفضل الكبير بعد الكوفة إلى البصرة في العراق في تحقيق اللغة وتمييز صحيحها من فسادها وغيرهما من مستعملها ، كما ساهم الكوفيون بدورهم في هذا الميدان (19) .
ومهما يكن من شيء فأن الانقلاب العظيم الذي أصابه اللغة العربية ، أنما حدث عقب ظهور الإسلام فقد انقلبت إلى لغة عالمية تتكلم بها شعوب كثيرة جدا ، فقد نزح عرب الأخيضر وعين التمر وعرب الحضر وأطراف البادية وتحت قيادة أبطال المسلمين إلى جميع نواحي المعمورة وفتحوا الممالك والأمصار باسم الدين الحنيف في زمن وجيز وكانت اللغة العربية تسايرهم خطوه خطوة في جميع البلاد التي انتشروا فيها وبسطوا سلطانهم عليها ، واثر القران الكريم في جميع اللهجات السامية والعربية ، فقد بدأت تتبلبل وتضطرب وتنجذب بقوة إلى القران حتى اندمجت كلها في لهجة الحجاز كما كان ينطقها خاصة أهل مكة ومن المعلوم إن اللغة الشائعة هي اللغة النبطية ولكن اللهجة الصحراوية للحجاز كانت مميزة عن لغة الأنباط في الحجاز ، لهذا نرى إن قريش كانت ترسل أبنائها إلى الصحاري لتعلم اللهجة العربية .
ولما كانت الجيوش الإسلامية تقوض العروش وتبيد المماليك وتقيم مكانها دولا إسلامية وطيدة الأركان كانت اللغة العربية تقويض أركان اللغات وتمحوا أغلب أثارها من الوجود وخاصة العربية واليمن وسائر الأقطار العربية الأخرى ، حيث تبدأ اللغة العربية تأخذ مكانها من الألسن حتى أصبحت بعد ذلك أمم وشعوب أسلامية خالصة كما ضل القران الكريم منذ ذلك التاريخ إلى الآن هو الينبوع الفايض الذي يرتوي منه علماء الدين واللغة جميعا ، والمنار المضيء الذي يهتدون بنوره إلى محجة الصواب كلما أظلم عليه الجو وقد كان عرب البادية الغربية من العراق هم المرجع في كل مايتعلق بفصاحة الكلمة العربية وكان علماء البصرة والكوفة يستخلصون قواعدهم ومذاهبهم اللغوية بعد مباحثات طويلة بينهم وبين عرب البادية الذين يلتقون بهم حين يجيئون إلى المدن يحملون إليها متاجرهم على أبلهم ، أو حين يذهب العلماء إلى بادية العراق ليأخذوا اللغة عن أهلها وكذلك إلى بادية الحجاز ، وقد نجح علماء الكوفة والبصرة في جمع المادة اللغوية من أهل البادية ، فجمعت بذلك المعاجم والقواعد اللغوية وصارت من أعظم المراجع التي يعتمد عليها البحث عن جميع اللهجات العربية من ناحية وفي الموازنة بينها وبين جميع اللغات السامية من ناحية أخرى .


المراجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــع
1- د. فاضل عبد الواحد علي – من ألواح سومر إلى التوراة ص49-50 .
2- د. لطفي عبد الوهاب – العرب في العصور القديمة ص45 وأنظر الدكتور فاضل – من ألواح سومر إلى التوراة ص50 .
3- المصدر السابق نفسه ص51 .
4- المصدر نفسه والصفحة ذاتها .
5- د . جواد علي – تاريخ العرب قبل الإسلام ج2 ص287 1968م .
6- مبادئ العلوم العامة –عام 1990م – الصف الثاني معهد أعداد المعلمات ص97 .
7- مهنا رباط المطيري- الموسوعة المفصل في تاريخ كربلاء ج1 ص 142 مخطوط .
(8)- د. فاضل عبد الواحد علي – من ألواح سومر إلى التوراة ص506-507 .
(9)- مجلة كلية الآداب – العدد 24 لعام 1979م .
(10)- د. فاضل الصدر نفسه والصفحة ذاتها .
(11)- المصدر نفسه والصفحة ذاتها .
(12)- ولفنسون – تاريخ اللغات السامية ص162 .
(13)- المصدر نفسه ص168 .
(14)- المصدر نفسه والصفحة ذاتها .
(15)- المصدر نفسه 169 .
(16)- اللسان العربي – مجلة دورية – المكتب الدائم لتنسيق التعريب – جامعة الدول العربية – الرباط ص40-41 ،إبراهيم بركات – العدد 2 .
(17)- أ. ولفنسون – تاريخ اللغات السامية ص194 .
(18)- اللسان العربي المصدر نفسه والصفحة ذاتها .
(19)- أ. ولفنسون – تاريخ اللغات السامية ص216-217
.