[align=justify]
نقد كتاب حقيقة الضرورة الشرعية
الكتاب من تأليف محمد بن حسين الجيزاني وهو يدور حول الضرورة فى الشرع وفى مقدمته قال:
"تواترت الأدلة والشواهد على مراعاة حالة الضرورة في أحكام هذه الشريعة الغراء وإليك فيما يأتي إشارة موجزة لطائفة من هذه الأدلة:
أولا: من القرآن الكريم:
ورد ذكر الاضطرار في القرآن الكريم في خمس آيات، كلها جاءت في سياق واحد، وهو ذكر ما يحرم من الأطعمة
1 قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم)
2 قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم)
3 قوله تعالى: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك أعلم بالمعتدين)
4 قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم)

5 قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) "
الكلام هنا عن الاضطرار وليس الضرورة كلفظ وبعد أن ذكر ما أتى عنها فى القرآن ذكر بعض الروايات عنها فقال:
"ثانيا: من السنة المطهرة:
قوله (ص): (لا ضرر ولا ضرار) وعن أبي واقد الليثي قال: قلت يا رسول الله: إنا بأرض تصيبنا بها مخمصة فما يحل لنا من الميتة؟ قالنقد كتاب حقيقة الضرورة الشرعية frown.gifإذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفئوا بقلا فشأنكم بها) قال ابن الأثير في بيان هذا الحديث: (والاصطباح ـ ها هنا ـ أكل الصبوح، وهو الغداء، والغبوق: العشاء، وأصلهما في الشرب ثم استعملا في الأكل أي ليس لكم أن تجمعوهما من الميتة) وقوله: (ولم تحتفئوا بها بقلا) أي: ما لم تقتلعوا هذا بعينه فتأكلوه "
ثم ذكر ما سماه القواعد العامة للضرورة فقال:
ثالثا: قواعد الشريعة العامة:

تندرج مسألة الضرورة تحت القواعد الشرعية الآتية:
القاعدة الأولى: أن هذه الشريعة مبنية على المحافظة الضروريات الخمسة: الدين والنفس والعقل والنسل والمال وقد علم بالاستقراء التام الحاصل بتتبع نصوص الكتاب والسنة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات مراعاة الشارع لهذه الضروريات الخمسة والتفاته إليها في جميع أحكامه، ويستحيل أن يفوتها في شيء من أحكامه، بل جميع التكاليف الشرعية تدور حولها بالحفظ والصيانة"

الخطأ فى الكلام هو وجود الضرورات الخمس وهى فالنفس والعقل والنسل يعتبرون شىء واحد فالحفاظ على النفس من ضمنه الحفاظ على العقل ومن ضمنه الحفظ على النسل كما أن الحفاظ على الدين خطأ فالله حافظ على الدين بقوله" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"والمراد صيانة دين النفس وهو الإسلام فى النفس بقتل من يرتد ثم قال:
"القاعدة الثانية: أن هذه الشريعة مبنية على جلب المصالح للعباد ودرء المفاسد عنهم وقد تواترت الأدلة على ذلك؛ فمنها: قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وقوله سبحانه: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) ومن السنة: قوله (ص): (لا ضرر ولا ضرار)"

قطعا الشريعة مبنية على العدل سواء كان هذا العدل يجلب الضرر للعباد كفرض القتال وفرض القصاص فى القتل أو يحرم جلب النفع مثل تحريم حج الكفار مع ما كان فيه من منافع مالية وكذلك تحريم الخمر والميسر مع وجود منافع لهم ثم قال:
"القاعدة الثالثة: أن هذه الشريعة مبنية على التيسير والتخفيف ورفع الحرج والمشاق عن المكلفين وقد تواترت الأدلة على ذلك؛ فمنها: قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم) وقوله سبحانه: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ومن السنة: قوله (ص): (بعثت بالحنيفية السمحة) وقوله (ص): (يسروا ولا تعسروا)"
هناك فهم خاطىء لليسر والعسر فهما العدل والظلم لأن من الأحكام ما هو ثقيل على النفس عسير كالقتال وفيه قال تعالى " كتاب عليكم القتال وهو كره لكم" فالقتال واجب مع كراهية المسلمين له لأنه يتسبب فى قتلهم وجرحهم وتخريب بيوتهم وأموالهم ومساكنهم ثم قال:
"القاعدة الرابعة: أن الأحكام الشرعية مشروطة بالقدرة والاستطاعة
وقد دل على ذلك قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتها) ومن السنة قوله (ص): (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)"

وبعد ذلك حدثنا الجيزانى عن تعريف الضرورة فقال:
المطلب الأول: تعريف الضرورة لغة واصطلاحا :

المسألة الأولى: معنى الضرورة في اللغة :
يمكن إيضاح معنى الضرورة في اللغة في أربع نقاط:
1 أن أصل مادة (ضر) خلاف النفع
2 أن الضرورة تأتي بمعنى المشقة
3 أن الضرورة تأتي بمعنى الحاجة
4 أن الضرورة تأتي بمعنى: الحاجة والشدة لا مدفع لها وهي اسم لمصدر الاضطرار
والاضطرار: الاحتياج إلى الشيء؛ يقال: اضطره إليه: أحوجه وألجأه فاضطر ويقال: الضرورة والضارورة والضارور والضاروراء والجمع ضرورات "

والتعريف اللغوى ليس له أى لزوم ثم عرف الضرورة فى الاصطلاح فقال:
"المسألة الثانية: معنى الضرورة في الاصطلاح :

للضرورة بالمعنى الاصطلاحي عدة إطلاقات:
الإطلاق الأول: عند أهل الكلام؛ حيث تطلق الضرورة على ما لا يفتقر إلى نظر واستدلال، حيث تعلمه العامة؛ يقال: هذا معلوم بالضرورة، أي بالبديهة والضرورة بهذا الإطلاق مقابل العلم النظري
الإطلاق الثاني: عند العروضيين في الشعر؛ حيث تطلق الضرورة على: الحالة الداعية إلى أن يرتكب فيها ما لا يرتكب في النثر
الإطلاق الثالث: عند علماء الشريعة:يراد بالضرورة عند الفقهاء والأصوليين: الحاجة الشديدة الملجئة إلى مخالفة الحكم الشرعي
وقد تضمن هذا التعريف قيدين اثنين:
أولهما: أن الضرورة حاجة ملجئة لا مدفع لها، وهذا ما دل عليه المعنى اللغوي وثانيهما: أن الضرورة عذر معتبر شرعا، وسبب صحيح من أسباب الترخص، يقتضي مخالفة الحكم الشرعي"

الخطأ هنا هو أن الضرورة تقتضي مخالفة الحكم الشرعي فالضرورة هى الأخرى هى حكم شرعة فلا يمكن أن يخالف حكم شرعى إلا بحكم شرعى مماثل ثم قال الجيزانى:
"وبهذا يتبين أن الضرورة اجتمع فيها أصلان:
الأصل الأول: كونها من قبيل المصلحة، وهذا ما دل عليه قوله في التعريف: (الحاجة الشديدة) حيث إنها اختصت بأعلى درجات المصالح وأقواها، وهو كونها مصلحة ضرورية
الأصل الثاني: كونها سببا من أسباب الرخصة، وهذا ما دل عليه قوله في التعريف: (الملجئة إلى مخالفة الحكم الشرعي) حيث إن هذا السبب اختص بكونه أقوى الأعذار الموجبة للرخصة على الإطلاق، وهو الاضطرار"

كرر الرجل الخطأ السابق بالقول الملجئة إلى مخالفة الحكم الشرعي فحكم الضرورة وهو الاضطرار حكم شرعى بنصوص من الله ثم ناقش العلاقة بين الضرورة وما يقاربها من المصطلحات فقال:
"المطلب الثاني: العلاقة بين الضرورة وما يقاربها من المصطلحات:
"المسألة الأولى: العلاقة بين الضرورة والحاجة:
تتفق الضرورة والحاجة في أن كلا منهما يستدعي التيسير والتخفيف؛ حيث إن الضرورة والحاجة يشتركان في معنى واحد، وهو أصل المشقة، إلا أنهما يختلفان في مقدار المشقة ذلك أن المشقة في باب الضرورة مشقة فادحة غير عادية؛ إذ يترتب عليها التلف أو ما يقاربه، فالضرورة هي الحالة الملجئة التي لابد منها، فهي تستدعي إنقاذا ودفعا للهلاك
وأما المشقة في باب الحاجة؛ فإنها مشقة محتملة عادية، لا يترتب عليها الهلاك والتلف، وإنما يحصل معها الحرج والضيق، فالحاجة تستدعي تيسيرا وتسهيلا لأجل الحصول على المقصود ودفع هذه المشقة أو تلك يدخل تحت باب المصالح، ومن هنا كانت المصالح تنقسم إلى مصالح ضرورية ومصالح حاجية وأخرى تحسينية فالمصالح الضرورية نسبة إلى الضرورة، كما أن المصالح الحاجية نسبة إلى الحاجة
قال الشاطبي في بيان النوع الأول وهو المصالح الضرورية: "فأما الضرورية؛ فمعناها أنها لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين" ويقول في بيان النوع الثاني وهو المصالح الحاجية: "وأما الحاجيات؛ فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل المكلفين ـ على الجملة ـ الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة" وبهذا يظهر جليا أن المشقة الواقعة في باب الحاجة أدنى رتبة من المشقة الواقعة في باب الضرورة وقد"جعل بعضهم المراتب خمسة: ضرورة، وحاجة، ومنفعة، وزينة، وفضول فالضرورة: بلوغه حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب؛ كالمضطر للأكل واللبس بحيث لو بقي جائعا أو عريانا لمات أو تلف منه عضو وهذا يبيح تناول المحرم والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك غير أنه يكون في جهد ومشقة وهذا لا يبيح المحرم وأما المنفعة: فكالذي يشتهي خبز الحنطة ولحم الغنم والطعام الدسم وأما الزينة: فكالمشتهي الحلو المتخذ من اللوز والسكر والثوب المنسوج من حرير وكتان وأما الفضول: فهو التوسع بأكل الحرام أو الشبهة؛ كمن يريد استعمال أواني الذهب أو شرب الخمر" والحاصل أن الضرورة هي أعلى المراتب ثم تأتي الحاجة وقد ترتب على هذا الفرق أثر عظيم؛ حيث إن الضرورة يباح معها الإقدام على ارتكاب المحظور في سبيل دفعها، وهذا ما دلت عليه قاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات)
وهذا بخلاف الحاجة فإنها لا تبيح ارتكاب المحظور، لكنها تستدعي تيسيرا وتخفيفا، وقد تنزل الحاجة منزلة الضرورة في الترخص لأجلها بارتكاب المحظور وقد ورد في هذا المعنى قاعدة: (الحاجة تنزل منزلة الضرورة) وفي لفظ: (الحاجة تنزل منزلة الضرورة؛ عامة كانت أو خاصة) ومن الأمثلة على الحاجة العامة: "مشروعية الإجارة، والجعالة، والحوالة، ونحوها جوزت على خلاف القياس لما في الأولى من ورود العقد على منافع معدومة وفي الثانية من الجهالة وفي الثالثة من بيع الدين بالدين؛ لعموم الحاجة إلى ذلك والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة" ومن الأمثلة على الحاجة الخاصة: تضبيب الإناء بالفضة لإصلاح موضع الكسر، ولبس الحرير لحاجة الجرب والحكة ودفع القمل"

تقسيم المصالح لثلاث ثم لخمس هو تقسيم بشرى لا أساس له من الوحى ولا يوجد ما يسمى مصالح ضرورية ومصالح حاجية أو غيرها فالمصالح وهو اسم هو الأخر غير شرعى مختلفة فى كثير من المسائل ومن ثم كل مسألة تعالج حسب النص من الله فمثلا الأكل وضح الله أحكام الضرورة وهى الاضطرار فيه ومثلا الصوم وضح الله حكمه وهو الحفاظ على صحة المرضى والمسافرين ومثلا الهجرة وضح الله أحكام الضرورة فى الهجرة وهى العفو عمن لا يستطيع سبيل إليها ومثلا القتال وضح أحكام الضرورة وهو قطع الأشجار والزروع
ومن ثم لا ضرورة إلا بنص ككل حكم فى الشرع وتلك الضرورات قد تكون حفاظ على الحياة أو على الصحة أو تخريب للصالح أو بقاء على الكفر فى الظاهر
وحدثنا الرجل عن اختراعات الفقهاء التى اخترعوها نتيجة مخالفة نصوص الوحى فقال:
"شروط تنزيل الحاجة منزلة الضرورة:
إذا تقرر أن الحاجة عامة كانت أو خاصة تجعل في منزلة الضرورة في جواز الترخيص لأجلها فإن هذا ليس على إطلاقه، وإنما يشترط لذلك أن تتصف هذه الحاجة بقدر من الشدة الزائدة والمشقة الظاهرة وذلك بأن يعم البلاء بهذه الحاجة ويكثر، أو يجري عليها تعامل، أو يرد في ذلك نص، أو يكون لها نظير في الشرع يمكن إلحاقه به ومن هنا يتبين أن الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة ليس فيها ـ بحسب الغالب ـ مخالفة لنص معين، أما الضرورة فإنها من قبيل الأحكام الاستثنائية، التي وردت على خلاف النص ولذلك فالحاجة إنما تعتبر في موضع لا نص فيه، بخلاف الضرورة فإنها تعتبر في موضع النص وقد انبنى على هذا الفرق أثر كبير؛ حيث إن الترخص لأجل الضرورة مؤقت بزمن محدد، وهو قيام العذر، ثم إنه خاص للمضطر دون غيره، بخلاف الترخص لأجل الحاجة فإنه ـ في الغالب ـ يأخذ صفة الدوام والاستمرار؛ إذ ينتفع به المحتاج وغيره، سواء مع وجود الحاجة أو عدمها
المسألة الثانية: العلاقة بين الضرورة والرخصة
يشترك كل من الضرورة والرخصة في كونهما سببا شرعيا للتسهيل والتيسير ورفع المشاق إلا أن التسهيل في باب الضرورة يختص بالحاجة الشديدة الملجئة، وذلك بخلاف التسهيل في باب الرخصة فإنه أعم؛ إذ هو يشمل الحاجة الشديدة الملجئة ويشمل غيرها من الأعذار الموجبة للتخفيف والترخص
بيان ذلك أن الرخصة في اصطلاح الأصوليين هي: الحكم الثابت على خلاف الدليل الشرعي لمعارض راجح وللرخصة أسباب كثيرة، منها: الجهل والنسيان والسفر والمرض والاضطرار ومن هنا يظهر أن الضرورة أو الاضطرار سبب من أسباب الرخصة وبهذا النظر يمكن أن نقول: إن الرخصة أعم مطلقا من الضرورة؛ فكل ضرورة رخصة، وليس كل رخصة ضرورة فالعلاقة إذن بين الضرورة والرخصة هي العموم والخصوص المطلق
المسألة الثالثة: العلاقة بين الضرورة والمشقة
تشترك الضرورة في واحد من معانيها اللغوية مع المشقة؛ إذ تأتي الضرورة في اللغة بمعنى المشقة، وقد تقدم بيان ذلك في التعريف اللغوي ومن هذا الوجه فالضرورة والمشقة مترادفان؛ إذ هما بمعنى واحد وأما بالنظر للمعنى الشرعي للضرورة فإن المشقة أعم من الضرورة؛ حيث إن المشقة على مراتب:
الأولى: المشقة العظيمة الفادحة؛ كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء
الثانية: المشقة الخفيفة؛ كأدنى وجع في إصبع، وأدنى صداع في الرأس
الثالثة: مشقة متوسطة بين هاتين المرتبتين؛ كحمى خفيفة، ووجع الضرس اليسير
ولا ضبط لهذه المراتب إلا بالتقريب بخلاف الضرورة الشرعية؛ فإنها خاصة بالمشقة الفادحة العظيمة ومن هذا الوجه فإن العلاقة بين الضرورة والمشقة هي العموم والخصوص المطلق؛ إذ المشقة أعم مطلقا من الضرورة؛ حيث إن كل ضرورة مشقة، وليس كل مشقة ضرورة "

الكلام السابق جعل العلماء يبيحون أمورا لا أساس لها سوى تكريس الظلم فى المجال الاقتصادى وبالتالى هو ما أدى لكل أنواع المظالم الأخرى كالإجارة، والجعالة وبيع بيوت السكن وشراءها وووجود مؤسسات اقتصادية مملوكة لأفراد بينما فى كتاب الله الأرض كلها ملكية مشتركة للمسلمين وهم شركاء فى منافعها ولا يجوز لأحد فيها تملك شىء سوى المال النقدى الناتج من أسباب شرعية والبيت الذى يسكن فيه ثم حدثنا عن أسباب الوقوع في الضرورة الشرعية فقال:
"المطلب الثالث: أسباب الوقوع في الضرورة الشرعية

حصر بعض أهل العلم أسباب الاضطرار في أمرين:
إما بإكراه من ظالم، أو بجوع في مخمصة وكأن المراد من هذا الحصر: حالات الاضطرار التي ورد بها نص القرآن الكريم؛ حيث جاء في ذلك قوله سبحانه: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) والآيات التي في معناها، وقوله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم)
وأسباب الوقوع في الضرورة كثيرة، فمن ذلك:
التداوي، ودفع الصائل، ومقاتلة العدو، والحريق والغريق، وفي عصرنا الحاضر: حوادث السيارات والقطارات والطائرات ولئن استرسلنا في تعداد الأسباب فالمقام يطول، والأولى في مثل ذلك هو الالتفات إلى ضابط حسن يجمع هذه الأسباب ويردها إلى أصل جامع وعند التأمل نجد أن القدر المشترك بين هذه الأسباب، وهو السبب الجامع لها هو المحافظة على الضروريات الخمس: الدين والنفس والعقل والنسل والمال فأسباب الضرورة ـ بهذا النظر ـ تنقسم إلى خمسة أقسام؛ بحسب الضروريات الخمس:
1 ضرورة سببها حفظ الدين، مثل قتل الشيوخ والنساء والأطفال في الجهاد إذا تحصن بهم العدو حفظا للدين
2و3 ضرورة سببها حفظ النفس والعقل، وذلك مثل تناول المحرم في المخمصة أو المرض
4 ضرورة سببها حفظ النسل، مثل دفع المال للمعتدي حفظا لعرض امرأة مسلمة
5 ضرورة سببها حفظ المال، مثل إفساد قليل المال حفظا لأكثره
ويمكن تقسيم هذه الأسباب بنظر آخر إلى قسمين:

أ بأمر سماوي؛ كالمجاعة والحيوان الصائل
ب بأمر غير سماوي؛ كالإكراه الملجئ "

وأنقل هنا كم كتابى مقصد الشريعة التالى:
إن أول الأخطاء فى المقاصد هو اعتبار كل من النفس والعقل والعرض ثلاثة أشياء مختلفة والحق أن العقل جزء من النفس يسمى البصيرة وفى هذا قال تعالى بسورة القيامة "بلى إن الإنسان على نفسه بصيرة "والعرض جزء من النفس يسمى شهوة النساء عند الرجال وشهوة الرجال عند النساء وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران "زين للناس حب الشهوات من النساء "وسمى الله العرض الفرج فقال بسورة النور "ويحفظوا فروجهم "و"ويحفظن فروجهن "ومن هذا يتضح أن الحفاظ على العقل والعرض هو من ضمن الحفاظ على النفس .
ثانى الأخطاء الحفاظ على الدين وبداية لابد من طرح السؤال التالى ما المراد بالحفاظ على الدين هل الحفاظ على الإسلام أم الحفاظ على استمرارية إسلام الفرد ؟إذا كان المراد هو الحفاظ على الإسلام كنصوص فهو أمر جنونى لسبب بسيط هو أن الإسلام محفوظ من قبل الله فى الكعبة الحقيقية مصداق لقوله تعالى بسورة الحجر "إنا أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون "وإذا كان المراد هو الحفاظ على استمرارية إسلام الفرد فى اتباعها وإنما الذى يحافظ هو الفرد وفى هذا قال تعالى بسورة الإسراء "من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها "وقال بسورة الكهف "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "ومن هذا يتضح أن الفرد وحده هو الذى يحافظ على إسلامه أو لا يحافظ
ثالث الأخطاء هو أن الشريعة تقصد الحفاظ على النفس وهو ما يخالف التالى :
أن الإسلام فرض القتال بقوله تعالى بسورة البقرة "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم "وأنه أمرنا بقتال المشركين كافة كما يقاتلوننا بقوله "قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة "وأن الله شجعنا على الحصول على إحدى الحسنيين وهما النصر والشهادة التى هى الموت الذى يدخل الجنة وفى هذا قال تعالى بسورة الأنفال "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم "وأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون الكفار ويقتلون وفى هذا قال تعالى بسورة التوبة "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن " ومن يدرس الوحى يجد أن المسلمين يعرضون أنفسهم للموت فإبراهيم (ص)عرض نفسه للموت حرقا عندما كسر الأصنام لقومه وأصحاب الأخدود عرضوا أنفسهم للموت حرقا أيضا بسبب إسلامهم الذى أعلنوه ولم يتراجعوا عنه ومن هذا يتضح التالى أن الإسلام يريد من الإنسان كسب نفسه بإدخالها الجنة وليس الحفاظ على حياته الدنيا .
رابع الأخطاء هو أن الشريعة تقصد الحفاظ على المال والسؤال الواجب طرحه هو ما المال الذى تقصد الشريعة حفظه ؟إن الشريعة لا تطالب بحفظ كل أنواع المال وإنما تطالبنا بحفظ مال اليتيم والسفيه وأما غيرها فيجب إنفاقه وعدم الحفاظ عليه وفى هذا أتت العديد من الآيات مثل قوله تعالى بسورة الطلاق "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله "وقوله بسورة البقرة "قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى "وقوله بسورة الفرقان "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يفتروا "وطبعا الشريعة تطالبنا بتثمير المال وهو استغلاله فى النفع حتى يزيد وأما الحفاظ على المال فهو الكنز المحرم الذى توعد الله أصحابه بالعذاب الشديد فقال بسورة التوبة "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم "وطبعا لم يغب عن بالنا أن المال يجب حمايته من السرقة والربا والرشوة وغيرها من المحرمات وهذه الحماية لا تسمى حفاظا على المال .
ثم حدثنا عن ضوابط الضرورة فقال:
"المطلب الرابع: ضوابط الضرورة الشرعية :
المراد بضوابط الضرورة الشرعية: الشروط المعتبرة شرعا في حالة ما، حتى يسوغ تسمية هذه الحالة ضرورة شرعية يسوغ لأجلها الترخص بارتكاب المحظور وهذه الشروط يمكن جمعها في أربعة ضوابط:
1 قيام الضرر الفادح وحصوله؛ يقينا أو غالبا
2 تعذر الوسائل المباحة لإزالة هذا الضرر؛ فيتعين إذ ذاك ارتكاب المحظور لأجل إزالته
3 أن تقدر هذه الضرورة، وهي ارتكاب المحظور بقدرها: من حيث الكم والوقت
4 النظر إلى المآل؛ بحيث ألا يترتب على العمل بالضرورة ضرر مساو أو أكبر من الضرر الحاصل
وإليك فيما يأتي بيان هذه الضوابط:
الضابط الأول: قيام الضرر الفادح وحصوله؛ يقينا أو غالبا وذلك بأن يتيقن المكلف أو يغلب على ظنه أنه إن لم يرتكب المحظور فسيلحقه ضرر فادح في إحدى الضروريات الخمسة..

الضابط الثاني: تعذر الوسائل المباحة في إزالة الضرر
وذلك بأن يتعين ارتكاب المحظور وسيلة لدفع الضرر؛ ...

الضابط الثالث: أن تقدر هذه الضرورة، وهي ارتكاب المحظور بقدرها: من حيث الكم والوقت ويدخل تحت هذا الضابط شرطان:
الشرط الأول: أن يقتصر في ارتكاب المحظور على أقل قدر ممكن منه
...الشرط الثاني: أن يتقيد الإذن في ارتكاب المحظور بزمن بقاء العذر

والمراد بهذا الشرط بيان أن العمل بالضرورة مرتبط بوجود العذر...مثال ذلك: أن المتيمم إذا وجد الماء وقدر على استعماله بطل تيممه: ...
الضابط الرابع: ألا يترتب على ارتكاب المحظور لأجل الضرورة ارتكاب محظور آخر أعظم منه أو مثله ..."

كل هذا الحديث خارج الشرع فلا توجد شروط يستنتجها البشر ولكن توجد نصوص هى من تبيح وتحرم وهى وضعت لكل حالة من الممكن أن تحدث فى دنيانا لأن الوحى وهو القرآن فيه حكم كل شىء كما قال تعالى "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء" ثم حدثنا عن حكم العمل بالضرورة فقال:
"المطلب الخامس: حكم العمل بالضرورة:
حكم العمل بالضرورة من حيث هي ضرورة الإباحة
والمراد بالإباحة ها هنا: رفع الحرج والإثم والدليل على ذلك: قوله سبحانه: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) حيث نفى عنه الإثم
أما حكم الضرورة على التفصيل؛ فإن الضرورة على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ضرورة يجب فعلها؛ كأكل الميتة بالنسبة للمضطر الذي لا يجد من الحلال ما يرد به نفسه فالمضطر قد أرخص له في ارتكاب المحظور بأكل الميتة، قصدا لرفع الحرج عنه، ردا لنفسه من ألم الجوع؛ فإن خاف التلف كان مأمورا بإحياء نفسه، وكان ذلك عزيمة من هذه الجهة، وإنما يسمى رخصة من جهة رفع الحرج عن نفسه
وعلى هذا يفهم معنى الإباحة الواردة في قاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات) أي أن الضرورات تغير حكم المحظور وتنقله من المنع والحظر إلى الإذن والإباحة فالمقصود من هذه القاعدة بيان أثر الضرورة في تغيير أحكام المحظورات، أما حكم العمل بالضرورة فإنه يختلف بحسب الإضافات والأحوال، ولا يأخذ حكم الإباحة باطراد
والعمل بالضرورة في هذا القسم واجب، بحيث لو امتنع عن الأخذ بالرخصة كان آثما، وذلك لأن حفظ النفس واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
القسم الثاني: ضرورة يباح فعلها؛ كإجراء كلمة الكفر على اللسان عند الإكراه فالعمل بالضرورة في هذه الحالة جائز، حيث اقتضت الضرورة الإذن في ارتكاب المحظور، وهو التلفظ بكلمة الكفر، ويبقى هذا المحظور على ما هو عليه من الحرمة والحظر، ولا يصير جائزا؛ لأن حرمته مؤبدة والمرفوع إنما هو الإثم والمؤاخذة الأخروية، بل إن هذا المكره لو صبر حتى قتل لصار شهيدا ومن الأمثلة على ذلك أيضا: الاضطرار إلى أخذ مال الغير أو إتلافه، فيباح ذلك للمضطر لأجل الضرورة، ولكن لا يبطل هذا الاضطرار حق الغير، فيجب على المضطر ضمان ما أتلف؛ إذ القاعدة تقول: (الاضطرار لا يبطل حق الغير) حيث إن الاضطرار يفيد حل الإقدام على مال الغير ولا يفيد رفع الضمان وإبطال حق الغير
وبهذا يعلم أن المحظورات التي تبيحها الضرورة نوعان:
محظور تسقط حرمته؛ نحو الأكل من الميتة، ومحظور باق على حرمته، وإنما ترفع الضرورة المؤاخذة الأخروية عنه؛ نحو التلفظ بكلمة الكفر، وإتلاف مال الغير
القسم الثالث: ضرورة يحرم فعلها؛ نحو قتل المسلم، أو قطع عضو منه بغير حق وهذا القسم لا يدخل تحت حقيقة الضرورة الشرعية وبهذا يتبين لنا أن الضرورات لا تبيح كل المحظورات، بل هناك محظورات لا تباح البتة، وإنما تبيح الضرورات من المحظورات ما كانت رتبته وخطورته دون رتبة الضرورة، وهذا معنى قولهم في تتمة هذه القاعدة: (بشرط عدم نقصانها عنها)وبهذا نخلص إلى أن قاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات) تحتاج إلى تقييد من جهتين:
o أن الإباحة ها هنا بمعنى رفع الإثم والحرج، لا بمعنى التخيير بين الفعل والترك
o أن الضرورات لا تبيح كل المحظورات، بل هناك محظورات لا تباح البتة ويمكننا بعد مراعاة هذين القيدين صياغة هذه القاعدة على هذا النحو:
الضرورات ترفع الإثم والحرج عن المحظورات التي دونها في المفسدة ومحصل الكلام في حكم العمل بالضرورة الشرعية هو الإباحة، وذلك من حيث هي ضرورة وأما بالنظر إلى ما يتصل بالضرورة من قرائن وأحوال فإن حكمها يدور بين الإباحة والوجوب، ولا يكون العمل بالضرورة الشرعية محرما بحال.."

كما سبق القول حكم الله هو من يحدد فهناك أحكام واجبة منها ما يحافظ على الحياة كأكل الميتة ومنها ما يؤدى لذهاب الحياة أو إضرار الجسم كالقتال وهناك أحكام يجوز فيها الاختيار حسب ما يظهر للمسلم كقطع الشجر فى الحرب فإن وجد أن الشجر يؤدى لأضرار فى النفوس والأجسام للمسلمين قطع وإن لم يحدث ترك على وضعه
ثم حدثنا عن القواعد الأصولية والفقهية المتعلقة بالضرورة فقال:
المطلب السادس: القواعد الأصولية والفقهية المتعلقة بالضرورة :
المسألة الأولى: الرخصة:
الرخصة في اللغة وزان غرفة، وهي التسهيل في الأمر والتيسير وفي اصطلاح الأصوليين: الحكم الثابت على خلاف الدليل الشرعي لمعارض راجح وللترخص أسباب كثيرة، فمن ذلك:
الأول: السفر، ومن الرخص المشروعة فيه:
القصر، والفطر، والجمع بين الصلاتين، والمسح أكثر من يوم وليلة، وترك الجمعة، وأكل الميتة، والتنفل على الدابة
الثاني: المرض ورخصه كثيرة، منها: التيمم عند مشقة استعمال الماء، والقعود في صلاة الفرض

الثالث الإكراه والاضطرار، ومن رخصه: جواز إجراء كلمة الكفر على اللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان، والأكل من الميتة في المخمصة
الرابع: العسر وعموم البلوى، كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها كدم القروح والدمامل والبراغيث والقيح والصديد، ...
المسألة الثانية: الاستحسان
الاستحسان في اللغة: استفعال من الحسن، وهو عد الشيء واعتقاده حسنا ويطلق عند الأصوليين على: (العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص) وحيث إن هذا الدليل الخاص قد يكون نصا أو إجماعا أو ضرورة فإن الاستحسان بهذا الاعتبار ينقسم إلى أقسام عدة بحسب أقسام الدليل الخاص، فمن ذلك:
1 استحسان النص، ومثاله: أن الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا فإنه يتم صومه وصومه صحيح مع كون الصائم قد فعل أمرا ينافي حقيقة الصوم، إلا أن الحديث أوجب العدول عن ذلك، وهو قوله (ص): (إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)
2 استحسان الإجماع، ومثاله: إباحة عقد الاستصناع، مع كونه عقدا على معدوم، ...
3 استحسان الضرورة، ومثاله: الحكم بطهارة البئر بعد تنجيسها، ...وبهذا يتبين أن الضرورة تصلح أن تكون مستندا للاستحسان "

والإستحسان :
هو تفضيل شىء على شىء أو أكثر وهو عند القوم إباحة الشىء لإستحسان النفس إياه لفوائده وهو لا يصلح كمصدر للحكم للتالى :
-أن النفس منها العقل استحسانها على نوعين مباح ومحرم وهو مبنى على أساس الوحى الإلهى وليس معقولا أن يكون هناك أساس فوق الأساس لأن الأساس واحد .
-أن الفائدة لا تصلح كأساس للإستحسان لأن الفائدة فى الإسلام قد تكون خيرا للمسلم أو أذى له فى الدنيا فأساس الإستحسان هو جلب الخير والإسلام فيه أحكام تجلب الأذى ومنه الجهاد وتحريم حج الكفار ومن ثم فالفائدة فى الإسلام ليست هى فائدة الإستحسان .
-أن الله قرر أن مصدر الحكم هو ما أنزل الله أى ما أوحى الله وحده وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".
-أننا لو جعلنا الإستحسان مصدرا للحكم لأشركنا فاعليه مع الله وهو ما حرمه بقوله بسورة لقمان "لا تشرك بالله ".
ومما ينبغى ذكره أن الإستحسان بمعنى تفضيل بعض الأشياء على بعض أتت فيه نصوص منها قوله تعالى بسورة الرعد "وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الأكل "فهذا النص يبيح لنا أن نستحسن أكل أطعمة على أخرى وقوله بسورة البقرة "واذكروا الله فى أيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه "فهذا النص يبيح للمسلم أن يستحسن ذكر الله فى عدد الأيام التى يريد شرط ألا يقل عددها عن اثنين والإستحسان مواضعه أى التفضيل مواضعه محددة فى النصوص فمنها ما فى الأكل ومنها ما فى القتل ومنا ما فى الطلاق وغيره .
ثم حدثنا عن المصالح المرسلة فقال:
"المسألة الثالثة: المصالح المرسلة :
المصلحة لغة: ضد المفسدة، وهي الخير والصواب والمصلحة المرسلة عند الأصوليين هي: منفعة لم يشهد الشرع لاعتبارها ولا لإلغائها بدليل خاص وتنقسم المصلحة المرسلة بالنظر إلى قوتها إلى ثلاثة أقسام: فأقواها المصلحة الضرورية ثم الحاجية ثم التحسينية ...وبهذا يتبين أن الضرورة قد تكون قسما من أقسام المصلحة المرسلة"

المصالح المرسلة:
هى الفوائد التى تأتى من وراء إحداث حكم محدد وهى لا تصلح كمصدر للحكم للتالى :
-أن المصالح فى الإسلام ليس أساسها نفع المسلمين أو درأ الضرر عنهم كليا وإنما المصلحة هى ما أدت لإكساب المسلم الحسنات فى الدنيا والجنة فى الأخرة حتى لو أدت إلى إضراره دنيويا والدليل وجود أحكام تجلب الضرر الدنيوى مثل منع المشركين من الحج فهذا الحكم منع الرزق الأتى من الكفار ومثل الجهاد فهو يجلب الضرر الممثل فى القتلى والجرحى واهلاك المال،إذا المصلحة إسلاميا لا يحددها الإنسان وإنما يحددها الله .
-أن كل الوقائع المروية التى استشهد بها القوم على وجود المصالح المرسلة لا توجد فيها واقعة واحدة حدثت وإنما هى حكايات كاذبة
-أن الله أعلن أن المصدر الوحيد للحكم هو ما أنزل واعتبر من لم يحكم به كافرا فقال بسورة المائدة "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".
-أن المصالح المرسلة يصنعها البشر ولو جعلناها مصدرا للحكم لكان ذلك هو الشرك المحرم فى قوله بسورة لقمان"لا تشرك بالله ".
ثم حدثنا فعل المكره فقال:
"المسألة الرابعة: تكليف المكره:
المكره إن كان كالآلة لا اختيار له بالكلية ولا قدرة له على الامتناع فهو غير مكلف؛ إذ تكليفه والحالة كذلك تكليف بما لا يطاق وذلك كمن حمل كرها وأدخل إلى مكان حلف ألا يدخله، أو حمل كرها وضرب به غيره حتى مات ذلك الغير، ولا قدرة له على الامتناع، أو أضجعت ثم زني بها من غير قدرة لها على الامتناع أما من أكره إكراها دون ذلك؛ مطيقا للإقدام والإحجام، سواء بالضرب أو التعذيب أو التهديد بالقتل فإن هذا المكره بهذه الصفة في تكليفه تفصيل فإن كان إكراها على الأقوال فالعلماء متفقون على أن للمكره أن يقول القول المحرم، وأنه لا إثم عليه؛ لقوله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) وبالنسبة للتلفظ بالكفر فلابد أن يحصل مع انشراح القلب بالإيمان؛ لأن الإكراه لا سلطان له على الباطن وإنما سلطانه على الظاهر، فإن ساعد في الكفر لسانه كان آثما كافرا وأما الإكراه على الأفعال: فما كان منها حقا لله كالأكل في نهار رمضان فهو متجاوز عنه وما كان منها حقا للمخلوقين فهو مؤاخذ به؛ كقتل المعصوم وإتلاف ماله، والإكراه لا يحل له ذلك وهذا ما دلت عليه القاعدة الفقهية: (الاضطرار لا يبطل حق الغير) "
حكم الاكراه واضح فى كتاب الله ومن ثم لا داعى لكل هذا الكلام فالمكره لا يعاقب على فعله الخاطىء طالما ثبت الإكراه كما قال تعالى "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"
ثم حدثنا عن قولهم المشقة تجلب التيسير فقال:
"المسألة الخامسة: القاعدة الفقهية الكبرى: المشقة تجلب التيسير
قال العلماء: يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته ومعنى هذه القاعدة: أن المشقة الجالبة للتخفيف والتيسير في هذه الشريعة إنما هي المشقة العظيمة الفادحة التي تنفك عن العبادة غالباأما المشقة التي لا تنفك عنها العبادة فهذه لا أثر لها في جلب تيسير ولا تخفيف؛ إذ جميع الأحكام الشرعية جاءت بما يقع تحت قدرة المكلف وإن ترتب على فعله مشقة فالمشاق إذن على قسمين:
القسم الأول: مشقة لا تنفك عنها العبادة غالبا؛ كمشقة البرد في الوضوء والغسل، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة السفر التي لا انفكاك للحج والجهاد عنها، ومشقة ألم الحدود، ورجم الزناة، وقتل الجناة فلا أثر لهذه المشقة في إسقاط العبادات في كل الأوقات
القسم الثاني: المشقة التي تنفك عنها العبادات غالبا، وهذه المشقة على مراتب:
"الأولى: مشقة عظيمة فادحة؛ كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء؛ فهي موجبة للتخفيف والترخيص قطعا..الثانية: مشقة خفيفة لا وقع لها؛ كأدنى وجع في إصبع، وأدنى صداع في الرأس، أو سوء مزاج خفيف ...وبهذا يتبين أن التخفيفات في الشرع على نوعين:

أ نوع شرع من أصله للتيسير، وهو عموم التكاليف الشرعية في الأحوال العادية
ب نوع شرع لما يوجد من الأعذار والعوارض، وهو المسمى بالرخصة، وهو المقصود بقاعدة المشقة تجلب التيسير فهذه القاعدة إذن مجالها: الرخص والعوارض والضرورات"

قطعا ليست كل مشقة فى نصوص الوحى توجب التيسير فحكم القتال ليس فيه تيسير وكله مشاق ومن ثم وجب العمل به حماية للمسلمين وأرضهم وحتى حكم الأكل من الميتة عند الاضطرار هو حكم شاق فنفس المسلم لا تتقبل ذلك الكل بسهولة عند القيام به بل يفضل البعض الموت على هذا لأنه يصيبهم بحالة نفسية مرضية وهى التقيؤ
ثم حدثنا عن قاعدة الضرر يزال فقال:
"المسألة السادسة: القاعدة الفقهية الكبرى: الضرر يزال
قال السيوطي: "اعلم أن هذه القاعدة ينبني عليها كثير من أبواب الفقه من ذلك: الرد بالعيب، وجميع أنواع الخيار: من اختلاف الوصف المشروط، والتعزير، وإفلاس المشتري، وغير ذلك، والحجر بأنواعه، والشفعة؛ لأنها شرعت لدفع ضرر القسمة، والقصاص، والحدود، والكفارات، وضمان المتلف، والقسمة، ونصب الأئمة والقضاة، ودفع الصائل، وقتل المشركين والبغاة، وفسخ النكاح بالعيوب أو الإعسار أو غير ذلك" ومعنى القاعدة: أن الضرر يجب منعه ودفعه قبل وقوعه لئلا يقع، فإذا وقع وجب رفعه وإزالته فالقاعدة قد تضمنت أصلين:
الأصل الأول: النهي عن إيقاع الضرر ابتداء
الأصل الثاني: وجوب رفع الضرر بعد وقوعه
وقول الرسول (ص): (لا ضرر ولا ضرار) يشمل هذين الأصلين بأبلغ عبارة وأوجزها وتتعلق بهذه القاعدة قواعد عدة:
الأولى: الضرورات تبيح المحظورات الثانية: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها الثالثة: الضرر لا يزال بالضرر الرابعة: إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما "

كما سبق القول المسلم مرتبط بالنصوص وليس بالضرر أو المنفعة فغن قيل أن الضرر يزال فيزال وإن قيل لا يزال فهو لا يزال فالمضطر للأكل من الميتة أو غيرها من المحرمات ضرر الأكل لا يزال منه لعدم إمكانية ذلك لأن الجهاز الهضمى هضم الكل ودخل فى الدم ويصاب الآكل فى تلك الحالة بضرر ما أو لايصاب أو تصاب النفس بما يسميه العامة القرفة وهى تقيؤ الآكل كلما تذكر أكله من المحرم وهو ضرر قد يؤدى للموت أو إلى ضرر كبير للمصاب به
[/align]