طبيعة الأقوام التي حكمت الحلة do.php?img=9992
د. عبد الرضا عوض
لم ينل تاريخ الحلة السياسي في العهود كافة حظّه من دراسات الباحثين والأكاديميين المتخصصين، إذ ما تزال مراحل كثيرة منه يكتنفها الغموض والإهمال، ولعل ذلك يرجع إلى وعورة البحث فيه، بسبب ندرة وثائقه، وتعدد لغات مصادره الأولية. وبحثنا هذا هو تشخيص صفحة مهمة أبسط ما يقال عنها إنها دراسة توثيقية ، تبين مراحل متعددة ومن المؤكد ان الهوّة كانت فيها بعيدة بين حكام الحلة وأهاليها، فلم تبذل الدولة ـ على مر العهود ـ جهداً في تطوير المدينة وتقدمها بما يناسب مكانتها وموقعها.
توالى على إدارة حكم الحلة وما حولها بعد انهيار الإمارة المزيدية سنة 545هـ طوائف عدة ، ( اتراك وفرس وشيشان وبلوش وقوقاز وانكليز ) لم تربطهم بالأرض ولا بالشعب أية رابطة ، وأصبح العراق عموماً والحلة بشكل خاص ساحة للتجاذبات السياسية والسلطوية ، ولم يرَ الحليون طعم الراحة لا من هذه ولا من تلك إلا في فترات استثنائية ومتباعدة ، فتزاحم على احتلال الحلة في فترات متعاقبة أقوام عدة جميعهم غرباء عن الوطن ، وتخلل حكم تلك الأقوام للحلة سيطرة بعض الأسر العربية لفترات قصيرة ، واستمر النزاع حول إدارة هذه المدينة حتى افول سلطان كل فئة منهم ، وأثناء تلك الفترات مالت اليهم العشائر المحيطة بالحلة كعادتها وفق مصالح ومنافع آنية ، كان الشعب المتحضر من سكان المدن يعيش حالة بلاء عظيم ، ومصائب لا توصف ، واحترق الناس بنيران وتعسف المحتل من جهة وهمجية العشائر من جهة أخرى فالمدينة مهددة بالسلب والنهب في أي وقت تضعف فيه السلطة داخل المدينة.
وفضلاً عن قلة التدوينات التاريخية المحلية لحالة الأهالي وعلاقة السلطة بهم إلا اننا لمسنا أن تعتيماً مورس في وقائع كثيرة، فلكل حالة احتلال صفة خاصة وبنهاية حكم هذه الفئة أو تــلك يُعمد وبطريقة منظمة الى اتلاف كل شيء يفيد الأهالي فيتركون البلاد خاوية ليس فيها قوة اقتصادية تدوم ولو لشهر واحد ، وهذا يقودنا الى اننا لم نجد أي صرح معماري قديم يؤشر الحقبة هذه أو تلك، في حين وجدنا بعض الأخبار السارة في كتب الرحالة والمستشرقين دون أن نلمس شيئاً مادياً ،وحتى المدارس لم نعثر على وقفيتها كما ذكر في بعض المصادر ،فالحكومات المتعاقبة لا يؤمل عليها بقاء حضارة أو منفعة مدنية معينة ، والغريب نرى أن المتهافتين على حكم البلاد وان خرجوا منها عنوة فإنهم يعاودون الكرة لإحـتلال المدينة ، وتبقى شؤون العرب العراقيين مضطربة وأموالهم منهوبة وقواهم منهكة ، ولا قدرة للشعب أن ينهض ويشكل حكومة وحدهُ بسبب الجهل والظلام الذي اعتاد المحتل أن يفشيه بين أهل المدينة.