[align=justify]
قراءة فى كتاب الرشوة
مؤلف الكتاب هو عطية محمد سالم وهو من أهل العصر وقد قدمه كحلقات فى التلفاز واستهل الكتاب بالمعنى اللغوى للرشوة وما فى معناها من ألفاظ فقال :
"الرشوة لغة:
قيل في المحاباة والجعل؛ قال صاحب القاموس: الرشوة مثلثة الجعل، ورشاه أعطاه، وارتشى أخذها، واسترشى طلبها، والفصيل طلب الرضاع، والرشاء ككساء: الحبلوزاد صاحب اللسان: وهي مأخوذة من رشا الفرخ؛ إذا مد رأسه إلى أمه لتزقهقال ابن الأثير: الرشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء؛ فالراشي الذي يعطي من يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ويستنقص لهذا
ألفاظ مرادفة للرشوة:
منها السحت والبرطيل:
والسحت لغة: الحرام، أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار؛ سمي بذلك لأنه يسحت البركة ويذهبها، أما البرطيل: فقيل هو الحجر المستطيل، وسميت به الرشوة لأنها تلجم المرتشي عن التكلم بالحق، كما يلقمه الحجر الطويل، وكما جاء في الأثر: (إذا دخلت الرشوة من الباب خرجت الأمانة من الكوة) قاله ابن تيمية"
وناقش المؤلف المعانى اللغوية فقال:
"مناقشة تلك الأقوال:
إن قولهم في الرشوة هي المحاباة والجعل لا يخلو من نظر؛ لأن المحاباة أعم؛ فقد تحابي صديقك وتصانع ولدك، وبعض من يقرب منك، أو تلزم مداراته لمروءتك أنت؛ كعطاء الشعراء ونحوهم ويقرب من هذا ما فعله (ص) مع العباس بن مرداس السلمي، حين سخط العطاء في غنائم خيبر وقال شعرا؛ فقال (ص): "اقطعوا عنا لسانه حتى رضي" وهو (ص) بعيد ومعصوم عن شوائب الرشوة، مما يدل على أن المصانعة والمحاباة ليست رشوة، وأن تفسير الرشوة بذلك فيه نظر، وأن المصانعة تكون بمال وبغير مال أما الجعل فمعلوم أنه نوع من الإجارة، وهو لا شك جائز بشروطه من بيان العمل المطلوب والجعل المجعول، وله باب في الفقه معروف ولو سلمنا أن الرشوة نوع منه - كجعل على باطل - فإن مسمى الجعل أعم من الرشوة وكذلك السحت؛ فقد فسروه بما هو أعم، كقولهم: هو الحرام"
هذا النقاش فيه كلام صحيح ولكن المعنى المقصود من الناس للكلمات قد يكون هو معنى الرشوة فالمشكلة ليست فى اللفظ الذى تتعدد معانيه عند الناس وكل يقصد ما فى قلبه ومن أسماء العصر التى تطلق على الرشوة الإكرامية والدخان واكمال الحق الذى تسرقه الدولة- أى المسئولين -من موظفيها بتقليل مرتباتهم واكثار مرتبات موظفين أخرين ثم تعرض المؤلف لمعنى الرشوة الاصطلاحى فقال:
"الرشوة في الاصطلاح:
ومما يلزم التنبيه عليه هو أن ما لا يوجد له معنى دقيق في اللغة لا يتأتى وجود معنى دقيق له في الاصطلاح؛ لأن المعنى اللغوي أسبق في الوضع والاستعمال؛ فإذا جاء الشرع نقل المعنى اللغوي إلى الاستعمال الشرعي مع زيادة شروط ووضع قيود شرعية
ومن هذا المنطلق اختلف في تعريف الرشوة اصطلاحا فقيل:
أ - ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه
ب - وقيل: كل مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عونا على مالا يحل، ذكرهما في فتح الباري
ج - وقال صاحب الإنصاف: الرشوة ما يعطى بعد طلبه، والهدية ما يدفع إليه ابتداء
وهذا أيضا تعريف بالأعم؛ لأن دفع مال لذي جاه ليبتاع به عونا، نوع من الرشوة وليس كلها؛ لأن المرتشي قد لا يكون ذا جاه، وقد يبتاع من ذي جاه ما يحل بالنسبة للراشي على ما سيأتي
وقولهم: ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه؛ فيدخل فيه المكس وحلوان الكاهن
وقولهم ما يعطى بعد طلبه؛ فقد تقدم الرشوة قبل الطلب وقبل أن تدعو الحاجة إليها تمهيدا إليها
د- وأحسن ما عرفت به قول الجرجاني: ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل
وهذا التعريف الأخير أقرب ما يكون لمدلول القرآن له؛ فإن صحة المعنى هو ما يمكن أخذه من عرض القرآن وإيرادها في مواطنها على ما سيأتي إن شاء اللهوعلى كل فإن لما عرفوا به الرشوة لغة واصطلحوا عليه شرعا صلة كبيرة في الصورة والمنطلق، فالتكلم به إظهار للصورة بصفة عامة"

ناقش الكاتب ما يسمى بتعاريف الرشوة وخلص إلى أن التعريف الصحيح تعريف الجرجانى ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل وذكر أن هذا هو مدلول القرآن وهو كلام يخالف الحقيقة فالذى تكلم عنه القرآن هو نوع من أكل أموال الناس بالباطل كما قال تعالى "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريق من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون"
وقد اخطأ المؤلف فى قوله "لأن المعنى اللغوي أسبق في الوضع والاستعمال" فالله علم أدم(ص) الأسماء بمعانيها الشرعية
ثم تحدث المؤلف عن الصلة بين اللغوى والاصطلاحى فقال:
"الصلة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي:
تقدمت الإشارة إلى أنه لابد من وجود صلة قوية بين المعنى اللغوي والاصطلاحي لكل مادة؛ إذ الأصل في الاستعمال هو اللغة، ثم يجري نقل اللفظ إلى الاصطلاح كما هو معلوم
وهنا جاء في التعريف اللغوي أن الرشوة مأخوذة من (رشا الفرخ) إذا مد رأسه إلى أمه لتزقه وهذه صورة صارخة لعمل المرتشي، وبيان حقيقة وضعه في منتهى الضعف النفسي، كالفرخ لم ينبت له ريش، العاجز عن كسب قوته بنفسه يرى أمه يفغر لها فاهه لتخرج مما في حوصلتها وتفرغه في فمه؛ يرد جوعته
ولو علمنا أن ما تلقاه بفيه إنما هو بمثابة القيء تستخرجه أمه من حوصلتها لكان كافيا في التقزز من أكل الرشوة؛ فهو بهذا يجمع بين ضعف الشخصية وذلة النفس وحقارة الطبع وهل يوجد أضعف شخصية ممن يبيع مبدأه وإنسانيته ورأيه وما يعتقد صحته، وينحرف إلى طريق معاكس في كل ذلك، ونظير ما يستخرجه الراشي من جوفه ومن ضروريات مقوماته أو اضطراره للوصول إلى حاجته"

والكلام هنا فيه خبل لأن يشبه الفعل المحرم بفعل شرعى وهو اطعام الأم لابنها الفرخ
قم ما ادرى المؤلف أن الطعام الذةى تطعمه الفرحة لابنها فىء إن من بحكم بهذا هو الفرخ وليس نحن فلبن الم فى الإنسان هو غذاء متكامل طعمه مقبول عند الطفل وكذلك الفرخة وابنها ثم قال المؤلف:
"وإذا جئنا إلى الأصل الثاني وهو (الرشاء) الذي هو حبل الدلو ليستخرج به الماء من البئر العميق؛ فإننا نجد أيضا صورة التدلي من علياء العزة والكرامة إلى سحيق الذلة والمهانة، وينحدر من منعة الصدق إلى هاوية الكذب، ومن عفة الأمانة إلى دنس الخيانة، وينزلق عن جادة الحق إلى مزالق الباطل، وكأن الحاجة المقصودة عند المرتشي مغيبة بعيدا عن الراشي بعد الماء في عقر البئر؛ لا وصول إليها إلا بالتدلي بالرشوة كتدلي الدلو برشاه
وبإمعان النظر تجد أن حقارة المرتشي ومهانته تأتي أول ما تأتي من الراشي نفسه؛ لأنه قاسه بمقياس الإنسانية فوجده لا إنسانية عنده، وبمقياس الأمانة والدين فوجده خاليا منهما، وما تقدم إليه بالرشوة إلا بعد اليأس منه، وإن ألان له القول وتلطف في السؤال، وقد أحسن من قال في نظير ذلك وقريب منه:

وإذا امرؤ مدح امرأ لسؤاله وأطال فيه فقد أراد هجاءه
لو لم يقدر فيه بعد المستقى عند الورود لما أطال رشاءه
وهكذا صاحب الحاجة لو لم يقدر عدم استجابة من هي عنده، ولو لم يتوقع إعراضه عنه لما قدم له الرشوة ليستجيب إليه
وكذلك الحال من جانب الراشي؛ إذا لم يكن له حق فيما يطلب، ولا طريق عنده للوصول لما يريد لمنعه منه وتحريمه عليه وعدم استحقاقه إياه؛ فإنه يعمد إلى الرشوة ليتدلى بها متخفيا كتدلي الدلو ظلمة البئر حتى يصل إلى ما يريد
فظهر بهذا قوة الصلة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي للرشوة"

نفس الخطأ وهو اعتبار نزول الدلو من أعلى إلى أسفل حقارة ومهانة وهو كلام لو طبقناه على كل نزول من أعلى لأسفل لكان الغيث حقارة ومهانة ولكان نزول الوحى حقارة وهو كلام وقياس باطل ولا فائدة من الصلة المزعومة التى كررها فى القول التالى:
"وكذلك السحت، إذا كان أصله كلب الجوع وشدته فإن الصلة قوية بينه وبين أكل الرشوة؛ لأن من تعودها - والعياذ بالله - فإنه لا يشبع قط، ولا يكف يده عنها من أي شخص فقير كان أو غني، ضعيف محتاج للمؤنة أو مستغن قوي، إنما همه هو أن يأخذ ويقذف في جوفه السحت لملء فراغه، ولكن ذاك الجوف كالجحيم يقول: هل من مزيد"

والكلام هنا يدل على الخبل فالإنسان مسلم أو كافر لا يشبع فى الدنيا لأن الجوع دورة تتكرر يوميا عدة مرات حتى الموت وليس بالضرورة أن يكرر المرتشى فعلته وكذلك قال عن البرطيل فى الفقرة التالية:
"وكذلك البرطيل، لقد قيل إنه الحجر الطويل، وإنها لتسكت آكلها عن الحق كما يسكته الحجر، وهذا معنى ظاهرولكن ما قاله صاحب القاموس من أنه الترطيل تليين الشعر بالدهن وتكسيره وإرخاؤه وإرساله؛ فإن هذا المعنى أوضح؛ لأن الراشي يلين الطريق لنفسه ويمهده كي يصل إلى مطلبه بسهولة، كمن يمر على شعر مدهون ومن جانب المرتشي؛ فإنه يلين الكلام معه وييسر الطريق له ويسترسل معه في باطله استرسال الشعر في اليد، ويسترخي لسماع قول الراشي استرخاء الشعر المدهون الممشط، أي إنه فقد شخصيته وأسقط إرادته واسترخى في دينه وأمانته، واسترسل في باطله حيث أراده الراشي؛ عياذا بالله"
كلام لا علاقة له ببعضه فالفعل المباح هنا وهو تليين الشعر وتمشيطه يشبهه الرجل بفعل محرم هو الرشوة ومازال المؤلف فى سبيل تبغيض الرشوة يسلك طريقا باطلا وهو تلك الصلة اللغوية مع الاصطلاحية المزعومة وعاد فتحدث عن الألفاظ المختارة فقال:
"نظرة في هذه الألفاظ:
يعتبر بعض العلماء أن هذه الألفاظ - رشوة، سحت، برطيل - هي من قبيل الترادف الذي هو ترادف الألفاظ على معنى واحد، ومثل السيف والمهند والصمصام والبتار، ومثل الأسد والهزبر والغضنفر ولكن المحققين من علماء اللغة ينفون الترادف في اللغة العربية، ويقولون إن الترادف بمعنى وجود عدة صفات للمسمى، وكل لفظ يكون ملحوظا فيه بعض تلك الأوصاف؛ كالسيف مثلا للجنس، مميزا له عن السكين وأنواع السلاح الأخرى، والمهند يراعى جودة صنعه مثل المصنوع في الهند فعلا، والصمصام يراعى فيه نوع حديده ومعدنه وهكذا
وقد أيد شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك، ومثل له في قوله تعالى: {يوم تمور السماء مورا} ؛ فقال: يقول العلماء (المور) الحركة من قبيل الترادف، ولكن المور فيه معنى زائد على مطلق الحركة، ألا وهو كونها بسرعة، فالمور الحركة بسرعة
وعليه يمكن أن يقال هنا إن الرشوة والسحت يجتمعان ويقترقان
يجتمعان حينما يكون العمل محرما من الجانبين الراشي والمرتشي، فهو رشوة في حقهما، كما في الحديث: "لعن الله الراشي والمرتشي"، على ما سيأتي الكلام عليه فيما بعد إن شاء الله، وهو سحت في حق المرتشي يأكله سحتا
وينفرد السحت حينما يكون العمل محرما من جانب واحد، وهو جانب الأخذ فقط؛ فيأكله فيأكل ما أخذه سحتا، والله أعلم"

والكلام الذى قاله عن عدم وجود الترادف فى اللغة يبطل مؤلفه بالكامل فما دامت الألفاظ لا يقوم بعضها مقام بعض فكل شرح لشىء يكون باطل لأنه إما أنقص من المعنى بألفاظه أو زاد فيها لأن الألفاظ لا تقوم مقام بعضها وتعرض المؤلف للرشوة فى القرآن فقال:
"الرشوة في القرآن الكريم:
مأخذ النصوص على الرشوة في القرآن عند العلماء في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: في سورة البقرة في أعقاب تشريع الصيام وقبل الفراغ منه، وذلك في قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون}
والنص هنا على وضوحه فهو عام في النهي عن أكل الأموال بالباطل بأي صفة كانت، وخاص في الإدلاء بها إلى الحكام لأكل فريق من أموال الناس بالإثم، وهذا النص أقرب موضوعية إلى الرشوة ولارتباط الرشوة بالرشاء في معنى الإدلاء بها على ما سيأتي إيضاحه إن شاء الله والموضعان الثاني الثالث: في سورة المائدة أولهما عقب تشريع حد السرقة، وتسلية الرسول (ص) عن حزنه من الذين يسارعون في الكفر من المنافقين واليهود، ثم جاء وصفهم بأكل السحت عاشر عشرة صفات ذميمة في قوله تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت} وثانيهما موجه فيه الخطاب صريحا إلى أهل الكتاب، وهو أظهر في اليهود لمجيء صفاتهم الكاشفة بعد النداء، وذلك في قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية، وبعدها: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت} إلى آخر الآية في نفس السياق
{وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون} ، ثم نحا باللائمة على الربانيين والأحبار منهم في عدم النهي عن ذلك وخاصة السحت بقوله: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} وفي هذا الموطن أيضا جاء وصفهم بأكل السحت عاشر عشرة صفات غاية في المذمة
وبدراسة هذه النصوص في تلك المواضع الثلاثة بالتفصيل ستجد حقيقة معنى الرشوة ومعنى السحت وموضوع كل منهما، وبالتالي خطورة وجودهما ومدى تحذير القرآن الكريم منهما، وبأي صورة صور القرآن من يتعاطى شيئا من ذلك"

الرجل ذكر أن الرشوة ذكرت فى القرآن فى ثلاث مواضع وهو كلام خاطىء فلو اعتبرنا الأول فى الرشوة فلا يمكن اعتبار السحت رشوة لأن السحت كلمة تعنى المال الحرام كله وليس جزء منه وحاول المؤلف دراسة المواضع الثلاثة فقال :
"دراسة النص الأول:
النص الأول عن الرشوة في سورة البقرة في قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون}
والمنهج العلمي الصحيح لدراسة نص الموضوع ما يستلزم أخذ السياق كاملا بقدر المستطاع وهو هنا يبدأ من تشريع الصيام في قوله تعالى: {الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} ، ثم بين مدته أياما معدودات، وزمنه شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس، ثم تفضل بالرخصة عند المشقة بمرض أو سفر تيسيرا من الله تعالى، ثم التقرب إلى عباده السائلين والداعين، وما أحل لهم مما كان محرما على من كان قبلهم من الأكل ليلا إلى الفجر وجواز المباشرة ليلا، وفي النهاية جاء هذا النهي: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} الآية، وبعدها يأتي قوله تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} الآية وهنا يأتي السؤال: لماذا آية النهي عن أكل أموال الناس بالباطل في أثناء مجيء آيات الصيام؛ لأن السؤال عن الأهلة وبيان مهمتها ألصق بالصيام؛ لأنه آخر الحج في التوقيت، كما قال فيه: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"والجواب على ما يظهر - والله تعالى أعلم - أنه لتمام الارتباط بين فريضة الصوم وبين تحريم أموال الناس؛ للآتي:
أولا: لأن حقيقة الصوم الإمساك عن المفطرات، وهي أصلها حلال طيلة نهار رمضان كله، وهذا الإمساك هذه المدة من شأنه أن يورث التقوى التي علل بها فرض الصوم لعلكم تتقون؛ فيأتي وبسرعة وقبل الفراغ من توابع تشريع الصيام، شأن الهلال فيستوقف المسلم قائلا: لئن صمت شهرا كاملا عن الحلال المتاح، فلا يصح منك أن تفطر بعد الشهر على أموال الناس بالباطل، بل يجب عليك أن تضيف إلى صومك الشهر عن الحلال صومك طيلة العام عن الحرام؛ فلا تأكل أموال الناس بالإثم على علم منك وإصرار؛ لأن هذا يتنافى مع التقوى التي هي ثمرة الصوم، ولئن فعلت فكأنك ما صمت
ولئن راعينا ما جاءت به السنة من صدقة الفطر وربطت بينها وبين الصوم لوجدنا لفتة كريمة، وهي بمثابة التعبير العلمي عن التأثر بفريضة الصوم فعلا، أي كأن الصائم يقول: نعم يا رب إنه بعد صومي رمضان وتحصيل تقوى الله لم يبق لي تطلع إلى أموال الناس المحرمة، بل أنا أبذل من مالي لغيري
وحقيقة الذي يبذل من ماله تطوعا للغير ابتغاء مرضاة الله لا يرجع بيده الأخرى فيأخذ من مال الناس ما حرم الله وكذلك في السياق مغايرة في أسلوب الخطاب؛ إذ جاء في الأول: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} الخطاب الذي يجمعهم كفرد واحد وأمة واحدة، وبعد الإثم والأكل بالباطل قال: {لتأكلوا فريقا من أموال الناس} فأصبحوا أناسا متفرقين أي إن الصوم جمعهم وآخى بينهم، والرشوة فرقتهم وباعدت بينهم، وهذا في عموم أكل أموال الناس بالباطل، وهو شامل لكل صورة من الصور سواء بالغش والتدليس وبخس الوزن والتطفيف والاختلاس والاغتصاب والسرقة والنهب، وكل أنواع أكل المال بغير وجه حق، وكذلك الربا والرشوة
ولكن عطف الرشوة بخصوصها على ذلك العموم، وهو ما يعلم عند المفسرين بشدة الاهتمام بهذا الخاص من بين أفراد العام، كقوله تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها} ، أي جبريل مع دخوله في عموم الملائكة؛ لاختصاصه فيهم

وقد صورها النص بصورة مطابقة لصورة الراشي والمرتشي بطرفيها؛ حيث قال: {وتدلوا بها إلى الحكام} ، والإدلاء إرسال الدلو إلى ماء البئر، ولا يكون إلا بالحبل، وحبل الدلو يسمى رشاء؛ فالرشاء والرشوة من مادة واحدة، والمدلي هو الراشي، والمدلى إليه هو المرتشي، وما في الدلو هو الرشوة والغاية ليست الحصول على ماء طهور لشراب أو وضوء، ولكن لنقضه من سحت وإثم لأكل فريق من أموال الناس بالإثم عن علم وسبق إصرار، ولما كان التدلي نقيض الترفع فإنه يمكن أن يقال: إن هذا النص يعطينا حكما على المرتشي بأنه تدلى من منعة العز إلى هوة الذل، ومن رفعة الصدق إلى سحيق الكذب، ومن علياء العفة والأمانة إلى حضيض ودنس الشره والخيانة، وانزلق عن جادة الحق إلى مزالق الباطل وقد خصص هذا النص الرشوة في الحكام مع أنها ليست قاصرة عليهم، ولكنها منهم أعظم خطرا وأشد فتكا؛ لأنهم ميزان العدالة؛ فإذا فسد الميزان اختل الاتزان، وإذا خان الوازن ضاع التوازن، ومن ثم ينتشر الفساد وقد يكون يتعلق بالأحكام فيكون من ورائها تغيير حكم الله مما يخاف على صاحبه الكفر - عياذا بالله - إذا كان مستحلا لذلك أو مستهزئا، عافانا الله والمسلمين!وسيأتي لذلك زيادة إيضاح عند الكلام على بقية النصوص، وفي الفصل الخاص بمضار الرشوة وقد يكون الحاكم عفيفا نزيها ولكنها تعطى الأطراف كشاهد وكاتب لوثيقة زورا وبهتانا، أو لأي طرف له تأثير في الموضوع"
الرجل هنا صال وجال فيما لا علاقة له بالرشوة فذكر آيات الصيام قبلها وآية الأهلة بعدها والغريب أن يحاول أن يربط المواضيع الثلاث ببعضها وهو ربط من نوع غريب والغريب أنه قال ان ألاية ليست فى الرشوة بقوله فى الفقرة" ، وهذا في عموم أكل أموال الناس بالباطل، وهو شامل لكل صورة من الصور سواء بالغش والتدليس وبخس الوزن والتطفيف والاختلاس والاغتصاب والسرقة والنهب، وكل أنواع أكل المال بغير وجه حق، وكذلك الربا والرشوة"
ومن ثم فهى لا تصلح طبقا لكلامه على الاستدلال بها على الرشوة ثم قال فى دراسة الموضع الثانى:
"النص الثاني: جاء في سورة المائدة، وكذلك الثالث، وذلك في مسمى السحت الذي تقدم بيانه عند التعريف لغة واصطلاحا، وسنلم بكل منهما على حدة
أ- قال تعالى عن المنافقين واليهود: {سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} وعلى ما قدمنا من ضرورة أخذ السياق كاملا، وهو هنا من أول تشريع حد السرقة: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله} الآية، ثم توابع السرقة - من توبة وحق الله تعالى في التشريع - يأتي خطاب الله للرسول (ص): {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا} ، ثم يصف أعمالهم بقوله: {سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت} الآية
وبتأمل هذا السياق في عمومه، والربط بين أوله وآخره لكانت أمامنا حقيقة ثابتة ظاهرة ألا وهي:
أولا: أن المرتشي سارق
ثانيا: أنه يخشى الكفر عليه؛ لمسارعته إليها تشبيها للمنافقين واليهود في مسارعتهم إلى الكفر
ثالثا: أن هذا من عمل المنافقين واليهود؛ ففيه مشاركة لهم في لوصف
رابعا: منهج المرتشين هو الكذب والسماع للكذابين
خامسا: يأخذون من النصوص ما وافق أهواءهم، وما لم يوافقها يحرفونه من بعد مواضعه
سادسا: أنهم مفتونون فيما يأخذونه وما ينفذون من أعمال غير مشروعة
سابعا: قلوبهم غير طاهرة؛ دنستها الرشوة وأكل السحت
ثامنا: لا يملك أحد لهم من الله شيئا، اللهم إلا هم بأنفسهم إذا تابوا إلى الله تعالى
تاسعا: أنهم في ذلة في حياتهم، وأشد ما يكون مذلة أمام راشيهم
عاشرا: ولهم في الآخرة عذاب عظيم
أي أن آثار الرشوة ظاهر وباطن، وعاجل وآجل
نسأل الله تعالى السلامة والعافية"

كما قلت سابقا الآية لا تتكلم عن الرشوة ولا تصلح دليلا عليها خاصة دون سواها وقوله " دنستها الرشوة وأكل السحت" فرقت بين الرشوة وبين أكل السحت فلو كان المعنى واحد لقال دنستها الرشوة أى أكل السحت ثم درس الموضع الثالث فقال:
"ب- الموطن الثالث:
قوله تعالى: {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون} وبأخذ السياق من أوله أيضا تجده يبدأ من قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم} الآية، {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} وإذا كان قد ظهر لنا الربط في المواطن المتقدمة بين أول السياق وآخره فإننا هنا نجد أن أول السياق مقارنة بين من آمن بالله عقيدة بجميع ما يلزم ذلك الإيمان، وبما أنزل إلينا شريعة بجميع ما يلزم التشريع من حلال وحرام وجائز وممنوع، وبين نقيضهم من أهل الكتاب وفي عرض تلك الصفات الذميمة واختتامها بأكل السحت نجده عاشر عشر صفات كلها مذمومة ومن خواص اليهود، بدأت بالحكم عليهم:
أولا: بأنهم شر مثوبة عند الله ثانيا: قد باءوا باللعنة والغضب من الله تعالى عليهم ثالثا: جعل منهم قردة رابعا: جعل منهم خنازير خامسا: وعبد الطاغوت بدلا من عبادة الله تعالى وحده، وأول ما يشمله كلمة الطاغوت هنا هو الحكم بغير ما أنزل الله وتغيير حكم الله سادسا: وضعهم في شر مكان سابعا: ضلالهم عن سواء السبيل ثامنا: إبطان الكفر مع قولهم آمنا تاسعا: مسارعتهم في الإثم والعدوان، وهو ما كان باطلا في أصله ويوجب إثما لمرتكبه، والعدوان من لوازم الإثم؛ لأن الإثم لا يكون إلا بالتعدي، وكذلك العدوان من لوازمه الإثم؛ لأن كل عدوان لا يكون إلا لما فيه إثم
عاشرا: وأكلهم السحت، وهذه هي النتيجة للعدوان والإثم بسبب أكلهم السحت
وتقدم قبل هذا ملازمة أكل السحت للكذب؛ فالكذب والإثم والعدوان ملازمات لأكل السحت لا ينفك عنها لتحقيق غرضها والوصول إلى هدفه وعدوانه ثم في هذا السياق من زيادة في المنهج بيان من عليه مسؤولية محاربة هذا الداء العضال، ألا وهم الأحبار والربانيون؛ فالأحبار هم العلماء والربانيون هم من جمعوا بين العلم والإنارة، وهذا بيان في تخصيص لولاة الأمر أن عليهم القيام بنهي من تسول له نفسه بأكل السحت، وقدم الربانيون لأنهم أقدر على ذلك لما رجع لهم من الولاية والعلم، وكما في الحديث: "إن الله ليزع بالسلطان" الخ"

وهنا لم يقل الرجل أن السحت هو الرشوة او العكس ومن ثم فالمواضع الثلاث الاستدلال بها باطل والدليل أنه فرق بين الرشوة والسحت فى الفقرة التالية:
"الفرق بين الرشوة والسحت:
لعلنا باستعراض المواطن الثلاثة في القرآن نجد الفرق بين الرشوة والسحت؛ إذ في آية البقرة خاطب الله عموم الناس: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} وصورها بين طرفين أحدهما يدلي للآخر بالرشوة ليأكل فريقا من أموال الناس بالإثم؛ فيتحقق فيها ما دفع لإحقاق باطل أو إبطال حق، ففيها التعدي والحرام من الطرفين المدلي والمدلى إليه، وقد يكون منهما ثالث وهو الرائش بينهما، كما جاء في الحديث على ما سيأتي إن شاء الله أما في آيتي المائدة فإنه جاء فيهما وصف اليهود والمنافقين بالمسارعة إلى الإثم والعدوان وإلى سماع الكذب وأكل السحت، ومما جعله أعم من كونه في رشوة بين اثنين أو أعم من ذلك، فقد يكون في غمط حقه عن صاحبه وقد يكون في تحريف الكلام من بعد مواضعه، وقد يكون في أسباب جعل القردة والخنازير من بعضهم ولعل هذا المعنى يتضح أكثر عند بيان حكم من اضطر إلى دفع ماله لمفاداة نفسه أو عرض أو استخلاص حق ثابت له إن شاء الله وخلاصة القول في هذا الفرق هو أن ما كان في اشتراك بين طرفين في ارتكاب الإثم فهو الرشوة؛ لوجود راش ومرتش، وما كان الإثم فيه من طرف واحد مع اضطرار الطرف الثاني فهو السحت
ويشهد لهذا ما رواه البيهقي بسنده عن مسروق قال: سألت ابن مسعود عن السحت أهو رشوة في الحكم؟ قال: لا؛ {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ، و {الظالمون} و {الفاسقون} ، ولكن السحت أن يستعينك رجل على مظلمة فيهدي لك فتقبله، فذلك السحت"

ومن ثم طبقا لكلامه السحت غير الرشوة ثم تحدث المؤلف عن الرشوة فى الروايات فقال:
"الرشوة في نصوص الحديث:
أظهر الأحاديث نصا في موضوع الرشوة حديث عبد الله بن عمر عند الخمسة، قال: قال رسول الله (ص): "لعنة الله على الراشي والمرتشي" وحديث ثوبان عند أحمد بمعناه، وزيادة: "والرائش"، أي وهو الساعي بينهما يستزيد هذا ويستنقص هذا وحديث أبي هريرة بزيادة: "في الحكم"، رواه أحمد وأبو داود وقد جعلوا منها هدايا العمال؛ لما جاء في حديث ابن اللتبية، بوب عليه البخاري قال: باب هدايا العمال، وساق بسنده أن النبي (ص) استعمل رجلا من بني أسد يقال له ابن الاتبية (أو اللتبية) على صدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا لي؛ فقام النبي (ص) على المنبر فحمد الله عليه ثم قال: "ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول: هذا لك وهذا لي؛ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه ينتظر أيهدى له أم لا! والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها تعير"، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه: "ألا هل بلغت؟ ثالثا قال سفيان: قصه علينا الزهري، وزاد هشام عن أبيه عن أبي حميد قال: سمع أذناي وأبصرته عيني، وسلوا زيد بن ثابت فإنه سمعه معي وعند أبي داود قال: باب في هدايا العمال وساق بسنده أن رسول لله (ص) قال: "يا أيها الناس من عمل منكم لنا على عمل فكتمنا فيه خيطا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة"، فقام رجل من الأنصار أسود كأني أنظر إليه فقال: يا رسول الله! أقبل عني عملك، قال: "وما ذاك؟ " قال: سمعتك تقول كذا وكذا، وقال: "وأنا أقول ذلك؛ من استعملناه على عمل فليأت بقليله فيء وكثيره؛ فما أوتي منه أخذ وما نهى عنه انتهى"وقال البيهقي: أخرجه مسلم في الصحيح من أوجه عن إسماعيل وفي سنن البيهقي بسنده عن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله (ص): "هدايا الأمراء غلول"?ومعلوم أن الغلول جمع غل، وهو الطوق في العنق، وذلك إذا كانت ممن لم يهد إليه من قبل، أو كان لا يكافئ عليها، وكذلك ما أهدي لأهل العامل أو الوالي وساق البيهقي في سننه عن عبد الرحمن بن القاسم حدثنا مالك قال: أهدى رجل من أصحاب رسول الله (ص) -وكان من عمال عمر بن الخطاب نمرقتين لامرأة عمر فدخل عمر فرآهما فقال: (من أين لك هاتين؟ اشتريتيهما؟ أخبريني ولا تكذبيني!) قالت: بعث بهما إلي فلان، فقال: قاتل الله فلانا إذا أراد حاجة فلم يستطعها من قبلي أتاني من قبل أهلي؛ فاجتذبهما اجتذابا شديدا من تحت من كان عليهما جالسا، فخرج يحملهما فتبعته جاريتها فقالت: إن صوفهما لنا ففتقهما وطرح إليها الصوف، وخرج بهما فأعطى إحداهما امرأة من المهاجرات وأعطى الأخرى امرأة من الأنصار
وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه اشتهى يوما التفاح فلم يجد ما يشتري به من ماله، وبينما هو سائر مع بعض أصحابه أهديت إليه أطباق من التفاح؛ فتناول واحدة فشمها ثم رده إلى مهديه، فقيل له في ذلك، قال: (لا حاجة لي فيه) ، فقيل له: إن رسول الله (ص) كان يقبل الهدية، وأبو بكر وعمر فقال: (إنها لأولئك هدية وهي للعمال رشوة) وقد جاء عن أحمد رحمه الله أنه إذا أهدي لقائد الجيش شيء فليس له وحده دونهم وقد ذكر ابن كثير في تاريخه أن جيش المسلمين لما ظفروا بالنصر على إقليم (تركستان) ، وغنموا شيئا عظيما أرسلوا مع البشرى بالفتح هدايا لعمر فأبى أن يقبلها وأمر ببيعها وجعلها في بيت مال المسلمين ومن أبرز ما جاء في أمر العمال والرشوة قصة عبد الله بن رواحة لما بعثه رسول الله (ص) إلى اليهود في خيبر ليخرص عليهم، رواه مالك قال: كان رسول الله (ص) يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر، فجمعوا له حليا من حلي نسائهم، فقالوا: خذ هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم! أما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض
وقد منع العلماء قبول الوالي ومن في معناه هدية ممن لم يكن له عهد بالإهاء إليه، ولو لم تكن له حاجة بالفعل عنده خشية أن تأتي له حاجة فيما بعد فيدلي إليه بما كان من هديته الأولى وقد وقع مثله لعمر كان رجل يهدي إليه رجل جزور كل عام؛ فخاصم إليه يوما فقال: يا أمير المؤمنين اقض بيننا قضاء فصلا، أي كما تفصل الرجل من سائر الجزور؛ فقضى عمر وكتب إلى عماله: ألا أن الهدايا الرشا؛ فلا تقبلن من أحد هدية

دراسة تلك النصوص:
بدراسة تلك النصوص تجد أول شيء التحذير الشديد والوعيد باللعنة - عياذا بالله - على أكل الرشوة، وشملت ثلاثة أشخاص: دافعها وآخذها والساعي بينهما بها
كما تجد التنصيص على الرشوة في الحكم لما لهذا النوع منها من أكبر الخطر على صاحبه، كما قال مسروق عن ابن مسعود: أنه يخشى عليه الكفر؛ وذلك لأنه قد يحكم بغير ما أنزل الله فيدخل تحت قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}

أما حديث ابن اللتبية فهو درس عملي من الرسول (ص) لكل من ولي عملا للمسلمين وأخذ فيه الهدية؛ لأنها في واقع الأمر ليست بهدية خالصة وإنما معها مراعاة حالة العامل، ومن ورائها انتظار ما يترجاه المهدي، وكما قال (ص): "هل جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا"وهو سنة سنها رسول الله (ص) لولاة الأمور في محاسبة العمال، وهو مبدأ (من أين لك هذا؟) ، وقد جاء في بعض رواياته: (فحاسبه (ص) ، أي أمر من يحاسبه ومحاسبة العمال ثابتة عن عمر كما جاء في الإصابة في تراجم الصحابة أن أبا هريرة كان عاملا لعمر على البحرين، فقدم بعشرة آلاف فقال له عمر: (أستأثرت بهذه الأموال؛ فمن أين لك؟) فقال: خيل نتجت وأعطية تتابعت وخراج رقيق لي؛ فنظر فوجدها كما قال، ثم دعاه ليستعمله فأبى؛ فقال: لقد طلب العمل من كان خيرا منك،قال: إنه يوسف نبي الله وأنا أبو هريرة بن أميمة، وأخشى ثلاثا: أن أقول بغير علم، أو أقضي بغير حكم، ويضرب ظهري ويشتم عرضي وينزع مالي
ولعمر مع عماله مواقف عديدة وأمثلة مختلفة في هذا الشأن وأصل ذلك كله من حديث ابن اللتبية وفعل الرسول (ص) معه وجاء نص حديث أبي حميد الساعدي عن رسول الله (ص): "هدايا الأمراء غلول"، وقد بين حديث أبي داود أن من كتم من العمال ولو مخيطا- أي ولو أقل شيء قيمته قيمة الخيط - فهو غل يوم القيامة، وترى هذا التحذير قد أفزع بعض العمال فطلب إقالته
أما أثر عمر فهو زيادة على رفض الهدية؛ فإنه قد بين للعمال وكل من حرمت عليه هدايا العامة أن يؤخذ من جهة أهله سواء زوجه أو ولده أو خادمه أو أي إنسان مرتبط به ارتباط الأهل ولذا قال العلماء: لا ينبغي للقاضي أن يتولى الشراء لنفسه خشية المحاباة، ولا يشتري له من يعلم أنه من طرفه؛ حفاظا على القاضي من ريبة الرشوة"

مما سبق من دراسة آيات القرآن والروايات لا نجد تعريفا للرشوة فى الدراسة فمثلا الهدية للوالى أو العامل فى الروايات عدا واحدة كان المراد بها رضاه دون الحصول على مال من أموال الناس والواحدة وهى الجزور كان الغرض منها الحصول على فريق من أموال الناس وهو ما يخالف تعريف الجرجانى الذى أقر المؤلف بصحته فلا يوجد فيما عدا رواية الجزور احقاق باطل أو ابطال حق
[/align]